المسلمون بين التشديد والتيسير


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:71].

صفة البشرية

أيها الإخوة! الله تبارك وتعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، إن هذه الآية تلخص لنا حقيقة الرسالة المحمدية التي امتن الله بها على البشرية كلها، فأقامها هدايةً للمهتدين وحجةً على المعاندين، إنها تلخص حقيقة هذه الرسالة، وتبين صفة هذا الرسول وأنه من أنفسنا، فهو من البشر، وليس ملكاً من الملائكة، ولا خلقاً آخر غير البشر، وذلك حتى يكون مجالاً للاهتداء بهديه والاستنان بسنته، ولئلا يقول منقول: إن هذا الرسول يستطيع ما لا يستطيعه البشر، أو يملك ما لا يملكه البشر، ولذلك وصفه الله سبحانه وتعالى بالبشرية، في غير ما آية من كتاب الله، وأمره أن يعلن على الملأ أنما هو بشر كسائر البشر، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] فهو من أنفسنا من هذا الاعتبار، وهو من أنفسنا -أيضاً- باعتباره من جنس العرب الذين بعث فيهم، ونـزل القرآن بلغتهم، فالحجة عليهم أكبر من غيرهم من الشعوب والأجناس الأخرى.

الحرص على الأمة ورحمته بها

ثم وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] أولاً: يشق عليه صلى الله عليه وسلم ويعنته ويحرجه كل أمر يشق على أمته ويحرجها ويعنتها.

وهو حريص على أمته، وعلى جلب المصالح لها، وعلى دفع المفاسد والمساوئ عنها. (بالمؤمنين رؤوف رحيم).

أيها الإخوة.. نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم من جميع الضالين والمبتدعين، الذين يزعمون أنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرجون به عن الحدود التي وصفه الله سبحانه وتعالى بها ليمنحوه شيئاً من خصائص الألوهية، فيدعون أنه يعلم شيئاً من الغيب، أو أنه يعلم الغيب كله، أو أنه يعلم المغيبات الخمس التي لا يعلمها إلا الله، أو يصرفون له شيئاً من ألوان العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تبارك وتعالى.

ولذلك فإنني أقول: إن من واجبنا نحن أهل السنة أن نكثر من الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نكثر من ذكره، وذكر فضائله ومحاسنه ومناقبه وصفاته صلى الله عليه وسلم، وأن نرقق بها قلوبنا، ونربي عليها أولادنا، ونخلص له الحب من أعماق قلوبنا.

ومن واجبنا ألا يكون كلامنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدحنا له وثناؤنا عليه رد فعل لما يدعيه الأقوام المبتدعون من أننا لا نحبه، كلا! يجب أن نقوم ابتداءً بواجب المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وواجب الثناء عليه، وواجب اتباعه وواجب الصلاة عليه، كما ذكر في الصلاة وغيرها، وهذا بعض حقه علينا صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة! الله تبارك وتعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، إن هذه الآية تلخص لنا حقيقة الرسالة المحمدية التي امتن الله بها على البشرية كلها، فأقامها هدايةً للمهتدين وحجةً على المعاندين، إنها تلخص حقيقة هذه الرسالة، وتبين صفة هذا الرسول وأنه من أنفسنا، فهو من البشر، وليس ملكاً من الملائكة، ولا خلقاً آخر غير البشر، وذلك حتى يكون مجالاً للاهتداء بهديه والاستنان بسنته، ولئلا يقول منقول: إن هذا الرسول يستطيع ما لا يستطيعه البشر، أو يملك ما لا يملكه البشر، ولذلك وصفه الله سبحانه وتعالى بالبشرية، في غير ما آية من كتاب الله، وأمره أن يعلن على الملأ أنما هو بشر كسائر البشر، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] فهو من أنفسنا من هذا الاعتبار، وهو من أنفسنا -أيضاً- باعتباره من جنس العرب الذين بعث فيهم، ونـزل القرآن بلغتهم، فالحجة عليهم أكبر من غيرهم من الشعوب والأجناس الأخرى.

ثم وصفه الله تبارك وتعالى بقوله: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] أولاً: يشق عليه صلى الله عليه وسلم ويعنته ويحرجه كل أمر يشق على أمته ويحرجها ويعنتها.

وهو حريص على أمته، وعلى جلب المصالح لها، وعلى دفع المفاسد والمساوئ عنها. (بالمؤمنين رؤوف رحيم).

أيها الإخوة.. نحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم من جميع الضالين والمبتدعين، الذين يزعمون أنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرجون به عن الحدود التي وصفه الله سبحانه وتعالى بها ليمنحوه شيئاً من خصائص الألوهية، فيدعون أنه يعلم شيئاً من الغيب، أو أنه يعلم الغيب كله، أو أنه يعلم المغيبات الخمس التي لا يعلمها إلا الله، أو يصرفون له شيئاً من ألوان العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تبارك وتعالى.

ولذلك فإنني أقول: إن من واجبنا نحن أهل السنة أن نكثر من الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نكثر من ذكره، وذكر فضائله ومحاسنه ومناقبه وصفاته صلى الله عليه وسلم، وأن نرقق بها قلوبنا، ونربي عليها أولادنا، ونخلص له الحب من أعماق قلوبنا.

ومن واجبنا ألا يكون كلامنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدحنا له وثناؤنا عليه رد فعل لما يدعيه الأقوام المبتدعون من أننا لا نحبه، كلا! يجب أن نقوم ابتداءً بواجب المحبة للرسول صلى الله عليه وسلم وواجب الثناء عليه، وواجب اتباعه وواجب الصلاة عليه، كما ذكر في الصلاة وغيرها، وهذا بعض حقه علينا صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة.. إن الله تبارك وتعالى بيّن رحمة رسوله صلى الله عليه وسلم بأمته، بل وبالخلق أجمعين في هذه الآية وفي غيرها، ولقد وقف الناس إزاء دعوته التي جاءت رحمة للعالمين وإنقاذاً للبشرية، أحد موقفين:

موقف الرفض والإنكار

الموقف الأول: موقف المتولين الرافضين لدعوته، المتنكرين لها، المعرضين عنها، وهؤلاء هم الكافرون به صلى الله عليه وسلم على اختلاف أجناسهم ومللهم ونحلهم، وهؤلاء لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، ولا أن ينيرها بهذا الوحي المنـزل من عنده، وهؤلاء لا شك حرموا من خير كثير.. من يسر هذا الدين وسماحته، حرموا من ذلك في الدنيا، وحرموا من لذة الإيمان بالله ورسوله، ولذة المتابعة، ولذة الطاعة، وابتلوا بنكد العيش وضيق الدنيا وجور الأديان، كما أنهم حرموا نعيم الجنة ورضوان الله والنظر إليه يوم القيامة، حرماناً أبدياً، ولا مطمع لهم في إدراك شيء من ذلك البتة، ومثل هؤلاء نقول عنهم: إنهم لم يصبهم من يسر الإسلام وسماحته إلا القليل مما قد يكون أصابهم من أنواره، أما حقيقة الدين والسعادة به في الدنيا والنجاة به في الآخرة، فهم -والعياذ بالله- محرومون منها.

موقف الصدق والاتباع

أما الفئة الثانية: فهي فئة المؤمنين بهذا الدين المتبعين المصدقين لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لهم من النور واليسر والخير والنعيم والنجاة في الدنيا والآخرة بقدر إخلاص والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وبقدر محبته، وهؤلاء -أيضاً- انقسموا إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: من جهلوا أو تجاهلوا حقيقة هذه الآية: رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] جهلوا معنى هذه الآية، وجهلوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالتيسير، فشددوا على أنفسهم، فشدد الله تبارك وتعالى عليهم، وأصابهم من الأسباب الشرعية والقدرية ما جعل كثيراً من أمورهم تصعب وتتعسر كما سنبين من خلال الحديث.

الصنف الثاني: من فهموا هذه الآية، ولكنهم نسوا حقيقة التيسير في الإسلام، وأنَّ التيسير في الحقيقة ليس بما تهواه النفوس، وتميل إليه القلوب، وتطمح إليه الشهوات، إنما هو بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فالآية نصت على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ [التوبة:128] أي: يشق عليه ما يعنتكم ويحرجكم وهو لم يأتكم إلا باليسر، نسوا هذا الأمر، ونسوا أن معنى الآية أن كل أمر في الدين فهو يسر، فوسعوا على أنفسهم بما لم يوسع الله به عليهم، وهؤلاء -أيضاً- لم يخلصوا المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

الصنف الثالث: هم الأمة الوسط أهل السنة والجماعة الذين جردوا المتابعة له صلى الله عليه وسلم، وتخلصوا من شهوات نفوسهم ورق قلوبهم، وأرغموا أنفسهم على المتابعة التامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المنشط والمكره، وفيما يحبون وفيما يكرهون، وفيما تهوى أنفسهم وفيما لا تهوى، وهؤلاء حقاً هم أهل المتابعة، وهم الذين حققوا معنى شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا منهم.

الموقف الأول: موقف المتولين الرافضين لدعوته، المتنكرين لها، المعرضين عنها، وهؤلاء هم الكافرون به صلى الله عليه وسلم على اختلاف أجناسهم ومللهم ونحلهم، وهؤلاء لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، ولا أن ينيرها بهذا الوحي المنـزل من عنده، وهؤلاء لا شك حرموا من خير كثير.. من يسر هذا الدين وسماحته، حرموا من ذلك في الدنيا، وحرموا من لذة الإيمان بالله ورسوله، ولذة المتابعة، ولذة الطاعة، وابتلوا بنكد العيش وضيق الدنيا وجور الأديان، كما أنهم حرموا نعيم الجنة ورضوان الله والنظر إليه يوم القيامة، حرماناً أبدياً، ولا مطمع لهم في إدراك شيء من ذلك البتة، ومثل هؤلاء نقول عنهم: إنهم لم يصبهم من يسر الإسلام وسماحته إلا القليل مما قد يكون أصابهم من أنواره، أما حقيقة الدين والسعادة به في الدنيا والنجاة به في الآخرة، فهم -والعياذ بالله- محرومون منها.

أما الفئة الثانية: فهي فئة المؤمنين بهذا الدين المتبعين المصدقين لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء لهم من النور واليسر والخير والنعيم والنجاة في الدنيا والآخرة بقدر إخلاص والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وبقدر محبته، وهؤلاء -أيضاً- انقسموا إلى ثلاثة أصناف:

الصنف الأول: من جهلوا أو تجاهلوا حقيقة هذه الآية: رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] جهلوا معنى هذه الآية، وجهلوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالتيسير، فشددوا على أنفسهم، فشدد الله تبارك وتعالى عليهم، وأصابهم من الأسباب الشرعية والقدرية ما جعل كثيراً من أمورهم تصعب وتتعسر كما سنبين من خلال الحديث.

الصنف الثاني: من فهموا هذه الآية، ولكنهم نسوا حقيقة التيسير في الإسلام، وأنَّ التيسير في الحقيقة ليس بما تهواه النفوس، وتميل إليه القلوب، وتطمح إليه الشهوات، إنما هو بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فالآية نصت على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ [التوبة:128] أي: يشق عليه ما يعنتكم ويحرجكم وهو لم يأتكم إلا باليسر، نسوا هذا الأمر، ونسوا أن معنى الآية أن كل أمر في الدين فهو يسر، فوسعوا على أنفسهم بما لم يوسع الله به عليهم، وهؤلاء -أيضاً- لم يخلصوا المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

الصنف الثالث: هم الأمة الوسط أهل السنة والجماعة الذين جردوا المتابعة له صلى الله عليه وسلم، وتخلصوا من شهوات نفوسهم ورق قلوبهم، وأرغموا أنفسهم على المتابعة التامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المنشط والمكره، وفيما يحبون وفيما يكرهون، وفيما تهوى أنفسهم وفيما لا تهوى، وهؤلاء حقاً هم أهل المتابعة، وهم الذين حققوا معنى شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا منهم.

أيها الإخوة.. لقد علمتم من خلال هذا العرض السريع، لمواقف الناس وأصنافهم، ولاحظتم من خلال هذه الآية أن المسلمين من أهل القبلة يختلفون في فهمهم ليسر الإسلام وسماحته، فمن مسلم شدد على نفسه، فشدد الله عليه، إلى ميسر بغير بينة ولا برهان، إلى الأمة الوسط التي تعتبر التشديد والتيسير أمراً لا يخضع لأهواء البشر، وإنما يخضع للنصوص الشرعية التي جاءت من عند الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءنا بهذا الدين من عند الله الذي خلق البشر وعلم خصائصهم وصفاتهم وطبائعهم، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] .. بلى يعلم سبحانه، وقال: قُلْ أَنـزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الفرقان:6] لا تخفى عليه خافية.

لقد خلق الله جنس الإنسان من لدن أبينا آدم عليه السلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بصفات هو بها أعلم، ووصف الإنسان في محكم تنـزيله بالضعف والجهل والعجلة والظلم والنقص، وخلق الإنسان كما في الحديث الصحيح: {خلقاً لا يتمالك}.. خلق الإنسان محتاجاً للطعام ومحتاجاً للشراب ومحتاجاً للنوم ومحتاجاً للزوجة ومحتاجاً للأنس والترويح، ساعة بعد ساعة، ومحباً للمال والأهل والولد والمتاع، قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [آل عمران:14] فالإنسان بطبعه بشر من البشر، فيه ضعف البشر، ونقصهم، وجهلهم، وحاجتهم، لا ينفك عن هذه الخصائص مهما ارتقى في مراقي العبودية والإخلاص لله تبارك وتعالى.

نزول الدين موافقاً لخصائص البشر

وإذا كان الذي خلق الإنسان بهذه الخصائص هو الله عز وجل، وهو الذي أنـزل الدين، وهو الذي أنـزل الإسلام وغيره من الأديان السابقة، فمما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين موافقاً لخصائص البشر التي جبلهم عليها، وملبياً لحاجتهم، موافقاً فيما جبلوا عليه من نقص، أو كمال وأباح الله عز وجل للناس زينتهم التي أخرجها لعباده قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32].

ونـزل الدين ملبياً للرغبات البشرية بالطريقة المشروعة، شريطة أن يقف الناس عند الحلال ولا يتجاوزوه إلى الحرام، وقد وصف الله المؤمنين المستحقين للفردوس والخلود فيها بقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] إلى أن قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] لم تقف الآية عند هذا الحد بل استثنى الذي خلق الإنسان وهو اللطيف الخبير- لما يعلم من طبيعة الإنسان وجبلته فقال: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:6] ثم قال (وانظر إلى هذا التعقيب): فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6] أي: لا يلامون في هذا؛ لأنها جبلة خلقها الله عز وجل فيهم لحكمة، وأنـزل الأديان لتنظيم هذه الغريزة وأن تأخذ طريقها المشروع، فلا تنحرف إلى الحرام، ولم ينـزل الدين ليكبس هذه الغريزة ويمنعها، بل لينظمها بالطريق المشروع، وهو الزواج أو ما ملكت اليمين من الإماء.

الرهبانية المبتدعة

ولقد نعى الإسلام على الذين يميلون إلى التزهد والتبتل، ورفض الحياة الدنيا، ويلزمون أنفسهم بما لم يلزمهم الله به، فقال الله عز وجل: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27] ولقد رد الرسول صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، يقول بعض الصحابة: ولو أذن له لاختصينا.

لقد قاوم الإسلام هذا المنـزلق الخطير من المزالق التي تردى فيها عباد اليهود والنصارى، حتى وصل بهم الحال إلى صور فظيعة من صور التزهد والترهب، يذكر بعض المؤرخين منها ما تقشعر منه الأبدان.

اسمعوا إلى أين وصل أولئك القوم الذين لم يرضوا بحكم الله، ولا بحكم رسوله، ولا بشرعه، فبلغ بهم الغلو في الدين إلى حد أن انقطعوا في الأديرة والصوامع، ووصلوا إلى الحال التي يقول عنها بعض المؤرخين ما يلي:

قصص مزرية عن الرهبان

يقول أحد المؤرخين عن راهب من رهبان النصارى يقال له مكاريوس: إن هذا الراهب نام ستة أشهر في مستنقع، ليقرص جسمه العاري ذباب سام، وهو يعتبر أن هذا من التخلص من الدنيا ومن التقرب إلى الله عز وجل بتعذيب الجسم، وكان يحمل قدراً كبيراً من الحديد على رأسه باستمرار.

وهناك راهب آخر أقام ثلاثة أعوام في بئر نـزح منه الماء يترهبن ويتعبد، وجلس أحد الرهبان سنين قائماً على رجله، لم ينم ولم يقعد طول هذه المدة، وإذا تعب أسند ظهره إلى الجدار، ثم واصل العبادة فيما يزعم ويظن، وكان كثير من هؤلاء القوم يتسترون بشعرهم الطويل الذين يرسلونه باستمرار، ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام، ويسكنون في مغارات السباع والآبار والمقابر، ويأكلون الحشيش والكلأ، ويتأثمون من لمس الماء، ويعتبرون هذا منافياً لنقاء الروح، ويتأثمون من غسل الأعضاء، حتى قال أحدهم: إن الراهب فلاناً لم يغسل الرجلين طول عمره وقال آخر: إن فلان لم يمس وجه الماء ولا رجله مده خمسين عاماً، وبعدما ضعفت هذه الروح عندهم، قام أحد رهبانهم يتأسف على الأيام التي مضت، لهؤلاء الأقوام الذين فرضوا على أنفسهم نوعاً من الرهبانية لم يأذن به الله، ويقول: وآأسفاه! لقد كنا في زمن نعد غسل الوجه، حراماً، فإذا بنا الآن ندخل في الحمامات! وينعى على نفسه هذه الحال.. إلى آخر ما يذكر المؤرخون عن حال هؤلاء الأقوام.

إننا قد نستغرب هذه الصورة، وهي ليست إلا صورة واحدة من صور كثيرة عج بها تاريخ النصارى، والذين كان الرهبان عندهم يعدون بعشرات الآلاف، بل كان أحد الرهبان يحكم تحت يده أكثر من عشرة الآلاف راهب، وكانوا كهلم بهذه المثابة قد تركوا الدنيا، وتركوا الزواج، والأموال والأولاد والمتاع وكل شيء، وتخلصوا لما يزعمون، أو يرون أنه عبادة، وهذه صورة ناطقة تمثل جزءاً من قوله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:1-7].. كما قال ذلك بعض السلف.

ويقول أحد المؤرخين أيضاً: إن هؤلاء الرهبان الذين كان الواحد منهم مثالاً في رقة القلب والزهد في الدنيا قد عدوا عدُّ الفضائل عيوباً ورذائل، وزهد الناس في البشاشة وخفة الروح والصراحة والسماحة والشجاعة والجرأة وهجروها.

من نتائج الرهبانية

كان من أهم نتائج هذه الرهبانية أن تزلزلت دعائم الحياة المنـزلية، وعمت القسوة على الأقارب، وكان الرهبان الذين تفيض قلوبهم حناناً ورقة ورحمة، وتفيض عيونهم من الدمع؛ تقسو قلوبهم وتحمد عيونهم أمام الآباء والأمهات والأولاد، فيخلفون الأمهات ثكالى، والأزواج أيامى، والأولاد يتامى عالة يتكففون الناس، ويتوجهون قاصدين الصحراء، همهم الوحيد -فيما يزعمون- أن ينقذوا أنفسهم، لا يبالون إن ماتوا أو عاشوا، وحكى بعضهم من ذلك حكايات تدمع العين وتحزن القلب.

وإذا كان الذي خلق الإنسان بهذه الخصائص هو الله عز وجل، وهو الذي أنـزل الدين، وهو الذي أنـزل الإسلام وغيره من الأديان السابقة، فمما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الدين موافقاً لخصائص البشر التي جبلهم عليها، وملبياً لحاجتهم، موافقاً فيما جبلوا عليه من نقص، أو كمال وأباح الله عز وجل للناس زينتهم التي أخرجها لعباده قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32].

ونـزل الدين ملبياً للرغبات البشرية بالطريقة المشروعة، شريطة أن يقف الناس عند الحلال ولا يتجاوزوه إلى الحرام، وقد وصف الله المؤمنين المستحقين للفردوس والخلود فيها بقوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ [المؤمنون:1] إلى أن قال: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ [المؤمنون:5] لم تقف الآية عند هذا الحد بل استثنى الذي خلق الإنسان وهو اللطيف الخبير- لما يعلم من طبيعة الإنسان وجبلته فقال: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:6] ثم قال (وانظر إلى هذا التعقيب): فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون:6] أي: لا يلامون في هذا؛ لأنها جبلة خلقها الله عز وجل فيهم لحكمة، وأنـزل الأديان لتنظيم هذه الغريزة وأن تأخذ طريقها المشروع، فلا تنحرف إلى الحرام، ولم ينـزل الدين ليكبس هذه الغريزة ويمنعها، بل لينظمها بالطريق المشروع، وهو الزواج أو ما ملكت اليمين من الإماء.

ولقد نعى الإسلام على الذين يميلون إلى التزهد والتبتل، ورفض الحياة الدنيا، ويلزمون أنفسهم بما لم يلزمهم الله به، فقال الله عز وجل: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا [الحديد:27] ولقد رد الرسول صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، يقول بعض الصحابة: ولو أذن له لاختصينا.

لقد قاوم الإسلام هذا المنـزلق الخطير من المزالق التي تردى فيها عباد اليهود والنصارى، حتى وصل بهم الحال إلى صور فظيعة من صور التزهد والترهب، يذكر بعض المؤرخين منها ما تقشعر منه الأبدان.

اسمعوا إلى أين وصل أولئك القوم الذين لم يرضوا بحكم الله، ولا بحكم رسوله، ولا بشرعه، فبلغ بهم الغلو في الدين إلى حد أن انقطعوا في الأديرة والصوامع، ووصلوا إلى الحال التي يقول عنها بعض المؤرخين ما يلي:

يقول أحد المؤرخين عن راهب من رهبان النصارى يقال له مكاريوس: إن هذا الراهب نام ستة أشهر في مستنقع، ليقرص جسمه العاري ذباب سام، وهو يعتبر أن هذا من التخلص من الدنيا ومن التقرب إلى الله عز وجل بتعذيب الجسم، وكان يحمل قدراً كبيراً من الحديد على رأسه باستمرار.

وهناك راهب آخر أقام ثلاثة أعوام في بئر نـزح منه الماء يترهبن ويتعبد، وجلس أحد الرهبان سنين قائماً على رجله، لم ينم ولم يقعد طول هذه المدة، وإذا تعب أسند ظهره إلى الجدار، ثم واصل العبادة فيما يزعم ويظن، وكان كثير من هؤلاء القوم يتسترون بشعرهم الطويل الذين يرسلونه باستمرار، ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام، ويسكنون في مغارات السباع والآبار والمقابر، ويأكلون الحشيش والكلأ، ويتأثمون من لمس الماء، ويعتبرون هذا منافياً لنقاء الروح، ويتأثمون من غسل الأعضاء، حتى قال أحدهم: إن الراهب فلاناً لم يغسل الرجلين طول عمره وقال آخر: إن فلان لم يمس وجه الماء ولا رجله مده خمسين عاماً، وبعدما ضعفت هذه الروح عندهم، قام أحد رهبانهم يتأسف على الأيام التي مضت، لهؤلاء الأقوام الذين فرضوا على أنفسهم نوعاً من الرهبانية لم يأذن به الله، ويقول: وآأسفاه! لقد كنا في زمن نعد غسل الوجه، حراماً، فإذا بنا الآن ندخل في الحمامات! وينعى على نفسه هذه الحال.. إلى آخر ما يذكر المؤرخون عن حال هؤلاء الأقوام.

إننا قد نستغرب هذه الصورة، وهي ليست إلا صورة واحدة من صور كثيرة عج بها تاريخ النصارى، والذين كان الرهبان عندهم يعدون بعشرات الآلاف، بل كان أحد الرهبان يحكم تحت يده أكثر من عشرة الآلاف راهب، وكانوا كهلم بهذه المثابة قد تركوا الدنيا، وتركوا الزواج، والأموال والأولاد والمتاع وكل شيء، وتخلصوا لما يزعمون، أو يرون أنه عبادة، وهذه صورة ناطقة تمثل جزءاً من قوله تعالى: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:1-7].. كما قال ذلك بعض السلف.

ويقول أحد المؤرخين أيضاً: إن هؤلاء الرهبان الذين كان الواحد منهم مثالاً في رقة القلب والزهد في الدنيا قد عدوا عدُّ الفضائل عيوباً ورذائل، وزهد الناس في البشاشة وخفة الروح والصراحة والسماحة والشجاعة والجرأة وهجروها.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع