قضايا تربوية للشباب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة: إن الحديث عن موضوع الشباب حديث ضروري ومهم، وذلك لأسباب عديدة:

أولاً: يعيش الشباب في هذه المرحلة، كثيراً من التغيرات الجسمية والنفسية والعقلية وغيرها، وهذه التغيرات تسبب للشباب كثيرا ًمن المشكلات التي يحتاج معها إلى من يأخذ بيده إلى جادة الصواب، وإلى طريق السلامة.

ثانياً: إن الشاب يتمتع في شبابه بطاقات هائلة جبارة، هذه الطاقات المتنوعة، من الطاقة الجسمية، والقدرة الفكرية، والاستعداد للتضحية؛ يمكن أن تكون طاقة بناءة مثمرة إذا وجدت من يوجهها التوجيه الصحيح، ويمكن أن تكون طاقة هدامة للفرد والمجتمع إذا لم تحض بالعناية والتوجيه.

إن الطاقة التي يمتلكها الشاب أشبه ما تكون بالسيل الجارف، فهذا السيل إذا وضعت له السدود والمعابر وصرف بطريقة صحيحة؛ فإنه يكون خيراً للإنسان ولما يمتلكه الإنسان من الحيوانات والزروع وغيرها، وإذا أُهْمِلَ؛ فإنه يكون تياراً جارفاً يكتسح الإنسان والحيوان والزروع وغيرها من المنشئآت، وهكذا طاقة الشباب.

ثالثاً: إن الشاب يمتلك قدراً كبيراً من الفراغ لا يمتلكه غيره، وقديماً قيل:

إن الشباب والفراغ والجدة     مفسدة للمرء أي مفسدة

نعم! إن الفراغ إذا صاحبه إهمالٌ في التوجيه وغفلة؛ فإنه يصبح مفسدة أي مفسدة، لكن إذا وفق الشباب بمن يوجهه إلى تصريف فراغه بطريقة صحيحة؛ فإنه يكون مصلحة أي مصلحة ومنفعة أي منفعة، وليس المقصود بالفراغ هو وجود أوقات لا يعرف الشاب كيف يصرفها، بل إن الفراغ يشمل أمراً آخر: وهو أن الشاب قد تعدى مرحلة الطفولة، التي كان فيها مجرد كائن بسيط تابع للبيت الذي يعيش فيه، وهو مستعد لقبول التوجيهات التي يلقيها إليه أبواه، تعدى الشاب هذه المرحلة، ولم يدخل بعد إلى المرحلة التي يرتبط فيها ارتباطاً كبيراً ببيت وأسرة وزوج وأعمال كثيرة تأخذ عليه وقته، فهو في مرحلة وسيطة بين هذه وتلك، فلهذه الأسباب الثلاثة؛ يصبح الحديث عن الشباب حديثاً ضرورياً ومهماً.

وإن مما يلفت نظرك أيها الشاب، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال -في الحديث الذي رواه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- أنه عليه الصلاة والسلام قال: {لن تزول قدم ابن آدم من عند ربه يوم القيامة، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم}.

وحين تتأمل هذا الحديث يلفت نظرك إلى أمور منها:

السؤال عن العمر

أولاً: إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، ليس العلم ولا العمل ولا المال، وإنما يسأل أول ما يسأل عن العمر، والسر في ذلك واضح؛ لأن هذا العمر الذي أعطيته هو الذي من خلال عملك فيه تكسب العلم، وتكسب المال وتعمل وتكد وتكدح، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو مالك الأشعري: {كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها} فهذا العمر الذي أعطيته هو ورقة الامتحان، تكتب فيها الجواب الذي تراه، فقد تكتب جواباً صحيحاً فتكون النتيجة النجاح، وقد تكتب جواباً غير صحيح فتكون النتيجة الإخفاق.

العمر هو الوسيلة لكسب جميع الأشياء، وإنما سعد من سعد في الدنيا وفي الآخرة؛ باستغلال أوقاتهم فيما يرضي الله عز وجل، وشقي من شقي في استغلال أوقاتهم فيما يسخط الله عز وجل، ولهذا فإن من الطبيعي والمنطقي، أن يسأل الإنسان عن عمره قبل أن يسأل عن علمه، وقبل أن يسأل عن عمله، وقبل أن يسأل عن ماله.

السؤال عن الشباب

الوقفة الثانية: هي أن الرسول عليه الصلاة والسلام، أخبرنا أن الإنسان يسأل عن عمره، ثم يسأل أيضاً سؤالاً آخر عن شبابه. فالسؤال عن العمر يشمل السؤال عن الشباب وعن الكهولة والشيخوخة والهرم، أما الطفولة فمن المعروف أن الإنسان فيها غير مكلف، وقد رفع عنه قلم التكليف فلا يسأل عن تلك المرحلة، وإنما يسأل عن الوقت الذي بدأ فيه بدخول سن التكليف، يسأل عن عمره بما في ذلك الشباب، ثم يسأل مرة ثانية سؤالاً خاصاً عن مرحلة الشباب، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية الشباب، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيَّن أن الإنسان يسأل عن شبابه مرتين، مرة باعتباره جزءاً من عمره، ومرة يسأل عنه سؤالاً خاصاً.

أولاً: إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، ليس العلم ولا العمل ولا المال، وإنما يسأل أول ما يسأل عن العمر، والسر في ذلك واضح؛ لأن هذا العمر الذي أعطيته هو الذي من خلال عملك فيه تكسب العلم، وتكسب المال وتعمل وتكد وتكدح، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو مالك الأشعري: {كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها} فهذا العمر الذي أعطيته هو ورقة الامتحان، تكتب فيها الجواب الذي تراه، فقد تكتب جواباً صحيحاً فتكون النتيجة النجاح، وقد تكتب جواباً غير صحيح فتكون النتيجة الإخفاق.

العمر هو الوسيلة لكسب جميع الأشياء، وإنما سعد من سعد في الدنيا وفي الآخرة؛ باستغلال أوقاتهم فيما يرضي الله عز وجل، وشقي من شقي في استغلال أوقاتهم فيما يسخط الله عز وجل، ولهذا فإن من الطبيعي والمنطقي، أن يسأل الإنسان عن عمره قبل أن يسأل عن علمه، وقبل أن يسأل عن عمله، وقبل أن يسأل عن ماله.

الوقفة الثانية: هي أن الرسول عليه الصلاة والسلام، أخبرنا أن الإنسان يسأل عن عمره، ثم يسأل أيضاً سؤالاً آخر عن شبابه. فالسؤال عن العمر يشمل السؤال عن الشباب وعن الكهولة والشيخوخة والهرم، أما الطفولة فمن المعروف أن الإنسان فيها غير مكلف، وقد رفع عنه قلم التكليف فلا يسأل عن تلك المرحلة، وإنما يسأل عن الوقت الذي بدأ فيه بدخول سن التكليف، يسأل عن عمره بما في ذلك الشباب، ثم يسأل مرة ثانية سؤالاً خاصاً عن مرحلة الشباب، وهذا يدل دلالة واضحة على أهمية الشباب، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيَّن أن الإنسان يسأل عن شبابه مرتين، مرة باعتباره جزءاً من عمره، ومرة يسأل عنه سؤالاً خاصاً.

ولهذه الأهمية لفترة الشباب؛ فإننا نجد أن حملة الدعوات، وأنصار الرسالات، وقادة الموكب هم دائماً من الشباب، فلو نظرت إلى أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لوجدتهم غالباً من الشباب، ونجد أن الله عز وجل حين ذكر قصة موسى عليه الصلاة والسلام قال: فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ [يونس:83].

يقول مجاهد بن جبر رحمه الله -أحد أئمة التابعين في التفسير- في تفسير هذه الآية، أي في تفسير الذرية: [[إنهم أبناء الذين بعث إليهم موسى بعد طول الزمان وبعد موت آبائه]] وهذا القول يفهم منه أن غالب الذين آمنوا بموسى واتبعوه، كانوا من الشباب، من أبناء الجيل الذي بعث فيه موسى، أما الكبار الذين بعث فيهم، فلم يؤمن منهم معه إلا قليل.

وحين ننظر في دعوة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، نجد هذه القضية واضحة كل الوضوح، فأنت لو تأملت أسماء الذين عذبوا في الله بـمكة، أو أسماء الذين هاجروا إلى الحبشة، أو إلى المدينة، أو الذين حضروا الغزوات، أو الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله عز وجل؛ لوجدت أن غالبهم من الشباب.

وأضرب لذلك مثلاً واحداً، وهو ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، في بيعة العقبة، يقول رضي الله عنه وأرضاه: [[إن العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحب أن يستوثق لابن أخيه، أحب أن يعرف من هم هؤلاء القوم الذين جاءوا من المدينة؛ ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، ليبايعوه على الإسلام وعلى الهجرة، وعلى أن يمنعوه إذا قدم إليهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، فقال العباس: يا ابن أخي، إني ذوا بصر بأهل يثرب، فما أدري من هؤلاء النفر الذي جاءوك -قال جابر بن عبد الله-: فتوافدنا على النبي صلى الله عليه وسلم من بين رجل ورجلين حتى اجتمعنا إليه، فقال العباس: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث]].

لقد أبدى العباس دهشته حين نظر في طلعات هؤلاء المبايعين، وربما كان يظن أنه سيجد مجموعة من كبار الشيوخ الذين خطهم الشيب، أو الشيوخ الذين عرفهم في المدينة، من خلال مجيئه إليها ومروره بها في أعمال التجارة وغيرها، وإذا به يفاجئ أن هذه الطليعة المؤمنة، التي تبايع النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي من الشباب، فلم يُخف هذه الدهشة وهذا الاستغراب، فقال أمامهم وهم يسمعون: [[هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث ]] والحديث رواه الإمام أحمد والحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي، ورواه ابن حبان في صحيحه، وله طرق يتقوى بها.

وحين ننتقل إلى الحركات التجديدية، التي جدد أصحابها ودعاتها ما اندرس من شأن الدين؛ نجد أيضاً أن أنصار هذه الدعوات والذين يمشون خلف هؤلاء القادة والزعماء، أنهم كانوا -أيضاً- من الشباب، ومالنا نذهب بعيداً في التاريخ، ونضرب الأمثلة من الماضي السحيق، ونحن نجد اليوم في هذه الأزمنة وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بل في مختلف أنحاء العالم، نجد الذين رفعوا راية الإسلام، وأقبلوا على العلم والتعليم، والدعوة إلى الله عز وجل، ومعرفة السنة والعمل بها، والدعوة إليها، نجد أن غالبيتهم من الشباب.

وكل متأمل في أوضاع المسلمين اليوم، يجد أنهم يعيشون توبة وأوبة إلى الله عز وجل، وصحوة لا عهد لهم بمثلها، ليس على مستوى الشباب فحسب ذكوراً وإناثاً، كلا، بل وحتى على مستوى الكبار، وعلى كافة المستويات، ولكن للشباب في هذه الصحوة دور بارز ليس لغيرهم، وما كان لهذا العلم أن ينتشر لولا إقبال الشباب عليه ورغبتهم فيه بتوفيق الله تعالى.

إذاً فالذين يحملون مشعل الهداية، ويقبلون على الخير، هم في الغالب من الشباب.

وحين نقلب الصفحة نجد في المقابل، أن أعداء الأنبياء والرسل الذين يجاهرون بالعداوة ويستميتون في سبيلها؛ نجد أن من بينهم شباباً ممن لم تستنر قلوبهم بنور الإيمان، ونجد لهؤلاء الشباب من القوة في مقاومة دعوة الأنبياء وأتباعهم ما ليس لغيرهم من الشيوخ الكبار، ونجد في واقع المسلمين اليوم، وفي ماضيهم القريب أيضاً.

إن كثيراً من حملة المبادئ المنحرفة، ومن دعاة الأفكار الهدامة، كـالشيوعية والقومية والبعثية وغيرها من المذاهب التي عرفها المسلمون في ماضيهم القريب وفي حاضرهم، نجد أن كثيراً من الذين نعقوا بهذه الدعوات، وصرخوا بها بين أظهر المسلمين، أنهم كانوا من الشباب.

ولا غرو أن نجد أعداء الإسلام من المستعمرين، يحرصون على أن يكون دعاة المبادئ المنحرفة من شباب المسلمين؛ لأنهم يعرفون أن شجرة الإسلام لا تجتث إلا بغصن من غصونها.

أيها الشباب! لقد عرفتم الآن أن للشباب أهمية كبيرة، وأن الشباب هم قادة الموكب، وأن الخير التي تنتظره الأمة يكون بإذن الله على يد الشباب ذكورهم وإناثهم، وبناءً على ذلك: فإن من حق الشباب الحديث عن المشكلات والقضايا التي يحتاجون إلى التنوير بشأنها.

وسأتحدث في هذه الدقائق عن أربع قضايا تربوية مهمة، يحتاج كل شاب إلى تفهمها:

من المعروف أن في فطرة كل إنسان الميل إلى التقليد والمحاكاة، وهذا يبرز أكثر ما يبرز في الطفل مثلاً، حيث تجده حريصاً على تقليد أبويه أو أستاذه أو غير ذلك، ويظل هذا الميل موجوداً عند الإنسان في جميع مراحل عمره، الميل إلى التقليد والمحاكاة، وهذا الميل إذا ارتقى وأصبح مبنياً على البصيرة والوعي، فإنه ينتقل عن كونه تقليداً إلى كونه اتباعاً، ولذلك يقول الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108] فسمى التأسي على بصيرة، سماه اتباعاً، ولم يسمه تقليداً، وهذا هو الفرق بين التقليد والاتباع، فإن التقليد هو: محاكاة الغير واتباعه بغير معرفة الدليل والحجة، بغير بصيرة ووعي. أما الاتباع: فهو التأسي بالغير مع معرفة الدليل مع البصيرة، والإنسان لا بد له من هذا أو ذاك، فإما التقليد وإما الاتباع.

القدوة تكون في الخير والشر

التقليد يكون في الخير كما يكون أيضاً في الشر، ويكون في الحسنة كما يكون في السيئة، وفي القصة التي رواها أبو عمرو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم: {أن قوماً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مجتابي النمار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، وكان يظهر على هؤلاء القوم أثر الجهد والفقر والفاقة، فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما عليهم من أثر الفاقة، فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام فخطب الناس، وحمد الله وأثنى عليه، ثم دعا الناس إلى الصدقة، فقال: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمره، فبدأ الناس يتصدقون حتى جاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده تعجز عنها بل قد عجزت، فألقاها، وصار هذا يأتي بثوب، وهذا يأتي بصاع تمر، وهذا يأتي بصاع بر، حتى صار أمام النبي صلى الله عليه وسلم كومين من طعام وثياب، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه سلم حتى كأنه مُذهبة من شدة الفرح والسرور، ثم قال صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}.

تأمل هذه السنة الحسنة الواردة في هذا الحديث وهي الصدقة، فإن الناس اقتدوا فيها بمن سبقهم فتصدقوا، وتجد في مقابل ذلك -أيضاً- من أعرض عن الصدقة، أو سخر من المتصدقين، فقال لمن أتى بمال كثير: إن هذا إنما أراد الرياء والسمعة. وقال لمن أتى بصاع من تمر مثلاً: إن الله غني عن صاع هذا، كما حكى الله عز وجل عن المنافقين الذين يلمزون المطّوعين من المؤمنين في الصدقة، قال: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ [التوبة:79].

فالقدوة تكون في الخير وتكون في الشر، ويقول صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه: {لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل} وهو عليه الصلاة والسلام يشير بهذا إلى قصة ابني آدم، التي حكاها الله عز وجل في كتابه، في قوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ..الآية [المائدة:27] وهي المشهورة بقصة قابيل وهابيل.

السبيل إلى القدوة الحسنة

وإذا كان الأمر كذلك وكانت القدوة تكون في الخير وفي الشر، فإن هاهنا سؤالاً لا بد منه، وهو: كيف نستطيع أن نوجد للشاب قدوة في الخير سالمة من الشر، وسالمة من الخطأ ومن النفس، كيف السبيل إلى هذه القدوة؟ هذا سؤال أريد الإجابة عليه.

مرة أخرى: إذا كنا نعرف أن القدوة تكون في الخير كما تكون في الشر، فكيف السبيل إلى تحصيل القدوة السالمة من الخطأ، السالمة من النقص، السالمة من الشر؟

السبيل إلى ذلك هو أن يكون قدوتك الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنك إذا اقتديت بغيره اقتداءً مطلقاً، لا محيد لك عن الوقوع في الخطأ، أما الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو سالم من ذلك، ولذلك قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

هذا هو المستوى الأول والأعلى والأسمى من مستويات القدوة، ولكن هل هناك مستويات للقدوة تأتي بعد هذا المستوى؟ يمكن أن نجد مستويات أخرى، فمثلاً: يكون الشاب في كثيرٍ من الأحيان ذا ميل إلى نوع معين من أنواع النبوغ، كالعلم أو العمل أو الدعوة، أو التخصص أيضاً في علم من العلوم أو ما أشبه ذلك، فيحتاج إلى أن يكون أمامه شخص بارز بصفة خاصة في هذا المجال؛ ليسير على خطاه، ويجعله مثلاً أعلى له في هذا المجال، وهذا أمر طبيعي، فمثلاً الاقتداء بـعمر بن عبد العزيز في العدل، أو بالإمام ابن تيمية في الجهاد والدعوة، أو بالإمام أحمد في الزهد أو في الصبر على العقيدة الصحيحة والثبات عليها، أو الاقتداء مثلاً بالإمام محمد بن عبد الوهاب في الدعوة إلى الله تعالى، وإقامة مجتمع صالح على أساس الكتاب والسنة، إلى غير ذلك من الشخصيات الكثيرة التي يمتلئ بها التاريخ الإسلامي.

هذا النوع من الاقتداء، يلبي رغبة وناحية جبلية وفطرية موجودة لدى الإنسان، وينبغي للإنسان أن يجعل له مثلاً أعلى من هؤلاء الأئمة ومن غيرهم، ولذلك روى أبو نعيم في الحلية، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان يقول: [[من كان متأسياً فليتأس بمن قد مات]] وكذلك تجد أن الفتاة المسلمة -مثلاً- هي بحاجة إلى أن تجعل من خديجة أو عائشة أو أسماء بنت أبي بكر، أو غيرهن من المسلمات مثلاً أعلى لها.

الحرص على الاستفادة والقرب من القدوة

أما المستوى الثالث من مستويات القدوة: فهو أن تبحث عن شخص من الأشخاص الأحياء المحيطين بك، ممن استجمعوا قدراً كبيراً من الفضائل والصفات، فتحرص على القرب منه، والاستفادة مما عنده، ومحاكاته في أمور الخير، من العلم والعمل والدعوة وغير ذلك من الفضائل، كما تحرص على الاستفادة من عقله ورأيه ومشورته، فيما يلم بك من أحداث ومواقف وتغيرات. وقد يسأل سائل: وهل نحن بحاجة إلى هذا النوع من القدوة، بعد أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا؟

فأقول: ارجع إلى الحديث السابق الذي رواه جرير بن عبد الله. إننا نعلم جميعاً أن الصدقة مشروعة بنصوص كثيرة من القرآن والسنة، ومع ذلك لما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالصدقة، فجاء هذا بصرة كادت يده تعجز عنها، وجاء آخر بقليل، وجاء ثالث بما يقدر عليه من المال أو التمر أو غيره، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: {من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها}.

إذاً حتى الأمور المشروعة الثابت مشروعيتها في الكتاب والسنة، نحن بحاجة والناس جميعاً بحاجة، إلى أن يروا في واقع الحياة أشخاصاً أحياء يعملون هذه الأشياء المشروعة؛ فتثور أريحية الناس للقيام بهذه الأعمال وأدائها، ولذلك فإن الله عز وجل لما أراد إقامة الحجة على الناس، لم ينـزل إليهم الكتب فحسب، بل أنـزل إليهم الكتب وأرسل إليهم معها الرسل، فالكتاب منـزل على رسول، وهذا الرسول لم يكن ملكاً، وإنما كان بشراً حتى يتحقق للناس كمال الاقتداء، أما لو كان الرسول ملكاً من الملائكة؛ لقال الناس: هذا ملك لا طاقة لنا بأن نعمل كما عمل.

الخلاصة: أنه لا بد لك أيها الشاب أن تنظر فيمن حولك، إلى إنسان تتحقق فيه الصفات الحميدة جملة، فتحرص على القرب منه، والأخذ عنه، والاستفادة مما عنده، ولقد كان سلفنا الصالح يعتبرون هذا شرطاً من شروط العلم والتحصيل والتربية، فيقولون -مثلاً- في الشروط التي لا بد منها لتحصيل العلم، بعد أن يذكروا -مثلاً- الذهن الثاقب، يذكرون المعلم الحاذق، وكلكم يحفظ قول الإمام الشافعي:

أخي لن تنال العلم إلا بستة     سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة     وصحبة أستاذ وطول زمان

فصحبة الأستاذ والمربي والموجه لا بد منها.

مزلق خطير في باب القدوة

ولكن هاهنا مزلق يقع فيه الكثير، وهو أن الاقتداء مبناه على الإعجاب، فأنت حين تقتدي بالشخص إنما اقتديت به لإعجابك به، وهذا الإعجاب قد يتحول من حيث لا يشعر الإنسان، إلى نوع من التعظيم والتقديس الذي لا يجوز، حتى تجد كثيراً من الناس إذا أعجبوا بشخص واقتربوا منه، لا يقتصرون على الإقتداء به في الأمور الحميدة المعروف مشروعيتها بأصل الدين، وإنما يتعدون إلى الإقتداء به حتى في الأمور العادية البحتة.

فتجد الواحد منهم يقتدي بهذا الشخص -مثلاً- في طريقة تحريك اليدين، في طريقة النطق بالكلام، وفي ترديد عبارات معينة يكون هذا الإنسان قد درج على تكرارها، حتى في الخط، وفي طريقة المشي، وفي أشياء كثيرة عادية جداً، بل يتعدى الأمر إلى أن يقتدي به في الأمور غير الصحيحة، فيصبح من الصعب على التلميذ أن يخالف أستاذه حتى في أبسط الأشياء، فتذوب شخصية التلميذ في أستاذه، ويفنى فيه فناءً مطلقاً، وهذا خطأ، وبهذه الطريقة لا يمكن أن يبرز الشاب، ولا أن توجد الإمكانيات والقدرات القيادية لديه. هذه هي القضية الأولى وهي قضية القدوة.

التقليد يكون في الخير كما يكون أيضاً في الشر، ويكون في الحسنة كما يكون في السيئة، وفي القصة التي رواها أبو عمرو جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، كما في صحيح مسلم: {أن قوماً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مجتابي النمار، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، وكان يظهر على هؤلاء القوم أثر الجهد والفقر والفاقة، فتأثر النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ما عليهم من أثر الفاقة، فأمر بلالاً فأذن وأقام الصلاة، ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام فخطب الناس، وحمد الله وأثنى عليه، ثم دعا الناس إلى الصدقة، فقال: تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمره، فبدأ الناس يتصدقون حتى جاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده تعجز عنها بل قد عجزت، فألقاها، وصار هذا يأتي بثوب، وهذا يأتي بصاع تمر، وهذا يأتي بصاع بر، حتى صار أمام النبي صلى الله عليه وسلم كومين من طعام وثياب، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه سلم حتى كأنه مُذهبة من شدة الفرح والسرور، ثم قال صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء}.

تأمل هذه السنة الحسنة الواردة في هذا الحديث وهي الصدقة، فإن الناس اقتدوا فيها بمن سبقهم فتصدقوا، وتجد في مقابل ذلك -أيضاً- من أعرض عن الصدقة، أو سخر من المتصدقين، فقال لمن أتى بمال كثير: إن هذا إنما أراد الرياء والسمعة. وقال لمن أتى بصاع من تمر مثلاً: إن الله غني عن صاع هذا، كما حكى الله عز وجل عن المنافقين الذين يلمزون المطّوعين من المؤمنين في الصدقة، قال: وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ [التوبة:79].

فالقدوة تكون في الخير وتكون في الشر، ويقول صلى الله عليه وسلم، في الحديث المتفق عليه: {لا تقتل نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل} وهو عليه الصلاة والسلام يشير بهذا إلى قصة ابني آدم، التي حكاها الله عز وجل في كتابه، في قوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ..الآية [المائدة:27] وهي المشهورة بقصة قابيل وهابيل.

وإذا كان الأمر كذلك وكانت القدوة تكون في الخير وفي الشر، فإن هاهنا سؤالاً لا بد منه، وهو: كيف نستطيع أن نوجد للشاب قدوة في الخير سالمة من الشر، وسالمة من الخطأ ومن النفس، كيف السبيل إلى هذه القدوة؟ هذا سؤال أريد الإجابة عليه.

مرة أخرى: إذا كنا نعرف أن القدوة تكون في الخير كما تكون في الشر، فكيف السبيل إلى تحصيل القدوة السالمة من الخطأ، السالمة من النقص، السالمة من الشر؟

السبيل إلى ذلك هو أن يكون قدوتك الرسول عليه الصلاة والسلام، فإنك إذا اقتديت بغيره اقتداءً مطلقاً، لا محيد لك عن الوقوع في الخطأ، أما الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو سالم من ذلك، ولذلك قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].

هذا هو المستوى الأول والأعلى والأسمى من مستويات القدوة، ولكن هل هناك مستويات للقدوة تأتي بعد هذا المستوى؟ يمكن أن نجد مستويات أخرى، فمثلاً: يكون الشاب في كثيرٍ من الأحيان ذا ميل إلى نوع معين من أنواع النبوغ، كالعلم أو العمل أو الدعوة، أو التخصص أيضاً في علم من العلوم أو ما أشبه ذلك، فيحتاج إلى أن يكون أمامه شخص بارز بصفة خاصة في هذا المجال؛ ليسير على خطاه، ويجعله مثلاً أعلى له في هذا المجال، وهذا أمر طبيعي، فمثلاً الاقتداء بـعمر بن عبد العزيز في العدل، أو بالإمام ابن تيمية في الجهاد والدعوة، أو بالإمام أحمد في الزهد أو في الصبر على العقيدة الصحيحة والثبات عليها، أو الاقتداء مثلاً بالإمام محمد بن عبد الوهاب في الدعوة إلى الله تعالى، وإقامة مجتمع صالح على أساس الكتاب والسنة، إلى غير ذلك من الشخصيات الكثيرة التي يمتلئ بها التاريخ الإسلامي.

هذا النوع من الاقتداء، يلبي رغبة وناحية جبلية وفطرية موجودة لدى الإنسان، وينبغي للإنسان أن يجعل له مثلاً أعلى من هؤلاء الأئمة ومن غيرهم، ولذلك روى أبو نعيم في الحلية، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه، أنه كان يقول: [[من كان متأسياً فليتأس بمن قد مات]] وكذلك تجد أن الفتاة المسلمة -مثلاً- هي بحاجة إلى أن تجعل من خديجة أو عائشة أو أسماء بنت أبي بكر، أو غيرهن من المسلمات مثلاً أعلى لها.

أما المستوى الثالث من مستويات القدوة: فهو أن تبحث عن شخص من الأشخاص الأحياء المحيطين بك، ممن استجمعوا قدراً كبيراً من الفضائل والصفات، فتحرص على القرب منه، والاستفادة مما عنده، ومحاكاته في أمور الخير، من العلم والعمل والدعوة وغير ذلك من الفضائل، كما تحرص على الاستفادة من عقله ورأيه ومشورته، فيما يلم بك من أحداث ومواقف وتغيرات. وقد يسأل سائل: وهل نحن بحاجة إلى هذا النوع من القدوة، بعد أن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا؟

فأقول: ارجع إلى الحديث السابق الذي رواه جرير بن عبد الله. إننا نعلم جميعاً أن الصدقة مشروعة بنصوص كثيرة من القرآن والسنة، ومع ذلك لما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالصدقة، فجاء هذا بصرة كادت يده تعجز عنها، وجاء آخر بقليل، وجاء ثالث بما يقدر عليه من المال أو التمر أو غيره، قال الرسول عليه الصلاة والسلام: {من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فله أجرها وأجر من عمل بها}.

إذاً حتى الأمور المشروعة الثابت مشروعيتها في الكتاب والسنة، نحن بحاجة والناس جميعاً بحاجة، إلى أن يروا في واقع الحياة أشخاصاً أحياء يعملون هذه الأشياء المشروعة؛ فتثور أريحية الناس للقيام بهذه الأعمال وأدائها، ولذلك فإن الله عز وجل لما أراد إقامة الحجة على الناس، لم ينـزل إليهم الكتب فحسب، بل أنـزل إليهم الكتب وأرسل إليهم معها الرسل، فالكتاب منـزل على رسول، وهذا الرسول لم يكن ملكاً، وإنما كان بشراً حتى يتحقق للناس كمال الاقتداء، أما لو كان الرسول ملكاً من الملائكة؛ لقال الناس: هذا ملك لا طاقة لنا بأن نعمل كما عمل.

الخلاصة: أنه لا بد لك أيها الشاب أن تنظر فيمن حولك، إلى إنسان تتحقق فيه الصفات الحميدة جملة، فتحرص على القرب منه، والأخذ عنه، والاستفادة مما عنده، ولقد كان سلفنا الصالح يعتبرون هذا شرطاً من شروط العلم والتحصيل والتربية، فيقولون -مثلاً- في الشروط التي لا بد منها لتحصيل العلم، بعد أن يذكروا -مثلاً- الذهن الثاقب، يذكرون المعلم الحاذق، وكلكم يحفظ قول الإمام الشافعي:

أخي لن تنال العلم إلا بستة     سأنبيك عن تفصيلها ببيان

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة     وصحبة أستاذ وطول زمان

فصحبة الأستاذ والمربي والموجه لا بد منها.