الغيبيات


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

السؤال: نسمع أن من كل ألف من الناس واحداً يدخل الجنة والبقية يساقون إلى النار، هل ثبت هذا في حديث صحيح؟

الجواب: هذا ثبت في حديث يأجوج ومأجوج، وجاء معناه في الحديث الطويل كما في الصحيحين أو أحدهما، والمعنى هذا صحيح وثابت، ولما تعاظم الأمر على أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بشرهم بيأجوج ومأجوج، وهم حطب جهنم، فأحدهم لا يموت إلا وقد خلّف من بعده ألفي ولد، ومن ذلك: أن منهم الحصة -من يأجوج ومأجوج- الكبرى لجهنم، وهذه الأمة تخرج في آخر الزمان، ولم تخرج بعد خلافاً لبعض التفاسير العصرية التي تنبع من صدور بعض الناس التي لا تتسع صدورهم للإيمان بالأمور الغيبية، أي بدون أن نجعل الدين أمراً عقلياً مهضوماً فكرياً، وذلك خلاف أول شرط من شروط الإيمان بالله عز وجل، كما في أول سورة البقرة: هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة:2-3] فنحن نؤمن بكل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث صحيح.

وعندنا مسألة: (خلق الله عز وجل) وأنا مضطر إلى الإيجاز؛ لنستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة، لا سيما ومثل هذا البحث كنا قد طرقناه مراراً طرقاً تفصيلياً، إنما نلفت نظر السائل والحاضرين إلى أن خلق الله عز وجل له صورتان:

خلق مباشر لا دخل للإنسان فيه، فهذا الإنسان فيه مسير. وله أمثلة واضحة جداً: نحن في مجلس يجمع كثيراً من الناس، فهذا طويل، وهذا قصير، وهذا أسمر، وهذا أصفر، وهذا أشقر، وهذا أبيض ... إلخ، هذا خلق الله ليس لأحد منا فيه إرادة مطلقاً، ولكن نرى بعض الناس ساتر الرأس، وآخرين حسراً، وأناساً حليقين، وأناساً بلحية.. أهكذا الله خلقنا؟ لا. هذا كله من صنعنا نحن، لكن بمشيئة الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ومثال أدق من هذا الواقع: نحن كذرية لآدم عليه السلام، كل منا له والدان، فنحن مِنْ خلق الله، لو لم يتصل أبي وأمي ما كنت أنا، لو لم يتصل أبوك وأمك ما كنت أنت وأنت.. إلخ، نحن خلق الله، لكن بالواسطة.

ما هي الواسطة؟

كلفنا الله سبحانه أن نحصن أنفسنا وأن نحصن نساءنا، وأن نتمتع بحلالنا، فيأتي من وراء ذلك إذا شاء الله الذرية، فالخلق كله خلق الله، لكن شيء منه يخلقه الله دون تكليف للبشر، وشيء منه هو بتكليف من الله للبشر.

فهذا النوع الثاني من خلق الله يجب أن ندندن فيه ليرسخ في الذهن.. كل شيء هو من خلق الله، ليس كما تقول المعتزلة أبداً، وكل شيء بمشيئة الله، لكن المهم أن تعرفوا التفصيل، فشيء من خلق الله بواسطتنا نحن.. أمرنا، كلَّفنا، تعبَّدنا، وشيء بمحض إرادتنا واختيارنا، فهذا خلق لكن بكسبنا وإرادتنا.

بعد هذه التوطئة المختصرة الوجيزة، فهل الإنسان مسير أم مخير؟

الجواب: أولاً: الإنسان في قسم مما يتعلق به مسير، أي: لا كسب ولا إرادة، والأمثلة كثيرة وقد ذكرناكم ببعضها.

ثانياً: ليس مسيراً -بمعنى: مجبوراً؟ لا. بل مختار، والآن أنا أتكلم وأنتم تصغون، ترى نحن مسيرون في هذا وهذا، أم مختارون؟ مختارون جميعاً، ما جئتم إلى هنا ولا جئت أنا هنا إلا بمحض اختياري، ولا أتكلم إلا بمحض اختياري، والآن إن شئتم سأصمت، والله لم يفرض عليَّ الكلام، سأصمت، وإن شئتم أطول عليكم الصمت لكن لن يناسبنا الآن.

أقول: هذا الكلام هو خلق الله، لكن باختياري، فالإنسان في بعض الأمور مسير، وفي أمور أخرى مخير، وأي إنسان يقول: إن الإنسان مسير دائماً، فأرجو أن تصفعه في وجهه، فإذا قال لك: لِمَ؟ تقول له: أنا مجبور مسير، لست بمخير.

والفلسفة التي دخلت في الاعتزال و المعتزلة هي التي أفسدت فِكر المسلمين التي توافق تماماً ما جاء في كتاب الله، وما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله: وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة:105] هل يقال لمن كان مجبراً مسيراً، يقال له: اعمل، اركع، اسجد، توضأ؟ هذا الكلام مستحيل، لو كان لك عبد فغللته بالأغلال وقلت له: اذهب إلى السوق واشتر هذه الحاجة لكنت أنت من أظلم الناس، فكيف يتصور هؤلاء القائلون بالجبر أن الله عز وجل خلق الإنسان وأجبره على طريق الخير أو الشر؛ فهو مجبور مسير دائماً، كيف يقال هذا في الله، هو أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، ونحن لا نرضى أن نصف أنفسنا بما يصف هؤلاء ربهم ظلماً وبغيا، وهذا أمر مكتوب وواضح جداً.

ولقد بالغ في الكفر وفي الضلال ذاك الشاعر الذي وصف ربه -ممثلاً لعلاقة العبد مع ربه- قائلاً:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال لـه     إياك إياك أن تبتل بالماء

أجبر الجبارين وأظلم الظالمين لو فعل هذا، لكان فوق ظلمه وفوق جبروته، فكيف ينسب هذا إلى الله؟! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

الحديث المعروف في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال ذات يوم: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر) ثم في القصة شيءٌ من الطول، قال عليه الصلاة والسلام في وصفهم: (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) فقام رجل من الصحابة اسمه عُكّاشة فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، فقام رجل آخر فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عُكّاشة).

هؤلاء السبعون ألفاً هم نخبة السبعينات الأخرى -أي: خواص- فإذا هو استزاد من بربه فزاده سبعين ألفاً آخرين، هذا ليس معناه أنهم في نفس المنزلة والفضيلة، بمعنى: إذا كان من الصعب على بعض الحاضرين أن يفهموا أن هؤلاء هم النخبة الأولون، فنحن نتساءل الآن: ترى أي سبعين من هذه السبعينات يدخل الجنة قبل؟ الجواب: هؤلاء السبعون الأولون، فمن هذا يظهر أنه لا تعارض بين هذا وذاك الحديث.

السؤال: هل الذي يموت مؤمناً سيدخل الجنة، أو إن شاء الله أدخله الجنة وإن شاء أدخله النار؟

الجواب: هذا السؤال فيه نوع من الغرابة! لكن كأنه يخيل إليَّ أن السائل إما أن يكون قرأ شيئاً من علم الكلام، أو أنه سمع من بعض الناس شيئاً من هذا العلم، ففي علم الكلام جملة مأثورة عند الأشاعرة، يقولون وهم يظنون أنهم يثنون على ربهم بما يقولون: "لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي" هذه جملة مذكورة في الجوهرة وفي غيرها من الشروح وغيرها من الأصول، وهناك تفاصيل لهذه الجملة تضخم المشكلة جداً، حيث يقولون: لله تعالى أن يدخل محمداً صلى الله عليه وسلم النار ويجعله في الدرك الأسفل منها، وعلى العكس من ذلك لله عز وجل أن يدخل إبليس الرجيم جنات النعيم.

نقول: لا تستعجلوا حتى لا نظلم الناس؛ لأن هذا الذي يقولونه يكفيهم ظلماً، فلا نريد أن تفهموا شيئاً أكثر مما يقولونه، قالوا على العكس من ذلك: لله عز وجل أن يدخل إبليس الرجيم جنات النعيم، ويجعل مقامه في المقام الأعلى، لماذا؟ وقالوا: "لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي" حجتهم في ذلك مثل قوله عز وجل: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] وقوله: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23] لكن مثل هذه النصوص المطلقة لا يجوز الاعتماد عليها بدون ضمها إلى النصوص الأخرى، مثلاً: قال الله تبارك وتعالى وهو الذي يقول: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] .. لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء:23] - يقول: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات:153-154] إذاً: هذه الآية وأمثالها آيات كثيرة وأحاديث أكثر وأكثر تبين أن الله عز وجل حينما يقول: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] لا ظالماً، ولا معرضاً عن الحكمة والعدل، وإنما فعالٌ لما يريد مع حكمته تبارك وتعالى وعدله الذي لا ند له.

وحسبكم في هذا من الأحاديث الصريحة الصحيحة قوله عليه الصلاة والسلام: (قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) هذا نص صريح له فائدتان: إحداهما سلبية، والأخرى إيجابية.. السلبية: أن الله عز وجل لا يظلم، أما الإيجابية: أن الله قادر على الظلم؛ لأنه قال: (حرمت الظلم على نفسي) فهو قادر على أن يظلم الناس، ولكنه عز وجل لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، هذا من تلك النصوص الكثيرة.

ولما وجد أولئك من علماء الكلام مثل هذه النصوص الصريحة القاطعة بأن الله عز وجل يعامل عباده بمجموع الصفات العليا التي اتصف بها، ليس فقط بصفة أنه (فعال لما يريد) كما يفهمون قوله: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] ولا بظلم: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء:23] لأنه يظلم، لا. لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ [الأنبياء:23] لأن الله عز وجل حكيم عليم، يضع كل شيءٍ في محله المناسب له، فلا أحد يستطيع أن يسأله: لماذا وضعت هذا هنا وهذا هنا؟ لِمَ أدخلت محمداً الجنة وأعطيته الدرجة الرفيعة، وألقيت إبليس في أسفل سافلين من النار؟ لا أحد يسأل هذا السؤال؛ لأن الله عز وجل حكيمٌ عليم، يضع كل شيءٍ في محله المناسب له، ولما وجد علماء الكلام مثل هذه النصوص القاطعة بأن الله عز وجل لا يعذب الطائع، كيف وهو يقول في استفهام استنكاري: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات:153-154] قالوا: -لكي ندافع عن كلمة قالها بعض أسلافهم، وكل إنسان خطّاء، والحق أن يَدَعوا تلك الكلمة ولا يحاولوا إثباتها ولو بطريق العقل- قالوا: "شرعاً لا يقال لله عز وجل تعذيب الطائع وإثابة العاصي، وإنما يقال هذا عقلاً.

وهذه مشكلة، كانوا في مشكلة فوقعوا في مشكلة أخرى، وذلك أنهم الآن يصورون للناس أن الإسلام شيء والعقل شيء، العقل يجيز شيئاً والإسلام يمنعه، وهل هذا هو الإسلام، أم الإسلام يمشي مع العقل السليم كالتوأمين تماماً؟

لذلك نحن نقول: لا عقلاً ولا شرعاً يجوز للمسلم أن يقول أو أن يصف ربه بقوله: له تعذيب الطائع وإثابة العاصي، فكيف ذلك؟ ألم نفهم؟ ألم نعقل أن ربنا حكيمٌ عليم عادل؟ هكذا فهمناه، فكيف نكابر ونقول: عقلاً له أن يعذب الطائع؟! وعلى هذا لا يجوز إلا أن نقطع بأن الله عز وجل وعد المؤمنين بالجنة، حتى الفساق وحتى أصحاب الكبائر يوماً ما سيدخلون الجنة قطعاً: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الذاريات:23] ولا يجوز الشك إطلاقاً في هذه الحقيقة، وهذه يقابلها حقيقةٌ أخرى: أن الكفار، وليسوا عندنا إنما الكفار عند الله تبارك وتعالى، وهم الذين بلغتهم الشريعة الإسلامية في أصولها الصحيحة غير محرفة ولا مبدلة ثم كفروا بها وجحدوا بها واستيقنت بها أنفسهم، فهؤلاء سيدخلون جهنم خالدين فيها أبداً بدون نهاية.

وهناك مرتبة بين المرتبتين، وهي مرتبة العصاة من المسلمين، هؤلاء إما أن يشمل الكثير منهم ربنا عز وجل بمغفرته، فيدخلهم الجنة بدون عذاب، أو أن يعذبهم بسبب ذنوبهم، ثم ينجيهم من الخلود في النار إيمانهم، ولو كان هذا الإيمان مثل ذرة، هذا الهباء الصغير، مهما كان هذا الإيمان قليلاً، إذا كان إيماناً صحيحاً مطابقاً للشريعة الإسلامية كتاباً وسنة فصاحبه لا يخلد في النار، ولا يخلد في النار إلا الكفار، هذا الذي يجب على المسلم أن يعتقده: أن المؤمن الذي مات على الإيمان الصحيح، وكانت حسناته أكثر من سيئاته فهو في الجنة بدون عذاب، ومن كان قد ارتكب شيئاً من المعاصي، فإن لم يشمله الله عز وجل بمغفرته فيعذب في النار بالمقدار الذي يستحقه، ثم يخرج منها إلى الجنة.

أما الكفار فيخلدون فيها أبداً، كما هو نص القرآن ونص السنة المتواترة عن النبي عليه الصلاة والسلام.

السؤال: هل إبليس من الملائكة؟

الجواب: في السؤال خطأ مزدوج؛ لأن السائل أراد أن يقول: كان، فقال: من الملائكة، فهذا إقرار للواقع، فالسؤال خطأ؛ لأن إبليس لم يكن يوماً ما من الملائكة، وهذا وهم شائع عند الناس، يقولون: إن إبليس كان طاوس الملائكة، وليس من الملائكة وحسب، بل طاوس الملائكة!

والحقيقة أن إبليس كان جنياً صالحاً يعبد الله مع الملائكة، لكن لما اختبر سقط، لما أُمر بالسجود لآدم استعلى واستكبر وقال: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً [الإسراء:61] ولسنا الآن في هذا الصدد، المهم أن هذا وهم شائع؛ لأن القرآن يقول: كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف:50] (كان من الجن) التعليل: (ففسق عن أمر ربه) فهو لم يكن يوماً ما من الملائكة.

السؤال: لما رفض إبليس السجود أخرجه الله من الجنة وحرمها عليه وبقي آدم في الجنة، فكيف تمكن إبليس من الوسوسة لآدم وحواء؟ وهل من نصوص في بيان ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: السؤال هذا سؤالٌ خَلَفي وليس بسَلَفي، وأنا أقول لكم دائماً وأبداً: إن السؤال عن الأمور المغيبة لا يجوز، والسائل بطبيعة الحال يشعر معي أنه ليس هناك آية، بل ولا حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا كيف تمكن الشيطان من الوسوسة لآدم عليه الصلاة والسلام، ولذلك فنحن نؤمن بأن الشيطان وسوس كما في نص القرآن، أما عن كيف؟ فنخشى أن نقول: السؤال عنه بدعة.

أخرجوا الرجل فإنه مبتدع!

السؤال: هل يعد ارتداء السراويل من التشبه بالكفار إذا كان من غير ارتداء القميص فوقها والعمامة؟

الجواب: لا أدري إذا كان السائل يعني بالسراويل بالمعنى المفهوم لغة، أو أراد أن يستعمل كلمة السروال بدل البنطلون، فإن كان السائل يعني السروال الذي نفهمه، وهو اللباس الفضفاض العريض الذي لا يزال يلبسه بعض المسلمين، فهذا من أين يأتي فيه التشبه؟ ولا يعتبر لبسه تشبهاً بالكفار. أما إذا كان يقصد البنطلون فقد تكلمنا عنه مراراً وتكراراً، وهو ليس من لباس المسلمين؛ لأنه يصف العورة ويحجمها، فهو يضيق حيث ينبغي أن يتسع، ويتسع حيث ينبغي أن يضيق، وهكذا (اعكس تصب) هكذا نظامهم في الحياة اليومية مع الأسف، فالتشبه يكون بلبس البنطلون وليس بلبس السروال.

هذا إن كان قصد بالسروال: البنطلون، أما إن كان قصده شيئاً آخر فلم أفهمه.

السؤال: هل يشترط للإمام في الصلاة أن يكون ملتحياً؟

الجواب: نقول: لا يشترط لصحة الصلاة أن يكون ملتحياً، لكني كنت أتمنى أن يكون السؤال كالآتي: هل يشترط في إيمان المسلم أن يكون ملتحياً؟ هكذا ينبغي أن يكون السؤال.

ومن كان منكم لا يزال مبتلىً بهذه المعصية فلا يشكلن عليه تحويل السؤال على النحو السابق، إلا من كان يرى أن الإيمان لا يقبل الزيادة، فحينئذٍ سيفهم أن هذا السؤال معناه: أن حليق اللحية خارج من الإيمان فليس بمسلم، لكن إذا علمتم أن الإيمان يقبل الزيادة، وأنه مراتب لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ فحينئذٍ تفهمون الفهم الصحيح: وهو أن من كان حليقاً فإيمانه ناقص، بحيث يمكن إذا كان لنا أن نقيس على بعض تعابير الرسول عليه الصلاة والسلام، يمكننا أن نقول: لا إيمان له، لكن ليس لنا مثل هذا القياس، ولنقس عليه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)، وفي هذا الحديث نفى الرسول عليه الصلاة والسلام الإيمان عمن لا أمانة له، الذي لا يؤدي الأمانات إلى أهلها، وهو يعني: الإيمان الكامل الذي إذا تحقق به صاحبه كان ذلك بشيراً له أنه من أهل الجنة، أما إن نقص عن ذلك فهو يستحق دخول النار، أما هل يدخلها أو لا؟ فهذا أمره إلى الله وحسابه عند الله.

لذلك نقول: حلق اللحية معصية كبيرة، فهي وإن لم تكن شرطاً من شروط صحة الصلاة؛ لأن كون الشيء شرطاً من شروط صحة الصلاة قد يتوهم بعض الناس أنه أمر كبير، مع أن العكس هو الصواب؛ فإن كون الشيء شرطاً من شروط الإيمان الكامل أخطر من أن يكون شرطاً من شروط صحة الصلاة، مثلاً: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا يصلين أحدكم وليس على عاتقيه من ثوبه شيء)، لو صلى الإنسان ونصف بدنه الأعلى عارٍ، هذا معروف عند جميع الناس إلا أهل العلم بالحديث أنه لا شيء عليه؛ لأنه صلى ساتر العورة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يلفت النظر إلى أن في الصلاة شيئاً آخر يليق بالصلاة، وهو أن يستر القسم الأعلى من بدنه أيضاً، كما قال: (من وجد إزاراً ورداءً فليتزرْ وليرتدِ، فإن الله أحق أن يتزين له) لكن هذا الرجل لو خرج يمشي في الطريق كاشفاً القسم الأعلى، فليس عليه بأس إطلاقاً من الناحية الإسلامية، أما أهل الأرض فإذا خرجت وأنت مكشوف القسم الأعلى وهو ليس بعورة عيرك الناس حتى النساء، مع أنك رجل أما إذا خرجن وهن مكشوفات القسم الأدنى فلا بأس، وهو من الموضة.

المهم أن الكشف خارج الصلاة لا بأس فيه، فإذا كان الحكم حكماً عاماً يتعلق بالمسلم خارج الصلاة فلا يجوز أن يكون حليقاً، فحينئذٍ هذا الحكم أخطر من أن يكون شرطاً من شروط الصلاة، يمعنى: لو كان لا يجوز للمسلم أن يمشي مكشوف القسم الأعلى، هذا أخطر وأشد في الحكم مما هو عليه الآن، لا يجوز هكذا أن يصلي، لكن يجوز أن يمشي هكذا، ولذلك يجب أن نتنبه للأمور ونضعها في مواضعها.

فحلق اللحية ليس خاصاً بالصلاة؛ بل هي معصية خارج الصلاة وداخل الصلاة، لكن الإنسان لو صلى وهو حليق فصلاته صحيحة، كما أن إيمانه صحيح، لكن إيمانه ناقص، وصلاته ناقصة بطبيعة الحال.

ولذلك فنحن نغتنمها فرصة ونذكر المبتلين بأن يحاولوا الخلاص من هذه المصيبة؛ لأنها مصيبة الدهر، والواقع لا يشعر بقباحتها إلا الذين عافاهم الله عز وجل مما ابتلى به غيرهم. إن أخطر ما يخشى على جماهير المبتلين بهذه المعصية أنه لن يبقى عندهم حتى المرتبة الأخيرة من مراتب إنكار المنكر؛ لأنه مات حسهم بأن هذه معصية، قال عليه الصلاة والسلام كما تعلمون جميعاً: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) فإذا مات القلب ولم يعد يحس بأن هذه معصية فليس وراء ذلك ذرة من إيمان، كما جاء في حديثٍ آخر.

لذلك أرجو أن يبادر المبتلون إلى طاعة الله والرسول، والخلاص من هذه الموبقة والمعصية.

السؤال: ما حكم حلق الشاربين في الدين؟ وهل حرمته كحرمة حلق اللحى؟

الجواب: هذا السؤال طريف؛ لأن الواقع حلق الشاربين له صورتان: كان بعض السلف من الصحابة وغيرهم، ممن ائتمروا بقوله عليه الصلاة والسلام: (وأعفوا اللحى) كانوا يحلقون شواربهم، وذلك فهمٌ منهم للطرف الأول من الحديث: (أحفوا الشارب) أو (حفوا الشارب) وفي رواية: (انهكوا) وفي أخرى: (جزوا) فهموا من هذه الأحاديث استئصال الشارب، فكانوا يستأصلون الشارب ويعفون اللحى، كما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام.

لكن علماء آخرون لم يفهموا فهمهم الخاص للشوارب، وإنما فهموا أن المقصود بالاستئصال والحف والجز هو ما يزيد على الشفة، وليس استئصال الشارب من أصله وجذره، ولهم أدلة كثيرة على ذلك لسنا الآن في صددها، من أوضحها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث المغيرة بن شعبة : (أن رجلاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد وفى شاربه -أي: نما وطال- حتى سد الشفة) كما هو شأن بعض الذين خرجوا عن الإسلام قديماً وحديثاً، ممن يتشبهون بـاستالين و لينين وأمثالهم، فيطيلون شواربهم: (.. فأخذ الرسول عليه الصلاة والسلام سواكاً، فوضعه تحت ما طال من الشارب، وأخذ مقراضاً -سكيناً- فقرضه) فكان هذا بياناً عملياً من الرسول عليه الصلاة والسلام لقوله: (أحفوا الشارب) بمعنى: استأصلوا ما زاد على الشفة، هذا هو الصواب في مسألة الشارب وليس الحلق.

ولكن إذا كانت النيات لها علاقة ببعض الأعمال أحياناً، فلا شك أن ثمة فرقاً كبيراً بين أولئك الذي يأتمرون بالأمرين: بإحفاء الشارب، وإعفاء اللحى، ولكنهم يخطئون في فهم معنى الإحفاء، لا شك أن هناك فرقاً كبيراً بين هؤلاء الذين يستأصلون شواربهم، وبين الشباب اليوم الذين يستأصلون الشارب مع اللحية من باب التشبه بالكفار.

ولذلك إذا كان الدافع على حلق الشارب هو التشبه فهذا لا يجوز، وإذا كان الدافع على ذلك هو الفهم الخطأ، فهو خطأ وصاحبه مأجور عليه أجراً واحداً، وهو غير آثم.

السؤال: أحاديث النهي هل تفيد التحريم لا الحصر مثلاً: (حفوا الشارب واعفوا اللحى

الجواب: نعم. الأصل في الأمر يفيد التحريم، ويفيد الوجوب مخالفة التحريم، وهناك أمور كثيرة جداً اقترنت مع أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بإعفاء اللحى، نصبت القول فيها في كتابي: آداب الزفاف في السنة المطهرة، فمن شاء التوسع فليرجع إليه.

السؤال: هل يجوز للمرء أن يأخذ من لحيته قبل أن تبلغ قبضة؟ أي: هل الواجب هو مجرد الإطلاق أم القبضة؟

الجواب: الذي نختاره القبضة، والمسألة فيها نظر، والأحسن اتباع السنة على كل حال.


استمع المزيد من الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - عنوان الحلقة اسٌتمع
السياسة الشرعية 3288 استماع
التعامل مع الجن 3280 استماع
فرصة استئناف الحياة الإسلامية 3173 استماع
مسائل أبى الحسن الدعوية (1) 3113 استماع
السنة والبدعة والشبهات 3087 استماع
لباس البنطال فى الصلاة 3080 استماع
فقة الصلاة وتحنيط الطيور 2933 استماع
المرأة التي أبكت الشيخ الألباني 2923 استماع
كيفية تلقي العقيدة 2905 استماع
أسئلة الإمارات 2902 استماع