عيدنا معشر المسلمين


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنتته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله تعالى جعل لكل أمة منسكاً هم ناسكوه، وهذه الأمة التي ختم الله بها الأمم اختار الله لها أحسن شيء وأفضله وأكمله؛ فلذلك أرسل إليها أفضل الرسل وأنزل إليها أفضل الكتب وشرع لها خير شرائع الدين، واختار لها أفضل الأزمنة وأفضل المقدسات المكانية كذلك فقبلتها في أول بيت أخرج للناس وهو أشرف مكان، وكذلك مقدساتها الأخرى، وجعل الله مساجدها في الأرض كلها بخلاف الأمم السابقة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي.. )، ومنها: ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما امرئ أدركته الصلاة فليصلي ).

وكذلك اختار الله لها مواسم الخير التي يضاعف الله فيها الحسنات ويبارك فيها بالأعمال، وتتنزل فيها رحمات الله جل جلاله وتفتح فيها أبواب جناته، ويستجيب فيها دعاء عباده ويتفضل عليهم بأنواع الرغائد، ومنها شهر رمضان الذي خص الله به هذه الأمة، وكذلك هذا الموسم الذي هو عشر ذي الحجة، وكذلك الأشهر الحرم، وغير ذلك من المواسم التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين فضلها ومزيتها ومزية الأعمال الصالحة فيها.

والمناسك منها الأعياد؛ فالعيد مشتق من العود؛ لأنه يرجع ويتكرر في العام، وكل أمة لها عيد تعظمه وتتقرب فيه إلى الله بأنواع من القربات، وهذه الأمة جعل الله دينها مبنياً على أركان الإسلام الخمسة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر في الصحيحين: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان ).

فهذه الأركان الخمسة كل واحد منها في فضله ومزيته وما يتبع له من النوافل، وما يكمله كذلك من السنن هي بمثابة دين كامل إذا ما قورنت بالديانات السابقة الأخرى؛ لمزيتها وفضلها، وكل واحدة منها تستحق عيداً، ولكن الذي يتكرر منها في العام ويشمل جميع المسلمين هو الذي يمكن أن يرتب عيد قار، فالصلاة تتكرر في اليوم الواحد خمس مرات بالنسبة للفرائض.

عيد فريضة الصلاة

وقد جعل الله يوم الجمعة متميزاً عن سائر أيام الأسبوع فخصه بصلاة فيها خطبة جهرية، وخصه بمزيد فضل وبمظاهر الاحتفال التي تشرع في بعض الأعياد؛ فيشرع للإنسان فيه أن يتطهر، وغسل يوم الجمعة فريضة على كل محتلم، والمقصود بذلك أنه مطلوب منه أن يغتسل ويتنظف، وكذلك يلبس أجمل الملابس، كما في الحديث: ( خير ثيابكم البيض، صلوا فيها جمعكم، وكفنوا فيها موتاكم )، وكذلك التطيب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خصال الجمعة وذكر منها: ( وتطيب من طيب بيته )، أي: مما يجده من الطيب، وكذلك اجتماع المسلمين في المسجد والدعوة للتبكير في ذلك؛ فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم التبكير، وبين أن: ( من بكر وابتكر وغسل واغتسل، ولم يفرق بين اثنين بغير إذنهما كملت له جمعته )، وبين كذلك خمس ساعات يتفاوت الناس فيها بالتبكير؛ ( فالساعة الأولى من راح فيها فكأنما قرب بدنة، والساعة الثانية من راح فيها فكأنما قرب بقرة، والساعة الثالثة من راح فيها فكأنما قرب كبشاً أقرن، والساعة الرابعة من راح فيها فكأنما قرب دجاجة، والساعة الخامسة من راح فيها فكأنما قرب بيضة )، وهذا التشبيه يدلنا على مشروعية التنافس في التبكير والقرب فيه، وقد يأتي الإنسان في الساعة الخامسة وهو معذور فيكون مأجوراً أكثر من الذي جاء في الساعة الأولى، وقد يأتي الإنسان في الساعة الأولى وهو متلبس بما يمنع قبول عمله - نسأل الله القبول - فيكون مردوداً؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكأنما قرب) ولم يقل: فإنما قرب، ولاحظوا الفرق بينهما، فالله تعالى هو الذي يتقبل الأعمال ويزنها وهو أسرع الحاسبين.

وقد بين أنه يجازي بالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ[البقرة:261]، وأنه لا يتقبل إلا من المتقين؛ فقال: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ[المائدة:27].

وهذه الصفات المذكورة يمكن أن نعبر باجتماعها عن يوم الجمعة بأنه يوم عيد؛ ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أفضل يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه، وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مطرقة مصيخة من طلوع فجره إلى طلوع شمسه، تنتظر الساعة إلا الإنس والجن )، وفي الحديث الآخر: ( فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي )، وفي الحديث الآخر: ( وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن قائماً يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها )، فكل ذلك يدل على تميز هذا اليوم عن سائر الأيام وتميزه إنما هو بشعيرة الصلاة؛ فلذلك أبلغ ما خص به هو صلاة الجمعة وخطبتها والسير إليها والتحضير لها، هذا أبلغ ما في يوم الجمعة.

عيد الزكاة وموسمه

ثم الزكاة؛ عبادة شخصية لا يمكن أن تؤدى جماعياً؛ لأن كل فرد له زكاته وحده إلا الخلطاء الذين يشتركون في مال وحوله فيه موحد، ولهم عوامل مشتركة تقتضي جمع زكاتهم، أو ما شرع رفقاً بالسعاة الذين يجبون الزكاة ويجمعونها؛ فإنهم يخرجون في وقت شدة الصيف عند طلوع الثريا بالفجر ويردون المياه، فما وجدوا عليها من الحيوانات حسبوه وأخذوا الزكاة منه على أهله كما كانوا يخرجون في العهد النبوي وفي عهد الخلفاء الراشدين المهديين.

ولذلك كل إنسان له يوم معين هو الذي يحول عليه الحول فيه إذا كان مزكياً، حول الحول على ماله في ملكه فتلزمه الزكاة في ذلك اليوم، وذلك اليوم هو بمثابة عيد؛ لأنه يؤدي فيه فريضة من أركان الإسلام وكبريات أموره وشرائعه، وهي تزكية لنفسه وتطهير لها من الأدران، والتزكية هي تنمية لماله أيضاً؛ فلا بد أن تكون طيبة بها نفسه، وذلك يقتضي تحضيراً لها؛ أن يتهيأ لها، وأن تكون نفسه طيبة بها وأن يخرجها في وقتها، وأن يكون اختياره لها على الوجه الأكمل والأحسن كما قال الله تعالى: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ[البقرة:267]، فقوله: ((وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ)) معناه: لا تقصدوا الخبيث منه، أي: من المال وهو غير المرضي منه، سواءً كان خبثه مادياً أو معنوياً؛ فالخبث المادي بأن يكون رذيلاً من أراذل الحيوان، والخبث المعنوي أن يكون أصوله من غير الحلال؛ ((مِنْهُ تُنفِقُونَ)) أي: تنفقونه فتقدمونه في الزكاة، ((وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ)) معناه: في قضاء الدين، ((إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)) معناه: إلا أن تتجاوزوا عن صاحبه فتغمضوا العين عن عيوبه.

وقد بين الله سبحانه وتعالى وعده لمؤدي الزكاة على وجهها فقال: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ[الأعراف:156]، وبين وعيده الشديد لمانعيها فقال: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ[فصلت:6-7].

عيد الشهادتين والدخول في الإسلام

وقبل ذلك الشهادتان وليس لهما وقت محدود؛ فالإنسان يدخل الإسلام بالنطق بهاتين الشهادتين، مصدقاً بهما ويخرج بالتكذيب بهما؛ فالوقت الذي يهدي الله فيه الإنسان للدخول في الإسلام هو وقت وجوب الشهادتين الوجوب العيني، ثم بعد ذلك تكون كسائر الأذكار، لكن الذي هو ركن من الإسلام هو ما يدخل الإنسان به الإسلام من النطق بالشهادتين عند أول دخوله الإسلام، ولو كان ولد في دار الإسلام وبين أبوين مسلمين فلا يجزئه ذلك عن النطق بهما، فينطق بهما عند حصول القناعة والقرار التام له بدخوله في هذا الدين ورضاه بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً؛ فيتشهد شهادة الحق فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ملتزماً بمقتضياتهما وعارفاً بدلالتهما؛ فيكون بذلك قد اتخذ هذا القرار للدخول في هذا الدين، فليس لذلك يوم محدد يمكن أن يكون عيداً.

لكن اليوم الذي يدخل فيه الإنسان الإسلام هو في الواقع يوم عظيم في حقه؛ لأنه يجب ما قبله، فالإسلام يجب، أي: يقطع كل ما قبله؛ فهو مكفر لكل سيئاته السابقة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـكعب بن مالك حين نزلت توبة الله عليه في سورة براءة: ( أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك )، وهو اليوم الذي غفر الله له فيه ورضي عنه، فكذلك المسلم عندما يهديه الله للدخول في الإسلام والنطق بالشهادتين، فذلك يوم عظيم من أيام حياته يجب ما قبله وما مر عليه من السيئات.

وقد جعل الله يوم الجمعة متميزاً عن سائر أيام الأسبوع فخصه بصلاة فيها خطبة جهرية، وخصه بمزيد فضل وبمظاهر الاحتفال التي تشرع في بعض الأعياد؛ فيشرع للإنسان فيه أن يتطهر، وغسل يوم الجمعة فريضة على كل محتلم، والمقصود بذلك أنه مطلوب منه أن يغتسل ويتنظف، وكذلك يلبس أجمل الملابس، كما في الحديث: ( خير ثيابكم البيض، صلوا فيها جمعكم، وكفنوا فيها موتاكم )، وكذلك التطيب؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر خصال الجمعة وذكر منها: ( وتطيب من طيب بيته )، أي: مما يجده من الطيب، وكذلك اجتماع المسلمين في المسجد والدعوة للتبكير في ذلك؛ فقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم التبكير، وبين أن: ( من بكر وابتكر وغسل واغتسل، ولم يفرق بين اثنين بغير إذنهما كملت له جمعته )، وبين كذلك خمس ساعات يتفاوت الناس فيها بالتبكير؛ ( فالساعة الأولى من راح فيها فكأنما قرب بدنة، والساعة الثانية من راح فيها فكأنما قرب بقرة، والساعة الثالثة من راح فيها فكأنما قرب كبشاً أقرن، والساعة الرابعة من راح فيها فكأنما قرب دجاجة، والساعة الخامسة من راح فيها فكأنما قرب بيضة )، وهذا التشبيه يدلنا على مشروعية التنافس في التبكير والقرب فيه، وقد يأتي الإنسان في الساعة الخامسة وهو معذور فيكون مأجوراً أكثر من الذي جاء في الساعة الأولى، وقد يأتي الإنسان في الساعة الأولى وهو متلبس بما يمنع قبول عمله - نسأل الله القبول - فيكون مردوداً؛ فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فكأنما قرب) ولم يقل: فإنما قرب، ولاحظوا الفرق بينهما، فالله تعالى هو الذي يتقبل الأعمال ويزنها وهو أسرع الحاسبين.

وقد بين أنه يجازي بالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ[البقرة:261]، وأنه لا يتقبل إلا من المتقين؛ فقال: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ[المائدة:27].

وهذه الصفات المذكورة يمكن أن نعبر باجتماعها عن يوم الجمعة بأنه يوم عيد؛ ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أفضل يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه، وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مطرقة مصيخة من طلوع فجره إلى طلوع شمسه، تنتظر الساعة إلا الإنس والجن )، وفي الحديث الآخر: ( فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي )، وفي الحديث الآخر: ( وفيه ساعة لا يصادفها عبد مؤمن قائماً يصلي يسأل الله حاجة إلا أعطاه إياها )، فكل ذلك يدل على تميز هذا اليوم عن سائر الأيام وتميزه إنما هو بشعيرة الصلاة؛ فلذلك أبلغ ما خص به هو صلاة الجمعة وخطبتها والسير إليها والتحضير لها، هذا أبلغ ما في يوم الجمعة.


استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
خطورة المتاجرة بكلمة الحق 4830 استماع
بشائر النصر 4289 استماع
أسئلة عامة [2] 4133 استماع
المسؤولية في الإسلام 4061 استماع
كيف نستقبل رمضان [1] 4000 استماع
نواقض الإيمان [2] 3947 استماع
عداوة الشيطان 3934 استماع
اللغة العربية 3931 استماع
المسابقة إلى الخيرات 3908 استماع
القضاء في الإسلام 3897 استماع