عشرون كلمة عتاب للرجل والمرأة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عنوان هذه الكلمة المختصرة "عشرون كلمة عتاب للمرأة" وحديثي موجهٌ إلى الأخت المسلمة بالذات.

أيها الأحبة.. أيها الأخوات الكريمات! إننا جميعاً يجب أن نكون أول المدافعين عن قضايا المرأة من منطلق الإسلام والرسالة التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم فجاءت لإقامة العدل والقسط بين الناس.. وليس في مجتمع الإسلام فصام بين الرجل والمرأة، فإرضاء الرجل لا يعني إسخاط المرأة، وإرضاء المرأة لا يعني إسخاط الرجل، ولا يجوز أن نجعل منهما طرفين متناقضين، بل هما يسيران جنباً إلى جنب على سنن الوفاق والوئام والانسجام.

وثمة رسائل كثيرة واتصالات متعددة تأتيني من بعض الإخوة من الرجال، ويزعمون ويقولون: إنني قد أعطيت المرأة حقها، ولكنني بخست الرجال، ولم أتحدث عن حقوقهم!

نعم! يقول لي أحد الإخوة: لقد تكلمت في محاضرة طويلة بعنوان أنصفوا المرأة، وبينت ما للمرأة من حقوق؛ زوجة كانت أو أماً أو أختاً أو بنتاً أو غير ذلك، ثم طيبت خواطرنا في آخر المحاضرة بوعد مفتوحٍ أن تتكلم عن حقوق الرجل، ووجوب إنصاف الرجل، والقيام بواجباته ولكنك لم تفعل، وعلى أي حال فإنني أقول: إن الرجل والمرأة هما كما ذكر الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] فمن هو الذي يستطيع أن يتصور الحياة بدون امرأة؟! فالأم كانت قبل وجودك، والزوجة كانت بعد وجودك، والبنت فرعٌ عنك؛ ولهذا فالإنسان يعتبر أن إنصاف المرأة إنصاف له هو، فهو إنصاف لأمه وأخته وابنته وزوجه؛ ولكن مع ذلك فإن هذا لا يمنع أبداً عن الحديث عن شئون الرجال وشجونهم.

أقول للأخوات الكريمات: إن الحديث الذي سوف أسوقه الآن هو حديث يجري على ألسنة الرجال، وما أنا فيه إلا ناقلٌ ومعبر عما يقولون ويتحدثون، وقد يكونون مصيبين أو مخطئين، والحديثُ إذا كان نصحاً للمرأة فهو إنصاف لها أيضاً قبل أن يكون إنصافاً للرجل، ولنا مع الرجال أيضاً حديث خاص فسيكون حديثي في الليلة القادمة إن شاء الله تعالى هو مع الإخوة الرجال، أما اليوم، فهذه عشرون كلمة عتاب تحدث بها إليَّ جمعٍ من الإخوة، ولا أكتم سراً إذا قلت لكم: إنني أنظر بعيني فأرى عدداً منهم بين يدي الآن حاضرين ينتظرون هذا الحديث، هم يوجهون أسئلة وانتقادات لبعض أهليهم، وما أنا إلا ناقل ومعبر.

الاهتمام بالمنزل

أولاً: يقول أحدهم: لماذا البيت غير منظم؟ والملابس ملقاة فيه كيفما اتفق؟ والمناديل موزعة على أرجاء المنـزل؟ وصناديق القمامة ممتلئة؟ والأواني المنـزلية متفرقة؟ وملابس الأطفال أجدها هنا وهناك؟ يقول: أين دور المرأة في تصفيف هذه الأشياء وتنظيمها، والعناية بالمنـزل ونظافته؛ حتى إذا دخل إليهم إنسان انشرح صدره؟

إن هذا المنظر التي تقع عليه عيني يعطي انطباعاً بالإهمال، وعدم العناية بالمنـزل، وعدم ترتيب الأثاث، أو تنظيف المداخل والأفنية والصالات وغيرها.

الاهتمام بالطعام

ثانياً: وآخر يقول في كلمة أخرى: لماذا الطعام يُقدَّم لي مرة وهو بارد، ومرة أخرى أجلس ساعة أو أكثر وأنا في انتظار نضجه؟ ولماذا يكون الطعام نوعاً واحداً لا يتغير ليس فيه تغييرٌ ولا تجديد، مع أن البيت ممتلئ -بحمد الله- بألوان الأطعمة والمأكولات والأشربة والخيرات التي امتن الله تعالى بها علينا؟

إن الإنسان بطبيعته يحب التغيير والتنويع والتجديد، حتى ولو في طريقة تقديم الطعام، أو في الأواني التي يقدم فيها، أو في أي شئ أخر يضاف إليه أو يغير، أو يبدل؛ فيشعر الزوج بأن ثمة تجديداً فيما يقدم له.

الاهتمام بالطفل

ثالثٌ يقول: الأطفال وما أدراك ما الأطفال! لماذا أفاجأ دائماً بأن ملابس الأطفال غير نظيفة، ووجوههم متسخة، وشعورهم شعثة، وليس هناك روائح طيبة تنبعث منهم؟

إنني أحب أن أرى أطفالي وكأنهم زهرات تنضح بالروائح الطيبة، فإذا رآهم أبوهم سر لذلك، وإذا قدمهم للآخرين قدمهم بكل فخرٍ واعتزاز.

إنني أخجل حينما يرى أصدقائي أطفالي، فيرون فيهم تلك المظاهر التي لا يسرني أن أراها في أطفال الآخرين، وإذا كان ذلك كذلك بالنسبة لملابس الطفل أو شعره أو حذائه أو جسده، فكيف ما يتعلق بتربية الطفل، الكلمات التي يطلقها في لسانه؟!

إن طفلي لا يجيد قراءة القرآن الكريم، ولا حتى قصار السور لا يستطيع أن يقولها، ولا يحفظ شيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف بعض القصائد والأبيات والأناشيد الإسلامية، ولا يحسن كيف يرد على من يتحدثون معه رداً حسناً جميلاً، لا يعرف كلمة جزاك الله خيراً، ولا يعرف كلمة أحسنت، ولا يعرف كلمة شَكَرَ الله لك، ولا يعرف الرد وإذا سئل كيف أنت؟ كيف حالك؟ عساك بخير؟ كيف أهلك؟ ما اسمك؟ ما اسم عائلتك؟ أين تدرس؟ ماذا تعمل؟ إنه لا يجيد راداً على ذلك كله، وإنما يردد كلماتٍ سوقية وألفاظٍ مبتذلة حفظها من أولاد الجيران، أو من أولاد الشارع.

وإذا كان هذا طفلي وهو في هذا السن، فإذا كبر فمن سوف يعلمه؟ من سوف يحل واجباته؟ من سوف يربيه؟ من سوف يؤدبه؟ من سوف يحمله على الصلاة، وعلى الصيام، وعلى طاعة الله، وينهاه عن معصية الله تعالى؟

الاهتمام بزينتها وملابسها

أما أخي الرابع: فإنه يقول: إنني أدخل على زوجتي فأجدها هي هي، الملابس قد حفظتها، وحفظت أشكالها وتقاسيمها وألوانها وخطوطها، ليس هناك تغيير لهذه الملابس، ولا عناية بها بحالٍ من الأحوال، بل إنني أجد أن الملابس الكثيرة التي اشتريتها بأغلى الأثمان لا أراها إلا إذا كان الأمر استعداداً لزواج، أو حضور مناسبة، أو ذهاب إلى أهل، فإنه يقول: إن هذه الملابس لا أراها إلا في تلك المناسبات، وأنا أعتقد -ولا يزال الحديث له- أنني أحق الناس بالتمتع بهذه الملابس ورؤيتها على زوجتي، والعبد المؤمن العفيف يُحب أن يرى هذه الأشياء؛ ليستعف بها عما حرم الله، فإنه يرى كثراً من النساء في الأسواق والمناسبات، بل وربما في المساجد أحياناً! وقد لبسن أبهى ملابسهن وزينتهن، وربما كانت روائح العطور تفوح، فيقول: يؤسفني جداً أن أدخل إلى بيتي فلا أجد ذلك كله ولا شيئاً منه، مع أنني ما قصرت، اشتريت الملابس، والعطور، والأطياب وغيَّرت، وذهبت بزوجتي وجعلتها تختار على عينها، وبذلت لذلك أموالاً كثيرة ثم وجدت أن الملابس التي أراها على زوجتي، هي في الغالب ملابس غير ملفتة للنظر، بل إنني أشعر بكثيرٍ من الحرقة والإحباط واليأس إذا رأيتها، إنها قد تكون ملابس استعارتها من جدتها، أما الملابس الجميلة فلا أراها إلا إذا كنا على موعد للذهاب إلى صديق، أو حضور مناسبة، أو ما أشبه ذلك.

قد يكون هذا الأخ مبالغاً أو مسرفاً أو مفرطاً، ولكنني أنقل ما يقوله هذا الأخ لتسمعه النساء حتى يعرفن ما هي الثغرات التي يأتي منها الرجال.

الهاتف ومشاكله

وخامس يقول: إنني أعاني من الهاتف ما أعاني، فقد أصبح الهاتف هماً يقلقني، فالزوجة دائماً وأبداً جالسة بقرب الهاتف، تتصل بالقريب والبعيد، وتحدث الناس أهلها وأقاربها وغيرهم، وتجلس مع صديقاتها، وليست المشكلة محصورة في فاتورة الهاتف، فإن معظم هذه الاتصالات هي اتصالات داخلية ليس عليها حسابٌ أصلاً، ولا تظهر في الفاتورة، ولكن المشكلة أن هذه الأحاديث يأتي من جرائها شرٌ كثير، فمنها غيبة، وكلام في فلانة وفلانة، ومنها نميمة، ومنها -وهو من أشدها وشرها على الزوج- تلك الأحاديث التي تدور بين النساء فتجعل المرأة تسمع من زميلاتها أن زوجها أعطاها كذا، وفعل لها كذا، وسافر بها إلى المكان الفلاني، وخرج بها من البيت، فتظل المرأة تسمع من زميلاتها ما فعل الأزواج، ثم تنتظر من زوجها أن يكون كأولئك الأزواج، مع أنه ربما يكون كثيرٌ مما تسمعه المرأة مبالغة وتشبعٌ بما لم تعط، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {المتشبع لم يُعط كلابس ثوبي زور}.

وما يدري المرأة أن تكون أولئك النساء قد كذبن عليها، وبالغن من باب التظاهر والمجاملة وادعاء أنهن سعيدات في حياتهن الزوجية، كما فعلت هي حينما حازت هذه النبرة، وقالت لهن هي الأخرى: وأنا زوجي ما قصر معي، جزاه الله خيراً! أعطاني كذا، وأتاني بكذا، ومنحني كذا، وذهب بي إلى كذا، ووعدني بكذا، وهذا كله كذب تقوله لهن، فإذا جاء الزوج انفجرت في وجهه، وقالت له: بنات الناس حصل لهن كيت وكيت، وأنت ما رأيت منك خيراً قط.

فيقول هذا الأخ: لقد أزعجني هذا الهاتف، وضايقني وسبب لي حرجاً شديداً.

ثم يقول: أحياناً أدخل البيت، وزوجتي تمسك بالسماعة، وجلستها تدل على أنها سوف تطيل المكالمة، فإذا رأتني اختزلت الكلام وغمغمت وأتت بعبارات مجملة، ثم وضعت سماعة الهاتف، وهذا جعلني أشك في الأمر ربما تكون مكالماتٍ أو اتصالات تعلم الزوجة أنها لا ترضيني أو أنها أشياء مذمومة؛ ولذلك وجدت أنها شعرت بالإحراج حينما اكتشفتها وهي تتكلم في الهاتف.

وهذا يؤكد على المرأة أن تقتصد في مكالماتها وتبتعد عما حرم الله عز وجل، وإذا دخل زوجها وهي في مكالمة، فعليها أن تكون طبيعية لئلا يظن الزوج أن تلك المكالمة قد تكون معاكسة مثلاً، أو اتصالاً برجلٍ آخر أو خيانة له، وما سبب هذا الظن والوسواس من الشيطان إلا أنها أنهت المكالمة بطريقة غير طبيعية.

الزوج الموظف

أخ سادس: كتب إلي يقول: تصور أن مهمتي الآن كأنها تحولت إلى مجرد السعي لترفيه المرأة وإسعادها وإزالة همومها وغمومها، كأنه لا هم لي إلا ذلك، أما أنا فكأن المرأة ليست معنية بأمري، فقد آتيها أحياناً وأنا بحاجة إلى من يزيل همي، أو غمي، أو يسعدني، أو يشاركني، فلا أجد منها ذلك، إنما أجدها تتربص وتنتظر، تريد زوجاً يزيل همومها وغمومها، فهو يقول: أشعر بأنني زوجٌ موظف، مهمتي هي السعي في الترفيه والإسعاد، مع أنني أنتظر إذا شقيت خارج المنـزل أن آوي إلى البيت، فأجد سعادتي وأجد راحتي وطمأنينتي.

تقليل الطلبات

أما الرسالة السابعة: فهي تتبرم من كثرة الطلبات والحاجيات وتنوعها مع عدم مراعاة الظروف، فالمرأة قد تطلب أشياء كثيرة على حد تعبير بعضهم من أواني المنـزل، ومن تغيير الأثاث، ومن الملابس، ومن الحاجيات لها ولأطفالها ولأهلها ولصديقاتها ولجيرانها، وهدايا إذا قدمت من السفر، وهدايا للعيد، وهدايا لرمضان، وأشياء وأشياء، وتطلب من ذلك شيئاً كثيراً مع أنني موظف صغير، راتبه لا يتجاوز ثلاثة آلاف وهي نفسها تعلم أني مدين، وعليَّ أشياء ترهقني، وعليَّ التزامات وطلبات كثيرة، وهي لا تراعيني في شيء من ذلك، فكأن هذا المبلغ كله يجب أن يصرف في مثل هذه الأشياء، فأين المرأة التي تكون مع زوجها في السراء والضراء، وفي العسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر؟!

إنني حين أعتذر عن بعض حاجتها، أو آتي يوماً من الأيام دون أن أحضر لها هدية، أو أعتذر عن بعض الطلبات، إنني أشعر أن الحياة قد تحولت إلى قلقٍ لا يستقر، وتوترٍ لا يهدأ، فالنفس قد أعرضت عني، ووجهها شاحب، وكلماتها مقتضبة، وأحاديثها مختصرة، حتى حاجاتي المنـزلية أجد فيها أحياناً نوعاً من التقصير.

مشاركة الرجل في همومه واهتمامته

ثامنٌ يقول: إن لي هموماً في عملي ووظيفتي، حيث إنني مدرس في إحدى المدارس الثانوية أو المتوسطة، وهموماً في تجارتي التي أحاول أن أشتغل بها، فأنجح يوماً، وأفشل يوماً آخر، وهموماً في دعوتي إلى الله تعالى حيث لي جهودٌ في الدعوة إلى الله والمشاركة في بعض المخيمات، والنشاطات الدعوية، والأعمال الخيرية، وأجد أن زوجتي إذا قدمت المنـزل ليس لها همٌ في ذلك كله، ولا تسعى إلى سؤالي عن مثل هذه الأشياء، ولا تبادلني الحديث, وإنما أجدها تنقلني إلى عالمٍ آخر، ففلانة تزوجت، وفلانة أنجبت، وفلانة طلقت، وفلان انتقل عن بيته، والآخر نـزل… وهكذا، فتنقلني إلى هموم أخرى لست منها في قليل ولا كثير ولا قبيل ولا بعيد، وإذا لم أتجاوب معها فإنها تعرض عني.

إن من المطلوب جداً أن يكون هناك قدرٌ من المشاركة بين الزوجين في الهموم والمشاكل المشتركة، فعلى المرأة أن تحرص على أن تتحدث مع الرجل -أيضاً- في همومه، كما أن على الرجل أن يعمل على مشاركة المرأة في همومها.

ترك التحايل في تحقيق الطلبات

ويشكو أخٌ تاسع: من أن مطالب زوجته لا بد أن يتم بأي وسيلة، فإن تم بطيبٍ ورضى، وإلا فثمة وسائل كثيرة، منها أحياناً الحديث المستمر المتصل، فعند الغداء والفطور والعشاء، والصباح والمساء، وعند النوم، وبعد الاستيقاظ، هيه يا فلان لا بد من كذا، لابد من كذا، جزاك الله خيراً أرجوك حاول، وهكذا حتى يشعر في النهاية أنه لابد أن يفعل على الأقل، حتى يرتاح من هذا الكلام الطويل العريض.

وإذا لم يُجد هذا كله؛ تحول الأمر إلى بكاء ودموع وهموم وأحزان، فإذا لم يستجب فإن الحياة حينئذٍ تتحول إلى روتين بارد، لا حديث أو ابتسامات أو تبادل مشاعر أو ود، إنما هي حياة روتينية: عشاء، غداء، نوم، استيقاظ، دخول، خروج، والسبب هو أنك لم تُلبِّ هذا المطلب.

قد يكون الأخ مبالغاً فيما قال، ولكني أحدث الأخوات، وأقول لهن: أنا حين أنقل لكن هذا الحديث، لا أنقله ليسمعه الرجال، كلا! ولكني أنقله وقد تحدث فيه الرجال، حتى تسمعه الأخوات ويعرفن كيف يمكن معاملة الزوج، وكيف يمكن القضاء على مشكلاته، وكيف يمكن التسلل إلى قلبه وإسعاده والحصول على ما يمكن الحصول عليه منه.

احترام أهله وعشيرته

الأخ العاشر: يشتكي أن زوجته لا تقوم بحقوقه وحقوق أهله، فيقول: أمي مهجورة منذ زمن طويل، ما رأتها زوجتي ولا زارتها، ولا دعتها إلى منـزلها، بل ولا اتصلت عليها بالهاتف، ولا اتصلت حتى تطمئن على صحتها، وقد أصابتها وعكة، بل يقول: أحياناً أسمع السب والشتم والتنقص لأهلي، انتقاصهم في أخلاقهم وأعمالهم، في مسكنهم، وملابسهم، وكلماتهم، في أسلوبهم في الحياة، وسلوكهم، إلى غير ذلك.

ويقول: يوم من الأيام قُدِّر لي أن أرفع سماعة الهاتف، فوجدتها تتحدث مع صديقة لها أو مع قريبة لها، وهي تتحدث عن أهلي، وعن أخلاقياتهم، وعن معاملاتهم، وعن مشكلاتهم، وتنسب إليهم أشياء كثيرة ليست صحيحة، وبعضها حتى لو كان صحيحاً؛ فليس يكن معقولاً أن يكون مجالاً للحديث بين زوجتي وبين امرأة أخرى أجنبية، يقول ذلك الأخ: أين إعانتي على بري بأبوي وعلى صلتي بأقاربي وذوي رحمي؟ إن هذا ما كنت أرجوه من زوجتي، وأنا أريد أن تنجب لي بإذن الله تعالى أولاداً صالحين يكونون بارين بأمهاتهم، واصلين بأرحامهم.

تقليل العتاب

الحادي عشر: يشكو من كثرة العتاب عند الباب يستقبل بدلاً من "أهلاً ومرحباً وحياك الله ونورت المنـزل" لماذا تأخرت؟ أنا منذ وقت أنتظرك، لماذا اشتريت كذا، ولماذا لم تشتر كذا؟ ولماذا قلت كذا؟ ولماذا فعلت كذا؟ وهكذا يظل يلاحق بلماذا لماذا؟ والله تعالى أرشدنا جميعاً بقوله: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]. خذ الميسور العفو الذي يأتي بلا تكلف بلا حرج، بلا مشقة، والشاعر يقول:

خذي العفو مني تستديمي مودتي     ولا تنطقي في ثورتي حين أغضب

ولا تضربيني ضربك الدف مرة     فيجفوك قلبي والقلوب تقلب

فإني رأيت الحب في القلب والأذى     إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب<

عدم ذكر عيوب الزوج وترك معايرته بزملائه

حدثني أخٌ وهو الثاني عشر: أنكِ كثيراً ما تعيرينه بزملائه، أي أنك تقارنين بين أفعاله وأفعالهم، فتقولين له بلسان الحال أو المقال: أنت لم تفعل شيئاً، وصديقك فعل كذا، وصديقك الآخر فعل كذا، وهذا تعريضٌ به إذ لم يفعل مثل فعلهم مع أنك تنسين -كما يدعي زوجك والعهدة عليه- أن له هو فضائل ومحاسن وأعمال ما قاموا بها هم، وقد يكون لهم هم عيوب ومثالب ومآخذ لا تعرفينها أنت، ولكن زوجاتهم سترن عليهم ولا يخبرنك إلا بالحسن، أما أنت فيدعي زوجك -إن كان صادقاً- أنك تخبرين صديقاتك بالحسن والقبيح.

الاهتمام به وبعودته

الزوج الثالث عشر: إذا جاء إلى البيت يدعي أنه يجدك في الغالب نائمة، ويقول: إن هذا تعبيرٌ عن عدم الاهتمام، يقول: نعم! قد أتأخر أحياناً لظروف، وقد أقصر وأنا أعدكم -وقد عاتبناه- أعدكم أن أعود مبكراً إلى المنـزل، وأن أعطي أهلي حقوقهم، لكن يؤسفني أن أتأخر وأنتظر زوجتي، وبدلاً من أجدها تنتظرني وقد تزينت لي وتطيبت وتعطرت، فإنني أجدها نائمة تغط في نومها، ثم أجد أنه ليس عليها أي مظهرٍ للاهتمام، أو الاستعداد، فربما لو وجدتها مستعدة لي، لقلت: غلبها النوم وعاتبت نفسي على التقصير، ولكني وجدت أنها نامت في ثياب مهنتها، في الثياب التي كانت عليها وهي تشتغل بالمنـزل، أو تتحرك في مطبخها، ثم يقول: إن مثل هذا الأمر دعاني إلى مزيدٍ من التأخير، فأصبحت أتأخر؛ لأن النوم بحد ذاته ليس مطلباً لي، إنما حاولت أن أبكر بعض الوقت؛ لأني توقعت أن هناك قلباً ينتظرني، ونفساً تتطلع إلي، ورفيقة دربٍ تترقبني، أما إذا كانت القضية قضية نوم، فإن النوم أجده في كل مكان، ولا شك نحن لا نوافق هذا الأخ على ما يقول، ولكني أنقل لكن أيها الأخوات ما يقول حتى تكون المرأة على بينة من الأمر.

تقليل الخروج من المنزل

الرابع عشر: يشكو من كثرة الخروج من المنـزل، نعم هو مشغول بعض الشيء، ولكن يقول: زوجتي الأخرى أصبحت تكثر الخروج، فيوماً تقول: اذهب بي إلى أهلي، وبعد ذلك إلى أختي، واليوم الثالث.. إلى عمتي أو خالتي واليوم الرابع إلى جدتي أو جدي، واليوم الخامس.. للسوق، واليوم السادس.. لتغيير بعض الملابس التي اشتريناها ولم تكن مناسبة، ثم للجيران، ثم للمناسبات، والعزائم، والولائم وغيرها، حتى يقول أحد الإخوة: إنني أحصيت بعض الزيارات، فوجدتها تزيد على ست زيارات طويلة خلال أقل من عشرة أيام.

إسماع الرجل كلمات الشكر والثناء

الخامس عشر: يقول: لقد فعلت ما في وسعي، فاشتريت وأكرمت، وبالغت، وبذلت ما أستطيع، ولكن قلما أسمع من زوجتي كلمة شكرٍ أو ثناء أو دعاء.

إنني أنتظر "جزاك الله خيراً"، أو أنتظر: "شكر الله لك"، أو أنتظر: "خلف الله عليك"، أو "كثر الله خيرك"، أو ما أشبه ذلك من العبارات أو الكلمات الطيبة.. أنتظرها كثيراً فلا تأتي، ثم قلت لذلك الأخ: لماذا لا تعلمها قال: إنني أشعر أنه لا قيمة لكلمة أنا أمليها عليها، وأنا ألقيها على لسانها أو في فمها، أريدها أن تخرج منها، من قلبها، من شعورها، وألاَّ تكون من عندي أنا.

الوفاء وذكر المحاسن

السادس عشر: يقول: لقد نسيت زوجتي أشياءي السابقة الزوجية أكثر من عشرين سنة، لقد عملت الكثير وبذلت الكثير، وفي فترة الشباب كنت لها نعم الزوج، وأنقذتها من مشكلاتٍ كثيرة كانت تعانيها في بيتها، وكانت تعترف بذلك كله، أما الآن فربما حصل مني خطأ أو تقصير، لكنني أجد أن أي خطأ، يجعل زوجتي تنسى كل أعمالي حتى كأني لم أعمل خيراً قط، وأتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: {وتكفرن العشير} تقول: لقد أمضيت زهرة شبابي معه، وقضيت عمري معه، ويقول: كأنني أنا ما عملت معها شيئاً، وكأنها هي وحدها التي بذلت وضحَّت وصبرت وصابرت!

كتمان الأسرار العائلية

السابع عشر: يقول: إنني أشكو من أن أية قضية تقع في المنـزل سرعان ما ينتشر خبرها في المجتمع! لماذا؟ لأن زوجتي تثرثر فتتصل بأمها وتخبرها بما جرى، وبأختها، وبصديقتها، ولذلك أجد أن مشاكلنا وأسرارنا الزوجية وعلاقتنا تنتقل بين الناس، وربما وصلتني من بعض الأصدقاء أو من بعض الجيران، أو عاتبني أبوها، أو أخوها، أو قريبها، على بعض المشاكل والقضايا التي تقع في المنـزل بشكل خاص.

إن المنـزل يتسع لهذه المشكلات، وكان بالإمكان أن نتدارسها فيما بيننا، وتظل سراً يموت معنا لا يعلم به أحدٌ غيرنا، وهي أيضاً لا ترضى أن أحدث الآخرين بمثل هذه القضايا، فهو يشكو من تسرب مثل هذه الأمور إلى خارج المنـزل.

تقليل المعاذير ومراعاة مشاكل الرجل

أما الثامن عشر: فيقول: إن زوجتي تطالبني دائماً وأبداً بأن أراعي ظروفها، فهي اليوم مريضة، وبعد أسبوع هي حامل، وبعد شهر تعاني مما يسمى بالوحم الذي قد يغير نفسيتها وطبيعتها، وتطلب مني أن أراعي ذلك كله، وهذا حقٌ، ولكنني أيضاً أطلب منها مقابل ذلك أن تراعي ظروفي، فأنا اليوم قد واجهت مشكلة في عملي، أو اشتبكت مع طالب، وغداً حصل لي حادث في السيارة، وبعد غد اعتدى علي إنسان، وفي اليوم الرابع حصلت لي مشكلة مالية... وهكذا، فآوي إلى المنـزل وأنا في حالة نفسية صعبة، أحتاج إلى من يراعي ظروفي، كما يطلب مني أن أراعي ظروفه.

الاهتمام بمواعيد الرجل

أما التاسع عشر: فهو يقول وهي شكوى غريبة: إنني أشكو من إهمال مواعيدي، وعدم مراعاتها من قبل أهلي، سواء كانت هذه المواعيد كان إهمالها نتيجة الاستغراق في النوم، فطالما نمت ففاتتني الطائرة، أو فاتني موعد العمل، أو فاتني موعدٌ مهم، أو فاتتني الصلاة، وهي أهم وأعظم من ذلك كله.. أو عدم مراعاة ظروفي في تجهيز الطعام، وتهيئته في الوقت المناسب أو غير ذلك مما يترتب عليه إحراجات كثيرة لي مع الآخرين، أنا أتحمل وزرها ومسئوليتها وإحراجها، ولا أستطيع أن أبوح بسببها.

الاهتمام بملابس الرجل وإعداد حقيبة سفره

أما العشرون: فيتحدث عن عدم العناية بملابسه تنظيماً للملابس، وتنظيفاً لها وغسيلاً وكياً، وتكميلاً وطلباً لما يحتاج إلى تكميله أو إعداده منها، وهكذا الحال فيما يتعلق بالسفر؛ فإن إعداد الحقيبة "حقيبة السفر" وتجهيزها يقول أقوم بها بنفسي في أحيانٍ كثيرة! ولا تفكر زوجته في إعداد هذه الملابس وتهيئتها، ولا مانع من الزيادة.

إعانة الرجل في أمور دينه

الحادي والعشرون: وهو الأخير، يتحدث عن شكوى لعلها هي الأهم، ولعل تأخيرها حتى تبقى في الذهن وترتسم في الشعور، إنه يقول: إن زوجتي امرأة كريمة، تحسن إلي وتكرمني، وهي لي كما أحب، في ملابسها، وزينتها، واستقبالها، وإعدادها للطعام والمنـزل، والعناية بالأطفال، وحفظ سري، وحفظي في نفسها، ومالي، ,عدم إفشاء الأمور، ولكنني أقول: إنها كثيراً ما تشكو مني أنني لا أعينها على أمور دينها، وأنا أيضاً أشتكي منها هذا الأمر بعينه، فأنا أيضاً أحتاج إلى من يعينني على أمور ديني، أحتاج إلى من يوقظني لقيام الليل، وأحتاج على أقل تقديرٍ إلى من يوقظني إلى صلاة الفجر، وأحتاج إلى من يذكرني إذا نسيت، ويأمرني بالمعروف، وينهاني عن المنكر، ويكون خير معوانٍ على طريق الدعوة إلى الله، أحتاج إلى المرأة التي إذا رأتني على صواب شجعتني عليه وأعانتني، وإذا رأتني على خطأ نهتني عنه وذكرتني بالله عز وجل، وأحتاج إلى تلك المرأة التي إذا أيقظتني ولم أستيقظ رشت على وجهي قليلاً من الماء، وحاولت بكل وسيلة أن توقظني للصلاة ولو أن أركع ركعتين في ظلام الليل.

اغتنم ركعتين زلفى إلى الله      إذا كنت فارغاً مستريحاً

وإذا ما هممت القول بالبا          طل فاجعل مكانه تسبيحا

أولاً: يقول أحدهم: لماذا البيت غير منظم؟ والملابس ملقاة فيه كيفما اتفق؟ والمناديل موزعة على أرجاء المنـزل؟ وصناديق القمامة ممتلئة؟ والأواني المنـزلية متفرقة؟ وملابس الأطفال أجدها هنا وهناك؟ يقول: أين دور المرأة في تصفيف هذه الأشياء وتنظيمها، والعناية بالمنـزل ونظافته؛ حتى إذا دخل إليهم إنسان انشرح صدره؟

إن هذا المنظر التي تقع عليه عيني يعطي انطباعاً بالإهمال، وعدم العناية بالمنـزل، وعدم ترتيب الأثاث، أو تنظيف المداخل والأفنية والصالات وغيرها.

ثانياً: وآخر يقول في كلمة أخرى: لماذا الطعام يُقدَّم لي مرة وهو بارد، ومرة أخرى أجلس ساعة أو أكثر وأنا في انتظار نضجه؟ ولماذا يكون الطعام نوعاً واحداً لا يتغير ليس فيه تغييرٌ ولا تجديد، مع أن البيت ممتلئ -بحمد الله- بألوان الأطعمة والمأكولات والأشربة والخيرات التي امتن الله تعالى بها علينا؟

إن الإنسان بطبيعته يحب التغيير والتنويع والتجديد، حتى ولو في طريقة تقديم الطعام، أو في الأواني التي يقدم فيها، أو في أي شئ أخر يضاف إليه أو يغير، أو يبدل؛ فيشعر الزوج بأن ثمة تجديداً فيما يقدم له.

ثالثٌ يقول: الأطفال وما أدراك ما الأطفال! لماذا أفاجأ دائماً بأن ملابس الأطفال غير نظيفة، ووجوههم متسخة، وشعورهم شعثة، وليس هناك روائح طيبة تنبعث منهم؟

إنني أحب أن أرى أطفالي وكأنهم زهرات تنضح بالروائح الطيبة، فإذا رآهم أبوهم سر لذلك، وإذا قدمهم للآخرين قدمهم بكل فخرٍ واعتزاز.

إنني أخجل حينما يرى أصدقائي أطفالي، فيرون فيهم تلك المظاهر التي لا يسرني أن أراها في أطفال الآخرين، وإذا كان ذلك كذلك بالنسبة لملابس الطفل أو شعره أو حذائه أو جسده، فكيف ما يتعلق بتربية الطفل، الكلمات التي يطلقها في لسانه؟!

إن طفلي لا يجيد قراءة القرآن الكريم، ولا حتى قصار السور لا يستطيع أن يقولها، ولا يحفظ شيئاً من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف بعض القصائد والأبيات والأناشيد الإسلامية، ولا يحسن كيف يرد على من يتحدثون معه رداً حسناً جميلاً، لا يعرف كلمة جزاك الله خيراً، ولا يعرف كلمة أحسنت، ولا يعرف كلمة شَكَرَ الله لك، ولا يعرف الرد وإذا سئل كيف أنت؟ كيف حالك؟ عساك بخير؟ كيف أهلك؟ ما اسمك؟ ما اسم عائلتك؟ أين تدرس؟ ماذا تعمل؟ إنه لا يجيد راداً على ذلك كله، وإنما يردد كلماتٍ سوقية وألفاظٍ مبتذلة حفظها من أولاد الجيران، أو من أولاد الشارع.

وإذا كان هذا طفلي وهو في هذا السن، فإذا كبر فمن سوف يعلمه؟ من سوف يحل واجباته؟ من سوف يربيه؟ من سوف يؤدبه؟ من سوف يحمله على الصلاة، وعلى الصيام، وعلى طاعة الله، وينهاه عن معصية الله تعالى؟

أما أخي الرابع: فإنه يقول: إنني أدخل على زوجتي فأجدها هي هي، الملابس قد حفظتها، وحفظت أشكالها وتقاسيمها وألوانها وخطوطها، ليس هناك تغيير لهذه الملابس، ولا عناية بها بحالٍ من الأحوال، بل إنني أجد أن الملابس الكثيرة التي اشتريتها بأغلى الأثمان لا أراها إلا إذا كان الأمر استعداداً لزواج، أو حضور مناسبة، أو ذهاب إلى أهل، فإنه يقول: إن هذه الملابس لا أراها إلا في تلك المناسبات، وأنا أعتقد -ولا يزال الحديث له- أنني أحق الناس بالتمتع بهذه الملابس ورؤيتها على زوجتي، والعبد المؤمن العفيف يُحب أن يرى هذه الأشياء؛ ليستعف بها عما حرم الله، فإنه يرى كثراً من النساء في الأسواق والمناسبات، بل وربما في المساجد أحياناً! وقد لبسن أبهى ملابسهن وزينتهن، وربما كانت روائح العطور تفوح، فيقول: يؤسفني جداً أن أدخل إلى بيتي فلا أجد ذلك كله ولا شيئاً منه، مع أنني ما قصرت، اشتريت الملابس، والعطور، والأطياب وغيَّرت، وذهبت بزوجتي وجعلتها تختار على عينها، وبذلت لذلك أموالاً كثيرة ثم وجدت أن الملابس التي أراها على زوجتي، هي في الغالب ملابس غير ملفتة للنظر، بل إنني أشعر بكثيرٍ من الحرقة والإحباط واليأس إذا رأيتها، إنها قد تكون ملابس استعارتها من جدتها، أما الملابس الجميلة فلا أراها إلا إذا كنا على موعد للذهاب إلى صديق، أو حضور مناسبة، أو ما أشبه ذلك.

قد يكون هذا الأخ مبالغاً أو مسرفاً أو مفرطاً، ولكنني أنقل ما يقوله هذا الأخ لتسمعه النساء حتى يعرفن ما هي الثغرات التي يأتي منها الرجال.