صنائع المعروف


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي اصطفى لمحبته الأخيار، فصرف قلوبهم في طاعته ومرضاته آناء الليل وأطراف النهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه مقلب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى جميع أصحابه الأخيار، ومن سار على نهجهم ما أظلم الليل وأضاء النهار.

أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إخواني في الله! إن الله إذا أحب عبداً من عباده شرح صدره لطاعته، فإذا أراد أن يتمم عليه نعمته وأن يكمل عليه منته تممها وكملها بمكارم الأخلاق، يوم يصير للخيرات سباقاً، ولطاعة ربه ورحمته توَّاقاً ومشتاقاً، يوم يصير مفتاحاً من مفاتيح الخيرات، وسبباً من أسباب الرحمات، يوم يفرج الله به هموم المسلمين وغمومهم يوم يفرج الله به كربات المكروبين، ويرحم به المعذبين، ويغني به الفقراء والبائسين، يوم يجعله الله جل وعلا رحمة من رحماته، حين يملأ قلبه عطفاً على المسلمين، ورحمةً بهم ومواساة للمحتاجين.

إنها صنائع المعروف التي اصطفى الله لها رجالاً واختار لها على مر العصور والدهور أجيالاً، يوم جعلهم مفاتيح الخيرات والرحمات، فعاشوا في هذه الحياة بالذكر الجميل والعمل الصالح الجليل، وخرجوا من الدنيا والله راضٍ عنهم غير غضبان، يوم أصبحوا نعمة على العباد لا نقمة عليهم، أصبح الواحد منهم مسلماً لله منقاداً مطيعاً مستسلماً ما إن يسمع رحمة من الرحمات ولا باباً من أبواب الخيرات إلا كان إليه سباقاً طالباً لـه ومشتاقاً، إنها الرحمة التي أسكنها الله قلوب الرحماء ولم تدخل الرحمة إلى قلب عبد من عباد الله، إلا أهله الله لرحمته، فالله يرحم من عباده الرحماء والله يحلم على الحلماء، وييسر على الذين ييسرون على عباده، ويرفق بمن رفق بخلقه وعبيده.

إنها أبواب الخيرات، وأبواب الطاعات والرحمات التي يحقق بها المسلم إسلامه، التي يحقق بها المؤمن طاعته لربه والتزامه، إنها الاستقامة الصالحة، إنها الاستقامة الصادقة، يوم يتفطر قلب العبد شوقاً وحنيناً إلى رحمة من رحمات الله، وما يدريك فلعل دمعة اليتيم التي كفكفتها يكفكف الله بها دموعك في الحشر، وما يدريك عن هذه الكربة من أرملة من أرامل المسلمين فرجتها عنها فلعل الله أن يفرج عنك بها كربة من كرب يوم الدين، في يوم شديد الأهوال، في يوم تشيب منه ذوائب الأطفال، في يوم تضع فيه الأثقال ذوات الأحمال.

أيها الأحبة في الله: ما شرح الله صدر عبدٍ من عباده لهذه الخيرات إلا جعله من أحب الخلق إليه، ومن أكرمهم وأعظمهم زلفى لديه، لذلك كان من أجلِّ نعم الله بعد الهداية أن يشرح صدر الإنسان لصنع المعروف.

صنائع المعروف وما أدراك ما صنائع المعروف؟ التي يخط بها العبد الصالح في دواوين الصالحات تلك الحسنات العظيمة.

صنائع المعروف وما أدراك ما صنائع المعروف؟ التي غفر الله بها الذنوب، وستر بها العيوب وفرج بها الهموم والغموم والكروب، فيا لله من أقوام عاملوا الله جل وعلا بهذه الأعمال الصالحة، خرجوا وقد ملئت دواوين أعمالهم بالحسنات الباقية، إنه الأجر الذي يتقدم الإنسان إلى الدار الآخرة، إنها مزارع الآخرة التي يحصدها الإنسان في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

لذلك أيها الأحبة في الله! كل مؤمن صالح ينظر في كتاب الله أو يقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد تلك الأبواب أمام عينيه مفتحة، يجد أمام عينيه الخيرات مؤهلة، تلك الخيرات وتلك الرحمات التي ندب الله إليها الصالحين والصالحات، فقال في كتابه: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148].

إخلاص العمل لله جل جلاله

أول قاعدة في صنائع المعروف وأساسها وأعظمها والتي يبارك الله بها: إخلاص العمل لله جل جلاله، فأول ما ينبغي على العبد الذي يريد أن يجعله الله جل وعلا صانعاً للمعروف المقبول أن يخلص لله جل جلاله، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، أن ينفق الإنسان وتسح يمينه بالخيرات آناء الليل وأطراف النهار، يشتري بذلك رحمة الله جل جلاله، لا ينفق رياءً ولا سمعةً ولا ثناءً، ولكن يريد رحمة الله، يريد ما عند الله، كما قال الله جل جلاله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً [الإنسان:9-11] اللهم إنا نسألك أن تجعلنا منهم.

أن تنفق يوم تنفق والآخرة أمام عينيك، أن تنفق يوم تنفق ومزارع الجنة كأنها أمام ناظريك، أن تشتري رحمة الله بكل مالٍ تُعطيه ولكل فقير تواسيه، أن تشتري رحمة الله بقلب لا يريد إلا ما عند الله جل جلاله، ما كان لله دام وبقي .. ما كان لله نفع العبد في الدنيا وفي الآخرة.

فينبغي على الإنسان إذا فتح أبواباً من أبواب الخير، أو أوقفه الله جل وعلا أمام باب من أبواب الخير أن يفكر أول ما يفكر في المتاجرة مع الله.

إن المتاجرة مع الله باقية، وهي الصدقة الطيبة الخالدة التي يثيب الله صاحبها عليها في الدنيا والآخرة إخلاص العمل لله.

وكم من عامل أحبط الله عمله بالرياء! وكم من عامل أحبط الله عمله بالثناء! فاشترِ ما عند الله جل وعلا، فإن الثناء كل الثناء من الله، وإن أعظم ما ينتظره العبد رضوان الله جل جلاله، ولذلك ورد في الحديث وإن كان قد تكلم بعض العلماء على إسناده ولكنه عبرة وعظة ومعناه صحيح: (أن العبد إذا أقامه الله يوم القيامة وذكره أعماله الصالحة، قيل له: قرِّب، فيقرب أعماله، فيقول الله: ما تقبلت منها شيئاً) نسأل الله السلامة والعافية.

وجاء في رواية أن الله تعالى يقول لـه: (اذهب فخذ أجرك ممن رائيته) اذهب وخذ الحسنات والأجور من ثناء الناس، خذ ما تريد من مدح الناس، خذ ما تريد من ذكر الناس، فاليوم لمن أراد الله والدار الآخرة، اشتر رحمة الله فإنها باقية خالدة تالدة.

امتلاك القلب الرقيق

القاعدة الثانية والتي لا يمكن للإنسان أن يكون من أهل المعروف إلا بها: أن يرزق الله العبد قلباً رقيقاً، القلب الرقيق الذي يفتحه العبد الصالح لهموم المسلمين وغمومهم، لن تستطيع أن تدخل تلك الأبواب التي فيها الرحمات وفيها عظيم الأجور والحسنات إلا بقلب رحيم بعباد الله المسلمين، إنها الرحمة التي قال الله جل وعلا يخاطب بها نبيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

أن يكون عند الإنسان قلب رقيق، قلب إذا جاءه المهموم بهمه لا يتحمل أن تفيض عيناه، وكأنه صاحب شكواه.

أن يكون عند الإنسان قلب يعيش أشجان المسلمين وأحزانهم، فإذا جاءه المكروب بكربه أو جاءه المهموم بهمه أو المغموم بغمه فتح له ذلك القلب الرقيق الرحيم؛ حتى تهون على صاحبه الدنيا فيشتري بها رحمه الله جل جلاله.

أن يكون عند الإنسان قلب يعطف على المسلمين ويرحم المسلمين، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الله) الراحمون أي: الذين أكرمهم الله جل وعلا بلين القلوب، والعطف على عباد الله، والشفقة على خلق الله جل جلاله، فليكن الإنسان رحيماً بعباد الله.

إذا أتاك المهموم أو صاحب الحاجة أو المغموم فاعلم أن له فضلاً عليك يوم اختارك من بين الناس لهمه وغمه.

ولذلك قال ابن عباس : [ما سألني صاحب حاجة حاجته إلا اعتقدت الفضل لـه أن اختارني من بين الناس] اختارك من بين الناس لحزنه، واختارك من بين الناس لهمه وغمه، فأعطه من الحنان وأعطه من الرحمة والإحسان فوق ما يرجوه منك.

فإذا رزق الله الإنسان إخلاص العمل ورزقه قلباً رقيقاً بعباد الله رحيماً رفيقاً؛ تهيأت له أبواب الخيرات وتيسرت له سبل المكرمات جعلنا الله وإياكم منهم.

أول قاعدة في صنائع المعروف وأساسها وأعظمها والتي يبارك الله بها: إخلاص العمل لله جل جلاله، فأول ما ينبغي على العبد الذي يريد أن يجعله الله جل وعلا صانعاً للمعروف المقبول أن يخلص لله جل جلاله، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، أن ينفق الإنسان وتسح يمينه بالخيرات آناء الليل وأطراف النهار، يشتري بذلك رحمة الله جل جلاله، لا ينفق رياءً ولا سمعةً ولا ثناءً، ولكن يريد رحمة الله، يريد ما عند الله، كما قال الله جل جلاله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً [الإنسان:9-11] اللهم إنا نسألك أن تجعلنا منهم.

أن تنفق يوم تنفق والآخرة أمام عينيك، أن تنفق يوم تنفق ومزارع الجنة كأنها أمام ناظريك، أن تشتري رحمة الله بكل مالٍ تُعطيه ولكل فقير تواسيه، أن تشتري رحمة الله بقلب لا يريد إلا ما عند الله جل جلاله، ما كان لله دام وبقي .. ما كان لله نفع العبد في الدنيا وفي الآخرة.

فينبغي على الإنسان إذا فتح أبواباً من أبواب الخير، أو أوقفه الله جل وعلا أمام باب من أبواب الخير أن يفكر أول ما يفكر في المتاجرة مع الله.

إن المتاجرة مع الله باقية، وهي الصدقة الطيبة الخالدة التي يثيب الله صاحبها عليها في الدنيا والآخرة إخلاص العمل لله.

وكم من عامل أحبط الله عمله بالرياء! وكم من عامل أحبط الله عمله بالثناء! فاشترِ ما عند الله جل وعلا، فإن الثناء كل الثناء من الله، وإن أعظم ما ينتظره العبد رضوان الله جل جلاله، ولذلك ورد في الحديث وإن كان قد تكلم بعض العلماء على إسناده ولكنه عبرة وعظة ومعناه صحيح: (أن العبد إذا أقامه الله يوم القيامة وذكره أعماله الصالحة، قيل له: قرِّب، فيقرب أعماله، فيقول الله: ما تقبلت منها شيئاً) نسأل الله السلامة والعافية.

وجاء في رواية أن الله تعالى يقول لـه: (اذهب فخذ أجرك ممن رائيته) اذهب وخذ الحسنات والأجور من ثناء الناس، خذ ما تريد من مدح الناس، خذ ما تريد من ذكر الناس، فاليوم لمن أراد الله والدار الآخرة، اشتر رحمة الله فإنها باقية خالدة تالدة.

القاعدة الثانية والتي لا يمكن للإنسان أن يكون من أهل المعروف إلا بها: أن يرزق الله العبد قلباً رقيقاً، القلب الرقيق الذي يفتحه العبد الصالح لهموم المسلمين وغمومهم، لن تستطيع أن تدخل تلك الأبواب التي فيها الرحمات وفيها عظيم الأجور والحسنات إلا بقلب رحيم بعباد الله المسلمين، إنها الرحمة التي قال الله جل وعلا يخاطب بها نبيه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159].

أن يكون عند الإنسان قلب رقيق، قلب إذا جاءه المهموم بهمه لا يتحمل أن تفيض عيناه، وكأنه صاحب شكواه.

أن يكون عند الإنسان قلب يعيش أشجان المسلمين وأحزانهم، فإذا جاءه المكروب بكربه أو جاءه المهموم بهمه أو المغموم بغمه فتح له ذلك القلب الرقيق الرحيم؛ حتى تهون على صاحبه الدنيا فيشتري بها رحمه الله جل جلاله.

أن يكون عند الإنسان قلب يعطف على المسلمين ويرحم المسلمين، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الله) الراحمون أي: الذين أكرمهم الله جل وعلا بلين القلوب، والعطف على عباد الله، والشفقة على خلق الله جل جلاله، فليكن الإنسان رحيماً بعباد الله.

إذا أتاك المهموم أو صاحب الحاجة أو المغموم فاعلم أن له فضلاً عليك يوم اختارك من بين الناس لهمه وغمه.

ولذلك قال ابن عباس : [ما سألني صاحب حاجة حاجته إلا اعتقدت الفضل لـه أن اختارني من بين الناس] اختارك من بين الناس لحزنه، واختارك من بين الناس لهمه وغمه، فأعطه من الحنان وأعطه من الرحمة والإحسان فوق ما يرجوه منك.

فإذا رزق الله الإنسان إخلاص العمل ورزقه قلباً رقيقاً بعباد الله رحيماً رفيقاً؛ تهيأت له أبواب الخيرات وتيسرت له سبل المكرمات جعلنا الله وإياكم منهم.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن محمد مختار الشنقيطي - عنوان الحلقة اسٌتمع
المشكلات الزوجية وعلاجها 3461 استماع
رسالة إلى الدعاة 3435 استماع
وصية نبوية 3327 استماع
أهم الحقوق 3305 استماع
توجيه الدعاة إلى الله تعالى 3215 استماع
كيف نواجه الفتن؟ 3166 استماع
حقيقة الالتزام 3144 استماع
وصايا للصائمين والقائمين 3086 استماع
الوصايا الذهبية 3040 استماع
مناقشة لرسالة الدكتوراه (2) 3007 استماع