يا تارك الصلاة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

معاشر الأحبة! جاءني أحد الشباب منذ فترة ماضية وبدء يعرض مشاكله -وما هي أكثر مشاكل الشباب- قال: أشتكي من كثرة الهموم والغموم، أشتكي من قلة التوفيق في كل شأن من شئون حياتي، ما طرقت باباً إلا وجدته موصداً مغلقاً، ما أقدمت على مشروع إلا باء بالفشل، وزيادة على هذا وجع يلازمني في بطني، عرضت نفسي على الأطباء، تنقلت من مكان إلى مكان بحثاً عن العلاج ولم أجده.

قلت له مستعيناً بالله: المريض إذا مرض يذهب إلى الطبيب، والطبيب ينظر في أعراض المرض ثم يبدأ بتشخيص المرض، فإذا اكتشف العلة واكتشف المرض نصح بالدواء، والمطلوب من المريض حين يعطى الدواء أن يحافظ عليه بكميته المحددة في وقته المحدد.

قلت له أيضاً: المطلوب منك أن تحافظ على الدواء، قال: لا توص حريصاً، فلقد تعبت وأنا أبحث عن العلاج والدواء، همومي كثيرة.. مشاكلي كثيرة.. آلامي التي أقضت مضجعي فلا أهنأ بطعام ولا بشراب ولا بمنام.

قلت: العلاج موجود، لكن المطلوب منك أنك تحافظ على العلاج وتداوم عليه، قال: وما هو؟ قلت: خمس صلوات في اليوم والليلة، (من أداهن حيث يُنادى بهن -يعني: في المساجد- كن له نوراً وضياءً وبرهاناً يوم القيامة، ومن ضيعهن ضيعه الله يوم القيامة).

فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123] وأي هدى أعظم من المحافظة على الصلوات وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126].

هذا هو العلاج، هذا هو علاج ذلك الشاب وعلاج مشاكل كل واحد منا، أن يطرق باب الطبيب خمس مرات، وأن يرتمي بين يديه ويرفع إليه الحاجات والمسائل، ويبتهل إليه بالدعاء والتضرع، والله لن تحل مشاكلنا، ولن تكشف همومنا، ولن تتبدل أحوالنا إلا إذا استقمنا في الصلوات.

حالنا مع الصلوات يُبكي العين ويُدمي القلب ويُقطع الجبين، انقسم المسلمون مع صلاتهم إلى ثلاثة أقسام: قسم لا يصلي ولا يركع ولا يسجد لا بالليل ولا بالنهار، أسماؤهم عبد الله وعبد الرحمن -كذبوا والله.. كذبوا والله- لو كانوا عبيداً لله ما خالفوا أوامر الله أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6].

نعرف كثيراً ممن منَّ الله عليهم بالاستقامة والهداية، سألناهم عن أحوالهم في الصلوات، فكان كثير منهم يقول: مرت عليّ سنوات لم أسجد فيها ولم أركع.

سنوات لم يسجدوا لله فيها ولم يركعوا، أي حياة هذه؟! والله لن يستقيم حال الإنسان إلا إذا استقام على صلاته، والله إنك لن تتقرب إلى الله بقربة أعظم من المحافظة على الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة).

والله لن ينفعك صوم ولا حج ولا زكاة ولا أي نوع من الأعمال إلا إذا صلح أمر الصلاة؛ فأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة عن صلاته، فإن استقامت وصلحت نظر الله في باقي الأعمال، وإلا وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].

قسم لا يركع ولا يسجد -وهم كثير- امتلأت بهم البيوت وانتشروا في الطرقات، تراهم في المجمعات في أوقات الصلوات يغدون ويروحون كأن الأمر لا يعنيهم.

قسم آخر: وهم أيضاً كثير، يُقدّمون ويؤخرون، ينامون ويتكاسلون، يلعبون ويلهون، إن استيقظ من نومه صلى، إن انتهى من لعبه صلى، إن انتهى من أكله وشربه صلى، تناسوا أن الله قال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].

تناسوا أن الله قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9].

تناسوا أن الله قال: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

لو أنك موظف في شركة من الشركات أو مؤسسة من المؤسسات، ودوامها يبدأ في الساعة السابعة صباحاً، فإذا بك في اليوم الأول تأتي بعد عشرين دقيقة من مرور الوقت، ويستقبلك الرئيس فيغض الطرف عنك، فإن جئته في اليوم الثاني سيخاطبك ويقول لك: إن نظام المؤسسة ودوامها يبدأ في الساعة السابعة لا في الساعة السابعة والنصف، ثم إذا تكرر منك التأخر ستعطى إنذاراً شفهياً أو إنذاراً خطياً، فإذا تكرر منك التخلف والتأخر فلا مكان لك في تلك المؤسسة.

هذه مؤسسة وشركة من الشركات، فكيف بالذين يتأخرون عن طاعة رب الأرض والسماوات مرات ومرات، قال صلى الله عليه وسلم: (ولا زال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله) فقسم لا يركع ولا يسجد، وقسم يقدم ويؤخر ويتهاون ويتكاسل، وهم كثير لا ينطلقون إلى المساجد إلا إذ سمعوا الإقامة أو بعد ركعة أو ركعتين، تناسوا أن الله قال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11].

قسم ثالث: وهم قله قليلة، وأنا أعني أنهم قلة قليلة مقارنة إلى تعداد هذه الأمة أمة المليار أو ما يزيد.

هل تريد أن تشهد هذه القلة؟ اشهدها في صلاة الفجر، اشهد صلاة الفجر مع الجماعة حتى ترى العجب العجاب، ترى أن آلافاً مؤلفة بل ملايين تغط في سبات عميق، وقلة قليلة هي التي انتصرت على فُرشها وشهواتها وانطلقت تجيب منادي الله.

عندما ينطلق أذان الفجر في الرابعة وسبع دقائق، اخرج إلى الشارع حتى تعرف مقدار المأساة، فلا تكاد ترى سيارة تتحرك، لا تكاد ترى إنساناً يسير، لا تكاد تسمع أصواتاً في البيوت.

اُدخل المسجد ترى آباءً وكباراً في السن وقلة قليلة من الشباب الذين هداهم الله، والبقية الباقية تغط في سُبات عميق، ثم اخرج بعد صلاة الفجر بساعة وانظر إلى الناس قد ملئوا الطرقات والتقاطعات، وانتشروا في مناكب الأرض يطلبون الدنيا، ما كأن الله قبلها بساعة ناداهم مناديه (الصلاة خير من النوم) وواقع حال كثير من الناس يقول: ( النوم خير من الصلاة ).

أسألك بالله العظيم هل صليت الفجر اليوم في صفوف المصلين، أم اتصفت بصفات المنافقين، أليس أثقل الصلوات عليهم صلاة الفجر وصلاة العشاء؟

أليست هذه الأمة قد اتصفت بالنفاق في مشارق الأرض ومغاربها؟ هل تريد أن تعرف مقدار المأساة؟ اسمع بارك الله فيك.

زرت ثانوية من الثانويات منذ أيام مضت، وكان تعداد المدرسة أكثر من ثمانمائة طالب في ريعان الشباب، أعمارهم تجاوزت الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين عاماً، رجال المفترض أن يغيروا الواقع ويبدلوا الحال، سألتهم بعد أخذ وعطاء: اصدقوني في سؤالي هذا: من منكم صلى الفجر في جماعة؟ كم تظن أنه أجاب من الثمانمائة؟ مائة.. مائتان أم ثلاث أم أربع مائة؟ والله الذي لا إله إلا هو لم يتجاوز عدد الذين صلوا صلاة الفجر في جماعة من أبناء المسلمين في مدرسة تعدادها ثمانمائة طالب عشرين طالباً فقط، وسبعمائة وثمانون بيتاً من بيوت المسلمين اتصفت بالنفاق.

كيف يتغير الواقع أو يتبدل الحال وأمتنا قد ضيعت الصلوات!

لما تنزّل قول الله جل في علاه على النبي صلى الله عليه وسلم: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59]، يقول النبي صلى الله عليه وسلم باكياً: (يا جبريل! تضيع أمتي الصلاة؟ يا جبريل تضيع أمتي الصلاة؟ قال: يا محمد! يأتي أقوام من أمتك يبيعون دينهم كله بعرض من الدنيا قليل).

فضيعت الصلوات وارتكبت المحرمات، كيف يستقيم الحال؟ وكيف يتربى المجتمع على الفضيلة إن لم يحافظ على الصلوات؟ أليست الصلاة هي التي تنهانا عن الفواحش والمنكرات؟ يكفينا أمر رباني واحد حتى نعلم عظم قدر الصلاة عند الله، أما يكفيك أن تعلم من قدر الصلاة وعظم شأنها عند الله أنها فرضت من فوق سبع سماوات، وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى [النجم:7-10] أمره بخمسين صلاة، فما زال يخفف عنا حتى جُعلت خمس صلوات بأجر خمسين.

الصلاة نور، كيف تستطيع أن تسير في الظلمات؟ كثير يتخبطون.. كثير يشتكون من الهموم والغموم، علاجهم الانضمام إلى صفوف المصلين، مآسي الشباب في كل مكان وعلاجهم الدخول إلى بيوت الرحمن في صفوف المصلين.

التقيت ثلاثة من الشباب على إحدى الخطوط الشمالية في ساعة متأخرة من الليل توقفت! ركب الثلاثة، قلت: أين تريدون؟ قالوا: نريد الدمام.

دار بيني وبينهم هذا الحديث، فقلت: ماذا تريدون هناك؟

قالوا: نبحث عن وظائف.

ولا عيب أن الإنسان يسعى في طلب رزقه؛ لكن العيب كل العيب أن تُخرجنا الدنيا ولا نخرج في أوامر الله جل في علاه، نخرج لقضاء حوائجنا ولأكلنا وشربنا ومنادي الله ينادينا: حي على الصلاة، حي على الفلاح! فنتهاون في الاستجابة لنداء الله.

قلت: ماذا تريدون من هناك؟ قالوا: نبحث عن وظائف، قلت: لا عيب، فما هي شهاداتكم والمؤهلات التي تحملونها؟

فقال الذي بجانبي: أنا عندي شهادة ثاني متوسط، والثاني قال: أنا أول متوسط، والثالث قال: أنا لم أكمل الخامسة الابتدائية.

قلت: ما شاء الله كان؛ لكن هذه ليست مؤهلات، الأمر لله من قبل ومن بعد مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [فاطر:2].

نعرف أصحاب شهادات لم يجدوا وظائف ولم يجدوا مرتبات، ونعرف من لا يقرأ ولا يكتب أنعم الله عليهم وصب عليهم من البركات، والسر وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

جاء أحدهم إلى أحد الصالحين يشتكي ارتفاع الأسعار، وذلك حين غلت الأسعار وارتفعت الأثمان للمطاعم والمشارب!

وهكذا هو حالنا، نتأثر بارتفاع الأسعار يمنة ويسره ولا نتأثر بأحوال المسلمين، نخاف على ما يسد جوعنا ويملأ بطوننا، ولا نخاف من تقرير مصيرنا إما إلى جنة وإما إلى نار.

جاء أحدهم إلى أحد الصالحين يشتكي ارتفاع الأسعار والأثمان، فقال الرجل الصالح: والله ما أبالي لو أن حبة الشعير بدينار، عليّ أن أعبده كما أمرني وعليه أن يرزقني كما وعدني.

قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:56-57].

والسر؟ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

قلت: هذه الشهادات وهذه المؤهلات، فأصدقوني كيف أنتم مع صلواتكم؟

فقال الذي بجانبي: أقول لك أم أكذب عليك؟ قلت: إن كذبت فإنما تكذب على نفسك ولا يضرني كذبك، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ [غافر:28].

قال: أنا لا أصلي.

قلت: كافر!

قال: لا.

قلت: بلى، ففي الحديث (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، كم هم الكفار من أبناء المسلمين الذين لا يركعون ولا يسجدون، حدث ولا حرج.

قلت للثاني: وأنت؟

قال: أنا خير منه.

قلت: كيف؟

قال: أنا أصلي من الجمعة إلى الجمعة.

قلت: أنت مثله.

قلت: وأنت يا ثالثهم؟

قال: أنا أفضل منهم.

قلت: كيف؟

قال: أنا أصلي في اليوم صلاتين.

قلت: هذا دين جديد: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى:21].

هذا هو الواقع.. هذا هو الواقع شئت أم أبيت، طلابنا لا يصلون، بل جاءني سؤال من الطلاب يقول السائل فيه: ما حكم الذي يصلي بدون وضوء؟

قلت: هذا كفر ومن نواقض الإسلام؛ لأنه استهزاء بالدين، هل يخفى عليه أو على كثير من أمثاله أنه لا صلاة لمن لا طهور له، هل يخفى عليه أن عمود الدين هي الصلاة.

هذا واقع الأولاد فأسمع واقع البنات بارك الله فيك:

تقول إحدى قريباتي وهي تعمل مُدرِّسة في مدرسة من المدارس: خرجت من غرفة المدرسات فإذا بطالبتين بجانب الغرفة تتبادلان الحديث، فإذا إحداهما تقول للأخرى: لماذا لا تصلين معنا في المصلى؟ قالت: أنا حتى في البيت لا أصلي، وأزيدك من الشعر بيتاً؛ أهلي كذلك لا يصلون! أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين:4].

والله لو أن القلوب سليمة

لتقطعت ألماً من الحرمان

لكنها سكرى بحب حياتها الـ دنيا وسوف تفيق بعد زمان

متى ستنضم إلى صفوف المصلين، وتكون من الذين هم على صلاتهم دائمون، وتكون من الذين هم على صلاتهم يحافظون؟ متى ستستقيم وتعلم أن أعظم أمور الدين بعد توحيد الله المحافظة على الصلوات، والمسارعة إلى المساجد، والمحافظة على تكبيرات الإحرام؟

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد:

عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقو الله عباد الله، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281]، واعلموا أن من صفات المتقين أنهم على صلاتهم يحافظون.

كيف تستطيع أن تواجه متقلبات الحياة إلا إذا انضممت واستقمت في صفوف المصلين، قال الله جل في علاه: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج:19-21] إلا من؟ إِلَّا الْمُصَلِّينَ [المعارج:22].

أيُّ المصلين؟ الذين لا يصلون إلا من الجمعة إلى الجمعة؟ أو الذين يصلون صلاتين في اليوم؟ أو الذين يتقدمون ويتأخرون.

الجواب: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23]، ثم أثمرت صلواتهم أخلاقاً وخشية في حياتهم وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ [المعارج:27-28].

من أين أتت الخشية؟

أتت من المحافظة على الصلوات.

وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المعارج:32] كيف أدوا الأمانات وحفظوا الحقوق إلا عندما حافظوا على الصلوات.

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:29-30].

كيف حصنوا الفروج وغضوا الأبصار، إلا لأنهم من الذين هم على صلاتهم دائمون.

فإذا جاءت المداومة وجاءت المحافظة فاسمع النتيجة بارك الله فيك: أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:35]، والله لن تتقرب إلى الله بقربة أعظم من المحافظة على الصلوات.

يقول أنس : (بينما كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا رجل لا نعرفه، قال: أين هو ابن عبد المطلب؟ قلنا: ذلك الأبيض الأمهق، فجاءه وقال: يابن عبد المطلب! إني سائلك ومشدد عليك السؤال، وكان متكئاً فجلس، قال: يا محمد! من الذي رفع السماء؟ قال: الله، قال: يا محمد! ومن الذي بسط الأرض؟ قال: الله، قال: ومن الذي نصب الجبال يا محمد؟! قال: الله، قال: أسألك بالذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فاحمر وجهه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم نعم، قال: أسألك بالذي رفع وبسط ونصب وأرسلك إلينا رسولاً آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم، قال: آلله أمرك أن تأمرنا بالصيام؟ قال: اللهم نعم، قال: آلله أمرك أن تأمرنا بالزكاة؟ قال: اللهم نعم، قال: آلله أمرك أن تأمرنا بحج بيت الله الحرام؟ قال: اللهم نعم، قال: والذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال وأرسلك إلينا رسولاً، لأحافظن على الصلاة، ولأصومن رمضان، وأعطي الزكاة، وأحج البيت، ولا أزيد على ذلك، فلما انطلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن صدق دخل الجنة).

أي: إن صدق فيما قال، وحافظ على الصلوات، وصام رمضان، وأدى الزكاة، وحج بيت الله الحرام؛ دخل الجنة.

تأمل بارك الله فيك.. فإن الزكاة قد تسقط عنك إذا لم يكن عندك مال، والصيام يسقط بالأعذار فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184]، والحج لمن استطاع إليه سبيلاً.

لكن قل لي بالله العظيم هل تسقط الصلاة في أي حال من الأحوال؟!

إذاً لو حافظ على صلاته دخل الجنة، في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كان حقاً على الله من لقي الله وهو يحافظ على هذه الصلوات أن يدخله الجنة، قال أبو ذر : وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قال: يا رسول الله! وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، فأعادها في الثالثة، فقال صلى الله عليه وسلم: رغم آنف أبي ذر).

(خمس صلوات من أداهن حيث ينادى بهن، كن له نوراً وضياءً وبرهاناً يوم القيامة، ومن ضيعهن فلا يلومن إلا نفسه).

أطلت عليكم.. لكن الحديث خطير، والقضية مهمة، أبناؤنا يموتون من غير صلوات، بل حتى الشيب تهاونوا في أدائها.

مات رجل في السبعين من عمره منذ فترة وسألونا هل نصلي عليه أم لا نصلي؟

قلت: ولماذا لا تصلون عليه؟ قالوا: ما سجد لله سجدة من قبل.

مات أحد الشباب في مقتبل العمر.. فلما غسلوه وبدءوا بتغسيله انقلبت بشرته من البياض الشديد إلى السواد الشديد، خاف المغسلون وخرجوا من مكان التغسيل، فإذا بالأب في خارج المغتسل يدخن، قالوا: هل الميت ميتكم؟ قال: نعم، قالوا: ما خبر هذا؟ قال الأب: لم يكن من المصلين، قلنا: خذوه أنتم غسلوه وكفنوه وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:33].

والعكس بالعكس: مات أحد الأخيار في مقتبل العمر، وكان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر مسابقاً إلى الصفوف الأولى، ما تخلف عن الفجر يوماً، يدعو بالموعظة والذكرى الحسنة، يقول أحد مشايخنا: فلما مات كنت أنا الذي غسلته وكفنته، فلما بدأنا بتغسيله وبإعداد المسك والكافور، يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد فاحت رائحة المسك منه قبل أن نضع المسك عليه، قلت لصاحبي: هل تشم؟ قال: فضل الله يؤتيه من يشاء إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].

فلما كفناه وذهبنا به إلى المقبرة، يقول شيخنا: كنت ممن نزل إلى قبره!

تخيل المنظر، الناس على شفير القبر، ثم ينزل إليهم الميت، يقول: والله الذي لا إله إلا هو إنهم أنزلوه فأخذ من بين أيدينا، وحمل من بين أيدينا، والله ما حملناه، ثم وسّد في التراب، والله ما وسدناه، ثم وجّه إلى القبلة، والله ما وجهناه، كشفت عن وجهه فإذا هو يضحك!

يقول الشيخ: والله لولا أني أنا الذي غسلته وكفنته ما كنت أظن أنه قد مات.

اتقوا الله عباد الله، وحافظوا على الصلوات، وانتهوا عن الفواحش والمنكرات.

اتقوا الله ومن تقواه المحافظة على أوامره.

هل تريد ضماناً لخاتمه حسنة، (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله) يعني: في حفظ الله ورعايته، زاد أهل العلم وقالوا: معناه أنه إذا مات من يومه دخل الجنة.

(مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر).

اصنعوا لنا أبطالاً، اصنعوا لنا رجالاً، اصنعوا لنا أمهات عابدات:

لا بد من صنع الرجال

ومثله صنع السلاح

وصناعة الأبطال علم

علمه أولو الصلاح

من لم يلقن أصله

من أهله فقد النجاح

لا يصنع الأبطال

إلا في مساجدنا الفساح

في روضة القرآن

في ظل الأحاديث الصحاح

شعب بغير عقيدة

ورق يذريه الرياح

من خان حي الصلاة

يخون حي على الكفاح

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

هل سنراك بعد هذا الكلام تسابق المصلين إلى الصفوف الأولى، أم ستستمر في التخلف مع المتخلفين، وقد أعذر من أنذر.

اللهم اجعلنا من الذين هم على صلاتهم دائمون، ومن الذين هم على صلاتهم يحافظون، ومن الذين هم في صلاتهم خاشعون.

اللهم اجعل خير أمرنا آخره، وخير عملنا خواتيمه، وخير أيامنا يوم نلقاك.

اللهم أصلح لنا الشباب والشيب، واحفظ نساءنا وأطفالنا يا رب العالمين!

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم اجعلنا من الذي يأمرون وينهون، ولا يخافون فيك لومة لائم، يا رب العالمين!

عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون.

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3542 استماع
بر الوالدين 3421 استماع
أحوال العابدات 3410 استماع
يأجوج ومأجوج 3348 استماع
البداية والنهاية 3335 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3269 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3254 استماع
أين دارك غداً 3204 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3097 استماع
أين أنتن من هؤلاء؟ 3096 استماع