البذل والتضحية في سبيل الله


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن العاقل دائماً تاجر يبحث عن الربح في تصرفاته، فلا يقدم على بذل شيءٍ إلا إذا كان يؤمل من ورائه شيئاً أهم لديه منه، وإن المؤمن الذي يؤمن بالله، واليوم الآخر، ويعلم أنه معروض على الله تعالى، قادم إليه، وأنه سيحاسبه على عمله، لا يمكن أن يكتم منه شيئاً، ويعلم أن الله تعالى يجازي على الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، وأنه يجازي على السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز عنها، ويعلم أن الربح الطائل المضاعف، هو الذي يستحق أن يبذل فيه ما لدى الإنسان من تجارات، وعمر الإنسان هو رأس ماله، وطاقاته التي خلق الله فيه هي جهده الذي يتصرف به، والربح الذي يؤمله هو جزاء ما يبذله، فإذا علم الإنسان أن الله سبحانه وتعالى قد أقام سوقاً لأعمال هذه الحياة الدنيا، ودعا الناس دعاءً كريماً وضمن لهم الربح، وهو لا يخلف الميعاد، وكرر النداء لقرضه قرضاً حسناً، فقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ [البقرة:245]، وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ [الحديد:11]، فإنه لا بد أن يقبل على الله سبحانه وتعالى، وأن يكون من المتنافسين في التقرب إليه، ابتغاء وجهه، وابتغاء طلب ما لديه من الربح العظيم.

وأيضاً فإن الذي يعلم ما أعد الله تعالى من العقوبة لمن أخلف ولم يقم بما أمره به، لا بد أن يجتهد في نجاة نفسه من هذه العقوبة العظيمة التي لا يستطيع دفعها عن نفسه، وأنتم تعلمون أن من خاف لا بد أن يبحث عن مهرب، وأن الذي يعلم ما عند الله تعالى من العقوبات، وما أعد لمن خالف أمره، ولم يقم بالحق الذي له، من العقوبة العاجلة في الدنيا، وفي البرزخ، ومن العذاب الأخروي الأليم، لا بد أن يخاف من هذه العقوبة فيبحث عن مغارات أو مدخلٍ يلجأ إليه قبل فوات الأوان.

وإذا علم الإنسان ذلك علم أن له ثلاثة أمور تدعوه إلى التضحية والبذل في سبيل الله:

محبة الله تعالى والأنس به

الدافع الأول: محبته لله سبحانه وتعالى، وأنسه به، فأهل الإيمان يحبون الله حباً شديداً، وحب الله أحب إليهم من كل ما يحبونه ممن دونه، ولا يمكن أن يذوق الإنسان حلاوة الإيمان إلا بهذه المحبة، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب العبد لا يحبه إلا لله، ومن كره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار )، فهذه الأمور الثلاثة به تنال حلاوة الإيمان، وحلاوة الإيمان: إنما تكون بمخالطته لشغاف القلب، واتصاله به، وإذا حصل ذلك فإن الله يكتبه في قلب الإنسان فلا يبدل، فالذين والوا الله تعالى، وقدموا ولاءه على ولاء من سواه، يكتب الله في قلوبهم الإيمان، وقد وعدهم بذلك فقال تعالى في سورة المجادلة: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ [المجادلة:22]، فيستقر هذا الإيمان في نفوسهم ولا يبدل أبداً.

وأنتم تعلمون أن من كتب الله في قلبه الإيمان فإن معنى ذلك ضمان حسن الخاتمة له، وأن يستمر على الإيمان وأن لا ينزع منه حتى يلقى الله تعالى، ومن مات على الإيمان فهو من أهل الجنة قطعاً، فهذا الدافع الأول: هو محبة الله تعالى والأنس به، وهذا الدافع لا يمكن أن يعدله ما سواه من الدوافع، فدافع الرجاء والخوف، هو دون دافع المحبة، ولذلك قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ [البقرة:165].

ودافع المحبة حتى لو كان في أمور الدنيا، كثيراً ما يدفع الإنسان إلى بذل نفسه ونفيسه في إرضاء محبوبه، حتى في الأمر الذي لم يأمره به، ولم يطلبه منه، ولذلك تجدون في عصرنا هذا أن بعض الزعماء المؤثرين في شعوبهم يبذل كثير من شعوبهم أنفسهم في الدفاع عنهم، وهم لا يعرفونهم ولا يعلمون تضحيتهم وبذلهم، وربما لم يقع بينهم لقاء قط، فمن أمثلة ذلك مثلاً: عبد الله أوجلان الكردي ، فإنه لما اعتقلته مافيا الصهاينة، ونقلته إلى تركيا، أحرق كثير من الأكراد في أوروبا أنفسهم، وهذا فعل لا يقره شرع ولا عقل، لكنه يدل على مدى المحبة والتأثر، والذي يحب الله سبحانه وتعالى، ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بد أن يكون حبه لهما أحب من حب أي مخلوق، فلذلك دافع الحب يؤدي بالإنسان إلى تجشم العناء، ويؤثر حتى في عقله وتصرفه، وحب الله سبحانه وتعالى أولى من كل حب، وهو مقدم على غيره.

رجاء الأجر عند الله تعالى

والدافع الثاني: هو رجاء ما عند الله سبحانه وتعالى من الأجر، وهو الأجر المضاعف الذي لا يمكن أن يخطر على قلب الإنسان مقداره، ولا جنسه، وفي الحديث: ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر )، ويكفي منه النظر إلى وجه الله الكريم، وتقريبه في الفردوس الأعلى من الجنة.

الخوف من الله سبحانه وتعالى

وكذلك الدافع الثالث: مخافة الله سبحانه وتعالى، فهو الذي بيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، ويكفي من مخافته الحياء منه، فهو الذي يستحق أن يخاف، وأن يستحيا منه جل وعلا؛ لأنه المطلع على السرائر، لا تخفى عليه خافية، فالخوف منه يقتضي أن يترك الإنسان ما يهواه؛ لأن الله حرمه عليه أو نهاه عنه، وأن يفعل ما لا يهواه؛ لأن الله أمره به، فيكون هذا الخوف دافعاً للإنسان لترك ما يهواه، ولو لم يخف أي عقوبة من غير الله، ولو لم يرتب على ذلك أي عقاب قانوني في الدنيا، فهو يتركه؛ لأن الله لا يرضاه له.

ومن هنا فإن الإنسان إذا وصل إلى هذا المستوى من الإيمان، لا يحتاج إلى الروادع الدنيوية، ولا إلى رقابة الناس عليه، فقد جاء ماعز بن مالك الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، تائباً منيباً، ولم يشهد عليه أحد، ولم يشكه أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يعلم أن الله مطلع على سريرته، وعلى عمله، وهو يخاف وقت العرض على الله تعالى، فجاء يريد التطهير من ذلك الذنب الذي اقترفه.

وكذلك أبو لبابة رضي الله عنه، لما سرب سراً من أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليهود، ولم يطلع على ذلك أحد من الناس، جاء تائباً، فربط نفسه بسارية من سواري المسجد، وحلف أن لا يزال ربيطاً فيها حتى ينزل الله توبته، فتاب الله عليه.

وهذ الوازع الإيماني من خوف الله ورجائه ومهابته ومحبته، هو الذي استغنى به الأولون عن الرقابة والروادع، فلم يكونوا يحتالون للنجاة من العقوبة، بل كانوا يأتون طائعين، يقرون على أنفسهم بما اقترفوا دون شهادة، وهم يريدون التطهير منه، منيبين إلى الله تعالى تائبين إليه، وهذه هي التوبة النصوح التي يتقبلها الله سبحانه وتعالى من صاحبها، فليست التوبة بأن يأتي الإنسان بعد أن تقام عليه الحجة، وبعد أن يشهد عليه الشهود، وبعد أن تترتب عليه العقوبة، فهذه التوبة ليست نصوحاً، وليست كاملة، وليست مثل توبة الذي جاء طائعاً من عند نفسه، ولم يطلع عليه إلا الله، وجاء يريد تطهير نفسه من الذنب، خارجاً منه إلى الله تعالى.

الدافع الأول: محبته لله سبحانه وتعالى، وأنسه به، فأهل الإيمان يحبون الله حباً شديداً، وحب الله أحب إليهم من كل ما يحبونه ممن دونه، ولا يمكن أن يذوق الإنسان حلاوة الإيمان إلا بهذه المحبة، كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب العبد لا يحبه إلا لله، ومن كره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار )، فهذه الأمور الثلاثة به تنال حلاوة الإيمان، وحلاوة الإيمان: إنما تكون بمخالطته لشغاف القلب، واتصاله به، وإذا حصل ذلك فإن الله يكتبه في قلب الإنسان فلا يبدل، فالذين والوا الله تعالى، وقدموا ولاءه على ولاء من سواه، يكتب الله في قلوبهم الإيمان، وقد وعدهم بذلك فقال تعالى في سورة المجادلة: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ [المجادلة:22]، فيستقر هذا الإيمان في نفوسهم ولا يبدل أبداً.

وأنتم تعلمون أن من كتب الله في قلبه الإيمان فإن معنى ذلك ضمان حسن الخاتمة له، وأن يستمر على الإيمان وأن لا ينزع منه حتى يلقى الله تعالى، ومن مات على الإيمان فهو من أهل الجنة قطعاً، فهذا الدافع الأول: هو محبة الله تعالى والأنس به، وهذا الدافع لا يمكن أن يعدله ما سواه من الدوافع، فدافع الرجاء والخوف، هو دون دافع المحبة، ولذلك قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ [البقرة:165].

ودافع المحبة حتى لو كان في أمور الدنيا، كثيراً ما يدفع الإنسان إلى بذل نفسه ونفيسه في إرضاء محبوبه، حتى في الأمر الذي لم يأمره به، ولم يطلبه منه، ولذلك تجدون في عصرنا هذا أن بعض الزعماء المؤثرين في شعوبهم يبذل كثير من شعوبهم أنفسهم في الدفاع عنهم، وهم لا يعرفونهم ولا يعلمون تضحيتهم وبذلهم، وربما لم يقع بينهم لقاء قط، فمن أمثلة ذلك مثلاً: عبد الله أوجلان الكردي ، فإنه لما اعتقلته مافيا الصهاينة، ونقلته إلى تركيا، أحرق كثير من الأكراد في أوروبا أنفسهم، وهذا فعل لا يقره شرع ولا عقل، لكنه يدل على مدى المحبة والتأثر، والذي يحب الله سبحانه وتعالى، ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم، لا بد أن يكون حبه لهما أحب من حب أي مخلوق، فلذلك دافع الحب يؤدي بالإنسان إلى تجشم العناء، ويؤثر حتى في عقله وتصرفه، وحب الله سبحانه وتعالى أولى من كل حب، وهو مقدم على غيره.

والدافع الثاني: هو رجاء ما عند الله سبحانه وتعالى من الأجر، وهو الأجر المضاعف الذي لا يمكن أن يخطر على قلب الإنسان مقداره، ولا جنسه، وفي الحديث: ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر )، ويكفي منه النظر إلى وجه الله الكريم، وتقريبه في الفردوس الأعلى من الجنة.