خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/215"> الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/215?sub=45312"> شرح كتاب السنة للبربهاري
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
شرح كتاب السنة للبربهاري [8]
الحلقة مفرغة
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد إحصان, أو مرتد بعد إيمان, أو قتل نفس مؤمنة بغير حق فيقتل به, وما سوى ذلك فدم المسلم على المسلم حرام أبداً، حتى تقوم الساعة ].
قال المؤلف في الفقرة التي قبل هذه: (ولا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)، فأراد المؤلف رحمه الله الرد على الرافضة الذين يجيزون نكاح المتعة؛ لأن نكاح المتعة لا يكون بولي وشاهدي عدل, ونكاحهم نكاح مؤقت, فيتفق الرجل مع المرأة وقد لا يتفق مع وليها, وكذلك الأحناف الذين يقولون: إنه يصح النكاح بدون ولي, وهو يشير إلى حديث: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل) وفي حديث آخر (أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل) وفي الحديث الآخر: (لا تزوج المرأة نفسها، ولا تزوج المرأة المرأة، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها).
فلا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وكذلك لا تحل له بعد طلاق الثلاث؛ لقوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] ثم قال بعد ذلك: فَإِنْ طَلَّقَهَا يعني: الثالثة فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا [البقرة:230] فإذا أبقاها عنده بعد الطلاق الثلاث فإن نكاحه يكون زنا والعياذ بالله؛ ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله النكاح بولي وحكم الطلاق.
ثم قال: (ولا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ويشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا بإحدى ثلاث: زان بعد إحصان, أو مرتد بعد إيمان, أو قتل نفساً مؤمنة بغير حق فيقتل به), يشير بهذا إلى حديث ابن مسعود رضي الله عنه في الصحيحين: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني, والنفس بالنفس, والتارك لدينه المفارق للجماعة) فنفس المسلم معصومة إلا إذا ارتكب واحدة من هذه الثلاث، والإحصان المراد به الزواج، فالمحصن هو الذي تزوج في عمره ولو مرة واحدة، فإذا زنى وكان قد تزوج ولو مرة في العمر ولو لم يكن معه زوجة ولو ليلة واحدة دخل بها على امرأته فيسمى محصناً، فإذا زنى فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت, أما إذا زنى وهو بكر ولم يتزوج فإنه يجلد مائة جلدة ويغرب عاماً عن البلد.
(أو مرتد بعد إيمان): وهو التارك لدينه المفارق للجماعة، فإذا ارتد المسلم فإنه يقتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).
والثالث: (إذا قتل نفساً مؤمنة بغير حق فإنه يقتل به), فهذه الثلاث إذا ارتكب المسلم واحدة منها أحل دمه, وما عدا ذلك فهو معصوم الدم والمال؛ ولذلك قال المؤلف: (وما سوى ذلك فدم المسلم على المسلم حرام أبداً، حتى تقوم الساعة).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء يفنى، إلا الجنة والنار، والعرش والكرسي، واللوح والقلم والصور، ليس يفنى من هذا أبداً، ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة فيحاسبهم بما شاء، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ويقول لسائر الخلق ممن لم يخلق للبقاء: كونوا تراباً ].
(وكل شيء مما أوجب الله عليه الفناء فإنه يفنى)؛ لقول الله سبحانه وتعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27]؛ ولقوله سبحانه: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:88]؛ ولقوله سبحانه: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34]، وقوله سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]؛ ولقوله سبحانه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر:30-31]فكل شيء يفنى ممن أوجب الله علية الفناء إلا الأشياء التي كتب الله لها البقاء، وهي ثمانية أشياء، ذكر المؤلف منها: الجنة والنار، فهما دائمتان مخلوقتان لا تفنيان، والعرش والكرسي، واللوح والقلم والصور، والمقصود بالصور الأرواح إذا خرجت، إذا خرجت روح الميت نقلت إلى الجنة ولها صلة بالجسد، وروح الكافر تنقل إلى النار ولها صلة بالجسد، والبدن يفنى ويدخل التراب ثم يعيده الله خلقاً جديداً ثم يأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور فتعود الأرواح إلى أجسادها مرة أخرى، فالأرواح باقية إما في نعيم أو في عذاب, وقد ذكر المؤلف سبعة أشياء، والثامن هو عجب الذنب وهو آخر فقرة في العمود الفقري، فقد جاء في الحديث: (كل ابن آدم يفنى إلا عجب الذنب منه خلق ابن آدم ومنه يركب)؛ ولهذا يقول النووي :
ثمانية حكم البقاء يعمها من الخلق والباقون في حيز العدم
هي العرش والكرسي نار وجنة وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم
وهذه الأشياء باقية بإبقاء الله لها, والجهم بن صفوان يرى أن الجنة والنار تفنيان, وقد أنكر عليه أهل السنة وبدّعوه وضللوه وكفروه.
(ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه), وجاء في الحديث أن كل إنسان يبعث على ما مات عليه, فمن مات على الخير يبعث على الخير, ومن مات على الكفر يبعث على الكفر, ثم يبعث الله الخلق على ما ماتوا عليه يوم القيامة ويحاسبهم بما شاء, وجاء في الحديث: (أن الله يحاسب الخلائق في وقت واحد, لا يلهيه شأن عن شأن) فيحاسبهم في وقتهم كما أنه يخلقهم ويرزقهم ويعافيهم ويجيب سؤالهم في وقت واحد.
لكن المخلوق ضعيف، فلو كلمك اثنان أو ثلاثة أو كلمتهم لما استطعت، ولكن الله سبحانه وتعالى يفرغ من حسابهم بقدر منتصف النهار, ثم ينتقل أهل الجنة إلى الجنة في وقت القيلولة ويقيلون فيها، قال الله عز وجل: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان:24].
(يحاسبهم بما شاء، ففريق في الجنة، وفريق في السعير, ويقول لسائر الخلق ممن لم يخلق للبقاء: كونوا تراباً) جاء في الحديث: أن البهائم تبعث يوم القيامة ويقتص من بعضها البعض حتى يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء, إذا كانت الشاة التي لها قرون نطحت أختها الشاة التي ليس لها قرون, تأخذ حقها منها، فإذا أخذت حقها منها قال الله لها: كوني تراباً، فتكون، وحين ذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والإيمان بالقصاص يوم القيامة بين الخلق كلهم، بني آدم، والسباع والهوام، حتى للذرة من الذرة، حتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض, لأهل الجنة من أهل النار, وأهل النار من أهل الجنة, وأهل الجنة بعضهم من بعض, وأهل النار بعضهم من بعض ].
وهذا مما يجب الإيمان به, فيجب الإيمان بالقصاص بين الخلق كلهم يوم القيامة، وأن الله تعالى يقتص للخلائق بعضهم من بعض, سواء من بني آدم ومن غير بني آدم ومن السباع والهوام، وحتى للذرة من الذرة إذا اعتدت عليها فيأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض، وفي الحديث: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) حتى ماتت جوعاً, فالعدوان على الحيوانات فيه إثم، والمرأة دخلت النار بسبب هرة اعتدت عليها وربطتها حتى ماتت جوعاً.
وهذا معنى قول المؤلف: (الإيمان بالقصاص)، أي: يجب على المسلم أن يؤمن بالقصاص يوم القيامة, وأن الله تعالى يقتص للمظلوم من الظالم سواء كان من بني آدم أو من السباع والهوام وحتى للذرة من الذرة, وحتى يأخذ الله عز وجل لبعضهم من بعض فيأخذ لأهل الجنة من أهل النار.
فإذا كان هناك حق لواحد من أهل النار على واحد من أهل الجنة فإنه سيأخذ حقه منه, وإذا كان هناك حق لواحد من أهل النار على واحد من أهل الجنة فسيأخذه منه، فاليهودي والنصراني غير الحربي مثلاً لا يجوز قتله ولا أخذ ماله بغير حق؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) ودمه معصوم، فإذا اعتدى مسلم عليه وقتله أو أخذ ماله أو سرق منه، أو اقترض منه قرضاً ولم يعطه حقه فإن المعاهد يقتص من المسلم يوم القيامة، فدم الكافر حلال وماله حلال إذا كان محارباً وبيننا وبينه حرب وقتال، أما إذا كان ذمياً وليس بيننا وبينه حرب فهو معصوم الدم والمال لا يجوز قتله ولا يجوز أخذ ماله؛ ولهذا قال المؤلف: (حتى يقتص لأهل الجنة من أهل النار, وأهل النار من أهل الجنة, وأهل الجنة بعضهم من بعض, وأهل النار بعضهم من بعض). وأهل النار كل يأخذ حقه ممن اعتدى عليه من أهل النار، وأهل الجنة كل يأخذ حقه ممن اعتدى من أهل الجنة، وأهل الجنة يأخذون حقهم ممن اعتدى عليهم من أهل النار، وأهل النار يأخذون حقهم ممن اعتدى عليهم من أهل الجنة؛ ولهذا إذا تجاوز المؤمنون الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار، وقد قيل إنها طرف الصراط، فيقتص لأهل الجنة بعضهم من بعض، وكل واحد يأخذ حقه قبل أن يدخل الجنة، فإذا اقتص بعضهم من بعض نزع الله الغل من صدورهم، ودخلوا الجنة في غاية من الصفاء وغاية من سلامة الصدور، قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإخلاص العمل لله ].
يجب إخلاص العمل لله، وهذا شرط في صحة العمل، فلا يصح أي عمل إلا بالإخلاص، فإذا لم يخلص الإنسان عمله لله صار شركاً، وفي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه يقول الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه أحداً غيري تركته وشركه) وقال سبحانه وتعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] فالعمل لا يصح إلا بشرطين: الشرط الأول: أن يكون خالصاً لله فإن لم يكن خالصاً صار شركاً.
والشرط الثاني: أن يكون صواباً على هدي وسنة رسول الله، فإن لم يكن صواباً صار بدعة, وقد جمع الله بين هذين الشرطين في قوله: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف:110] وهذا شرط الصواب، وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110] وهذا الإخلاص، وقال سبحانه: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [لقمان:22] وإسلام الوجه هو إخلاص العمل لله وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125] الإحسان: أن يكون العمل صواباً موافقاً للشرع، ودل على الإخلاص أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ودل على صواب العمل قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه الشيخان وفي لفظ لـمسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والرضا بقضاء الله، والصبر على حكم الله، والإيمان بما قال الله عز وجل، والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها، وحلوها ومرها, قد علم الله ما العباد عاملون، وإلى ما هم صائرون, لا يخرجون من علم الله، ولا يكون في الأرضين ولا في السماوات إلا ما علم الله عز وجل، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك, وما أخطأك لم يكن ليصيبك, ولا خالق مع الله عز وجل ].
يستحب للإنسان أن يرضى بقضاء الله، ويجب أن يصبر على حكم الله، والصبر عند المصيبة معناه: حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عما يغضب الله، وهذا هو الواجب، فلا يلطم الإنسان خداً ولا يشق ثوباً ولا ينتف شعراً، وهذا من النياحة, فالصبر على أقدار الله واجب، أما الرضا فهو مستحب.
(والإيمان بما قال الله عز وجل), كذلك يجب الإيمان بشرع الله ودينه، والإيمان بالأوامر والنواهي.
(الإيمان بما قال الله عز وجل وأخبر به في كتابه وعلى لسان رسوله، والإيمان بأقدار الله كلها خيرها وشرها وحلوها ومرها).
والإيمان بالقدر له مراتب أربع لا بد منها: المرتبة الأولى: العلم. والإيمان بأن الله علم كل شيء، فعلم الأشياء قبل كونها في الأزل، وعلم ما يكون منها في المستقبل والحاضر، وعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون.
والمرتبة الثانية: الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، قال تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:12] وهو اللوح المحفوظ، وقال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ [الحديد:22]، وفي الحديث: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء).
والمرتبة الثالثة: الإيمان بإرادة الله الشاملة لكل شيء, فكل شيء في هذا الوجود شاء الله وجوده.
والمرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد. وهي الإيمان بأن الله خلق كل شيء، قال تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2].
(قد علم الله ما العباد عاملون) وهذه المرتبة الأولى وهي مرتبة العلم.
(وإلى ما هم صائرون) فقد علم الله ما العباد عاملون في المستقبل، وإلى ما هم صائرون في الآخرة إما إلى جنة أو إلى النار، وهم لا يخرجون من علم الله.
(لا يكون في الأرضين ولا في السموات إلا ما علم الله عز وجل) قال الله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، وهو اللوح المحفوظ، اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8].
قوله: (وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)، هذا من الإيمان بالقدر، ولا يجد الإنسان طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه, وأن الشيء الذي أصابك لا يمكن أن يخطئك وأن تسلم منه ما دام مكتوباً عليك، والشيء الذي يخطئك وتسلم منه لا يمكن أن يصيبك؛ لأن الله قدر ذلك, ولا خالق مع الله عز وجل؛ لقول الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الزمر:62]، فمن قال إن هناك خالقاً مع الله فهو مشرك، وقد أشرك في ربوبية الله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والتكبير على الجنائز أربع، وهو قول: مالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، والحسن بن صالح ، وأحمد بن حنبل والفقهاء، وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ].
ثبت في صحيح البخاري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى
قال المؤلف رحمه الله: [ والإيمان بأن مع كل قطرة ملكاً ينزل من السماء، حتى يضعها حيث أمر الله عز وجل ].
جاء هذا من قول الحسن بن قتيبة والحسن البصري، وذلك أن الله تعالى وكل بالقطر ملكاً وهو ميكائيل، وجبريل موكل بالوحي، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور، فهؤلاء الأملاك الثلاثة هم رؤساء الملائكة وهم مقدمون عليهم؛ ولهذا توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة في حديث عائشة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل استفتح بهذا الاستفتاح: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).
قال العلماء: توسل النبي صلى الله عليه وسلم بربوبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة؛ لأن كل ملك موكل بما فيه الحياة, فجبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة القلوب والأرواح, وميكائيل موكل بالقطر والمطر الذي فيه حياة الأبدان والنبات والحيوان, وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه إعادة الأرواح إلى أجسادها فتعود الحياة إلى الأجسام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين كلم أهل القليب يوم بدر -أي المشركين- كانوا يسمعون كلامه ].
وهذا ثابت في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم أهل القليب) وهم الكفرة الذين قتلوا يوم بدر وسحبوا بعد موتهم، وألقوا في بئر بعد أن ظهر نتنهم، فجاءهم النبي صلى الله عليه وسلم وناداهم بأسمائهم فقال: (يا
فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! كيف يسمعون؟ وفي لفظ آخر قال: ما تنادي من قوم هلكى؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا)، ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا في قليب أي: في بئر هناك.
فلا بد أن يؤمن الإنسان بأن النبي صلى الله عليه وسلم حين كلم أهل القليب يوم بدر-أي المشركين- أنهم كانوا يسمعون كلامه، وهذا مستثنى من كون الميت لا يسمع، فالأصل أن الميت لا يسمع، قال الله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] فالميت لا يسمع إلا ما دل الدليل على أنه يسمع، وكذلك ما ورد أن الميت إذا دفنه المشيعون له وتولوا عنه فإنه يسمع قرع نعالهم إذا تولوا, فهذا سماع خاص, وكذلك ثبت أنه يشرع أن يسلم على الميت، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام) وما عدا ذلك فالأصل أن الميت لا يسمع كلام الناس ولا يدري عن أعمال الناس ولا عن أحوالهم، وكذلك ما جاء في بعض الأحاديث أن الميت تعرض عليه أعمال أقاربه، وأنه إذا رأى خيراً حمد الله، وإذا رأى سيئاً استغفر, وكذلك عرض أعمال أمة النبي صلى الله عليه وسلم عليه، وكل هذا جاء في أحاديث ضعيفة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والإيمان بأن الرجل إذا مرض يأجره الله على مرضه ].
لا بد من الإيمان بأن الإنسان إذا مرض فإن الله يأجره على مرضه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من رجل تصيبه مصيبة إلا كفر الله من خطاياه، حتى الشوكة يشاكها) فالمرض كفارة للذنوب، والأمراض تحط الخطايا عن المسلم كما تحط الشجرة ورقها.
وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض في حياته أصابه وعك شديد من حمى فجاءه بعض الصحابة فقالوا: (يا رسول الله! إنك لتوعك كما يوعك رجلان، قال: أجل، قالوا: أذلك أن لك أجرين، قال: نعم، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم).
فالمرض والمصائب والهموم والكفارات والأسقام والمصائب كلها كفارات، ولما نزل قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123] قال أبو بكر : يا رسول الله! هذه الآية يقول الله: كل شيء نعمله نجزى به؟ إذاً هلكنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
ومن الآيات التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] فجاء الصحابة وجثوا على ركبهم وقالوا: (يا رسول الله! أينا لم يلبس إيمانه بظلم-ظنوا أن الظلم هو المعاصي- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الذي تعنون ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]) فالمراد بالظلم الشرك.
وتفسير الآية: (الذين ءامنوا) أي: وحدوا, (ولم يلبسوا): لم يخلطوا, (إيمانهم): توحيدهم, (بظلم) أي: بشرك، أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ [الأنعام:82] فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم هنا بالشرك من خلال الآية الأخرى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والشهيد يأجره الله على القتل ].
لا شك أن الشهيد يأجره الله على القتل, وأجره عظيم, فقد جاء في الحديث أن الشهيد يكفر الله خطاياه إلا الدين, وإن قتل في سبيل الله لم يصب من شدة وألم الموت إلا كما تصيب الإنسان حر القرصة من العقرب, والشهيد يأمن من الفتن في قبره قيل: يا رسول الله! ألا يفتن الميت في قبره؟ قال: (كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة)، وجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة.
المسلم لابد أن يعتقد ذلك، قال الله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171] .
وقال سبحانه: لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:95-96] فللمجاهدين والشهداء فضل عظيم.