خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/68"> الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/68?sub=33611"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الثبات على الهداية
الحلقة مفرغة
الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه ما أظلم الليل وأضاء النهار.
أما بعد:
إخواني في الله! كم هي نعمة من الله عز وجل عظيمة، ومنة من الله تبارك وتعالى جليلة؛ تلك النعمة التي أخرج بها العبد من الظلمات إلى النور، وأنقذه من مزالق الهوى والردى والشرور! أيُّ ساعة تلك الساعة التي أقبلت فيها القلوب والقوالب على الله، أيُّ ساعة تلك الساعة التي عرف العبد فيها سيده ومولاه، أيُّ ساعة تلك الساعة التي انفطر فيها الفؤاد من خشية الله! أيُّ ساعة تلك الساعة التي أقبل العبد فيها على الله تبارك وتعالى من بعد إدبار وأحسن من بعد إساءة!
ما أعظمها من ساعة تلك الساعة التي نادت فيها النفس اللوامة، وانبعثت في النفس أشجان وأحزان؛ تُذكر العبد بعظيم نعمة الله جل وعلا عليه وجليل منته لديه، فانتبه من الغفلة، واستيقظ من المنام، وأقبل على الملك العلام.. أيُّ ساعة تلك الساعة التي لا يستطيع العبد شكرها ولا الوفاء بعظيم حقها، حُرِمتها أمم فهوت في مهاوي الردى والشرور، وأكرمك الله جل وعلا بالإقبال عليه، فاللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك، نعمةً منك وحدك لا شريك لك، فلك كما ينبغي أن تُحمد عليها.
إخواني! إن القلوب الصادقة تتقطع لهفاً وشوقاً للثبات على هذه النعمة، تريد البقاء في الطريق إلى الله.. تريد الثبات على سبيل الله.. تريد البقاء على هذه الهداية التي رُحمت بها من عذاب الله تبارك وتعالى.. تريد أن يثبت القدم؛ ولذلك يضطرب الجنان من خشية الله خوفاً أن تتبدل الأحوال أو تسوء العاقبة والمآل؛ لذلك تتساءل القلوب الصادقة، وتتلهف شوقاً وحنيناً لمعرفة الأسباب التي توجب ثبات القدم في السبيل إلى رب الأرباب.. تريد من يهديها ويدلها إلى العلاج الناجح لذلك البقاء.. تريد أن تثبت على هذه الهداية إلى لقاء الله جل وعلا، استجابةً لأمره وطاعة له سبحانه إذ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] فحفظوا وصية الله وأرادوا تطبيقها، فاشتاقوا وتلهفوا لكي يكرمهم الله عز وجل بالبقاء والثبات على الهداية.
سؤال الله الهداية والثبات عليها
أولئك الأقوام الأخيار علموا أن الهداية منحة من الله، وعطية منه جل شأنه، لا سبيل للبقاء عليها ولا طريق للدوام عليها إلا إذا صدق العبد في سؤال الله ذلك، وقد دلت دلائل السنة على ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أهدى العباد لربه وأتقاهم وأشدهم خشية لله عز وجل- كثيراً ما يسأل الله الهداية، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى) فكان يسأل الله الهداية.
وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول بين السجدتين: (اللهم اهدني وارحمني، وعافني وارفعني، واجبرني...) إلى آخر الدعاء المأثور، فمن تعلق بباب الله ولجأ إلى جنابه، وصدق في دعائه بسؤاله أن يثبت قلبه على الهداية، فحقٌ على الله أن يُعطيه، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم...) وعد من الله أن يهدي من سأله الهداية.
إخواني! من الذي أنقذ القلوب من تلك الظلمات؟ فإن أقواماً ما عرفوا الله في حياتهم كلها! وما وقفوا يوماً من الأيام ببابه يسألونه الهداية، ومع ذلك تكرم وتفضل ووهب سبحانه، أليس خليقاً به جل وعلا إذا تعلقت ببابه، ولذت بجنابه، وأظهرت الفاقة إليه أن يثبت لك القدم على سبيله؟! فهو الحقيق بأن يهب ذلك، لذلك؛ وإني أدعوكم إلى الله جل وعلا في مظان الإجابة التي ثبتت بها النصوص الصحيحة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسلوه الثبات على الهداية في الأسحار، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود؛ فإن الدعوة تقرع بابه، وتنزل إلى رحابه طالبة من عظيم فضله ومنه وكرمه. فأول أسباب الثبات على الهداية: أن تدمن سؤال الله أن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يذيقك حلاوة طاعته وذكره وشكره.
تقوية شجرة الإيمان بالله في القلب
تعرفوا على الله، فإن القلوب التي تعرف الله لا تجحده، ولا تُعرض عن الله أبداً، ولذلك إذا نزل الإيمان إلى جذور القلوب اهتدت إلى علام الغيوب: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ التغابن:11].
من ازداد في إيمانه، وزاده الصباح والمساء معرفة بمن يقلب الليل والنهار، وبمن له العشي والإبكار؛ دعاه ذلك للثبات على الهداية، وأن يكون الله أحب إليه من كل حبيب، وأرجى لقلبه من كل مرجو.
إخواني! لا يمكن أن يثبت القدم إلا إذا عظم الإيمان بالله تبارك وتعالى، وهذا الكون محراب التفكر والتأمل والنظر، فقد جعل الله عز وجل فيه الدلائل الناطقة بوحدانيته، والشاهدة بعظمته وألوهيته، فإنك إن نظرت أمامك وجدت دلائل عظمته، وإن نظرت وراءك وجدت دلائل قدرته، وإن نظرت عن يمينك ويسارك ومن فوقك وتحتك -بل لو نظرت في نفسك- لوجدت دلائل عظمته وشواهد رحمته، فإذا تغذى القلب بالإيمان بالله عز وجل فإنه سيرسخ في البقاء على طاعة سيده ومولاه.
الاستجابة لداعي الكتاب والسنة
من تأثر بمواعظ القرآن وانكسر قلبه خشية للرحمن، فإن الله يثبت له الجنان، ويجعله على استقامة وطاعة لله عز وجل؛ ولذلك ما عرف عن إنسان حريص على اتباع السنة وتطبيقها -في نفسه وولده وأهله- أن قلبه ينقلب عن طاعة الله يوماً من الأيام؛ لذلك -إخواني- انتهجوا هذه المناهج الكريمة، وتعرضوا لنفحات من الله ورضوان، وذلك إنما يكون بالتأثر بآيات القرآن.
لقد كان السلف الصالح من أقوى العباد وأكملهم استجابة لأوامر الكتاب والسنة، فصلحت لهم الأحوال، وأوجب الله لهم حسن الخاتمة والمآل؛ فمن تغذى قلبه بمحبة الكتاب والسنة، فإن الله تبارك وتعالى يثبت قلبه؛ لأن القرآن طريق الهداية الأول الذي لا هداية إلا عن طريقه.
قال الله في محكم كتابه: قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي [سبأ:50] فدل هذا على أن الوحي طريق الهداية، وأن العبد إذا اهتدى بالوحي دعاه ذلك للثبات على سبيل الله وطاعته ومرضاته، وكذلك السنة؛ فهي نور على نور، ورحمة على رحمة، فمن اقتفى آثار النبي الكريم هداه الله تبارك وتعالى وثبت الله قدمه على الهداية، قال الله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158] اتبعوا هذا النبي الكريم لعلكم تهتدون، فكل من أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان متأثراً بأقواله وأفعاله فإنه يحب السنن، ويحب تطبيقها والتزامها وكلما سمع سنة كان جل همه أن يطبقها، فذلك هو العبد الذي أوجب الله له الهداية والثبات.
إخواني! ينبغي للإنسان أن يُغذي قلبه بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم محبة تدعوه أن يؤثره على كل شيء حتى على نفسه التي بين جنبيه، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...) فإذا كان العبد يحب الله من كل قلبه، ويحب رسوله صلى الله عليه وسلم محبة تدعوه إلى المتابعة الصادقة المجردة من الهوى، فإنه لا شك أنه من أسعد العباد وأفوزهم بالهداية، ولذلك لما تأثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بآثاره واهتدوا بهديه كانوا أكمل الأمة ثباتاً على الحق؛ اكتمل لهم الإيمان عندما تأثروا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا يدمنون تطبيقها، ولا يطمئن الرجل منهم إلا بالتزامها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فقد تأثروا بتلك السنة حتى كان الواحد منهم يحب الطعام الذي يحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك -إخواني- ينبغي للإنسان أن يُغذي قلبه بمحبة السنن والآثار والسير على نهجها والاقتفاء بآثارها.
محبة العلماء والجلوس بين أيديهم
لقد جعل الله العلماء هداة مهتدين، جعلهم ورثة للأنبياء، وجعل الخير في اتباعهم والاقتفاء لآثارهم، ومن أحب قوماً حشر معهم؛ فمن أحب العلماء حشره الله مع العلماء، ومن تطفل على حلق الذكر راجياً رحمة الله بيض الله وجهه في الدنيا والآخرة وثبت له القدم حين تزل الأقدام.
طلب العلم الشرعي
حقيق بأولئك الأخيار الذين قضوا الليل والنهار في قراءة تلك الكلمات العطرة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت الله أقدامهم.. أولئك الذين احتسبوا عند الله أن يُسقطوا الإثم عن الأمة بأن جندوا أنفسهم دعاة وهداة وعلماء، يعلمون الخير ويهدون إليه.
هنا إشكال يرد كثيراً وهو: أن بعض طلاب العلم -والعياذ بالله- خاصة في هذه الآونة الأخيرة قد ينتكس عن طلب العلم، فما هو السبب في كونه ينتكس -والعياذ بالله- عن الهداية؟
والجواب: أن المراد بطالب العلم الذي أراد الله له الثبات هو طالب العلم الصادق مع الله في طلبه، المتأدب مع العلماء؛ ولذلك لن تجد إنساناً يستجمع خصلتين: الصدق في طلب العلم، والأدب مع العلماء إلا وجدته عالماً في عاقبة أمره، والعكس بالعكس والعياذ بالله! فينبغي للإنسان أن يجند نفسه لسلوك سبيل العلم علَّ الله أن يثبت بذلك قدمه على الهداية.
البعد عن المحارم
إذا أراد العبد أن تثبت قدمه على الهداية، فليبتعد عن تلك المحارم الموجبة لضعف الإيمان في القلب، وأن يحاول قدر استطاعته إذا وجد من النفس دواعيها أن يكبح جماحها بالخوف من الله تبارك وتعالى، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
مجالسة الصالحين والأخيار
إخواني! إن كثيراً ممن أكرمهم الله بالهداية قد يتساهلون في هذا الأمر العظيم، فتارة تجدهم يجلسون مع من لا خير فيهم ويتساهلون في ذلك، ووالله إنه لخطرٌ عظيم! فمن تعرف على الله وامتلأ قلبه بالإيمان بالله، فإن قلبه لن يسكن فيه غير داعي الله ومحبته، ولذلك لن يجتمع في قلب عبد محبة الله ومحبة عدوٍ لله أبداً، ولن تدخل محبة الله إلى قلب عبد أدخل معها شريكاً يضادها؛ لأنه إما أن تكون محبة لله خالصة تنتفي معها محبة ما سواه إلا أن يكون حبيباً لله، وإما العكس والعياذ بالله! فينبغي للإنسان أن يحذر من الجلوس مع الأشرار؛ لأن الجلوس والضحك واللهو معهم من الأمور التي توجب للعبد الردى وتورده موارد الشهوات والهوى؛ ولذلك من تعود على مجاملة الأشرار فلا يلومنّ إلا نفسه.
قراءة القرآن
إنه يعز على الإنسان لو أنه قام ربع ساعة بعد صلاة العشاء، يقلب فيها ذلك القلب أمام تلك الآيات الطيبة، وإن تيسر للعبد أن يقوم آخر الليل، فإنه أكمل وأجمل له في عين ربه، فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على قيام الليل، فإن قيام الليل من الأمور الموجبة لثبات القدم على الهداية؛ لأن العبد إذا قطع ليله في تلاوة القرآن تأثر في صباحه بذلك القيام، قال بعض السلف: (والله ما حفظت قيام الليل إلا وجدت أثر ذلك في علمي وعملي في يومي ونهاري) إنها دعوة لأن نحيي الليل وخاصة في الأسحار، فحق على الله عز وجل أن يثبت تلك الأجساد الطيبة الطاهرة التي تقلبت في جوف الليل بين يديه، فحرام على تلك العيون التي سحت بالبكاء في جوف الليل أن تمسها النار، وحرام على تلك الأقدام التي انتصبت في جوف الليل بين يدي الله أن يمسها عذاب الله وعقوبته، وحرام على تلك السواعد الطيبة الطاهرة التي أكرمها الله بقيام الليل فانتصبت بالسجود بين يدي الله عز وجل أن ترى النار أو تمسها.
وجماع الخير كله: تقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله ثبت الله قدمه على الهداية، وأوجب له الولاية، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم -بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يثبت أقدامنا، اللهم إنا نعوذ بك من الضلال بعد الهدى، ومن العمى بعد البصيرة، ونعوذ بك من الحور بعد الكور، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه.
أول تلك الأسباب وأعظمها: أن يتوجه العبد إلى الله جل وعلا بقلب صادق منكسر بين يديه يسأله الثبات على الهداية، فإن الدعاء حبل متين من الله عز وجل؛ من استمسك به نجا، ومن استعصم به أغاثه الله جل وعلا إذا استغاث، وأجاره إذا استجار، فالله بيده الهداية والضلال، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، هو الذي يعطي ويمنع؛ فإن أعطى فلا مانع لما أعطى، وإن منع فلا معطي لما منع. إن أول طريق للبقاء على الهداية والثبات عليها: أن يتوجه القلب إلى الله بصدق وإخلاص، فما من عبد يسأل الله بصدق أن يثبت قدمه وقلبه على الهداية إلا كان حقاً على الله أن يثبته، فسلوا الله الثبات على الهداية فذلك شأن الأخيار ودأب الصالحين الأبرار، وقد حكى الله جل وعلا دعاءهم في محكم كتابه: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].
أولئك الأقوام الأخيار علموا أن الهداية منحة من الله، وعطية منه جل شأنه، لا سبيل للبقاء عليها ولا طريق للدوام عليها إلا إذا صدق العبد في سؤال الله ذلك، وقد دلت دلائل السنة على ذلك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو أهدى العباد لربه وأتقاهم وأشدهم خشية لله عز وجل- كثيراً ما يسأل الله الهداية، فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى) فكان يسأل الله الهداية.
وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول بين السجدتين: (اللهم اهدني وارحمني، وعافني وارفعني، واجبرني...) إلى آخر الدعاء المأثور، فمن تعلق بباب الله ولجأ إلى جنابه، وصدق في دعائه بسؤاله أن يثبت قلبه على الهداية، فحقٌ على الله أن يُعطيه، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم...) وعد من الله أن يهدي من سأله الهداية.
إخواني! من الذي أنقذ القلوب من تلك الظلمات؟ فإن أقواماً ما عرفوا الله في حياتهم كلها! وما وقفوا يوماً من الأيام ببابه يسألونه الهداية، ومع ذلك تكرم وتفضل ووهب سبحانه، أليس خليقاً به جل وعلا إذا تعلقت ببابه، ولذت بجنابه، وأظهرت الفاقة إليه أن يثبت لك القدم على سبيله؟! فهو الحقيق بأن يهب ذلك، لذلك؛ وإني أدعوكم إلى الله جل وعلا في مظان الإجابة التي ثبتت بها النصوص الصحيحة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسلوه الثبات على الهداية في الأسحار، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود؛ فإن الدعوة تقرع بابه، وتنزل إلى رحابه طالبة من عظيم فضله ومنه وكرمه. فأول أسباب الثبات على الهداية: أن تدمن سؤال الله أن يثبت قلبك على الإيمان، وأن يذيقك حلاوة طاعته وذكره وشكره.