خطب ومحاضرات
دور المساجد
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أول بيت وضع في الأرض
فإن الله سبحانه وتعالى ابتدأ حضارة البشرية على هذه الأرض بأول بيت وضع للناس، وهو المسجد الحرام الذي بناه الله بمكة المكرمة، وقال فيه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران:96-97].
وقد شرف الله هذا المسجد بأن جعله أول المساجد، وسماه بالبيت العتيق وبالمسجد الحرام؛ فأعتقه من الشرك والملك؛ فلا سلطة لأحد عليه؛ ولذلك سمي بالبيت العتيق في كتاب الله، ولم يعبده أهل الجاهلية قط، فكانوا يعبدون الحجارة من حوله، ولكن الله أعتقه من الشرك فلم يعبد.
الآية البينة في مقام إبراهيم
وكذلك بين أن في المسجد آيات بينات وذكر منها ثلاثاً:
منها مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يصعد عليه في بنائه للكعبة، كلما طال البناء يطول به، وهو إلى الآن كما كان عليه وفيه أثر قدمي إبراهيم الشريفتين، وقد تغير أثرهما شيئاً ما بمسح الناس في الأزمنة المتطاولة، وقد أدركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثر إبراهيم فيهما بين، فلم يوجد أحد بمكة أشبه قدماً بـإبراهيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحجر من آيات هذا المسجد الحرام، وقد حمله السيل في أيام عمر بن الخطاب فاختفى، فخرج رجل لحاجته إلى المسفلة بمكة، فلما حفر في الأرض بدا له المقام فصاح في الناس، فجاء أهل مكة فاجتمعوا عليه، فأرسل والي مكة إلى عمر بالمدينة يخبره، فأرسل إليه أن يتركه مكانه حتى يقدم، فأحرم عمر من ذي الحليفة ومعه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدموا مكة، فطاف وسعى وتحلل، ثم ذهب إلى مقام إبراهيم فجعله في ردائه وحمله فوق عاتقه فجاء به إلى الكعبة، مع أنه حجر ثقيل، فلما أتى به عمر إلى الكعبة قال: أنشد بالله رجلاً يذكر مكان هذا المقام في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجاءه المطلب بن أبي وداعة وكان رجلاً من قريش كيساً - أي: عاقلاً - فقال: "لقد توقعت أن يحمله السيل، فقست مكانه من باب الكعبة ومن زمزم ومن الحجر بثلاثة خيوط وضعتها في حُق عندي في البيت كتبت عليها. فأمسك عمر بيده وأرسل إلى بيته حتى جيء بالحُق، وفتحه عمر فوجد فيه الخيوط، فقاس المكان فنصب فيه حجارة وضع عليها المقام.
وقد كان أهل الجاهلية يحترمون هذا المقام؛ ولذلك يقول فيه أبو طالب في قصيدته في الشعب:
وثور ومن أرسى ثبيراً مكانه وساع ليرقى في حراء ونازل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافياً غير ناعل
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل
ثاني بيت وضع في الأرض
ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول بيت بعده في هذه الأرض المسجد الأقصى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثاني بيت يقام في الأرض هو المسجد الأقصى، ( قيل: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة )، فكان بين بناء البيت الحرام الذي بنته الملائكة عند هبوط آدم عليه السلام وبين بناء المسجد الحرام أربعون سنة، ثم إن الله سبحانه وتعالى نوه بهذين المسجدين وبسائر المساجد حين جعل إسراء النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، فابتداؤه من المسجد الحرام وانتهاؤه إلى المسجد الأقصى، كما قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الإسراء:1].
بناء المسجد النبوي في المدينة
وجعل الله ثالث هذين المسجدين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله مقراً لدولة الإسلام، منه انطلقت هذه الدولة كلها؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة مهاجراً يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان أهل المدينة قد علموا بخروجه من مكة، فكانوا ينتظرونه على الثنايا إلى أن ترتفع الشمس فيرجعهم الآل والحر، فلما كان يوم الإثنين وانتظروه حتى رجعوا؛ صعد رجل من اليهود على نخلة فرأى البياض، أي: رأى ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقائه، فصاح فيهم: ( يا بني قيلة! هذا سعدكم الذي تنتظرونه! فخرج أهل المدينة مسرعين فاستوقفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبا بكر إلى نخلة من نخل بني عمرو بن عوف فنزلا، فلم يميزوا أيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أزالت الشمس، فكان أبو بكر يظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فعرفوه ).
فافتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله في المدينة ذلك اليوم بتأسيس المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، وهو مسجد قباء، فقد أسس أول يوم من أيام الهجرة، أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مساء يوم الإثنين، وأكمل بناءه في تلك الأيام فصلى فيه يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وصباح الجمعة، ثم خرج إلى مدينته، فكان على ناقته كلما مر بقوم أمسكوا بخطامها يقولون: ( يا رسول الله! انزل فينا ففينا المنعة والقوة، وهو يقول: دعوها فإنها مأمورة )، حتى حان وقت صلاة الجمعة عند ديار بني عمرو بن عوف، فنزل على بني سالم الحبلى فصلى في مسجدهم أول جمعة، وهي أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الجمعة لما فرضت عليه كان إذ ذاك بمكة، فلم يكن يستطيع أن يصليها فصليت بالمدينة؛ صلاها أبو أمامة أسعد بن زرارة و مصعب بن عمير رضي الله عنهما في ظلال النخل بنقيع الخضمات بحرة بني بياضة بهزم نبيت.
ثم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان المسجد، فلما أتى دارت الناقة في ذلك المكان، فبركت ساعة تتململ، ثم قامت فدارت ثم رجعت إلى مبركها، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( هذا المنزل إن شاء الله )، فإذا أقرب البيوت إليه بيت أبي أيوب الأنصاري ، فاحتمل رحله إليه وإذا هو قد نزل في حائط ليتامى من بني النجار، فقال: ( يا بني النجار! ثامنوني جداركم هذا، فقالوا: والله لا نبيعه بثمن. فأعطوه لله ورسوله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين التي فيه فنبشت وأمر بالنخل فقطع )، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء المسجد يوم الجمعة، وقد عمل فيه بيده بأبي هو وأمي، فكان يحمل الحجارة على بطنه حتى اغبر منها، وكان أصحابه يحملون اللبن وفي الحديث: (كنا نحمل لبنة.. لبنة، و عمار لبنتين.. لبنتين )، أي: كان عمار بن ياسر بقوته وتضحيته في سبيل الله يحمل لبنتين لبنتين، ومن سواه من الصحابة يحملون لبنة لبنة، وكانوا في بنائه يقولون:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
فإن الله سبحانه وتعالى ابتدأ حضارة البشرية على هذه الأرض بأول بيت وضع للناس، وهو المسجد الحرام الذي بناه الله بمكة المكرمة، وقال فيه: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[آل عمران:96-97].
وقد شرف الله هذا المسجد بأن جعله أول المساجد، وسماه بالبيت العتيق وبالمسجد الحرام؛ فأعتقه من الشرك والملك؛ فلا سلطة لأحد عليه؛ ولذلك سمي بالبيت العتيق في كتاب الله، ولم يعبده أهل الجاهلية قط، فكانوا يعبدون الحجارة من حوله، ولكن الله أعتقه من الشرك فلم يعبد.
وكذلك بين أن في المسجد آيات بينات وذكر منها ثلاثاً:
منها مقام إبراهيم وهو الحجر الذي كان يصعد عليه في بنائه للكعبة، كلما طال البناء يطول به، وهو إلى الآن كما كان عليه وفيه أثر قدمي إبراهيم الشريفتين، وقد تغير أثرهما شيئاً ما بمسح الناس في الأزمنة المتطاولة، وقد أدركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثر إبراهيم فيهما بين، فلم يوجد أحد بمكة أشبه قدماً بـإبراهيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحجر من آيات هذا المسجد الحرام، وقد حمله السيل في أيام عمر بن الخطاب فاختفى، فخرج رجل لحاجته إلى المسفلة بمكة، فلما حفر في الأرض بدا له المقام فصاح في الناس، فجاء أهل مكة فاجتمعوا عليه، فأرسل والي مكة إلى عمر بالمدينة يخبره، فأرسل إليه أن يتركه مكانه حتى يقدم، فأحرم عمر من ذي الحليفة ومعه نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدموا مكة، فطاف وسعى وتحلل، ثم ذهب إلى مقام إبراهيم فجعله في ردائه وحمله فوق عاتقه فجاء به إلى الكعبة، مع أنه حجر ثقيل، فلما أتى به عمر إلى الكعبة قال: أنشد بالله رجلاً يذكر مكان هذا المقام في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجاءه المطلب بن أبي وداعة وكان رجلاً من قريش كيساً - أي: عاقلاً - فقال: "لقد توقعت أن يحمله السيل، فقست مكانه من باب الكعبة ومن زمزم ومن الحجر بثلاثة خيوط وضعتها في حُق عندي في البيت كتبت عليها. فأمسك عمر بيده وأرسل إلى بيته حتى جيء بالحُق، وفتحه عمر فوجد فيه الخيوط، فقاس المكان فنصب فيه حجارة وضع عليها المقام.
وقد كان أهل الجاهلية يحترمون هذا المقام؛ ولذلك يقول فيه أبو طالب في قصيدته في الشعب:
وثور ومن أرسى ثبيراً مكانه وساع ليرقى في حراء ونازل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافياً غير ناعل
وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل
ثم إن الله سبحانه وتعالى جعل أول بيت بعده في هذه الأرض المسجد الأقصى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ثاني بيت يقام في الأرض هو المسجد الأقصى، ( قيل: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة )، فكان بين بناء البيت الحرام الذي بنته الملائكة عند هبوط آدم عليه السلام وبين بناء المسجد الحرام أربعون سنة، ثم إن الله سبحانه وتعالى نوه بهذين المسجدين وبسائر المساجد حين جعل إسراء النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، فابتداؤه من المسجد الحرام وانتهاؤه إلى المسجد الأقصى، كما قال الله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الإسراء:1].
وجعل الله ثالث هذين المسجدين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله مقراً لدولة الإسلام، منه انطلقت هذه الدولة كلها؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة مهاجراً يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، وكان أهل المدينة قد علموا بخروجه من مكة، فكانوا ينتظرونه على الثنايا إلى أن ترتفع الشمس فيرجعهم الآل والحر، فلما كان يوم الإثنين وانتظروه حتى رجعوا؛ صعد رجل من اليهود على نخلة فرأى البياض، أي: رأى ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقائه، فصاح فيهم: ( يا بني قيلة! هذا سعدكم الذي تنتظرونه! فخرج أهل المدينة مسرعين فاستوقفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبا بكر إلى نخلة من نخل بني عمرو بن عوف فنزلا، فلم يميزوا أيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أزالت الشمس، فكان أبو بكر يظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بثوبه فعرفوه ).
فافتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله في المدينة ذلك اليوم بتأسيس المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، وهو مسجد قباء، فقد أسس أول يوم من أيام الهجرة، أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في مساء يوم الإثنين، وأكمل بناءه في تلك الأيام فصلى فيه يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وصباح الجمعة، ثم خرج إلى مدينته، فكان على ناقته كلما مر بقوم أمسكوا بخطامها يقولون: ( يا رسول الله! انزل فينا ففينا المنعة والقوة، وهو يقول: دعوها فإنها مأمورة )، حتى حان وقت صلاة الجمعة عند ديار بني عمرو بن عوف، فنزل على بني سالم الحبلى فصلى في مسجدهم أول جمعة، وهي أول جمعة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الجمعة لما فرضت عليه كان إذ ذاك بمكة، فلم يكن يستطيع أن يصليها فصليت بالمدينة؛ صلاها أبو أمامة أسعد بن زرارة و مصعب بن عمير رضي الله عنهما في ظلال النخل بنقيع الخضمات بحرة بني بياضة بهزم نبيت.
ثم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان المسجد، فلما أتى دارت الناقة في ذلك المكان، فبركت ساعة تتململ، ثم قامت فدارت ثم رجعت إلى مبركها، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ( هذا المنزل إن شاء الله )، فإذا أقرب البيوت إليه بيت أبي أيوب الأنصاري ، فاحتمل رحله إليه وإذا هو قد نزل في حائط ليتامى من بني النجار، فقال: ( يا بني النجار! ثامنوني جداركم هذا، فقالوا: والله لا نبيعه بثمن. فأعطوه لله ورسوله، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين التي فيه فنبشت وأمر بالنخل فقطع )، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء المسجد يوم الجمعة، وقد عمل فيه بيده بأبي هو وأمي، فكان يحمل الحجارة على بطنه حتى اغبر منها، وكان أصحابه يحملون اللبن وفي الحديث: (كنا نحمل لبنة.. لبنة، و عمار لبنتين.. لبنتين )، أي: كان عمار بن ياسر بقوته وتضحيته في سبيل الله يحمل لبنتين لبنتين، ومن سواه من الصحابة يحملون لبنة لبنة، وكانوا في بنائه يقولون:
نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
ومن هذا المسجد ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام؛ فجعله عاصمة للدولة بالكلية، فهذا المسجد هو المدرسة التعليمية، فهو جامعة المسلمين، لم يكونوا يتلقون علمهم فيما سواه، فلم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدرسة، ولم يكن بيته يتسع للناس حتى يعلمهم، إنما كان يعلمهم في المسجد، فإذا جاءه شيء من أمر الله نادى مناديه في الناس: "الصلاة جامعة" فيجتمعون إليه في المسجد، فيعلمهم، وعندما فصل التعليم عن المساجد وضعت له المناهج المنحرفة كما تعلمون، ولم يعد خادماً للدين، بل صار يميل إلى خدمة الدنيا وإن كان لا يحققها.
ثم بعد ذلك كان المسجد أيضاً محل بيت مال المسلمين، فقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم محل بيت المال، فكان إذا جيء بمال من جهة من الجهات وضعه في المسجد وقسمه فيه، وإذا دعا إلى الصدقة بسط البسط في المسجد، فتجتمع عليها صدقات المسلمين فيوزعها في المسجد، وعندما فصل بيت المال عن المسجد أصبح دولة بين الأغنياء من الناس كما ترون.
وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ المسجد وسيلة إعلام، فكان إذا أراد إعلان الحرب أو السلم، أو إعلان أمر من أمر الله صعد المنبر فأعلم الناس بذلك، ولم يكن له وسيلة إعلام سوى هذا، ولا لخلفائه الراشدين، وعندما فصل الإعلام عن المسجد أصبح الإعلام وسيلة هدم وتجهيل وإغراء بما يخالف شرع الله عز وجل.
وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ المسجد سجناً وتأديباً؛ فإنه كان يؤدب فيه من أساء؛ فقد ربط أبو لبابة رضي الله عنه نفسه بالمسجد بسارية من سواريه حتى تاب الله عليه، وربط رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال الحنفي بالمسجد حتى أسلم، وكان ينزل فيه السبي كذلك، وعندما فصلت السجون عن المساجد أصبحت السجون مدارس لتعليم الرذيلة ولم تعد تأديباً ولا إصلاحاً لأهلها، بل صارت نكاية وتشفياً وأذى بالناس.
وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المسجد معسكراً، فهو مكان التدريب وعقد الألوية، ومنه تخرج الجيوش الفاتحة إلى مشارق الأرض ومغاربها، وعندما فصلت الجيوش عن المسجد لم يعد ولاؤها لله ورسوله ولا لدين الله، ولم تعد أسلحتها معدة لحماية الدين وإنما تعد لأذى المسلمين، وما حصل في العراق وفي غيره دليل على ضعف هذه الأمة ومسكنتها، وجيوشها ذات وفرة وكثرة وتمتلك أنواع الأسلحة ولكنها لم تنصر إخوانها المسلمين المستضعفين، ولم يتحرك فيها غيرة للدين، فذلك من آثار انفصالها عن المسجد.
وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ المسجد مستشفى؛ فكان مكان الاستشفاء في الإسلام، فقد بنى فيه خيمة لـسعد بن معاذ حين جرح فكان يعوده فيه، وكذلك عندما جاءه قوم عامتهم من مضر وهم مرضى ضرب لهم خباءً بالمسجد، فكل ذلك للعلاج، وعندما انفصلت المستشفيات عن المساجد حصل فيها الابتزاز وعدم الإنسانية، وعدم القيام بالحق الواجب.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ المسجد كذلك مكاناً للشورى - أي: مجلساً للأمة - وعندما انفصلت البرلمانات عن المساجد حصل فيها الكذب والغش والخداع والاستبداد والابتعاد عن منهج الله، فعندما كان المهاجرون والأنصار يجتمعون في المسجد فيشيرون على النبي صلى الله عليه وسلم أو على خلفائه الراشدين؛ كان أمر هذه الأمة كما وصفه الله سبحانه وتعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ[الشورى:38]، وقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا رحمة الله عليه في تفسير المنار عند قول الله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة:44] قال: "إن تعطيل أحكام الله سبحانه وتعالى بعد انعقاد البرلمان المصري جريمة مسجلة في أعناق أعضاء البرلمان المصري. وهذه فتوى صحيحة، معناها: أن القائمين بالأمر إذا عطلوا شرع الله سبحانه وتعالى فهي جريمة منقوشة في أعناقهم، لا يمكن أن تزول حتى يقدموا بها على الله يحملونها يوم القيامة.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك اتخذ المسجد مكاناً لإعلان الحدود والقصاص؛ فكان القضاء كله في المسجد، وحين انفصل القضاء عن المسجد حصلت فيه الرشوة والانحراف عن منهج الله والابتعاد عن أحكامه.
إذاً كان المسجد كل شيء في الإسلام، وهذه المساجد هي قلعة الإسلام الآخرة، فآخر ما ينقض من عراه الصلاة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تنكث عرى الإسلام عروة.. عروة، كلما نكثت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولها الحكم وآخرها الصلاة )، فأول عرى الإسلام نكثاً الحكم، حتى يحكم بغير ما أنزل الله ويبتعد عن دين الله، وآخرها الصلاة، فآخر قلعة للإسلام المسجد، فإذا اعتدي على هذه القلعة فمعناه أن العرى قد آذنت بالزوال والانصرام بالكلية.
ثم إن الله سبحانه وتعالى بين الولاية على المسجد لمن تكون؛ فقد قال في محكم التنزيل: وَمَا لَهمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ[الأنفال:34]، فالولاية على المسجد إنما تكون للمتقين فقط لا لمن سواهم؛ لهذا قال: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا المُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ[الأنفال:34]، وقد تهدد الله في كتابه من يخالف ذلك إذ قال: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[البقرة:114]، فهذا وعيد شديد في الدنيا والآخرة.
ثم إن المسجد كذلك هو عاصمة الإسلام من ناحية الحماية؛ فإليه يلجأ المسلمون في كل أمورهم، ولا يجدون راحة ومتنفساً إلا فيه؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة، وكان أصحابه كذلك يفعلون، ولذلك كان عمر إذا سمع أمراً خرج مسرعاً إلى المسجد حتى يدخله.
المساجد هي عاصمة الإسلام في كل أمر وهي قلعته الحصينة، فلا بد من تذكر مكانتها، ولا بد من العناية بها.
لا بد أن نعلم أن أول مؤامرة في زمان الدولة العلمانية الحديثة إنما بدأت بالمسجد؛ فعندما ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة العثمانية بدأ بالمساجد، فنهى عن الأذان بالعربية فغير ألفاظ الأذان، ثم فرض على الناس نوعاً من الملابس في المساجد، وفرض ذلك على أئمة المساجد ومؤذنيها وعمالها، ثم بعد ذلك أصدر مرسوماً بتوقيف بنائها.
وهكذا لما تولى جمال عبد الناصر الحكم في مصر حاول تأميم المساجد؛ فأمم الجامع الأزهر وقطع عنه أوقافه التي كانت تجري عليه، وقد كان مؤسسة مستقلة ليست عليها ضغوط لدولة، فقطع عنها الأوقاف فأصبح أهل جامع الأزهر مضطرين لأن يأخذوا رواتبهم من الدولة، وحينئذ لم يعد لهم الاستقلال ولا حرية الكلمة؛ ولهذا فإن كثيراً من العلماء ومن المخلصين أدركوا هذا الخطر؛ فهذا الأستاذ مصطفى حمزة المغربي عندما رأى إدبار الناس عن الدين أقام معهداً؛ لتكوين الأئمة، وهذا المعهد أقامه في وجده وما زال قائماً، ثم كان كلما تخرج إمام بنى له مسجداً بما يجمعه من التجار، وجعل للمسجد أوقافاً ذات ريع؛ فيكون الإمام ذا استقلال كامل في تسيير مسجده؛ ولذلك فإنه قد وفق لبناء عدد كبير من المساجد والأوقاف التابعة لها، وهي مستقلة وأصحابها ذوو قرار في أنفسهم وذوو حرية في كلمتهم.
ومن المؤسف أن تعد المساجد أملاكاً، ولم يحصل هذا من قبل إلا ما يعد في قصص الطرائف حينما كان تاجر من تجار السودان صاحب نقص في العقل أو بله، فأتاه أحد علماء الخرطوم فزين له أن يبني مسجداً؛ فبنى المسجد فلما أكمله رأى المصلين يأتون إليه ويتوافدون عليه؛ فوقف على باب المسجد ينادي: من يشتري مني هذا المسجد؟! فضحك الناس من ذلك وقالوا: كيف يباع المسجد؟! إنه لله عز وجل، قال: "أنا بنيته وأنفقت عليه أموالاً". لكن قد يقال: إن هذا التاجر الأبله أعقل من كثير من الساسة العرب؛ فإن كثيراً منهم لم يبنوا المساجد ولم يشاركوا فيها، وإنما يريدون التأثير فيها على ما يذكر بغارات أهل الجاهلية، كما قال الشاعر:
أكل عام نعم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه
ولا تلاقون طعاناً دونه أربابه نوكا فلا يحمونه
أنعم الآباء تحسبونه هيهات هيهات لما تبغونه
إن كثيراً من الساسة يظنون أنهم بمجرد المناصب يصلون إلى ما بناه المسلمون وأنفقوا فيه، وهم لم يشاركوا فيه ولم يبذلوا فيه بأي وجه من الوجوه، وهذا الغلط الفاحش لا يمكن أن يتمادى، ولا بد أن تكون له حدود.
ثم لا بد كذلك أن يدرك الناس أن المساجد شرفها الله سبحانه وتعالى تشريفاً عظيماً؛ فلا بد أن تبقى فوق الظنون والتهم، ولا بد أن تبقى منزهة عن ذلك، فإنما يختار لها خيرة الناس؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأئمة: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواءً؛ فأعلهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً؛ فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواءً؛ فأقدمهم سلماً )، أي: إسلاماً، وفي رواية: ( فأقدمهم سناً )، وهذا يدل على الوجه الذي يختار به الأئمة، فالأئمة إنما يختارون على أساس إتقان كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتضحية والبذل في الإسلام، فأقدمهم هجرة ثم أقدمهم سلماً، وقد جاء في حديث آخر أنه قال: ( أئمتكم شفعاؤكم؛ فاختاروا من تستشفعون به ).
ومن المؤسف أن يحصل في آخر الزمان أن تكون الإمامة وظيفة سياسية يعين فيها ويعزل عنها؛ لأسباب سياسية، فهذا قطعاً مخالف لما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم وبينه في الأحاديث الثابتة عنه، وقد قال: ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن )، فلا يمكن أن يولى على الإمامة إلا من كان أهلاً لها، ولا يمكن أن يعزل عنها إلا بمخالفة ذلك؛ ولهذا فإن تولي الإمامة في الصدر الأول إنما كانت بحسب القراءة؛ فعندما جاء مالك بن الحويرث وأصحابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكثوا معه عشرين ليلة وهم ينهلون من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتابعون أفعاله وأقواله، وكان رحيماً فرأى أنهم قد اشتاقوا إلى أهليهم وكانوا شببة؛ فدعاهم فودعهم وأمرهم أن يتخذوا مسجداً وأن يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله، وكذلك عندما فتح الله عليه مكة لزمه عتاب بن أسيد أربع عشرة ليلة؛ فكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنهل من علمه ولازم أفعاله وحركاته وأقواله، فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسجد الحرام إماماً وخطيباً ومدرساً، وجعله والياً قاضياً على مكة، واستمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر .
وكذلك فإن التولي في العصور اللاحقة على إمامة المساجد إنما كان بهذه المعايير؛ فمن كان أعلم وأتقى كان المقدم لإمامتها ورعايتها، ولم يكن محلاً للاتهام ولا محلاً للطعن بين المسلمين، إن أئمة المساجد هم في الواقع جزء منها، ولا يمكن أن تؤدي دورها ولا أن تقوم بوظيفتها إلا بأئمتها والمسؤولين عنها؛ فإذا كانوا محلاً للتهم ومحلاً للتنقص فمعناه أن المساجد قد وصل إليها بذلك.
ولقد أمر الله أن ترفع ويذكر في المساجد اسمه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم حرمتها؛ فعندما: ( رأى مخاطاً أو نخاعة في قبلة المسجد قام إليها، فما زال يحتها بظفره حتى أزالها، ثم دعا بطيب فجعله مكانها، ثم خاطب الناس وهو مغضب قد احمر وجهه من شدة الغضب، فنهاهم عن ذلك وبين لهم حرمة المسجد وقداسته )، وعندما: ( بال أعرابي في طائفة المسجد اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا أن يقعوا فيه.. ) أي: أن يؤدبوه؛ فقال: ( لا تزرموه.. لا تزرموه، فلما أكمل بوله أمر بذنوب من ماء أو سجل من ماء فأريق عليه، ثم دعاه فقال: إن هذه المساجد لم تبن لهذا، إنما بنيت لذكر الله وإقامة الصلاة )، وعندما جاء رجل إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وعهده أن الكلام في الصلاة مباح، فجاء وقد حرم ذلك بعد نزول قول الله تعالى: وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ[البقرة:238]، ( فعطس رجل فحمد الله فقلت: يرحمك الله فضرب الناس أفخاذهم يصمتونه، فقال: وا ثكل أمياه! ما لكم تصمتونني؟! فقال: ولكني سكت، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني فجعل يده على منكبي فبأبي هو وأمي ما رأيت قبله ولا بعده معلماً أحسن منه، فوالله ما ضربني ولا كهرني وإنما قال: إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن ).
ثم إن حرمة هذه المساجد مستمرة فيها حتى لو كانت مساجد بدو غير مبنية؛ فهي محترمة هذا الاحترام الشرعي؛ ولذلك قال العلامة محمد مولود رحمه الله:
ومسجد البدو وإن تخولفا هل كسواه حرماً وشرفا
لم ينف ذاك كونه بيت العلي أعد للصلاة والتبتل
وذا هو الوجه الذي منه اكتسب لا خير ما اكتسب لا من الخشب
فلذلك لا بد من احترامها جميعاً، ولا شك أن احترامها يقتضي كذلك أن تقوم بوظيفتها وعملها، فإذا تعطلت عن وظائفها ولم تؤد عملها فليس ذلك من احترامها ولا توفير قداستها، ولا بد أن يجد المسلمون لهذه المساجد التعظيم في صدورهم، ولا بد أن يعتنوا بنظافتها وأن يعتنوا ببنائها؛ فإن من شارك في بنائها ولو قدر مفحص قطاة بنى الله له به بيتاً في الجنة.
وكذلك لا بد أن يستشعروا أن عمارتها من الإيمان، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ[التوبة:18]، ولا بد أن يستشعروا أنها منزهة مطهرة؛ فلا يدخلها المشركون ولا يقربونها كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا[التوبة:28]، ولا بد كذلك أن تطهر من أمور الدنيا؛ فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كان الناس يتكلمون في المسجد في أمور الدنيا نهاهم فلم ينزجروا، فنهاهم فلم ينزجروا؛ فبنى البطيحاء حوله؛ فقال: من أراد أن يتكلم في أمر التجارة أو في أمر الدنيا فليذهب إلى البطيحاء؛ فكف الناس حينئذ عن الكلام.
ولا بد كذلك من التضحية فيها؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر سروراً بالغاً حين دخل المسجد في الليل فإذا الأضواء خارجة من أبوابه، وذلك حين أتى تميم بن أوس الداري رضي الله عنه من الشام ومعه غلمان له وقد تعلموا عمل القناديل؛ فأمرهم أن يجعلوا القناديل في المسجد، فلما كان من الليل أمرهم فأوقدوها؛ فخرج نورها يشع من المسجد، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بذلك سروراً بالغاً ودعا له، فهذا إقرار منه صلى الله عليه وسلم لهذا العمل الذي عمله هذا الصحابي الجليل.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
خطورة المتاجرة بكلمة الحق | 4810 استماع |
بشائر النصر | 4287 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4131 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4057 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 3997 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3946 استماع |
عداوة الشيطان | 3932 استماع |
اللغة العربية | 3930 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3906 استماع |
القضاء في الإسلام | 3896 استماع |