أحوال الناس في استغلال الأوقات


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

إن الهدف والغاية السامية التي خلقنا الله من أجلها معروفة، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:56-57]، فالغاية هي: تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى بالذل والخضوع والانكسار، (يا ابن آدم! خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب) ، فإذا عرف العبد والأمة الغاية والهدف من الحياة أصبح للحياة معنىً، وأما الحياة بلا هدف ولا غاية فلا معنى لها.

إن الناس يوم القيامة يقوّمون بإيمانهم وأعمالهم الصالحة، فالعمر فرصة للازدياد من الحسنات، ورفع الرصيد من الأعمال الصالحة، ولما كانت هذه الأمة أقصر الأمم أعماراً ضاعف الله لها الأجر والثواب، وشرع لها أعمالاً سهلة ميسرة يترتب عليها أجر كبير، فالحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، فعن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)، صححه الإمام الألباني رحمه الله.

فعلى افتراض أن العمر ستون سنة فإننا ننام فيها ثمانِ ساعات كل يوم، فهذه عشرون سنة في النوم، وخمس عشرة سنة في الطفولة قبل التكليف، وسنتان أو ثلاث في الأكل والشرب وقضاء الحوائج، فبقي من العمر ثلاث وعشرون سنة، فإذا لم تستغل الاستغلال الصحيح فكيف سيكون الرصيد؟!

إن الإنسان حريص على دخله الدنيوي ومصالحه الدنيوية، وكل موظف وموظفة حريص على زيادة دخله الشهري، ولا عيب في هذا، ولكن العيب كل العيب أن يمر العمر دون حرص على زيادة رصيد الحسنات ورصيد الأعمال الصالحة، فعن أبي بكرة : (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال: من طال عمره، وحسن عمله، قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره، وساء عمله)، صححه الإمام الألباني رحمه الله.

وقال الحسن البصري : إن أقواماً غرتهم الحياة الدنيا فخرجوا منها بلا رصيد من الحسنات، يقولون: إننا نحسن الظن بالله، قال: وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل، قال الله عنهم: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103-104]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:36-37].

أخية! تأملي هذا الدعاء الجميل من سيد البشر صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم! إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت يقوم فتنة فتوفني غير مفتون، اللهم! إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك، وقال صلى الله عليه وسلم: إنها حق فادرسوها) أي: احفظوها وتعلموها. رواه الإمام أحمد ، وصححه الألباني .

أخية تأملي هذا الدعاء ففيه طلب التوفيق إلى فعل الطاعات وترك المنكرات، وفيه سؤال الله تبارك وتعالى أن يتوفاه إذا كان العمر سبباً للخسارة والفتنة وزيادة السيئات.

إن للحياة معنىً عظيماً، فنحن لم نخلق عبثاً، ولم نُترك هملاً، فلا بد من تحقيق العبودية لله، وأن نجمع أكبر قدر ممكن من الحسنات، حتى لا نندم عند الممات، وحتى لا نطلب الرجوع بعد الموت فلا يستجاب لنا، قال سبحانه: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ [المؤمنون:99]، وقال سبحانه عن تلك اللحظات: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:23-24].

كان يزيد الرقاشي يحاسب نفسه ويقول: يا يزيد ! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟! يا يزيد ! من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ يا يزيد ! من ذا الذي يُرضي عنك ربك بعد الموت؟ ثم يبكي ويقول: أيها الناس! ألا تبكون على أنفسكم وتنوحون؟! من كان الموت يطلبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، فكيف يكون حاله؟!

أيتها الغالية! إن الواحدة لتحزن أشد الحزن إذا ضاع عليها مبلغ زهيد من المال، أو عقد من الذهب، ولا تحزن على ضياع وقتها وعمرها فيما لا ينفع!

كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: ما من أحد إلا وفي عقله نقص عن حلمه وعلمه، وذلك أنه إذا أتته الدنيا بزيادة مال ظل فرحاً مسروراً، والليل والنهار دائبان في هدم عمره ثم لا يحزنه ذلك، ما نفع مال يزيد وعمر ينقص.

وكان السري يقول: إذا اغتممتَ بما ينقص من مالك فابك على ما ينقص من عمرك.

وقال أبو بكر بن عياش : إن أحدهم لو سقط منه درهم لظل يومه يقول: إنا لله، ذهب درهمي، ولا يقول: ذهب يومي، ما عملتُ فيه؟!

اعلمي -أخية- أنك منذ ولادتك يبدأ العد التنازلي في ساعات عمرك، فابدئي أنت في العد التصاعدي في جمع الحسنات الكثيرات؛ لتنفعكِ بعد الممات.

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل أنت فيهما.

وقال الحسن البصري : الأيام والليالي تبليان كل جديد، وتقربان كل بعيد، وتأتيان بكل موعود ووعيد.

قال الزهري : كان عمر بن عبد العزيز إذا أصبح أمسك بلحيته ثم قرأ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء:205-207] ثم يبكي ويقول:

نهارك يا مغرور سهو وغفلة

وليلك نوم والردى لك لازم

فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم

ولا أنت في النوام ناجٍ فسالم

تسر بما يفنى وتفرح بالمنى

كما سُرّ باللذات في النوم حالم

وتسعى إلى ما سوف تكره غبه

كذلك في الدنيا تعيش البهائم

في هذه الوقفة نتعرف على أحوال الناس مع أوقاتهم، فالناس على أحوال ثلاثة في استغلال الأوقات، وقد بينهم الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32].

الصنف الأول: الظالم لنفسه

وهم يظنون أن الحياة غناء ورقص ولعب ولهو وأكل وشرب ونوم، وما علم المساكين أن الله سوف يسألهم عن كل دقيقة من دقائق حياتهم، فقد استغلوا الأوقات بالازدياد من اللذات والشهوات ومضاعفة السيئات، ونسوا أو تناسوا رقابة الواحد الأحد رب الأرض والسماوات.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة

والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل لها

إن الذي خلق الظلام يراني

لقد نسي هؤلاء المساكين مراقبة الله ولقاءه، فتجد كثيراً من بناتنا تسمع الموسيقى والغناء، وترقص على المعازف والألحان، ونسيت أنها حفيدة خديجة التي أقرأها الله السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا تعب فيه ولا نصب، ونسيت المسكينة أنها حفيدة عائشة الصديقة بنت الصديق الصائمة القائمة المتصدقة، راوية الحديث، وعالمة الأمة.

ونسيت المسكينة أنها حفيدة المجاهدة نسيبة الأنصارية أم عمارة التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لما رآها تذود وتدافع عنه: (تمني وسليني يا أم عمارة ! فقالت: أسألك مرافقتك في الجنة يا رسول الله!) ، فاسمعي أخية! تلك الأمنيات والرغبات، فماذا تسأل المسلمات اليوم؟! أين المضيعات للعمر والساعات عن مثل هؤلاء؟! أين المضيعات للحقوق والواجبات؟!

قد هيوك لأمر لو فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

الصنف الثاني: المقتصد

إنها أخية التي لم يستغل الأوقات في معصية الله، وإنما استغلوها في المباحات، فهم يؤدون الفرائض ولا يفعلون المحرمات، ولكنهم تنام كثيراً، ويكثر من الزيارات والفسحات، فأين استثمار الوقت في العلم والتعلم وقراءة القرآن؟ يقول الإمام الغزالي رحمه الله: من نام في كل أربع وعشرين ساعة ثمان ساعات فقد نام -مَنْ عمرُه ستون سنة- عشرين سنة، ثم تبقى أربعون سنة ما بين لهو ولغو ومعاصٍ ومخالفات وشغل بالدرهم والدينار، فماذا تبقَّى من العمر؟!

أليست القضية أيتها المؤمنة قضية ميزان ترجح فيه كفة الحسنات أو السيئات؟! أليس في يوم الحسرات يتمنى العبد والأمة أن لو يزداد في الرصيد من الحسنات؟ ولكن هيهات هيهات!

أليست مكانة عند الله على قدر إيمانها وأعمالها؟!

ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقوم الليل كله حتى تفطرت قدماه، ثم إذا عوتب قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً

الصنف الثالث: السابق بالخيرات

هن فتيات الإسلام، وهن نجوم التوحيد، وهن المتبعات لسنة نبيهن محمد صلى الله عليه وسلم، وهن أمل الأمة للخروج من الذل الذي تعيش فيه، إنهن فتيات عرفوا معنى الحياة، وعلموا أنهم سيقفو بين يدي علام الغيوب، وعرفوا أن الستين أو والسبعين سنة هي مزرعة للآخرة، وعرفوا أن نساء السلف استثمروا أوقاتهم في مرضاة ربهم، فقد كانوا صائمات قائمات مجاهدات في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فأردوا أن يكونوا مثلهم.

والأمة اليوم أحوج ما تكون لمثل هؤلاء الذين تربوا على تقوى من الله ورضوان.

وهم يظنون أن الحياة غناء ورقص ولعب ولهو وأكل وشرب ونوم، وما علم المساكين أن الله سوف يسألهم عن كل دقيقة من دقائق حياتهم، فقد استغلوا الأوقات بالازدياد من اللذات والشهوات ومضاعفة السيئات، ونسوا أو تناسوا رقابة الواحد الأحد رب الأرض والسماوات.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة

والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل لها

إن الذي خلق الظلام يراني

لقد نسي هؤلاء المساكين مراقبة الله ولقاءه، فتجد كثيراً من بناتنا تسمع الموسيقى والغناء، وترقص على المعازف والألحان، ونسيت أنها حفيدة خديجة التي أقرأها الله السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا تعب فيه ولا نصب، ونسيت المسكينة أنها حفيدة عائشة الصديقة بنت الصديق الصائمة القائمة المتصدقة، راوية الحديث، وعالمة الأمة.

ونسيت المسكينة أنها حفيدة المجاهدة نسيبة الأنصارية أم عمارة التي قال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لما رآها تذود وتدافع عنه: (تمني وسليني يا أم عمارة ! فقالت: أسألك مرافقتك في الجنة يا رسول الله!) ، فاسمعي أخية! تلك الأمنيات والرغبات، فماذا تسأل المسلمات اليوم؟! أين المضيعات للعمر والساعات عن مثل هؤلاء؟! أين المضيعات للحقوق والواجبات؟!

قد هيوك لأمر لو فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

إنها أخية التي لم يستغل الأوقات في معصية الله، وإنما استغلوها في المباحات، فهم يؤدون الفرائض ولا يفعلون المحرمات، ولكنهم تنام كثيراً، ويكثر من الزيارات والفسحات، فأين استثمار الوقت في العلم والتعلم وقراءة القرآن؟ يقول الإمام الغزالي رحمه الله: من نام في كل أربع وعشرين ساعة ثمان ساعات فقد نام -مَنْ عمرُه ستون سنة- عشرين سنة، ثم تبقى أربعون سنة ما بين لهو ولغو ومعاصٍ ومخالفات وشغل بالدرهم والدينار، فماذا تبقَّى من العمر؟!

أليست القضية أيتها المؤمنة قضية ميزان ترجح فيه كفة الحسنات أو السيئات؟! أليس في يوم الحسرات يتمنى العبد والأمة أن لو يزداد في الرصيد من الحسنات؟ ولكن هيهات هيهات!

أليست مكانة عند الله على قدر إيمانها وأعمالها؟!

ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقوم الليل كله حتى تفطرت قدماه، ثم إذا عوتب قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً

هن فتيات الإسلام، وهن نجوم التوحيد، وهن المتبعات لسنة نبيهن محمد صلى الله عليه وسلم، وهن أمل الأمة للخروج من الذل الذي تعيش فيه، إنهن فتيات عرفوا معنى الحياة، وعلموا أنهم سيقفو بين يدي علام الغيوب، وعرفوا أن الستين أو والسبعين سنة هي مزرعة للآخرة، وعرفوا أن نساء السلف استثمروا أوقاتهم في مرضاة ربهم، فقد كانوا صائمات قائمات مجاهدات في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فأردوا أن يكونوا مثلهم.

والأمة اليوم أحوج ما تكون لمثل هؤلاء الذين تربوا على تقوى من الله ورضوان.

لقد أقسم الله تبارك وتعالى بالوقت لعظمه، فقال سبحانه: وَالْعَصْرِ [العصر:1]، وقال تعالى: وَالضُّحَى [الضحى:1]، وقال تبارك وتعالى: وَاللَّيْلِ [الليل:1]، ولا يقسم الله إلا بعظيم، وله سبحانه أن يقسم بما يشاء وليس لمخلوق أن يقسم إلا بالله تبارك وتعالى.

اعلمي أيتها المؤمنة أنك ستسألين عن الوقت، وستحاسبين عما عملت فيه، فإن كنتِ صالحةً ستفوزين، وإن كنتِ مضيعة فستندمين وتخسرين، قال سبحانه وهو يسأل العباد عن ذلك: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ [المؤمنون:112]، فأما المضيعات اللاهيات المفرطات فيقلن: قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:113]، فيأتي التوبيخ الشديد من رب العالمين: قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:114-115]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، وعدّ منهن: عن عمره فيما أبلاه، وعن شبابه فيما أفناه).

أخية! لقد سأل عن العمر إجمالاً وعن الشباب خاصة، فلماذا السؤال عن الشباب؟ أليس الشباب قطعة من العمر؟ فلماذا التركيز على مرحلة الشباب؟

الجواب: لأن الشباب أحلى سنين العمر وأقوها، فإن لم تصرفه لله فكيف سيكون الجواب؟ وما هي حجتك التي بها ستحتجين بها؟! قال سبحانه: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ * وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ [الأعراف:6-9] فهل تأملت شدة الوعد والوعيد؟ ومع هذا اسمعي عجب العجاب.

تضييع الأوقات أمام القنوات الفضائية

عجباً لأناس يقضون الساعات الطوال أمام الشاشات: ما بين فلم ومسلسل، وما بين أغنية وألحان، وزيادة على ما هم فيه من الضياع فإنهم متكاسلون عن فعل الطاعات وإقام الصلوات.

فكم من الحسنات قد كسبوا في هذه الساعات؟ وماذا استفادوا مما شاهدوه وسمعوه؟ أليست الحقيقة أخية أنهم لم يحفظوا السمع والبصر والفؤاد عن الحرام؟

أما قال الله: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]؟

أما قال الجبار سبحانه: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]؟

أليس الرجال ينظرون إلى النساء المتبرجات، والنساء ينظرن إلى الرجال؟ والله يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، وقال مخاطباً المؤمنات: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]؟ فأين قول المؤمنين والمؤمنات: سمعنا وأطعنا؟

تعصي الإله وأنت تزعم حبه

هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته

إن المحب لمن يحب مطيع

وأليس هؤلاء قد زادوا من رصيد السيئات يوم أن ضيعوا الأعمار في هذه الساعات والملهيات والمحرمات؟ فأين العقول السليمة؟ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

تضييع الأوقات في القيل والقال والغيبة والنميمة وغير ذلك

عجباً لفئة أخرى من النساء اللاتي يجتمعن عند فلانة وفلانة ومدار حديثهن: القيل والقال، والغيبة والنميمة، والزور والبهتان، أما قال صلى الله عليه وسلم: (كل مجلس لا يذكر فيه اسم الله فهو حسرة وندامة على صاحبه يوم القيامة)؟ وشبه صلى الله عليه وسلم أصحاب هذه المجالس كمن قام عن جيفة حمار، فكم من الجيف يجتمع عليها في كل ليل ونهار.

وقال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة : (ما جلس قوم مجلساً فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة -يعني: نقص وحسرة-، وما من رجل مشى طريقاً فلم يذكر الله عز وجل إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشة فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة)، رواه أحمد .

أيتها المؤمنة! قولي لي بالله العظيم: كم مجلس جلسناه نذكر فيه نعم الله علينا؟ والله يقول لنا: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11].

وكم من طريق مشيناه ونحن نتفكر فيه بآيات الله؟ والله سبحانه يقول: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101]؟

وكم ليلة بتناها ونحن نحاسب أنفسنا؟ والله يقول: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

قال بعض السلف: لقد عاشرنا أقواماً كانوا أشح بوقتهم منكم على دراهمكم.

فلست أرى السعادة جمع مال

ولكن التقي هو السعيد

تضييع الأوقات في الأسواق والمنتديات

عجباً لفتية وفتيات يتسكعون في الأسواق والمنتديات، ويقضون ساعات وساعات بين نظرات ومساومات، الكل لا يعرف ماذا يريد، ويظنون أن الحياة مظاهر ومغريات، قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم شبابك قبل هرمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك)، فالعمر فرصة لا تعوض، فإن كل يوم تشرق فيه الشمس ينادي ويقول: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني، فإني إذا ذهبت لا أرجع أبداً. والأحوال العجيبة كثيرة، فأين نعمة العقل التي يعرف بها الإنسان ما يضره وما ينفعه؟!

تضييع الأوقات في المكالمات الهاتفية المحرمة

أخية! عجباً لشابات يضيعن الساعات في مكالمات هاتفية محرمة نهايتها إلى الرذيلة والخسارة والهوان! وإذا فقدت الفتاة حياءها وشرفها فبطن الأرض خير لها من ظهرها، فكم نسمع عن قصص وحكايات، ومآس متكررات، وكم نقرأ استغاثات ومناشدات من هؤلاء الضائعين والضائعات، وكم نرى مثل هؤلاء الحائرين والحائرات في الأسواق والتجمعات، نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]، وكم نقرأ في الصحف والمجلات عن مهاترات ومناقشات بين شبان وشابات يتكلمون عن الكرة وأخبارها، وعن المغنين والمغنيات، ويتكلمون عن آخر الموضات والصيحات، فقل لي بربك: كيف تحيا وتنهض أمة هذا حال فتيانها وفتياتها؟!

تضييع الأوقات في تصفح الجرائد والمجلات غير النافعة

أخية! هل سمعت عن تلك الفئة التي تجلس الساعات والساعات تتصفح الجرائد والمجلات، وتتابع أخبار النجوم كما يقولون ويدعون كذباً، وهم الله ليسوا بنجوم، وإنما النجوم تلك التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وأما أولئك فهم عاهرون وعاهرات، وغافلون وغافلات، وفاجرون وفاجرات، فكيف يكونون قدوة للأولاد والبنات؟! بل كيف ترضين أن تكوني لأخبارهم من المتابعات؟! فإلى الله نشكو حال شبابنا وفتياتنا، بل حتى حال كثير من عجائزنا وشيبنا، قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

وقال أبو بكر لـعمر رضي الله عنهما: هيا بنا نزور أم أيمن كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها في حياته، فلما جاءها بكت، فقالا لها: يا أم أيمن ! أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسوله؟ قالت: بلى أعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكني أبكي لانقطاع الوحي من السماء).

ونحن نقول يا أم أيمن :

قد بكيت وإننا نلهو

ونمجن دون معرفة الأدب

لم تبصري وضع الحديث ولا الكذب

لم تشهري بعض المعازف والطرب

لم تشهدي شرب الخمور ولا الزنا

لم تلحظي ما قد أتانا من عطب

لم تشهدي فرق الضلالة والهوى

لولا مماتك لرأيت من العجب

لم تشهدي فعل العدو وصحبهم

ها نحن نجثو من يهود على الركب

واحر قلبي من تمزُّق أمتي

أضحت أمورك أمتي مثل اللعب

تالله ما عرف البكاء سراتنا

ومع التباكي لا وشائج أو نسب

عجباً لأناس يقضون الساعات الطوال أمام الشاشات: ما بين فلم ومسلسل، وما بين أغنية وألحان، وزيادة على ما هم فيه من الضياع فإنهم متكاسلون عن فعل الطاعات وإقام الصلوات.

فكم من الحسنات قد كسبوا في هذه الساعات؟ وماذا استفادوا مما شاهدوه وسمعوه؟ أليست الحقيقة أخية أنهم لم يحفظوا السمع والبصر والفؤاد عن الحرام؟

أما قال الله: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]؟

أما قال الجبار سبحانه: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:65]؟

أليس الرجال ينظرون إلى النساء المتبرجات، والنساء ينظرن إلى الرجال؟ والله يقول: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30]، وقال مخاطباً المؤمنات: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ [النور:31]؟ فأين قول المؤمنين والمؤمنات: سمعنا وأطعنا؟

تعصي الإله وأنت تزعم حبه

هذا لعمري في القياس بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته

إن المحب لمن يحب مطيع

وأليس هؤلاء قد زادوا من رصيد السيئات يوم أن ضيعوا الأعمار في هذه الساعات والملهيات والمحرمات؟ فأين العقول السليمة؟ فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

عجباً لفئة أخرى من النساء اللاتي يجتمعن عند فلانة وفلانة ومدار حديثهن: القيل والقال، والغيبة والنميمة، والزور والبهتان، أما قال صلى الله عليه وسلم: (كل مجلس لا يذكر فيه اسم الله فهو حسرة وندامة على صاحبه يوم القيامة)؟ وشبه صلى الله عليه وسلم أصحاب هذه المجالس كمن قام عن جيفة حمار، فكم من الجيف يجتمع عليها في كل ليل ونهار.

وقال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة : (ما جلس قوم مجلساً فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة -يعني: نقص وحسرة-، وما من رجل مشى طريقاً فلم يذكر الله عز وجل إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشة فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة)، رواه أحمد .

أيتها المؤمنة! قولي لي بالله العظيم: كم مجلس جلسناه نذكر فيه نعم الله علينا؟ والله يقول لنا: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضحى:11].

وكم من طريق مشيناه ونحن نتفكر فيه بآيات الله؟ والله سبحانه يقول: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [يونس:101]؟

وكم ليلة بتناها ونحن نحاسب أنفسنا؟ والله يقول: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ [آل عمران:191].

قال بعض السلف: لقد عاشرنا أقواماً كانوا أشح بوقتهم منكم على دراهمكم.

فلست أرى السعادة جمع مال

ولكن التقي هو السعيد

عجباً لفتية وفتيات يتسكعون في الأسواق والمنتديات، ويقضون ساعات وساعات بين نظرات ومساومات، الكل لا يعرف ماذا يريد، ويظنون أن الحياة مظاهر ومغريات، قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم شبابك قبل هرمك، وحياتك قبل موتك، وفراغك قبل شغلك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك)، فالعمر فرصة لا تعوض، فإن كل يوم تشرق فيه الشمس ينادي ويقول: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاغتنمني، فإني إذا ذهبت لا أرجع أبداً. والأحوال العجيبة كثيرة، فأين نعمة العقل التي يعرف بها الإنسان ما يضره وما ينفعه؟!


استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3543 استماع
بر الوالدين 3427 استماع
أحوال العابدات 3412 استماع
يأجوج ومأجوج 3349 استماع
البداية والنهاية 3336 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3271 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3255 استماع
أين دارك غداً 3205 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3099 استماع
أين أنتن من هؤلاء؟ 3097 استماع