أحاديث الآحاد في العقيدة


الحلقة مفرغة

السؤال: ...............................................

الجواب: لا يجوز في الإسلام، ولو أنكم تنبهتم لتعريفي لبيع العينة لعرفتم أن جواب هذا في نفس هذا التعريف؛ لأنه (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، و(ما لا تكون المعصية إلا به فهو معصية).

بيع العينة الذي ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام مصيبة من مصائب الأمة، إذا أصابتهم ذلوا، وهو قائم على بيع التقسيط، ويحتاج إلى مزيد شرح وبيان.

بيع التقسيط هو المقدمة الأولى والأخيرة لبيع العينة؛ لأن هذا الذي يريد ذاك القرض بالربا، لا أحد يقرضه قرضاً حسناً مع الأسف الشديد، وهذا من تفكك عرى الأمة الإسلامية؛ وذلك بسبب ابتعادها عن الشريعة المحمدية، ولأنه يحتاج المال ولا أحد يقرضه، وهو لا يريده عن طريق الحرام في حد زعمه، فالشيطان يسول له أن هذه طريقة تحصل فيها على القرض ولو بطريق الربا، ويزعمون أنهم يخلصونه من الربا بصورة بيع وشراء، فهذا المستقرض عندما يأتي إلى التاجر ويقول له: هذه السيارة بكم؟ فيقول له التاجر: تريدها نقداً أو بالتقسيط؟ والمشتري جاء وجيبه أفرغ من فؤاد أم موسى! ليس معه ريال، ولهذا يجيبه قائلاً: بل بالتقسيط، فيقول له: بالتقسيط بمائة دينار، بألف دينار، بألفي دينار، فيقول له: سأشتري إذاً!

البائع لما سأله: بالنقد أو بالتقسيط؟ وضع سعر التقسيط زائداً (2%) أو (5%) طمعهم وجشعهم، فهذا لما وافق على التقسيط أعطاه السعر زيادة على النقد، ومن هنا جاء بيع العينة؛ لأنه سوف يرجع المشتري ويقول للبائع: هذا الذي اشتريته أنا منك بألف دينار، من الممكن أن تشتريه مني بأقل من السعر، ولأنه يعرف مدى حاجته للمال، فيقول صاحب السلعة الأولى: نعم، فكانت هذه صورة لبيع العينة. مثلما ذكرنا آنفاً، فبيع العينة المحذر عنه في هذا الحديث قائم على بيع التقسيط.

فإذاً: لا يمكن إقامة هذا الربا المحرم الذي هو بيع العينة إلا في مقدمة بيع التقسيط، ومع ذلك فهناك أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، تنهى نهياً صريحاً عن بيع التقسيط الذي ابتلي به المسلمون لسببين، وهما نفس السببين المذكورين في الحديث:

أحدهما: التكالب على الدنيا، فتراه حريصاً على جمع المال، ولا يسأل أمن حلال أو حرام؟ وإنما يريد مصاريف .. يريد أن يشتري .. يريد أن يربح.. يريد .. يريد .. إلخ.

السبب الثاني: يحتالون على الشرع، يقول لك أحدهم: هذا بيع يا أخي! بيع التقسيط. لكن الرسول يقول: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)، وفي حديث آخر: (نهى عن بيعتين في بيعة)، وفي لفظ: (.. عن صفقتين في صفقة)، قيل لراوي الحديث وهو سماك بن حرب من التابعين: [ما معنى نهى عن بيعتين في بيعة؟ قال: أن أبيعك هذا نقداً بكذا ونسيئةً بكذا وكذا]، هذا هو بيع التقسيط اليوم تماماً.

والرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الأول، بين أن الزيادة التي يأخذها التاجر مقابل الشرط على أخيه المسلم في الوفاء، بسبب بيع التقسيط بيع ربا؛ لأنه قال: (من باع بيعتين في بيعة) أي: من عرض بيعتين، وفي النهاية لو قلب البيعتين إلى بيعة إما تقسيطاً وإما نقداً .. (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما -أي: أنقصهما سعراً وثمناً- أو الربا) إن أخذ الزيادة، أي أنه قال: هذا نقداً بمائة وتقسيطاً بمائة وعشرة، فإذا أخذ مائة وعشرة مقابل التقسيط فالعشرة ربا، هذا في نص حديث الرسول عليه الصلاة والسلام.

فيا أخي! إن مصيبتنا اليوم نحن المسلمين مصيبة لا يحلها أو لا يقدر عليها إلا الله عز وجل!! لكن: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة:105] .

السؤال: حديث الجارية: (... أين الله؟ قالت: في السماء). هل هو جواب عن فرضية مكان أو فرضية مكانة؟

الجواب: ليس هذا ولا هذا، أي: إن الجواب ليس عن سؤال مكانة ولا عن مكان.

أما أنه ليس سؤالاً عن المكانة؛ فلأن مكانة الله المعنوية معروفة لدى كل المسلمين بل حتى الكافرين. وأما أنه ليس سؤالاً عن المكان فذلك؛ لأن الله عز وجل ليس له مكان.

وفي الواقع أنا أشعر أن هذا السؤال من أخ مسلم يعتبر محاضرة، والسبب أنكم لا تسمعون هذه المحاضرات، وإنما تسمعون محاضرات في السياسة والاقتصاد، لدرجة أن كثيراً منكم ملَّ من تكرارها، أما محاضرات في صميم التوحيد، كالمحاضرة التي ستسمعونها الآن، مع أني مضطر إلى أن أختصر في الكلام؛ لأنه حان وقت الانصراف، لكن لابد مما لابد منه، فهذا السؤال يحتاج إلى محاضرة، لكن نقول:

إن الله منزه عن المكان باتفاق جميع علماء الإسلام، لماذا؟

لأن الله كان ولا شيء معه، وهذا معروف في الحديث الذي في صحيح البخاري عن عمران بن حصين : (كان الله ولا شيء معه)، ولا شك أن المكان هو شيء، أي: هو شيء وجد بعد أن لم يكن، وإذا قال الرسول: (كان الله ولا شيء معه) معناه: كان ولا مكان له؛ لأنه هو الغني عن العالمين، هذه الحقيقة متفق عليها.

إثبات علو الباري سبحانه وتعالى

لكن مع الأسف الشديد، من جملة الانحرافات التي أصابت المسلمين، بسبب بُعدهم عن هدي الكتاب والسنة في العقيدة في ذات الله عز وجل، لو سألت اليوم جماهير المسلمين في كل بلاد الإسلام، علماءً وطلاب علم وعامة، إذا سألتهم هذا السؤال النبوي: أين الله؟ ستجد أن المسلمين مختلفون أشد الاختلاف في الجواب عن هذا السؤال، منهم من يكاد يتفتق غيظاً وغضباً بمجرد أن طرق سمعه هذا السؤال، ويقول: أعوذ بالله ما هذا السؤال؟! نقول له: رويداً يا أخي! هذا السؤال هل تعلم أول من قاله؟ يقول: لا ما سمعنا به إلا الآن، فنفتح له صحيح مسلم ونقول له: هذا صحيح مسلم، الكتاب الثاني بعد صحيح البخاري، والثالث بعد القرآن؛ لأن أصح كتاب هو القرآن، ثم صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم، وهو الذي روى هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للجارية يمتحنها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال لسيدها: أعتقها فإنها مؤمنة)، يسمع الحديث وكأنه ليس عايشاً في بلاد الإسلام، بل ليس عايشاً في بلاد العلم، أو يمكن لم يمسك صحيح مسلم في زمانه مطلقاً، هذا قسم من الناس، بل من أهل العلم من لم يسمع هذا السؤال قط! أي: ما طرق سمعه هذا الحديث، ولسان حاله يقول: أيعقل أن هناك أناساً يقولون: أين الله؟! ما هذا السؤال؟! هل يجوز لأحد أن يسأل أين الله؟! لا أعرف!! ما رأيك؟!

ويأخذ البحث مجراه فتقول له: أنت تؤمن بوجود الله؟

سوف يقول: نعم، نقول له: أكيد أن الله موجود؟! فيجيب: نعم, إذاً أين هو؟ فيفكر ولا يستطيع الجواب!!!

إن أقدس المقدسات هو الله، فإذا سألته: أين هو؟ فلا يعرف، وهو مسلم، ما معنى مسلم إذاً؟ نعم هو مسلم، وهذا أمر جميل، لكن هل هو حقيقة أم لا؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187] صدق الله العظيم، لا يعلم هذا أن الله يقول: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17] كأنه ما قرأ هذه الآية أبداً، ويمكن أنه قرأها أكثر مني، لماذا؟

لأن هناك أناساً متعبدين، ربما يختم أحدهم القرآن في كل ليلة، أو في كل ليلتين على خلاف السنة، أما نحن فالواحد منا قد يختم ختمة واحدة في السنة؛ لأن الله فتح له باباً في العلم، أما ذاك المخالف للسنة فهو يقرأ كثيراً، لكن هل فهم ما قرأ؟ لا، إذاً: ربنا عندما يقول له في القرآن: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] معنى ذلك أنه من القسم الثاني (أم على قلوبٍ أقفالها).

ثم إنَّا نذكره بحديث فنقول له: يا أخي! هذا الحديث تعرفونه جميعاً لا ننفرد وحدنا بمعرفته، هذا الحديث يقول: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) هذا حديث بالتعبير العصري: حديث شعبي، أي: كل الناس يعرفون هذا الحديث. إذاً (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) من هو الذي في السماء؟ هل المقصود به غير الله؟ لا، إذاً لماذا تستنكر السؤال: أين الله؟ وأنت تقر بهذا الحديث، أنا سألتك: هل الله موجود؟ فقلت: نعم، إذاً أين هو؟ أجبت أنك لا تعرف، لماذا لا تعرف؟ لا تقرأ القرآن ولا تسمع الحديث؟ .. إلخ.

سبب الانحراف في العقيدة

إن المشكلة هي دخول علم الكلام في الموضوع فأفسد العقول، كل من قرأ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] ليس عنده شك أن الله عز وجل في السماء، كلنا سمع ذاك الحديث: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، ليس هناك شك أن الله عز وجل في السماء، لكن دخل علم الكلام فصرفهم عن هذا الإيمان، ماذا قال لهم؟

قال لهم: لا يجوز أن نقول: الله في السماء، لماذا؟

لأن الله ليس له مكان، صحيح نحن نقول: ليس له مكان، ولعلكم ما نسيتم بأننا بدأنا الكلام عن هذا السؤال ببيان أن الله عز وجل غني عن المكان، وأن الله كان ولا مكان، فادعى الجهلة من الناس أن معنى الآية والحديث هو إثبات المكان لله عز وجل، وأن معنى حديث الجارية: (الله في السماء) أن الله له مكان في السماء، هذا الجهل أدى بهم إلى جهل مطبق، ولا يعني أن المسلم حينما يعتقد أن الله في السماء أن الله مثل إنسان في الغرفة، لماذا؟ لأن هذا تشبيه، وقد سمعتم من جملة خصال ومزايا الدعوة السلفية أنها وسط في كل شيء بين الإفراط والتفريط، بين المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، وبين المعطلة الذين ينكرون أشياء من صفات ربهم، فـالسلف وسط يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة، وينزهون الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .

فحينما يعتقد المسلم أن الله في السماء كما هو في النص القرآني والأحاديث كثيرة، لا يعني أنه في السماء أنه كالإنسان في الغرفة، وكدودة القز في (الشرنقة) محصورة بهذا البيت الطويل، حاشاه عز وجل أن يكون كذلك!

معنى (في السماء)

إذاً: ما المعنى الصحيح للفظة (في السماء)؟

السماء لها معانٍ في اللغة لا نتفلسف كثيراً بذكرها، لكن من هذه المعاني: السماء الدنيا الأولى، والثانية، و... إلخ، ومن هذه المعاني: العلو المطلق، كل ما علاك فهو سماء، فالسماء الأولى والثانية هذه أجرام مخلوقة، فإذا قلنا: الله في السماء، معناه حصرناه في مكان، وقد قلنا: إنه منزه عن المكان، إذاً: كيف نفهم؟

الجواب من الناحية العلمية: (في) في اللغة ظرفية، فإذا أبقيناها على بابها وقلنا: الله في السماء، وجب تفسير السماء بالعلو المطلق، أي: الله فوق المخلوقات كلها حيث لا مكان، بهذه الطريقة آمنا بما وصف الله عز وجل به نفسه بدون تشبيه وبدون تعطيل.

فإن التشبيه أن أقول: كما أنا في هذا المكان، وحاشاه! والتعطيل أن نقول كما تقول المعطلة : الله ليس في السماء، وإذا كان ربك يقول: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] وأنت تقول: ليس في السماء، هذا هو الكفر.

هذا معنى الآية فيما إذا تركنا (في) على بابها.

أحياناً في اللغة العربية تقوم أحرف الجر بعضها مكان بعض، فـ (في) هنا ممكن أن تكون بمعنى (على)، فحينئذً: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] أي: من على السماء، فتكون السماء في الآية بمعنى الأجرام التي خلقها ربنا تعالى، فهو عليها وفوقها، وليس في شيء منها؛ لأنه منزه عن المكان، هذه هي عقيدة السلف، ومن أجل ذلك نحن ندعو المسلمين إلى أن يرجعوا إلى عقيدة السلف وإلى منهج السلف حتى يستقيموا على الجادة، وحتى يصدق فيهم أنهم رجعوا إلى الوصفة الطبية النبوية، التي جعلها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصفة لخلاص المسلمين من الذل الذي ران ونزل عليهم (... حتى ترجعوا إلى دينكم)، فالرجوع الرجوع معشر المسلمين جميعاً إلى الله وإلى كتابه وإلى حديث نبيه وعلى منهج السلف الصالح! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لكن مع الأسف الشديد، من جملة الانحرافات التي أصابت المسلمين، بسبب بُعدهم عن هدي الكتاب والسنة في العقيدة في ذات الله عز وجل، لو سألت اليوم جماهير المسلمين في كل بلاد الإسلام، علماءً وطلاب علم وعامة، إذا سألتهم هذا السؤال النبوي: أين الله؟ ستجد أن المسلمين مختلفون أشد الاختلاف في الجواب عن هذا السؤال، منهم من يكاد يتفتق غيظاً وغضباً بمجرد أن طرق سمعه هذا السؤال، ويقول: أعوذ بالله ما هذا السؤال؟! نقول له: رويداً يا أخي! هذا السؤال هل تعلم أول من قاله؟ يقول: لا ما سمعنا به إلا الآن، فنفتح له صحيح مسلم ونقول له: هذا صحيح مسلم، الكتاب الثاني بعد صحيح البخاري، والثالث بعد القرآن؛ لأن أصح كتاب هو القرآن، ثم صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم، وهو الذي روى هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للجارية يمتحنها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال لسيدها: أعتقها فإنها مؤمنة)، يسمع الحديث وكأنه ليس عايشاً في بلاد الإسلام، بل ليس عايشاً في بلاد العلم، أو يمكن لم يمسك صحيح مسلم في زمانه مطلقاً، هذا قسم من الناس، بل من أهل العلم من لم يسمع هذا السؤال قط! أي: ما طرق سمعه هذا الحديث، ولسان حاله يقول: أيعقل أن هناك أناساً يقولون: أين الله؟! ما هذا السؤال؟! هل يجوز لأحد أن يسأل أين الله؟! لا أعرف!! ما رأيك؟!

ويأخذ البحث مجراه فتقول له: أنت تؤمن بوجود الله؟

سوف يقول: نعم، نقول له: أكيد أن الله موجود؟! فيجيب: نعم, إذاً أين هو؟ فيفكر ولا يستطيع الجواب!!!

إن أقدس المقدسات هو الله، فإذا سألته: أين هو؟ فلا يعرف، وهو مسلم، ما معنى مسلم إذاً؟ نعم هو مسلم، وهذا أمر جميل، لكن هل هو حقيقة أم لا؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187] صدق الله العظيم، لا يعلم هذا أن الله يقول: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17] كأنه ما قرأ هذه الآية أبداً، ويمكن أنه قرأها أكثر مني، لماذا؟

لأن هناك أناساً متعبدين، ربما يختم أحدهم القرآن في كل ليلة، أو في كل ليلتين على خلاف السنة، أما نحن فالواحد منا قد يختم ختمة واحدة في السنة؛ لأن الله فتح له باباً في العلم، أما ذاك المخالف للسنة فهو يقرأ كثيراً، لكن هل فهم ما قرأ؟ لا، إذاً: ربنا عندما يقول له في القرآن: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24] معنى ذلك أنه من القسم الثاني (أم على قلوبٍ أقفالها).

ثم إنَّا نذكره بحديث فنقول له: يا أخي! هذا الحديث تعرفونه جميعاً لا ننفرد وحدنا بمعرفته، هذا الحديث يقول: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) هذا حديث بالتعبير العصري: حديث شعبي، أي: كل الناس يعرفون هذا الحديث. إذاً (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) من هو الذي في السماء؟ هل المقصود به غير الله؟ لا، إذاً لماذا تستنكر السؤال: أين الله؟ وأنت تقر بهذا الحديث، أنا سألتك: هل الله موجود؟ فقلت: نعم، إذاً أين هو؟ أجبت أنك لا تعرف، لماذا لا تعرف؟ لا تقرأ القرآن ولا تسمع الحديث؟ .. إلخ.

إن المشكلة هي دخول علم الكلام في الموضوع فأفسد العقول، كل من قرأ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ [الملك:16] ليس عنده شك أن الله عز وجل في السماء، كلنا سمع ذاك الحديث: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، ليس هناك شك أن الله عز وجل في السماء، لكن دخل علم الكلام فصرفهم عن هذا الإيمان، ماذا قال لهم؟

قال لهم: لا يجوز أن نقول: الله في السماء، لماذا؟

لأن الله ليس له مكان، صحيح نحن نقول: ليس له مكان، ولعلكم ما نسيتم بأننا بدأنا الكلام عن هذا السؤال ببيان أن الله عز وجل غني عن المكان، وأن الله كان ولا مكان، فادعى الجهلة من الناس أن معنى الآية والحديث هو إثبات المكان لله عز وجل، وأن معنى حديث الجارية: (الله في السماء) أن الله له مكان في السماء، هذا الجهل أدى بهم إلى جهل مطبق، ولا يعني أن المسلم حينما يعتقد أن الله في السماء أن الله مثل إنسان في الغرفة، لماذا؟ لأن هذا تشبيه، وقد سمعتم من جملة خصال ومزايا الدعوة السلفية أنها وسط في كل شيء بين الإفراط والتفريط، بين المشبهة الذين يشبهون الله بخلقه، وبين المعطلة الذين ينكرون أشياء من صفات ربهم، فـالسلف وسط يؤمنون بما جاء في الكتاب والسنة، وينزهون الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] .

فحينما يعتقد المسلم أن الله في السماء كما هو في النص القرآني والأحاديث كثيرة، لا يعني أنه في السماء أنه كالإنسان في الغرفة، وكدودة القز في (الشرنقة) محصورة بهذا البيت الطويل، حاشاه عز وجل أن يكون كذلك!




استمع المزيد من الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - عنوان الحلقة اسٌتمع
السياسة الشرعية 3285 استماع
التعامل مع الجن 3276 استماع
فرصة استئناف الحياة الإسلامية 3169 استماع
مسائل أبى الحسن الدعوية (1) 3109 استماع
السنة والبدعة والشبهات 3084 استماع
لباس البنطال فى الصلاة 3077 استماع
فقة الصلاة وتحنيط الطيور 2930 استماع
المرأة التي أبكت الشيخ الألباني 2919 استماع
كيفية تلقي العقيدة 2902 استماع
أسئلة الإمارات 2897 استماع