سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الثانية]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعــد:

النظام الرباني المتكامل

عظمة هذا الدين وقوة هذا الإسلام إنما تتجسد وتظهر في كونه ديناً ربانياً، والذي شرعه هو الله الذي لا إله إلا هو، وهذه الصفة أكسبت هذا الدين صفة الكمال والشمول والعدل، فلا تعتريه جوانب نقص، ولا تزعزعه أو تلعب به الأهواء والرغبات؛ لأن الذي أنزله منزه عن النقص، والذي شرع أحكامه لا يراعي جانباً على حساب جانب، وإنما يحكم بعلم وبقدرة، وبإرادة تشمل مصلحة هذا الإنسان، ولذا سن له النظام والقانون الذي يصلحه في هذه الدنيا ويصلحه في الدار الآخرة، ولا اختلاف فيه كما هو موجود في الدساتير والأنظمة التي تضعها البشرية لنفسها.

ما من نظام يوضع في أي زمن من الأزمان أو في أي بلد من البلدان إلا وتدخل عليه تفسيرات، وتعديلات وتبدو فيه جوانب نقص؛ لأن الذي يضعه ناقص وله أهواء ورغبات، ويراعي جوانب أناس ويهمل جوانب آخرين، يعرف شيئاً من أسرار النفس ويجهل أشياء منها، ولذا يعدل ويبدل وما إن يموت إلا ويأتي غيره فيكتشف أخطاء في النظام الذي سبق، فيلغي ويبدل ويعدل ويفسر ويحول من أجل أن النظام غير متكامل.

لكن نظام الله كامل لا يعتريه نقص: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] كامل في أحكامه، شاملٌ في نظمه، فصفة الربانية فيه واضحة، ليس نظاماً بشرياً، ولو كان نظاماً بشرياً لتغلبت فيه جوانب العواطف والرغبات، وجوانب الطبقات، لكنه نظام رباني وضعه الله وهو يعلم أسرار هذه النفس وما يصلحها وما يسعدها في الدنيا والآخرة، ولذا فهو نظام لا يأتيه الباطل، قال الله عز وجل: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42] لا يأتيه الباطل أبداً، والواقع يثبت هذا الأمر حينما يطبق نظام الله عز وجل؛ لأن الله اختار للبشرية فيه أعظم هدى، قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وأقوم هنا للتفضيل، هذا القرآن يهدي ويدل ويرشد لما هو أفضل للبشرية في عقائدها، وعباداتها، وتشريعاتها، وأفضل في معاملاتها وآدابها، وأخلاقها، فما من شيء دل عليه الله وأمر به إلا وهو أفضل ما يكون على وجه الأرض، وما من شيءٍ حذر الله منه ونهى عنه إلا وهو أسوأ ما يمكن أن يكون في الأرض.

سعادة البشرية تكون في تطبيق دين الله

ولقد طبقت البشرية فترةً من الزمن هذا النظام فسعدت وطابت الحياة، حتى مكث عمر بن الخطاب قاضياً لـأبي بكر الصديق عامين كاملين وما قدمت له قضية واحدة، لأنه ليس هناك ما يرفع للحكام، فالناس منصفون، والناس يخافون الله، فعندما أختلف أنا وأخي ونصل إلى القاضي وأنا أعرف أن الحق عندي أو أن الحق عنده، إن كان الحق عندي أعطيته بدون حكم القاضي، وإن كان الحق عنده أعطاني بدون قاض، لكن إذا فسدت الذمم النفوس صعبت مهمة القضاة.

يقال: لو أنصف الناس لاستراح القاضي؛ لأن القاضي لا يعلم كيف يحكم بين اثنين أصحاب دعاوى طويلة عريضة، وأصحاب حجج قوية، والحق واحد.

وأيضاً العاطفة لا تحكم الكون، والأهواء لا تسيطر على نظام الحياة، ولو دخلت العواطف في نظام الكون لفسدت الحياة، يقول الله عز وجل: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ [المؤمنون:71] ماذا يحصل؟ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [المؤمنون:71] تفسد مباشرةً، لماذا؟ لأن أهواء الناس تختلف ورغباتهم تتنوع، وما يرضي زيداً لا يرضي عمراً، وما يصلح لهذا البلد لا يصلح للبلد الثاني، وبالتالي تبدأ الصراعات وتبدأ الرغبات والمنافسات، ويفسد نظام الحياة، أما النظام الواحد الموضوع من قبل الله، فيطبق على الكبير والصغير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى العربي والأعجمي، فالناس أمام أحكام الله سواسية كأسنان المشط.

ولهذا كان الجاهليون يستصعبون أن يقام الحد على العظماء والوجهاء، فحين سرقت المرأة المخزومية قالوا: لا يمكن أن تقطع يدها، لا بد أن نرى لها حلاً، وصعب عليهم الأمر، وما تجرءوا أن يشفعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالوا: ابحثوا عن أحب رجل عند رسول الله، فوجدوا أن أحب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسامة بن زيد ، وكان يسمى حِب رسول الله، فجاءوا إليه وكلموه، فقام وتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ! والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) لا تدخل هنا العواطف، وقال: (إنما أهلك من كان قبلكم -الذي أفسد نظام الحياة قبلكم في اليهودية وفي النصرانية وفي الجاهلية- أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

أما في ظل دين الله فلا، وهذا معنى الكمال في هذا الدين العظيم، أنه نظام عظيم، وإن من ضمن ما شرع الله عز وجل في كتابه الكريم: الحدود الشرعية التي تضمنت العقوبة الرادعة والعلاج الناجع لقطع دابر الفساد واستئصاله من أساسه؛ لأن الإسلام لا يعرف حلولاً نصفية.

إذا كان في جسمك الدودة الزائدة وهناك علاج يسكنها لكن يحتمل أن تثور عليك في أي وقت ثم تنفجر وتموت، فماذا يقول الأطباء؟ يقولون: نجري لك عملية، ظاهرها شيء صعب، ولذا يأخذون عليك إقراراً قبل العملية، ويوقعونه من قبل شاهدين بأنك إذا مت فلا تعويض لك بريال واحد فتقول: لا مانع عندي سأوقع، أقرر أنا فلان بأنني راضٍ وموافق على إجراء العملية الجراحية لي، ومتحمل كل ما يحدث عنها من نتائج.

وتدخل غرفة العملية وتسلم نفسك، وتتناول البنج وأنت تعرف أن بعد البنج المشاريط والسكاكين سوف تبدأ تقطع في جسمك وفي بطنك، وتغرق أمعاءك، ويبحثون عن شيء في بطنك يستأصلونه، لماذا؟ أليست هذه قسوة؟ أليست هذه وحشية؟ لماذا الأطباء قساة؟ ليسوا قساة ولكنهم عندهم رحمة بالجسد الكامل فقطعوا هذا العضو الفاسد لئلا يفسد الجسم كله، فتضحي بعضو في سبيل صلاح الجسد.

عظمة هذا الدين وقوة هذا الإسلام إنما تتجسد وتظهر في كونه ديناً ربانياً، والذي شرعه هو الله الذي لا إله إلا هو، وهذه الصفة أكسبت هذا الدين صفة الكمال والشمول والعدل، فلا تعتريه جوانب نقص، ولا تزعزعه أو تلعب به الأهواء والرغبات؛ لأن الذي أنزله منزه عن النقص، والذي شرع أحكامه لا يراعي جانباً على حساب جانب، وإنما يحكم بعلم وبقدرة، وبإرادة تشمل مصلحة هذا الإنسان، ولذا سن له النظام والقانون الذي يصلحه في هذه الدنيا ويصلحه في الدار الآخرة، ولا اختلاف فيه كما هو موجود في الدساتير والأنظمة التي تضعها البشرية لنفسها.

ما من نظام يوضع في أي زمن من الأزمان أو في أي بلد من البلدان إلا وتدخل عليه تفسيرات، وتعديلات وتبدو فيه جوانب نقص؛ لأن الذي يضعه ناقص وله أهواء ورغبات، ويراعي جوانب أناس ويهمل جوانب آخرين، يعرف شيئاً من أسرار النفس ويجهل أشياء منها، ولذا يعدل ويبدل وما إن يموت إلا ويأتي غيره فيكتشف أخطاء في النظام الذي سبق، فيلغي ويبدل ويعدل ويفسر ويحول من أجل أن النظام غير متكامل.

لكن نظام الله كامل لا يعتريه نقص: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] كامل في أحكامه، شاملٌ في نظمه، فصفة الربانية فيه واضحة، ليس نظاماً بشرياً، ولو كان نظاماً بشرياً لتغلبت فيه جوانب العواطف والرغبات، وجوانب الطبقات، لكنه نظام رباني وضعه الله وهو يعلم أسرار هذه النفس وما يصلحها وما يسعدها في الدنيا والآخرة، ولذا فهو نظام لا يأتيه الباطل، قال الله عز وجل: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42] لا يأتيه الباطل أبداً، والواقع يثبت هذا الأمر حينما يطبق نظام الله عز وجل؛ لأن الله اختار للبشرية فيه أعظم هدى، قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وأقوم هنا للتفضيل، هذا القرآن يهدي ويدل ويرشد لما هو أفضل للبشرية في عقائدها، وعباداتها، وتشريعاتها، وأفضل في معاملاتها وآدابها، وأخلاقها، فما من شيء دل عليه الله وأمر به إلا وهو أفضل ما يكون على وجه الأرض، وما من شيءٍ حذر الله منه ونهى عنه إلا وهو أسوأ ما يمكن أن يكون في الأرض.

ولقد طبقت البشرية فترةً من الزمن هذا النظام فسعدت وطابت الحياة، حتى مكث عمر بن الخطاب قاضياً لـأبي بكر الصديق عامين كاملين وما قدمت له قضية واحدة، لأنه ليس هناك ما يرفع للحكام، فالناس منصفون، والناس يخافون الله، فعندما أختلف أنا وأخي ونصل إلى القاضي وأنا أعرف أن الحق عندي أو أن الحق عنده، إن كان الحق عندي أعطيته بدون حكم القاضي، وإن كان الحق عنده أعطاني بدون قاض، لكن إذا فسدت الذمم النفوس صعبت مهمة القضاة.

يقال: لو أنصف الناس لاستراح القاضي؛ لأن القاضي لا يعلم كيف يحكم بين اثنين أصحاب دعاوى طويلة عريضة، وأصحاب حجج قوية، والحق واحد.

وأيضاً العاطفة لا تحكم الكون، والأهواء لا تسيطر على نظام الحياة، ولو دخلت العواطف في نظام الكون لفسدت الحياة، يقول الله عز وجل: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ [المؤمنون:71] ماذا يحصل؟ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [المؤمنون:71] تفسد مباشرةً، لماذا؟ لأن أهواء الناس تختلف ورغباتهم تتنوع، وما يرضي زيداً لا يرضي عمراً، وما يصلح لهذا البلد لا يصلح للبلد الثاني، وبالتالي تبدأ الصراعات وتبدأ الرغبات والمنافسات، ويفسد نظام الحياة، أما النظام الواحد الموضوع من قبل الله، فيطبق على الكبير والصغير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى العربي والأعجمي، فالناس أمام أحكام الله سواسية كأسنان المشط.

ولهذا كان الجاهليون يستصعبون أن يقام الحد على العظماء والوجهاء، فحين سرقت المرأة المخزومية قالوا: لا يمكن أن تقطع يدها، لا بد أن نرى لها حلاً، وصعب عليهم الأمر، وما تجرءوا أن يشفعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قالوا: ابحثوا عن أحب رجل عند رسول الله، فوجدوا أن أحب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسامة بن زيد ، وكان يسمى حِب رسول الله، فجاءوا إليه وكلموه، فقام وتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة ! والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) لا تدخل هنا العواطف، وقال: (إنما أهلك من كان قبلكم -الذي أفسد نظام الحياة قبلكم في اليهودية وفي النصرانية وفي الجاهلية- أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).

أما في ظل دين الله فلا، وهذا معنى الكمال في هذا الدين العظيم، أنه نظام عظيم، وإن من ضمن ما شرع الله عز وجل في كتابه الكريم: الحدود الشرعية التي تضمنت العقوبة الرادعة والعلاج الناجع لقطع دابر الفساد واستئصاله من أساسه؛ لأن الإسلام لا يعرف حلولاً نصفية.

إذا كان في جسمك الدودة الزائدة وهناك علاج يسكنها لكن يحتمل أن تثور عليك في أي وقت ثم تنفجر وتموت، فماذا يقول الأطباء؟ يقولون: نجري لك عملية، ظاهرها شيء صعب، ولذا يأخذون عليك إقراراً قبل العملية، ويوقعونه من قبل شاهدين بأنك إذا مت فلا تعويض لك بريال واحد فتقول: لا مانع عندي سأوقع، أقرر أنا فلان بأنني راضٍ وموافق على إجراء العملية الجراحية لي، ومتحمل كل ما يحدث عنها من نتائج.

وتدخل غرفة العملية وتسلم نفسك، وتتناول البنج وأنت تعرف أن بعد البنج المشاريط والسكاكين سوف تبدأ تقطع في جسمك وفي بطنك، وتغرق أمعاءك، ويبحثون عن شيء في بطنك يستأصلونه، لماذا؟ أليست هذه قسوة؟ أليست هذه وحشية؟ لماذا الأطباء قساة؟ ليسوا قساة ولكنهم عندهم رحمة بالجسد الكامل فقطعوا هذا العضو الفاسد لئلا يفسد الجسم كله، فتضحي بعضو في سبيل صلاح الجسد.

شرع الله عز وجل هذه الحدود وهو أعلم تبارك وتعالى بما يصلح العباد، شرع الحدود بما يقضي على دابر الفساد.

القاتل يُقتل، والسارق تقطع يده، هذه اليد في الدين كم ديتها؟ نصف الدية لكنها تقطع في ربع دينار، إذا سرق رجل ما قيمته ربع دينار من حرز وتوفرت شروط القطع تقطع اليد، ولهذا يقول المعترض على حكم الشرع:

يد بخمس مئين عسجد وديت     ما بالها قطعت في ربع دينار

أي: كيف تقطع في ربع دينار وثمنها خمس مئين ذهب، قال له الناظم الآخر:

عز الأمانة أغلاها وأرخصها     ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

هي غالية إذا كانت أمينة، لكنها رخيصة إذا خانت.

وأيضاً: الزاني يجلد جَلدَ الحمار، يخرج في السوق ويمسك ويبطح ويضرب بما يضرب به الحمار في ظهره إذا كان بكراً، وإذا كان ثيباً فإنه يرجم ليوزع الألم والموت على كل جزئية من جزئيات جسمه، لماذا؟ لأنه تلذذ بالزنا في كل جزئية من جزئيات جسمه، ولذا يرجم ويموت مائة موتة، يموت مع أول حجر ويموت مع الثانية والثالثة والرابعة والخامسة وكم يأتيه من الموت، هذا عذاب الدنيا ولعذاب الآخرة أشد، لماذا؟ لأنه ما عرف حرمة أعراض المسلمين.

والمحارب لله ورسوله يقتل أو يصلب أو تقطع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض بحسب جريمته وبحسب تقدير ولي الأمر لنوع هذه الجريمة، وما يقضي عليها وما يمنع فشوها وانتشارها، هذه أحكام -أيها الإخوة- من الذي سن هذه الأحكام؟ إنه أرحم الراحمين.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزوات الإسلام -في غزوة ثقيف- وكان جالساً يقسم المغانم، إذ جاءت امرأة من النساء وهي تبحث في المعركة عن ولدها، فلقيت ولدها مع السبي وهو رضيع ضائع، وهي مسكينة تبحث عنه، فلما رأته انطلقت عليه مثل السهم ما فكرت في موت أو في حياة، ثم أخذته من الأرض وألقمته ثديها وحنت عليه وجلست تبكي، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه تلقي ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده إن الله أرحم بعباده من هذه بولدها) ومن رحمة الله أن شرع هذه الحدود، مثل الطبيب -ولله المثل الأعلى- يرحم المريض فيستأصل هذا العضو منه، ولكن ما ظنكم لو أن الطبيب قال: هذه قسوة وهذه وحشية، لكن خذ هذه الحبوب وهذا الشراب وهذا المرهم من فوق الجلد، أين الألم يا ولد؟ قال: بطني يا دكتور من الداخل، قال: هذا المرهم فقط مسكن وأعطاك مرهماً من فوق الجلد، ماذا يصير بعد أسبوع؟ تنفجر الزائدة ويموت هذا المريض، ما رأيكم في هذا الطبيب رحيم أم عدو للإنسانية؟ عدو، إذ كان بإمكانه أن يقطع هذا الداء؛ لكنه عنده رحمة سطحية محدودة قضت هذه الرحمة على هذا الجسد، ولله المثل الأعلى.

أهمية بتر العضو الفاسد

المجتمع في نظر الإسلام كالجسد، والحديث في هذا صريح صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) المجتمع المسلم كالجسد الواحد إذا فسد فيه عضو لا نرحمه؛ لأن فساده سوف يؤدي إلى فساد العضو الذي بجانبه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم إذا استمر المرض فسد الجسد كله، وبالتالي يصبح المجتمع فاسداً من أوله إلى آخره بسبب العضو الفاسد، لكن لو قطعناه من أول ما فسد لسلمت لنا الإصبع وسلمت الأصابع كلها، وسلمت لنا اليد، وسلم لنا الجسم كله في سبيل تضحيتنا بعضو من طرف بسيط من أطراف الأصابع وهو ما يحصل اليوم في المجتمعات الكافرة والمجتمعات التي لا تطبق شريعة الله يرحمون الجاني ولا يطبقون عليه شريعة الله، فماذا يحصل؟ يفسد هو ويفسد الذي بجانبه وينتشر الفساد، حتى غدت الجريمة في العالم أمراً سائغاً، وأمراً يمكن تصوره في أي حال من الأحوال.

في البلدان التي فيها أجهزة للرصد، وفيها رجال أمن متطورون، وأنظمة وآلات وليس فيها شرع الله، نسب الجرائم هناك لا يتصورها العقل، في كل دقيقة في ولاية من ولايات أمريكا ، في شيكاغو مثلاً في كل دقيقة أربع جرائم قتل، أو مائتا جريمة سطو، آلاف جرائم سرقة، لماذا؟ لأنه ليس هناك حدود، وليس هناك شرع رباني، لو طبق نظام الله فلا نحتاج إلى هذا كله، مرة واحدة نقطع عضواً واحداً وبالتالي يسلم المجتمع كله.

وأذكر وقد ذكرت هذا اليوم أن لي قريبة أصيبت بمرض وهي تعمل في الحقل دخلت في إصبعها شوكة، ودخل مع الشوكة جراثيم وما عقمت وتساهلت فيها فانتفخت إصبعها بعد فترة وآلمتها كثيراً، وعالجوها في المستوصف في القرية بمرهم وحبوب (العلاج الأولي)، لكن انتشر المرض وما استطاعت أن تنام الليل، وجئنا بها إلى المستشفى العام في أبها ، ودخل الطبيب الجراح وأشرف عليها وقال: لا بد من بتر إصبعها من المفصل الأول، وهذه بسيطة، قلنا: نحن موافقون، أتينا إليها فقالت: من أجل شوكة يقطع إصبعي! والله ما أقطعها!

يا بنت الحلال الدكتور قال ذلك.

قالت: إنها ستشفى، فرجعت وظلت تستعمل علاجات آخرى ورفضت العلاج الذي فيه رحمة، فزاد المرض ورجعت، وأجري لها إشاعة وقالوا: انتقل المرض من الفصل هذا إلى المفصل الثاني وإذا تريدون نعالجها لابد أن نقطع من المفصل الثاني، قالت: والله لا أقبل، قلنا: ارجعي فرجعت، وانتقل المرض إلى المفصل الآخر، فقال الأطباء: تقطع من أصل الإصبع، هل ترضي قالت: لم أرض بالمفصل الأول كيف أرض بهذا.

فرجعت ومكثت مدة وانتقل المرض إلى المفصل الآخر وجئنا بها وأخيراً تدخلنا وقلنا لها: إذا انتقل هذا الداء إلى العظم فمن يوم يدخل في أول العظم ينتشر مباشرةً مثل النار في الهشيم، فرفضت، فقلنا: لا بد، وأخيراً قطعت من ذلك المكان، وكان بالإمكان أن تقطع من طرفها وتسلم، لكن الرحمة السطحية وعدم التعقل يجعل الفساد والشر ينتشر وبالتالي يقضي على الجسد كله.

الأمن والاستقرار .. من ثمار تطبيق الحدود

وهذه المجتمعات أيها الإخوة: كالأجساد إذا عولجت أمراضها بعلاج الله الرباني الذي شرعه في كتابه بقطع دابر الفساد، والقضاء على الجرثومة من أولها سلمت المجتمعات.

وهاهو واضحٌ أمام أعينكم ما تعيشونه من أمن واستقرار في هذه البلاد المباركة بسبب تطبيق شريعة الله، وما قُطعت رقاب الناس كلهم، فكم يقطع في السنة؟ لا شيء، تظلون سنين وأياماً لا ترون قطعاً ولا ترون قتلاً، لماذا؟ لأن كل واحد يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على القتل، ويفكر ألف مرة قبل أن يقدم على السرقة، أو الزنا، فالسارق يعرف وهو يسرق أنه سيقبل يده وينظر إليها نظرة وداع، لن يراها إلا في الآخرة فيقول: لا والله إن يدي أغلى من السرقة، وإذا كان يريد أن ينتقم من عدو أغضبه أو من زميل جرحه فيفكر وهو يريد أن يقتل أنه غداً مربوط في الخشبة، وأن السيف ينسف رأسه، وأن البندقية تخرق بطنه وتخرج كبده أمامه فيقول: لا أفعل الجريمة، لكن لو لم توجد شريعة فإنه لمجرد أي غضب يقتل، يقول: يا شيخ! اقتله والدية في الجيب والجماعة كثير، والواسطة كبيرة كما يحصل في بعض البلدان، يا شيخ اسرق وأعط المسئول من السرقة وسوف تمشي الأمور بيسر، وبالتالي تزهق الأرواح يوم أن نرحم روحاً واحدة ويوم أن نرحم سارقاً واحداً تنهب الأموال كلها، وتسفك الدماء وتنتهك الأعراض ويعيش الناس في قلق وفوضى وخوف وعدم أمن لتعطيل علاج الله الذي عالج الله به أمراض هذه المجتمعات.

ويقول لي أحد الإخوة الزملاء في العمل وقد سافر ليقضي إجازته في تركيا -من الإخوة الوافدين- يقول: جلست شهراً متنقلاً بين الشام وتركيا وأنا في قلق، يقول: والله ما عرفت طعم النوم وراحته وأمنه إلا عندما دخلت وتجاوزت حدود السعودية، وجئت ووقفت بسيارتي على جنب ونزلنا وفرشنا أنا والأولاد ونمنا نومة ما لي بها عهد، قلت: لماذا؟ قال: كنت أنام وأنا خائف، أنام وأنا منتظر من يذبحني ويأخذ حقي، يقول: ولو رأى في جيبي علبة دخان لظنها دولارات، لكن لما دخلت السعودية، السيارة مفتوحة وأنا نائم وأولادي نيام ولا يأتيني شيء، لماذا؟ لأسباب العلاج العظيم الذي شرعه الله عز وجل لتطهير المجتمعات.

وإن من أعظم نعم الله على هذه الأمة أن كشف الله لها أمر هؤلاء المجرمين الذين خططوا ودبروا من أجل إرهاب عباد الله الآمنين في بلد الله الآمن في شهر الله الآمن المحرم، بينما حجاج بيت الله من كل أرض من أقصاها إلى أقصاها، كل مسلم يجهز لنفسه مالاً حلالاً، ويتحلل من التبعات، ويستسمح أهل الحقوق، ويأخذ معه كتب العلم، ويسأل كيف يؤدي هذه الشعيرة، ويأتي إلى هذا المكان الطاهر من أجل أن يطوف بالبيت، ويقف بـعرفات ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويرمي الجمار، وهو مبتهل إلى الله، خائف منه، يرجو رحمة الله ويخشى عقاب الله، كان هؤلاء المجرمون يجهزون الألغام والمتفجرات ويتدربون عليها نظرياً وعملياً، ويحملونها ويهربونها ويدخلون إلى بيت الله الحرام باسم حجاج يأتون إلى بيت الله، ويبحثون عن الحرم الشريف من كل جانب ليختاروا المكان الذي يستطيعون أن يفجروا فيه، ماذا يفجرون؟ يفجرون ويقطعون أجساد المسلمين، يذبحون المؤمنين عند أعظم مكان حرم فيه حتى ذبح الحمامة، تنظرون الحمام بالحرم لا أحد يجرؤ على صيدها، الحمام من ذبحها يذبح بدلاً منها شاة فدية، فكيف بذبح مسلم؟ كيف بترويع مسلم؟ كيف بتفجير منطقة من أجل أن تأخذ الناس وتزعزع أمنهم وتلطخ بهم الجدران، وتقطعهم، وتسيل دماءهم من أجل ماذا؟

تشريع الحدود رحمة

ثم نسمع بعض الناس يقول: إنها قسوة، وأقول: إن من يرحم هؤلاء مجرم؛ لأن أرحم الراحمين هو الذي سن هذه الشريعة، فهذه الشريعة سيقت لهم، يقول الله عز وجل: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا [المائدة:33] وليس أن يقتَلوا بل يُقَتَّلُوا بتقطيعهم قطعة قطعة حتى يذوقوا وبال أمرهم، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو أرحم خلق الله بخلق الله، حتى قال الله فيه: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] لكنه في حدود الله لا تأخذه في الله لومة لائم.

قدم مجموعة من العرنيين عليه صلى الله عليه وسلم وكأنهم اجتووا المدينة ، يعني: ما ناسبتهم المدينة، انتفخت بطونهم وصار فيهم وباء، رحمهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأشفق عليهم فأخذ مجموعة من الإبل وأعطاها لراع من الصحابة وقال: اخرج بهم في طرف المدينة لتأكل هذه الإبل من أشجار البادية ويشربون من ألبانها وأبوالها لعلهم يسلمون، وفعلاً شربوا من لبن الإبل فذهبت الأمراض عنهم، وانتفخت أجسادهم بالقوة والعضلات، وبعد ذلك قلبوا ظهر المجن وقتلوا الراعي وساقوا الإبل وسرقوها وسملوا عينيه، أخذوا حديداً وأحموه في نار وأدخلوه في عينيه بعدما قتلوه، فبلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم مجموعة من الصحابة منهم علي وعمار وجيء بهم، ولما جيء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حكَّم فيهم شرع الله فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم سمل أعينهم، ثم تركهم في الشمس حتى ماتوا عقوبة لهم وردعاً لأمثالهم، ولهذا يقول الله: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33] هذه وجبة الإفطار والعشاء في جهنم، فنحمد الله الذي لا إله إلا هو الذي يسر للقائمين في هذه البلاد أمر القبض على هؤلاء واكتشافهم، وهذا من نعم الله، ودليل على أن الله يرعى هذه البلاد إذ لو لم تكن هناك إعانة ورعاية من الله فمن يكشفهم وسط هذه الجموع وهذه الملايين، لكن ربك بالمرصاد، ثم نشكر المسئولين على تنفيذ أمر الله بدون مجاملة؛ لأنه والله لو لم يقتل هؤلاء لجاءنا السنة الآتية أكثر منهم وبالتالي يكثر الفساد، لكن اقطعها تبرأ، ولن ترى مجرماً -بإذن الله- لأنه يعرف أن رأسه سيرمى به مثل الكرة، والله يقول: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً [الإسراء:8].

فنسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يديم علينا وعليكم وعلى المسلمين في جميع ديار المسلمين أمننا واطمئناننا واستقرارنا، وأن يوفق حكام المسلمين للعمل بشريعة الله عز وجل وتحكيمها في شعوبهم، كما نسأله أن يوفق حكام هذه البلاد لزيادة التمسك والعمل بدين الله عز وجل وإعلاء كلمة الله؛ فإنهم في ذلك إنما يحققون ما أمر الله به من العدل والإنصاف والحياة المستقيمة على وجه هذه الأرض.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الأولى] 2068 استماع
سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الثالثة] 1476 استماع