خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح العقيدة الطحاوية [2]
الحلقة مفرغة
مرحلة تنزل القرآن إلى نهاية القرن الأول
لقد جمع الإمام ابن تيمية رحمه الله منهج أهل السنة والجماعة في العلم والاعتقاد والفهم والعمل والسلوك، وأحياه وحرره تحريراً بديعاً اتسم بسعة العلم وقوة الأمانة وحسن العرض ودقة الضبط، ولكن ابن تيمية سبق ولحق في هذا الميدان بجهاد علمي صادق ومتصل].
أحب أن أشير إلى مسألة أرى أنها مهمة فيما يتعلق بجهود شيخ الإسلام ابن تيمية في خدمة عقيدة السلف، وأقدم لهذا بالتنبيه على المراحل التي مرت بها مناهج السلف في تقرير العقيدة، بمعنى: تقريرها على شكل مؤلفات ومصنفات وتبيينها للناس.
المرحلة الأولى: هي مرحلة تنزل القرآن وإلى نهاية القرن الأول، فهذه الأساس فيها ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يستمدون كل شيء في الدين من القرآن والسنة، ويرجعون فيما لم يدركوه إلى أهل العلم، حتى الصحابة كانوا يأخذون الدين مباشرة عن القرآن والسنة، هذا في الجملة، لكن عامتهم كانوا لا يستطيعون استنباط كل شيء في الدين، فكانوا يرجعون إلى أهل الاختصاص من الصحابة، لذلك برز من الصحابة من برز في اختصاصات شرعية تتعلق ببيان الدين للناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، كبروز علي في القضاء وزيد في الفرائض، وبروز غيرهما من الصحابة في بعض الجوانب، وهناك من كانوا مرجعاً علمياً شاملاً كـابن عباس وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وغيرهم من أئمة الصحابة، فكانوا أئمة في الدين يرجع إليهم، وكان منهجهم في تقرير العقيدة لا يعدو إظهار النص والاستنباط من القرآن والسنة ثم التعليق على النص لإيضاحه دون بسط في الشرح أو تصنيف أو مؤلفات؛ لأن الناس كانوا أقرب إلى الفطرة وأفهم للغة وأبعد عن البدع والخرافات، ولم تتشعب بهم السبل ولم تظهر الفرق، فكان الناس على هدي واحد، العقيدة عقيدة الجميع والمنهج منهج الجميع والسنة عليها الجميع، ومن شذ برز شذوذه عند العامة والخاصة، هذا في القرن الأول، فلذلك لم توجد مؤلفات، وما كان الناس بحاجة إلى مؤلفات، إنما كانوا بحاجة إلى تعليم، وقام الصحابة بذلك حق القيام، وبرزت في عهدهم بعض الطوائف، وكان شذوذها ظاهراً كالخوارج والشيعة كما هو معلوم، وسبب بروزها هو أنها تركت تلقي الدين عن العلماء، هذا هو السبب الرئيس الأول، ولا ننسى جهود ابن سبأ ، لكن ابن سبأ دخل على هذه الطائفة من الناس لأنهم لم يتلقوا دينهم عن الصحابة، والذين تلقوا دينهم عن الصحابة عصمهم الله.
المهم أنه في القرن الأول كانت العقيدة هي السائدة، وما كانت تحتاج إلى مؤلفات ولا تحتاج إلى مصنفات ولا تحتاج إلى شيء من تقرير الأصول والمناهج الزائدة على ما في النصوص.
مرحلة القرن الثاني
وأما في القرن الثاني فظهرت المرحلة الثانية، وهي ضرورة الدفاع عن هذه الأصول وإبرازها كأصول مستقلة لها حدود تعرف بها وتفهم عند الناس، ووضعت لها ضوابط معينة، وظهرت مسألة الاستدلال الشامل على هذه المسائل، بمعنى أنه اضطر أئمة الدين إلى أن يأخذوا الأدلة من الكتاب والسنة، ويبرزوها مستقلة إما على شكل كتب أو مصنفات، وإما على شكل مناظرات أو مجالس علمية في موضوع ما، كما في الرؤية، حيث استقيت نصوص الرؤية وظهرت في هذا الوقت جلية؛ لأنه ظهر من أنكر الرؤية وتكلم بذلك، وكذلك كلام الله، والقرآن، ومسألة أسماء الله وصفاته، فأبرزت النصوص المستقلة في هذا الأمر، وكذلك الوعد والوعيد، فاضطر السلف إلى أن يأخذوا نصوص الوعد ويبرزوها، ثم نصوص الوعيد ويبرزوها، وأخذوا منهجاً وسطاً -وهو منهج الحق- بين الوعد والوعيد، وهكذا بين منكري القدر والجبرية وغيرهم.
وفي المرحلة الثانية أيضاً ظهرت المصنفات الصغيرة في جزئيات العقيدة، في الرد على فرق بعينها، وفي كتابة المسائل المحدودة المعينة، لكنها مصنفات قليلة.
مرحلة القرن الثالث
مرحلة القرن الرابع وما بعده
قال: [ امتداد مدرسة ابن تيمية :
لقد جمع الإمام ابن تيمية رحمه الله منهج أهل السنة والجماعة في العلم والاعتقاد والفهم والعمل والسلوك، وأحياه وحرره تحريراً بديعاً اتسم بسعة العلم وقوة الأمانة وحسن العرض ودقة الضبط، ولكن ابن تيمية سبق ولحق في هذا الميدان بجهاد علمي صادق ومتصل].
أحب أن أشير إلى مسألة أرى أنها مهمة فيما يتعلق بجهود شيخ الإسلام ابن تيمية في خدمة عقيدة السلف، وأقدم لهذا بالتنبيه على المراحل التي مرت بها مناهج السلف في تقرير العقيدة، بمعنى: تقريرها على شكل مؤلفات ومصنفات وتبيينها للناس.
المرحلة الأولى: هي مرحلة تنزل القرآن وإلى نهاية القرن الأول، فهذه الأساس فيها ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يستمدون كل شيء في الدين من القرآن والسنة، ويرجعون فيما لم يدركوه إلى أهل العلم، حتى الصحابة كانوا يأخذون الدين مباشرة عن القرآن والسنة، هذا في الجملة، لكن عامتهم كانوا لا يستطيعون استنباط كل شيء في الدين، فكانوا يرجعون إلى أهل الاختصاص من الصحابة، لذلك برز من الصحابة من برز في اختصاصات شرعية تتعلق ببيان الدين للناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، كبروز علي في القضاء وزيد في الفرائض، وبروز غيرهما من الصحابة في بعض الجوانب، وهناك من كانوا مرجعاً علمياً شاملاً كـابن عباس وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وغيرهم من أئمة الصحابة، فكانوا أئمة في الدين يرجع إليهم، وكان منهجهم في تقرير العقيدة لا يعدو إظهار النص والاستنباط من القرآن والسنة ثم التعليق على النص لإيضاحه دون بسط في الشرح أو تصنيف أو مؤلفات؛ لأن الناس كانوا أقرب إلى الفطرة وأفهم للغة وأبعد عن البدع والخرافات، ولم تتشعب بهم السبل ولم تظهر الفرق، فكان الناس على هدي واحد، العقيدة عقيدة الجميع والمنهج منهج الجميع والسنة عليها الجميع، ومن شذ برز شذوذه عند العامة والخاصة، هذا في القرن الأول، فلذلك لم توجد مؤلفات، وما كان الناس بحاجة إلى مؤلفات، إنما كانوا بحاجة إلى تعليم، وقام الصحابة بذلك حق القيام، وبرزت في عهدهم بعض الطوائف، وكان شذوذها ظاهراً كالخوارج والشيعة كما هو معلوم، وسبب بروزها هو أنها تركت تلقي الدين عن العلماء، هذا هو السبب الرئيس الأول، ولا ننسى جهود ابن سبأ ، لكن ابن سبأ دخل على هذه الطائفة من الناس لأنهم لم يتلقوا دينهم عن الصحابة، والذين تلقوا دينهم عن الصحابة عصمهم الله.
المهم أنه في القرن الأول كانت العقيدة هي السائدة، وما كانت تحتاج إلى مؤلفات ولا تحتاج إلى مصنفات ولا تحتاج إلى شيء من تقرير الأصول والمناهج الزائدة على ما في النصوص.
المرحلة الثانية: مرحلة ما ظهر في القرن الثاني، وقد استجد فيها على أئمة المسلمين أمر، وهو الرد على أهل البدع، وصاحب هذا الرد ضرورة وضع الموازين والأصول الأولى في مهمات العقيدة، كالإيمان تعريفه ومسماه وزيادته ونقصانه، والقدر ومفهومه، والرؤية، وكلام الله وأسمائه وصفاته، فهذه الأمور كانت في القرن الأول تفهم جملة، وما كان الناس يتحدثون عن جزئياتها؛ لأنهم يفقهونها في الجملة.
وأما في القرن الثاني فظهرت المرحلة الثانية، وهي ضرورة الدفاع عن هذه الأصول وإبرازها كأصول مستقلة لها حدود تعرف بها وتفهم عند الناس، ووضعت لها ضوابط معينة، وظهرت مسألة الاستدلال الشامل على هذه المسائل، بمعنى أنه اضطر أئمة الدين إلى أن يأخذوا الأدلة من الكتاب والسنة، ويبرزوها مستقلة إما على شكل كتب أو مصنفات، وإما على شكل مناظرات أو مجالس علمية في موضوع ما، كما في الرؤية، حيث استقيت نصوص الرؤية وظهرت في هذا الوقت جلية؛ لأنه ظهر من أنكر الرؤية وتكلم بذلك، وكذلك كلام الله، والقرآن، ومسألة أسماء الله وصفاته، فأبرزت النصوص المستقلة في هذا الأمر، وكذلك الوعد والوعيد، فاضطر السلف إلى أن يأخذوا نصوص الوعد ويبرزوها، ثم نصوص الوعيد ويبرزوها، وأخذوا منهجاً وسطاً -وهو منهج الحق- بين الوعد والوعيد، وهكذا بين منكري القدر والجبرية وغيرهم.
وفي المرحلة الثانية أيضاً ظهرت المصنفات الصغيرة في جزئيات العقيدة، في الرد على فرق بعينها، وفي كتابة المسائل المحدودة المعينة، لكنها مصنفات قليلة.
المرحلة الثالثة: القرن الثالث، وقد ظهر فيه اتجاه أشمل من الاتجاهات السابقة، وهو ضرورة، فحينما ظهرت البدع وظهرت لها أصول في الاعتقاد، وظهرت لها مصنفات وكتب شاملة؛ اضطر السلف إلى الكتابة في العقيدة في كتب الشاملة تجمع بين الأصول وبين النصوص المستدل بها، وبين الآثار المنقولة عن أئمة الدين الذين سبقوا في القرن الثاني والأول، وهذه المصنفات هي المصنفات الشاملة في أصول الدين في العقيدة، وهي المسماة بكتب السنن، أي: الآثار، وأغلبها في العقيدة، لا أقصد كتب الحديث، وإن كانت كتب الحديث اهتمت فعلاً بالعقيدة وبوبت لها، وهذا اتجاه جديد لم يكن يوجد في القرن الأول والثاني، والتبويب للعقائد في كتب الحديث هو -أيضاً- من سمات هذه المرحلة الثالثة، لكن من أبرز سماتها وجود المصنفات الشاملة التي تجمع بين النصوص والقواعد والمناهج والمفاهيم والتعريفات بمسائل أصول الدين والرد والمناقشة في وقت واحد، فكتب السنة الكبيرة بدأت في هذه المرحلة، مثل السنة للإمام أحمد ، والسنة لـعبد الله بن الإمام أحمد ، وكذلك مؤلفات ابن سلام وابن أبي شيبة والدارمي وغيرهم من الأئمة الذين عاشوا في ذلك العصر.
وبعد القرن الثالث جاءت المرحلة الرابعة، وهي مرحلة هيمنة كتب الكلام والمسائل الكلامية على الاتجاه العلمي في أغلب بلاد المسلمين، وهذا لا يعني أن عقيدة السلف اندثرت، بل كانت موجودة ولها رجالها ولها مصنفاتها ولها كتبها، لكن الذي ساد بين الناس في القرن الرابع وما بعده إلى عصر شيخ الإسلام ابن تيمية هو الاتجاهات الكلامية، اتجاهات الأشاعرة والماتريدية وغيرهم، حتى اتجاهات فرق الرافضة والباطنية ظهرت في تلك الفترة، وهيمنت جميعها على كثير من بلاد المسلمين، وسبب ظهور هذه الاتجاهات يرجع إلى أمور: منها ظهور دويلات الطوائف العقيدية، كدويلات العبيديين الفاطميين، ودويلات القرامطة والبويهية، ودويلات الخوارج كالرستمية، وما جاء بعدها فهذه الطوائف هيمنت على كثير من بلاد المسلمين، إذا لم نقل: إنه في هذه الفترة من القرن الرابع وما بعده كادت أن تهيمن على كل بلاد المسلمين، وهذه الهيمنة السياسية هي التي مكنت لهيمنة المذاهب الكلامية على المدارس والاتجاهات والصبغة العلمية العامة، حتى صار مذهب السلف لا يوجد إلا في رجاله، بمعنى أنه لا يتبنى سياسياً، وإلا فهو موجود في مدارسه واتجاهاته، وأهله ينافحون عنه وهم ظاهرون، بل هم المعتبرون عند الأمة في العموم، لكن مع ذلك هيمنت على أكثر المؤلفات والاتجاه العلمي المذاهب الكلامية إلى عصر شيخ الإسلام ابن تيمية .
لقد انبرى شيخ الإسلام ابن تيمية لإظهار مذهب السلف إظهاراً علمياً قوياً بما آتاه الله من مواهب، فكانت جهوده تتلخص في أمور:
الأمر الأول: استقراء أقوال السلف وإظهارها بارزة نقية واضحة ليس فيها لبس وليس فيها غبش؛ لأن آثار السلف كانت موجودة في وقته، ولكن كل يستدل بها على منهجه، حتى المتكلمون كانوا يستدلون بأقوال السلف على مناهجهم بأسلوبهم في الاستدلال، فكان هناك شيء من الغبش عند كثير من الناس، فجاء شيخ الإسلام ابن تيمية ، فكان من أعظم أعماله أنه أبرز مناهج السلف وأقوالهم وعقائدهم وما هم عليه في كل فروع الدين ومسائله وأصوله إبرازاً واضحاً جلياً.
والأمر الثاني: أنه دافع دفاعاً لم يقم به أحد مثله، أعني: في العقيدة، فدافع دفاع المتمكن، واستعمل جميع وسائل الدفاع المباحة، ومن ذلك وسائل المتكلمين أنفسهم، والتزام مناهج السلف في اعتماد الاستدلال بالكتاب والسنة، والاستدلال بالآثار، واعتماد الإنصاف والعدل في القول، وتحري الحق، واعتماد استعمال البرهان العقلي وقلب الحجة على المنازع، وهذا مما برع فيه شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ حيث استعمل مناهج المنازعين لأهل السنة والجماعة ضدهم، كما في درء التعارض، وفي نقض التأسيس وفي غيرهما من كثير من الكتب؛ جعل وسائلهم في تأويل مسائل الدين وفي مجانبة أقوال السلف هي الحجة عليهم، لأنهم في الغالب قلبوا الاستدلالات، وسأضرب لكم مثالاً على قلب الاستدلال عند المتكلمين ليتضح منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في إبراز هذه المسألة، فقاعدة المتكلمين -خاصة المتأخرين منهم- في وضع أصولهم التي تقوم على التأويل والمجاز والتعطيل أنهم يعتبرون النص ظنياً والعقل قطعياً، فما رأيكم في هذه القاعدة؟!
أليست مقلوبة؟! ومع ذلك انطلت على صغار طلاب العلم وعلى بعض المتكلمين مدة طويلة، أي أن الأصل في النصوص الشرعية الظني والأصل في العقل القطعي، وهذا مصادم للفطرة والعقل السليم، لكن مع ذلك ساد، حتى صار هو القاعدة الكبرى التي يعتمد عليها المتكلمون، فـشيخ الإسلام قلب عليهم هذا الاستدلال وأقر فيه الحق، وقال: العكس هو الصحيح، فالأدلة الشرعية هي القطعية؛ لأنها معصومة ولأنها صادرة عن المعصوم، والصادر عن المعصوم معصوم، وهو القطعي، وأدلتكم العقلية ظنية؛ لأنها صادرة عن البشر، والبشر ناقص، والصادر عن ناقص ناقص.
إذاً: أتقيسون الكامل -وهو وحي الله- بالناقص؟! بل ليس الأمر كذلك، أتجعلون الناقص هو الحاكم على الكامل؟! أيجوز هذا؟! فقلب عليهم مناهجهم.
إذاً: فشيخ الإسلام ابن تيمية أبرز مناهج السلف وعقيدتهم على هذا الشكل، ولم يأت بجديد، ومدرسته ليست مدرسة مستقلة، ومذهبه ليس بمذهب مستقل، وقد حماه الله تعالى من أن يبتدع أتباعه له مذهباً ينسبونه إليه، وهذه كرامة له، مع أنه أتى بشيء عجيب، وقام بجهد لم يقم به مثله في وقته ولا بعده، مع ذلك لم يكن لأتباعه تعصب، ولم تكن لهم ميزة تميزهم عن أهل السنة والجماعة، بل أتباعه هم أهل السنة والجماعة، أما لمز الخصوم فهذا لا يعتد به.
وأمر آخر أيضاً في عمل شيخ الإسلام ابن تيمية : هو أنه جمع بين التقرير والدفاع، بين تقرير العقيدة ببيانها وإيضاحها وشرحها وتفصيلها ولم يبتدع شيئاً، فكل ما قاله يستند فيه على الآثار بعد النصوص.
والأمر الثاني: أنه دافع دفاعاً قوياً، بمعنى أنه جلَّى مذاهب السلف وبينها ونقحها مما دخلها بسبب عبث المتكلمين.
وأمر آخر: هو أنه دافع عن كل اتهام لرجال السلف، وعن كل اتهام لرجال العقيدة، ثم فند أقوال الخصوم، فصار تراثه وعمله هو تراث أهل السنة والجماعة، ونسبته إليه إنما هي لأنه إمام من أئمة أهل السنة، لا لأنه انفرد بجهد أو جاء بجديد، أو نهج منهجاً غير منهج السلف، بل كل أصوله مبنية على مناهج السلف، لذلك لما خاصمه بعض المتكلمين في وقته فيما يتعلق ببعض التأويلات وبعض البدع تحداهم بتحد لم يجيبوا عليه إلى الآن، حيث قال: إن أصولكم لا يوجد ما يدل عليها عند السلف في القرون الثلاثة الفاضلة، وقال: أنا أمهلكم ثلاث سنين، فهاتوا لي إماماً واحداً من أئمة الدين المعتد بهم قال بقولكم الذي قلتم به في مسائل التأويل والإيمان ومسائل القدر وغيرها التي خالفتم فيها السلف، فوقفوا ثلاث سنين ولم يجيبوه، فبعد ذلك انتصرت السنة بحمد الله، ولا يزال منهج شيخ الإسلام ابن تيمية هو منهج السلف، ونسبته إليه ليست لأنه ابتدع شيئاً، إنما هي لأنه حرر مناهج السلف وبينها واستقرأها وكتب فيها ودافع عنها، فكان منهجه يتمثل في منهج أهل السنة والجماعة.