زلزال في موجة الموت (فاعتبروا يا أولي الأبصار)


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

عباد الله!

إن ما يقع في العالم من حوادث ومجريات لا يقع صدفة ولا محض عشواء, والظاهرات الكونية من زلازل وبراكين وغيرها من الآيات هي من الآيات الدالة على خالق هذا الكون وعلى عظمته, فلا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بعلمه وإذنه، قال الله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هو وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59].

عباد الله!

لقد أودع الله العليم الحكيم هذا الكون سنناً ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، والجزاء من جنس العمل, وما نشاهده اليوم من العقوبات في بعض البلدان القريبة والبعيدة لهو أكبر زاجر وواعظ, حروب ودمار, شتات وفرقة, زلازل وأعاصير, براكين وفيضانات، لقد طغت الماديات وتفنن الناس في المحرمات, وأصبح المعروف عند بعض الناس من أنكر المنكرات, والمنكر من أعرف المعروفات, والمصيبة الكبرى أن قل الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر, فماذا ننتظر بعدها؟!

اسمع رعاك الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقابه)، وقال الله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [الإسراء:16]، وسنن الله ماضية قال الله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً [الإسراء:17].

عباد الله!

إن الله تعالى قص علينا قصص الأمم السابقة وما حل بها لنتعظ ونعتبر، ولا نفعل فعلهم حتى لا يصيبنا ما أصابهم, قال سبحانه: قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ * هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ [آل عمران:137-138].

وسنن الله ماضية وسارية على الجميع دون محاباة ولا تمييز, لذلك قال ربنا تبارك وتعالى: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2], ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر:51].

فهذه الظواهر من زلازل وبراكين وعواصف هي من جند الله التي سخرها الله عقاباً للمذنبين، وابتلاءً للصالحين، وعبرة للناجين, وإن لم ننظر لهذه الحوادث بهذا المنظار فلن نستفيد من حدوثها ووقوعها, فالله تعالى حكيم فيما يقضيه ويقدره, فهو سبحانه يسخر ما يشاء من الآيات تخويفاً لعباده وتذكيراً لهم كما قال هو: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً [الإسراء:59].

عباد الله!

لقد مر على العالم منذ أيام حدث عظيم سمع به القاصي والداني, ألا وهو: الزلازل العظيم الذي أصاب عدداً من البلاد المسلمة والكافرة، وهاج البحر بسببه فانطلقت أمواجه تحصد الأرواح والممتلكات, ففي أقل من دقيقة كان عشرات الآلاف من القتلى، ومثلهم من المفقودين, وملايين المشردين, ومليارات الخسائر المادية, وما زالت الإحصاءات مستمرة ليعلم الناس أن بطش الله شديد, وأنه جل جلاله فعال لما يريد، ومَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117].

سبحانك يا الله ما أعظمك! سبحانك يا الله ما أحلمك! سبحانك يا الله ما أعدلك! إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]، لقد كان جزء كبير من المناطق المنكوبة منتزهات سياحية يأوي إليها الفساق من السياح من كل مكان, فيتعرون ويرقصون ويغنون ويسكرون ويعربدون, زنا ولواط, وفواحش ومنكرات, فلما رأى البحر محارم الله تنتهك، وأوامره تضيع غار البحر على محارم الله, فثار ومار واستأذن من الجبار.

جاء في مسند أحمد فيما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات على الأرض يستأذن الله في أن ينفضح عليهم - أي: على العصاة - فيكفه الله عز وجل).

فلا إله إلا الله.. البحر يتمعر ويتمنى إغراق العصاة, ويستطيع ولكنه مأمور, ولقد أنذرهم الله فتماروا بالنذر، وقد أعذر من أنذر.

ففي العام الماضي أو الذي قبله حدث تفجير في أحد المنتزهات السياحية المليئة بالسكر والعربدة، وقتل في هذا الانفجار خلق كثير، فكان هذا بمثابة الإنذار المبكر لهؤلاء القوم لو كانوا يعقلون، ولسنا نقر التفجيرات ولكن أليست هي عقوبة من الجبار جل جلاله, وبدلاً من أن يراجع هؤلاء القوم حساباتهم مع الله, عادوا إلى ما كانوا عليه، وزاد طغيانهم وتسلطوا على عباد الله الصالحين وأوليائه المؤمنين, فاتهموهم بما هم منه براء، وسجنوهم وعادوهم، وما زال كثير منهم حتى الآّن رهن الاعتقال رغم عدم ثبوت إدانته.

وعادت تلك المنتزهات إلى ما كانت عليه من الفجور والعربدة, وصدق الله: وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60].

فغار الجبار الله في سمائه, فأوحى لأرضه أن تزلزلي، وأوحى لبحاره أن هيجي وأغرقي, فما كان للأرض أن تعصيه, وما كان للبحار إلا أن تستجيب لأوامره، فما الذي حدث؟

اسمع رعاك الله! وافتح القلب قبل أن تفتح الأذنين, في دقائق معدودة أقاليم بأكملها زالت, وقرى بكل ما فيها انمحت, وأمم من البشر بادت وماتت، بعض الجزر غطاها الموج العاتي، فأفنى بنيانها وأهلك حرثها ونسلها وقطع أشجارها, فلم تستطع المباني الشاهقة، ولا الأشجار العالية، أن تقف أمام الموجات العالية التي وصلت قوتها وسرعتها إلا مئات الكيلومترات.

فلا إله إلا الله.. فلا ترى إلا مباني سويت بالأرض, وسيارات ومراكب اصطدمت ببعضها البعض, فهذا فعل الأمواج العاتية بالمباني والأشجار والممتلكات, فما ظنك بفعلها بالبشر الضعفاء؟!

يا الله! عشرات الآلاف من الجثث الهامدة، وبقايا أجساد متعفنة، منها ما هو طريح الرمال، ومنها ما هو معلق بالأشجار, ومنها ما هو مدفون تحت البنايات المتهدمة, وليس من شيء يعبر عن وصف تلك الحال مثل قوله تعالى: فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس:24].

عباد الله!

لقد كانت تلك الشواطئ، وتلك الديار من أجمل بقاع الأرض بما حباها الله من جبال وغابات وبحار وأشجار, وبدلاً من أن يأتي الناس إليها متفكرين لعظيم جمال خلق الله أتوها من كل مكان وجعلوها أماكن للعهر والفساد والفجور فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ [الزمر:25]، أما قال الله: وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم * أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَو تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ [يوسف:105-107].

عباد الله!

لقد تحدثتْ جميع وسائل الإعلام عن هذا الحدث العظيم، وحللوا وعللوا وذكروا أسباباً عدة, ولكنهم للأسف لم يذكروا السبب الرئيسي لهذه الكارثة, فهل ربطوا الناس بربهم وخالقهم وبينوا أن الأمر كله لله؟

إنه حدث ضخم كبير, وزلازل مدمر يجب أن يوقف معه وقفات تأمل واعتبار, إن وسائل الإعلام الغشاشة الراعية أصلاً للعهر والفجور, لو نطقت بالحق وأخبرتنا خبر تلك الليلة لسمعت ورأيت ما يشيب له رأسك مما يجري في مراقص العهر وحانات الخمور وفنادق القمار.

قد يقول قائل: لقد كان فيهم راكعون وساجدون وأطفال ونساء، قلت: لقد أجابنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال حين قال: (أولئك يبعثون على نياتهم)، ولكن أما تأملت معي وتدبرت أن صلاتهم وصيامهم لم تمنع عنهم العذاب؟ أما قال صلى الله عليه وسلم مهدداً العرب: (ويل للعرب من شر قد اقترب, فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج وحلق بأصبعيه, قالت أم المؤمنين: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال نعم إذا كثر الخبث).

عباد الله!

إن الناظر في مجريات حياتنا، والمتأمل في واقعنا ومعاشنا سيصاب بالرعب والفزع بسبب ما نراه من انتهاك لحرمات الله وحدوده، وتضييع لأوامر الله وواجباته, فانظر إلى حال الناس في الصلاة، وما مدى محافظتهم على صلاة الجماعة؟ وكم هم الذين يشهدون ويواظبون على صلاة الفجر؟ والذي نفسي بيده، بالأمس فقط قال لي أحد الشباب: أنا لا أصلي، وقالت لي إحدى الفتيات: عمري عشرون سنة ولم أصل إلا من رمضان الذي مضى.

وانظر رعاك الله! إلى حال الناس مع أكل الربا والمسارعة إليه والحرص على المشاركة فيه! ألم تنتشر بنوك الربا في كل مكان؟! ألم تعلن الحرب على الله جل جلاله؟! ألم يدعى الناس للمساهمة في المعاملات الربوية، فسارع أكثرهم معرضين عن تهديد الله لهم: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279]؟! فأين الصالحون؟!

ثم انظر إلى انتشار الرشوة بين الناس، والتي قد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آخذها ومعطيها، فلا تقضى لك حاجة ولا ينجز لك عمل حتى تكون من الملعونين الراشيين والمرتشين! فأين الصالحون؟!

أما نظرت إلى الأسواق وقد امتلأت بالفسقة والفاسقات، واللاهثين خلف الشهوات والمحرمات؟ أما آلمك ما آل إليه حال النساء من تبرج وسفور؟! فأين الصالحون؟!

أما رأيت آلاف الشباب وهم يعبرون الجسور ويركبون الطائرات إلى دول مجاورة، وإلى دول قريبة يذهبون لشرب الخمور ومعاقرة الزنا والفجور؟! فأين الصالحون ؟!

أما بلغ مسامعك الموسيقى والألحان ومعازف الشيطان، فتسمع في كل لحظة وفي كل مكان؟! بل أكثر مما يسمع القرآن؟! فأين الصالحون؟!

ألم تر وتسمع ماذا فعلت بنا الشاشات والأطباق الفضائيات؟! والله ما فرح الشيطان وأعوانه من الإنس والجان بمثل فرحهم بهذه الأطباق التي فعلت بالأمة فعلها, فضيعت الأمة دينها, وفسدت عقيدتها, ودمرت أخلاقها, حتى وصل الأمر أن يقع الأب على ابنته، والأخ على أخته, فانتهكت المحارم وإنا لله وإنا إليه راجعون.

والله لا تنجو المجتمعات إلا بالصالحين المصلحين، الآمرين بالمعروف, الناهين عن المنكر, الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.

ما أحلم الله! لكنه يمهل ولا يهمل, إننا والله نخشى أن تنزل علينا عقوبة الله بسبب أمننا من مكر الله تعالى وعقوبته, قال الله: أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَو يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَو يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَو يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ [النحل:45-47].

أما قال الله حين أهلك القرى الظالمة العاصية: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83]، هل بيننا وبين الله حسب؟ وهل بيننا وبين الله نسب حتى نأمن مكره وعقوبته؟! قُلْ هو الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَومِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَو يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهو الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ * لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام:65-67].

عجيب والله أمر الناس! الزلازل والفيضانات تضرب غرب الأرض، والناس في شرقها يضحكون ويمرحون، عجيب والله أمر الناس! الزلازل والفيضانات تضرب غرب الأرض، والناس في شرقها يضحكون ويمرحون في غمرة ساهون، لذلك قال الله: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ [المؤمنون:54-56].

يا أم أيمن قد بكيت وإننا نلهو ونمجن دون معرفة الأدب

لم تبصري وضع الحديث ولا الكذب لم تشهدي بعض المعازف والطرب

لم تشهدي شرب الخمور ولا الزنا لم تلحظي ما قد أتانا من عطب

لم تشهدي فرق الضلالة والهوى لولا مماتك لرأيت من العجب

لم تشهدي فعل العدو وصحبهم ها نحن نجثو لليهود على الركب

وا حر قلبي من تمزق أمتي أضحت أمورك أمتي مثل اللعب

والله ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تخلخلت في دولة إلا أسقطتها، فإنه ليس بين أحد وبين الله نسب، قال الجبار: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ [الزخرف:55-56].

ولا تظنن أن العقوبات إنما تكون زلازل وبراكين، بل قد تكون حروباً وذهاباً للأمن والأمان, وقد تكون عقوبات اقتصادية، وسوء للأوضاع المالية فهل نحن مدكرون؟!

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله.

اتقوا الله عباد الله! فقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن هذه الزلازل من أشراط الساعة ومن علامات قربها، فقد قال بأبي هو وأمي فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، ويتقارب الزمان، وتكثر الزلازل، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج, قيل: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: القتل القتل!).

وها أنتم ترون بأم أعينكم كثرتها وتتابعها في هذا الزمن مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم, فماذا بعد ذلك؟ فماذا بعد ذلك؟ قال الله: فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:18-19].

عباد الله!

إذا كانت زلزلة دقائق وثوان صنعت هذا الدمار والهلاك فكيف بزلزلة يوم يجعل الولدان شيباً؟! لقد جعل الله هذه الآيات والأحداث عبرة وعظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، قال جل في علاه: إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:11-18].

يا الله! كم مرة قرأنا قول الله: إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:1-8].

إنها زلزلة يوم القيامة! وما أدراك ما يوم القيامة؟! في ذلك اليوم يشتد غضب الجبار جل جلاله, فيقبض الأرض بيمينه, والسماوات بشماله وينادي: أنا الملك, أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم ينادي الجبار: يا آدم! أخرج بعث النار فيقول آدم: وما بعث النار؟ فيقول الجبار: من كل ألف تسعمائة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (فحينها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد).

لذلك حذرنا ربنا فقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج:1]، كيف سيكون حالي وحالك؟! إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً * وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر:21-23].

يا مخطئاً ما أجهلك عصيت رباً عدلك

وأقدرك وأمهلك عجل وبادر أملك

واختم بخير عملك وناد رباً فضلك

لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك

اتقوا الله عباد الله!

إن الواجب علينا في مثل هذه الأحداث، وفي مثل هذه الظروف أن نرجع إلى الله, وأن نلجأ إلى الله, وأن نتضرع إلى الله, وأن نتوب ونستغفر الله، ولا نكون كالذين قال الله فيهم: وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام:42-43].

عباد الله!

قد تكون الأحداث في ظاهرها مؤلمة, ولكنها والله رحمة من رب العالمين, حتى يراجع المسيء حساباته ويزيد الصالح في صلاحه, وينتهي أهل الباطل عن باطلهم, وأن يعلم الجميع أن هذه العقوبات والمعاصي والفواحش والمنكرات إنما هي عقوبة، وأن يعلم الجميع أن هذه العقوبات هي بسبب المعاصي والفواحش والمنكرات, كما قال الله: فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ [العنكبوت:40].

ذكر ابن أبي الدنيا عن أنس بن مالك أنه دخل على عائشة هو ورجل آخر، فقال لها الرجل: (يا أم المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة، فقالت: إذا استباحوا الزنا, وشربوا الخمور, وضربوا المعازف, قال الله عز وجل في سمائه لأرضه: تزلزلي بهم, فإن تابوا ونزعوا, وإلا أهدمها عليهم، قال الرجل: يا أم المؤمنين! أعذاباً لهم؟ قالت: لا, بل موعظة ورحمة وذكرى للمؤمنين، ونكالاً وعذاباً وسخطاً على الكافرين).

فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، واعلموا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، فلا تكونوا من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون.

فالواجب عباد الله! عند حدوث هذه الحوادث وهذه الآيات المسارعة بالتوبة والضراعة إلى الله، والإكثار من ذكره واستغفاره كما قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره).

ويستحب أيضاً رحمة المساكين والصدقة عليهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (ارحموا ترحموا)، وقال أيضاً: (الراحمون يرحمهم الرحمن, ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، وقال أيضاً: (من لا يرحم لا يرحم).

والله لقد أخبرنا كثير من الناجين بأنهم نجوا لما لجئوا إلى بيوت الله التي وقفت صامدة أمام الأمواج والأعاصير، فسبحان الذي قال: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت:53]، اللهم رحمتك نرجو فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

أما رأيتم عباد الله صور الموتى من الأطفال والنساء؟ فهل تخيلتم أطفالكم ونساءكم؟!

يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم ارحم موتى المسلمين، اللهم ارحم موتى المسلمين الذين ماتوا في هذه الزلازل والفيضانات، واجعل ذلك تكفيراً لسيئاتهم ورفعة لهم في الدرجات، واجعل ذلك عبرة لنا وذكرى يا رب العالمين.

اللهم رحماك بالشيوخ والأطفال والنساء والضعفاء يا رب العالمين! اللهم إنهم جوعى فأطعمهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم خائفون فأمنهم يا رب العالمين!

ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والفواحش ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين! ول علينا خيارنا واكفنا شرارنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في من خافك واتقاك وابتغى رضاك يا رب العالمين!

اللهم من أرادنا وبلادنا وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسك، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين!

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً يا حي يا قيوم!

اللهم إنا نسألك توبةً نصوحاً يا رب العالمين!

اللهم أصلح الشباب والشيب، اللهم رد الشباب إلى الحق يا رب العالمين! وبارك في أعمال الشيب يا حي يا قيوم! واحفظ نساءنا وأطفالنا وبلادنا وبلاد المسلمين يا رب العالمين! لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا ظالمين، اغفر لنا وارحمنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم عاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بما نحن أهله، إنك أنت أهل التقوى وأهل المغفرة، انصر المجاهدين في سبيلك الذين يقاتلون من أجل إعلاء كلمة دينك, اللهم كن معهم في العراق وفلسطين والشيشان وفي أفغانستان وكشمير والفلبين والسودان وفي كل مكان يا رب العالمين! انصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، وقو عزائمهم، وثبت الأقدام، وفك أسرانا وأسراهم يا رب الأنام!

اللهم اهزم عدوك وعدونا إنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز!

عباد الله! إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


استمع المزيد من الشيخ خالد الراشد - عنوان الحلقة اسٌتمع
انها النار 3543 استماع
بر الوالدين 3427 استماع
أحوال العابدات 3412 استماع
يأجوج ومأجوج 3349 استماع
البداية والنهاية 3336 استماع
وقت وأخ وخمر وأخت 3271 استماع
أسمع وأفتح قلبك - ذكرى لمن كان له قلب 3255 استماع
أين دارك غداً 3205 استماع
هذا ما رأيت في رحلة الأحزان 3099 استماع
أين أنتن من هؤلاء؟ 3097 استماع