سلسلة دروس رمضانية


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ الله وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

شهر رمضان ما أجمل لياليه! وما أحلى أيامه! جعلنا الله وإياكم ممن صامه فأحسن صيامه, وقامه فأحسن قيامه, ورزقنا فيه التوبة والإنابة والاستقامة, ليكون لنا شهيداً مشفعاً يوم القيامة.

أما بعـد:

عباد الله: هذه وقفة مع بعض الأعمال والسلوكيات، والتصرفات الخاطئة, التي يعملها كثير من المسلمين في هذا الشهر الكريم، رجالاً كانوا أو نساءً.

أحبتي في الله:

يجب أن نسأل أنفسنا، لماذا أوجب الله علينا الصيام والإمساك عن الشراب والطعام طيلة النهار؟ فالله تعالى لا يريد أن يعذبنا بهذا, وهو غني عنا، ورزقنا هذه النعم وأحلها لنا ثم قال لنا: أمسكوا عنها من طلوع الفجر إلى غروب الشمس, وبين لنا العلة في ذلك لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

الفوائد الأخروية للعبادة

إخواني الكرام: كل العبادات، من صلاة وصيام وحج وزكاة وقيام ليل وذكر وتسبيح ... الخ لها فوائد دنيوية, وفوائد أخروية, أما الفوائد الأخروية فلا مجال للكلام عنها؛ ويكفيك من الفوائد الأخروية أن تعلم أن الله جل وعلا يدخل أصحاب العبادة الصالحة الجنة, ويدخل المعرضين عن العبادة النار وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

إذاً يكفي هذا ولذلك لا يحتاج أن نقول: الصيام يهذب النفس, أو يهذب الجسد, أو يصحح الإنسان, أو أنه حمية من الأمراض, يكفي في فوائد الصيام الأخروية، وغيره من العبادات، أنه سبب للنجاة من عذاب الله، والفوز بمرضاته, هذا كاف.

الفوائد الدنيوية للعبادة

أما إذا انتقلت إلى الفوائد الدنيوية في العبادات فأنت تجد فوائد عظيمة منها:

أولاً: تهذيب النفس:

لأن العبد إذا صلى وصام وتعبد لله عز وجل يصبح عنده ورع, وخوف، ومراقبة, فيتق الله عز وجل في جميع أموره, ولذلك لا تجتمع العبادة الحقيقية الصادقة لا تجتمع مع الفجور أبداً، اسمع ماذا يقول الله تعالى عن الصلاة، يقول تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

فإذا رأيت إنساناً يصلي ويرتكب الفحشاء والمنكر, فاعلم أن صلاته فيها دخل وفيها دخن, وإنما هي صورة بلا حقيقة, صحيح أنها تُجزِئُه ولا يحسب كافراً ما دام يصلي, لكنه ما حقق الصلاة الشرعية الكاملة، التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

فالعبادة فيها تهذيب للنفس, فتجد العابد لله عبادة صحيحة نـزيهاً ونظيفاً, ولا تجد -مثلاً- في قلبه غلاً, أو حقداً, أو حسداً, أو بغضاء, أو كبراً, أو عجباً, أو غروراً, أو غشاً للمسلمين؛ لأن قلبه نظيف وهو يقرأ القرآن، ويقرأ قول الله عز وجل: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

ولذلك كان العابدون الأولون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم, آية وأعجوبة في تهذيب نفوسهم وصلاحها, يتعاملون مع القرآن معاملة حقيقية, إمامهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح بآية واحدة يكررها، وهي قول الله عز وجل: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] حتى الفجر وهو يرددها ويبكي! فقال له أبو ذر: يا رسول الله! مازلت تردد هـذه الآية؟ قـال: {إني سألت ربي الشفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً}.

ثانياً: العبادة العبادة من صوم، وصلاة، وغيرها، فيها تهذيب للمجتمع, فالمجتمع العابد لا تنتشر فيه الجرائم والموبقات, وغير صحيح أنك تجد الناس الآن في المساجد، ثم ما إن يتفرقوا من المسجد حتى يذهب كل إلى حال سبيله, هذا يغش, وهذا يخدع, وهؤلاء يجتمعون على لهو ولعب, وهؤلاء يجتمعون على سكر, وهؤلاء يجتمعون على غيبة, وهؤلاء يجتمعون على حرام, وقبل قليل كانوا في المساجد! هذا تناقض عظيم في حياة المسلمين اليوم!

ثالثاً: العبادة فيها جمع لكلمة المسلمين، لأن الأمة كلها تصوم في وقت واحد، وتفطر في يوم واحد، وتجتمع في المساجد للصلاة, وتجتمع في عرفات ومنى وغيرها للحج, فتجتمع كلمة الأمة, وتتوحد قلوبهم, ولا يكون عندهم أهواء، ولا اختلافات، ولا نـزاع فيما بينهم.

إخواني الكرام: كل العبادات، من صلاة وصيام وحج وزكاة وقيام ليل وذكر وتسبيح ... الخ لها فوائد دنيوية, وفوائد أخروية, أما الفوائد الأخروية فلا مجال للكلام عنها؛ ويكفيك من الفوائد الأخروية أن تعلم أن الله جل وعلا يدخل أصحاب العبادة الصالحة الجنة, ويدخل المعرضين عن العبادة النار وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

إذاً يكفي هذا ولذلك لا يحتاج أن نقول: الصيام يهذب النفس, أو يهذب الجسد, أو يصحح الإنسان, أو أنه حمية من الأمراض, يكفي في فوائد الصيام الأخروية، وغيره من العبادات، أنه سبب للنجاة من عذاب الله، والفوز بمرضاته, هذا كاف.

أما إذا انتقلت إلى الفوائد الدنيوية في العبادات فأنت تجد فوائد عظيمة منها:

أولاً: تهذيب النفس:

لأن العبد إذا صلى وصام وتعبد لله عز وجل يصبح عنده ورع, وخوف، ومراقبة, فيتق الله عز وجل في جميع أموره, ولذلك لا تجتمع العبادة الحقيقية الصادقة لا تجتمع مع الفجور أبداً، اسمع ماذا يقول الله تعالى عن الصلاة، يقول تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].

فإذا رأيت إنساناً يصلي ويرتكب الفحشاء والمنكر, فاعلم أن صلاته فيها دخل وفيها دخن, وإنما هي صورة بلا حقيقة, صحيح أنها تُجزِئُه ولا يحسب كافراً ما دام يصلي, لكنه ما حقق الصلاة الشرعية الكاملة، التي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

فالعبادة فيها تهذيب للنفس, فتجد العابد لله عبادة صحيحة نـزيهاً ونظيفاً, ولا تجد -مثلاً- في قلبه غلاً, أو حقداً, أو حسداً, أو بغضاء, أو كبراً, أو عجباً, أو غروراً, أو غشاً للمسلمين؛ لأن قلبه نظيف وهو يقرأ القرآن، ويقرأ قول الله عز وجل: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

ولذلك كان العابدون الأولون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغيرهم, آية وأعجوبة في تهذيب نفوسهم وصلاحها, يتعاملون مع القرآن معاملة حقيقية, إمامهم وقدوتهم محمد صلى الله عليه وسلم قام ليلة حتى أصبح بآية واحدة يكررها، وهي قول الله عز وجل: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة:118] حتى الفجر وهو يرددها ويبكي! فقال له أبو ذر: يا رسول الله! مازلت تردد هـذه الآية؟ قـال: {إني سألت ربي الشفاعة لأمتي فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً}.

ثانياً: العبادة العبادة من صوم، وصلاة، وغيرها، فيها تهذيب للمجتمع, فالمجتمع العابد لا تنتشر فيه الجرائم والموبقات, وغير صحيح أنك تجد الناس الآن في المساجد، ثم ما إن يتفرقوا من المسجد حتى يذهب كل إلى حال سبيله, هذا يغش, وهذا يخدع, وهؤلاء يجتمعون على لهو ولعب, وهؤلاء يجتمعون على سكر, وهؤلاء يجتمعون على غيبة, وهؤلاء يجتمعون على حرام, وقبل قليل كانوا في المساجد! هذا تناقض عظيم في حياة المسلمين اليوم!

ثالثاً: العبادة فيها جمع لكلمة المسلمين، لأن الأمة كلها تصوم في وقت واحد، وتفطر في يوم واحد، وتجتمع في المساجد للصلاة, وتجتمع في عرفات ومنى وغيرها للحج, فتجتمع كلمة الأمة, وتتوحد قلوبهم, ولا يكون عندهم أهواء، ولا اختلافات، ولا نـزاع فيما بينهم.

انظر -يا أخي المسلم- إلى العبادات -اليوم- هل تؤدي هذا المفعول في واقعنا أم لا؟

وما دمنا بصدد الحديث عن الصيام فانظر إلى واقع المسلمين خلال شهر الصيام, كيف يكون واقعهم؟!

يعني إذا كان الصيام صياماً حقيقياً شرعياً فلا بد أنه سوف يقلب حياة المسلمين, ويجعلها أفضل مما كانت في بقية العام، وهذا هو الطبيعي, خاصة وأن الشيطان يسلسل في شهر رمضان كما في الصحيح: {إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة -وفي لفظ- فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب النار وسلسلت الشياطين -يعني وضعت في السلاسل- وصفدت الشياطين -يعني وضعت في الأصفاد-} فلا يَخْلُصُون في رمضان إلى ما كانوا يخلصون في غيره, لكن انظر إلى مجموعة من السلبيات والأخطاء التي تقع في واقع حياة المسلمين اليوم، أفراداً وجماعات.

اعتبار رمضان فترة مؤقتة

أول ما يلفت النظر أن كثيراً من الناس يعتبرون رمضان فترة مؤقتة، يؤجلون فيها أهواءهم وشهواتهم حتى ينتهي! فإذا دخل رمضان امتلأت المساجد وازدحمت بالمصلين، وما يزالون يتناقصون حتى ينتهوا! فأين هؤلاء في شعبان؟!

أما يعلمون أن الصلاة هي العمود الذي يقوم عليه الإسلام؟! وأنها الفيصل بين الإسلام والكفر؟! وأن {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وأن {بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة} بحيث نقول: إن التارك للصلاة بالكلية مرتد عن الإسلام، فإذا كان كذلك فما بال أقوام لا يُعرفون في المساجد! وربما يَشتكي الواحد منهم, ويُزار في بيته ويُناصح، ويُستخدم معه كافة الأساليب فلا ينقاد إلى المساجد, بل يهرب منها, كما يفرق الشيطان من الحق!

فإذا جاء رمضان ازدحمت المساجد, أين أنتم؟!

رب رمضان ورب شعبان واحد, والدين لا يتغير, والإسلام ليس ألعوبة مثل دين النصارى واليهود, فإن اليهود والنصارى الآن يزعمون أنهم يعبدون الله تعالى يومًا في الأسبوع، يوم السبت عند اليهود, ويوم الأحد عند النصارى, ففي هذا اليوم يذهبون للكنائس، خاصة كبار السن, ويتعبدون على طريقتهم, فإذا انتهى ذلك اليوم, رجعوا إلى ما كانوا عليه من فجور, وانحلال, وتفسخ, وأكل للربا, وغش, ومشاهدة الحرام, وسماعه, والانغماس في أنواع الموبقات والمحرمات! فهم كما قال أحد النصارى: إننا نعبد الله في يوم واحد ونعبد بنكإنجلترا في ستة أيام، أي يعبدون المادة في بقية أيام الأسبوع.

فهل حق على هذه الأمة أن سلكت وأخذت مأخذ الأمم قبلها, فأصبحت تعبد الله تعالى في المسجد، فإذا خرجت خلعت جلباب العبادة والخوف من الله وبدأت تعمل بمقتضى أهوائها وشهواتها؟!

هذا هو الواقع عند كثير من المسلمين, وهو مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!} أي: هم اليهود والنصارى, أنتم تأخذون مأخذهم- قال الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].

حال القلوب في رمضان

يا أخي: التمس قلبك في رمضان عند قراءة القرآن، وذكر الله, وعند الصلاة، وعند ذكر الموت والجنة والنار, فإن وجدت قلبك يتحرك وينتعش, وإلا فاعلم أنه لا قلب لك! فاسأل الله أن يرزقك قلباً: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:37] فقد يوجد إنسان حي لكن ليس له قلب! لأن القلب في الشرع ليس فقط هذه المضغة التي تنبض الدم وتضخه إلى الجسم, القلب شيء آخر وراء ذلك, هو حياة الروح, والإشراق, والإقبال على الله, والخوف من الله, والرغبة فيما عند الله, هذا هو القلب السليم إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37] فهذه سلبية يجب أن تنتهي من قلوب المسلمين.

فيقال لكل إنسان: يجب أن تعرف طريقك، إما أن تكون عبداً لله, أو عبداً للشيطان, ليس هناك حل ثالث, يقول الله عز وجل: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يس:60-61] لا توجد أنصاف حلول, إما أن تكون عبداً لله، ملتزماً بأوامر الله, وحتى لو غلبك الهوى فأخطأت, تب سريعاً إلى الله, فتلقي بنفسك بين يديه, وتمرغ خدك ساجداً لله عز وجل وتقول: يا رب! اقبلني, فحينئذٍ تكون عبداً لله حقا, وإما أن تكون عبداً للشيطان, فتفعل ما تشاء والموعد أمامك!

تذكر أنك عبد

يروى أن بشراً الحافي مر على بيت فسمع فيه صوت الدفوف, والمزامير, والغناء! فقرع الباب، فخرجت إليه امرأة, قال لها: من صاحب هذا البيت؟

قالت: ماذا تريد منه؟

قال: أريد أن أعلم أعبد هو أم حر؟

قالت: لا بل هو حر, قال لها: أخبريه بأن بشراً الحافييقول لك: إن كنت حراً فاصنع ما شئت, وإن كنت عبداً فلا تتصرف إلا بإذن سيدك. فضحكت المرأة وذهبت للرجل، وقالت: في الباب رجل مخبول! يقول: كذا وكذا, قال: كلا والله! هذا هو عين العقل، صدق, أنا عبد ولست حراً, أنا عبد لله عز وجل, وما عندي من مال ومتاع, لا يجوز لي أن أتصرف فيه إلا بإذن سيدي وهو الله تعالى, فتاب إلى الله تعالى، وكسر مزاميره, وطنابيره, وأقلع عما كان يفعله.

ينبغي أن نحدد موقفنا بوضوح إن كنا عبيداً لله, فالعبودية لله لا تقبل الشركة، أن تكون عبداً لله ولغير لله, يقول الله عز وجل: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك}, والله عز وجل هو أكرم الأكرمين.

فبالنسبة لعبيده الذين رضوا بعبوديته، فالله تعالى يجود عليهم, فإذا أخطئوا أو قصروا, أو فرطوا, ثم قالوا: يا رب! أخطأنا، وقصرنا، وفرطنا يفتح لهم أبوابه, ويقول لهم: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] ويقول لهم: {يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني, فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي} قوله كلام، عطاؤه كلام، ومنعه كلام: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] كل شيء يكون بهذه الكلمة, ويقول: {يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا -يعني ملء الأرض- ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً, -لاحظ الشرط لأتيتك بقرابها مغفرة}.

فهو جل وعلا واسع, كريم, جواد, وهاب, وكفى من سعة كرمه جل وعلا أن يعطي الجنة! هل يستحق أحد الجنة؟

لا والله، لا أحد يستحق الجنة, يعني: يستحق أن يكون مخلداً في الجنة آماداً وآباداً متطاولة لا نهاية لها، في نعيم لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع, وحرير، وصحاف، ودر، ونعيم، ما تجلى لقلب بشر، أو دنا منه فكر! لا أحد يستحق هذا البتة, إلا بفضل الله تعالى.

فالله تعالى يعطي "هَذَا عَطَاؤُنَا [صّ:39] المهم أن تكون عند لله -فعلاً- في رمضان وفي غير رمضان، رمضان فرصة لنحدد أمورنا، فلا تبقى المسألة هكذا في المناسبات فقط، لابد أن نحدد الموقف جيداً إذا كنا عبيداً لله من الآن، نحدد طريقنا أننا عبيد لله, ونحرص على مرضاته, وحتى حين نخطئ نسرع بالتوبة إلى الله، قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

أول ما يلفت النظر أن كثيراً من الناس يعتبرون رمضان فترة مؤقتة، يؤجلون فيها أهواءهم وشهواتهم حتى ينتهي! فإذا دخل رمضان امتلأت المساجد وازدحمت بالمصلين، وما يزالون يتناقصون حتى ينتهوا! فأين هؤلاء في شعبان؟!

أما يعلمون أن الصلاة هي العمود الذي يقوم عليه الإسلام؟! وأنها الفيصل بين الإسلام والكفر؟! وأن {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وأن {بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة} بحيث نقول: إن التارك للصلاة بالكلية مرتد عن الإسلام، فإذا كان كذلك فما بال أقوام لا يُعرفون في المساجد! وربما يَشتكي الواحد منهم, ويُزار في بيته ويُناصح، ويُستخدم معه كافة الأساليب فلا ينقاد إلى المساجد, بل يهرب منها, كما يفرق الشيطان من الحق!

فإذا جاء رمضان ازدحمت المساجد, أين أنتم؟!

رب رمضان ورب شعبان واحد, والدين لا يتغير, والإسلام ليس ألعوبة مثل دين النصارى واليهود, فإن اليهود والنصارى الآن يزعمون أنهم يعبدون الله تعالى يومًا في الأسبوع، يوم السبت عند اليهود, ويوم الأحد عند النصارى, ففي هذا اليوم يذهبون للكنائس، خاصة كبار السن, ويتعبدون على طريقتهم, فإذا انتهى ذلك اليوم, رجعوا إلى ما كانوا عليه من فجور, وانحلال, وتفسخ, وأكل للربا, وغش, ومشاهدة الحرام, وسماعه, والانغماس في أنواع الموبقات والمحرمات! فهم كما قال أحد النصارى: إننا نعبد الله في يوم واحد ونعبد بنكإنجلترا في ستة أيام، أي يعبدون المادة في بقية أيام الأسبوع.

فهل حق على هذه الأمة أن سلكت وأخذت مأخذ الأمم قبلها, فأصبحت تعبد الله تعالى في المسجد، فإذا خرجت خلعت جلباب العبادة والخوف من الله وبدأت تعمل بمقتضى أهوائها وشهواتها؟!

هذا هو الواقع عند كثير من المسلمين, وهو مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!} أي: هم اليهود والنصارى, أنتم تأخذون مأخذهم- قال الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16].




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5087 استماع
حديث الهجرة 4992 استماع
تلك الرسل 4150 استماع
الصومال الجريح 4142 استماع
مصير المترفين 4107 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4046 استماع
وقفات مع سورة ق 3972 استماع
مقياس الربح والخسارة 3925 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3867 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3827 استماع