تفسير سورة إبراهيم (2)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس إن شاء الله كتاب الله، راجين أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع فاتحة سورة إبراهيم الخليل عليه السلام، وقد درسنا البارحة آية أو آيتين، والليلة -إن شاء الله- نكمل هذه المقطوعة من هذه الآيات، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوتها مجودة مرتلة، ثم نتدارسها، والله نسأل أن يفتح علينا، وأن يعلمنا وينفعنا بما يعلمنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم:1-5].

رد علم الحروف المقطعة إلى الله تعالى

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بالأمس عرفنا معنى: الر [إبراهيم:1] وأنها من الحروف المقطعة، ومثلها كثير في القرآن، والذي نقوله عندها: الله أعلم بمراده بها، فلا نستطيع أن نقول: يريد الله كذا أو كذا، بل نفوض أمر فهمها وعلمها إلى منزلها عز وجل، وهذا الذي عليه سلف الأمة الصالح، فـ طه [طه:1]، يس [يس:1]، ص [ص:1]، ق [ق:1] ما معناها؟ الله أعلم بمعناها، ونسلم من الخلاف والوقوع في الضلال.

إخراج الناس من الظلمات إلى النور غاية إنزال القرآن الكريم

وعرفنا أن الكتاب هذا كتاب عظيم، إنه القرآن، أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ [إبراهيم:1] من أنزله؟ الله. على من أنزله؟ على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لماذا؟ ما الفائدة؟ ما الغرض من إنزال هذا الكتاب العظيم على رسوله الأمين؟ الجواب: ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، هذا هو السر، وهذه هي الحقيقة؛ من أجل أن يخرج الناس أبيضهم وأسودهم، أصفرهم وأحمرهم، فلفظ (الناس) يشمل كل البشرية.

مِنَ الظُّلُمَاتِ [إبراهيم:1] أي: ظلمات الكفر والشرك والمعاصي. إِلَى النُّورِ [إبراهيم:1]: الإيمان والتوحيد، وعبادة الله بما شرع.

وقوله تعالى: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [إبراهيم:1] إذ ليس في استطاعة الرسول أن يخرج أحداً من ظلمات الكفر إلى الإيمان؛ لأنه لا يملك ذلك، وإنما هو مأمور بالبلاغ، بالتذكير، بالدعوة، أما الأمر فيرجع إلى الله، هو الذي يخرج من يشاء من ظلمات الكفر والشرك إلى أنوار الإيمان والتوحيد، وهذا مبني على حكمة عالية، فالله أعلم بمن هو متهيئ مستعد لأن يدخل في الإسلام، وبمن هو متمرد بعيد يكفر ويجحد، ففيه التفويض إلى الله عز وجل.

بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم:1]،الصراط: الطريق، وصراط من هذا؟ صِرَاطِ الْعَزِيزِ [إبراهيم:1]، من هو العزيز؟ أليس الله؟ الْحَمِيدِ [إبراهيم:1]، من هو المحمود؟ أليس الله؟

فإن قال لك قائل: ما هذا الصراط؟ فقل له: إنه الإسلام، من سلك هذا الطريق نجا من عذاب النار، وفاز بدخول الجنة دار الأبرار، وقد أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى هذا الطريق في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ألا وهو الإسلام، فالإسلام دين الله الحق، لا يقبل الله ديناً سواه.

اختصاص الله تعالى بالملك والهداية

وقوله تعالى: اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [إبراهيم:2]، هو الذي يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، المالك لكل الخلق، لكل المملوكات، ما في السماوات السبع وما في الأرض كل ذلك يملكه، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فهيا بنا -إذاً- نقرع بابه ونلازم القرع والنداء: يا رب.. يا رب.. يا رب اهدنا صراطك المستقيم ليلاً نهاراً، فسيهدينا، حاشاه أن تطلب منه في صدق وتلح في الطلب ويخيبك، ومعنى هذا: أن نفتقر إلى الدعاء دائماً وأبداً: اللهم اهدنا صراطك المستقيم.

تهديد الكافرين بالعذاب الشديد لاستحبابهم الحياة وصدهم عن سبيل الله تعالى

وقوله تعالى: وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ [إبراهيم:2] ويل: كلمة عذاب، وهو واد في جهنم أيضاً، وهذا العذاب الشديد يكون في الآخرة، في عالم الشقاء في النار والعياذ بالله تعالى.

فإن قلت: لم؟ فالجواب: أما قال: ويل للكافرين أم لا؟ فالكافرون غير المؤمنين، فالكافرون نفوسهم خبيثة منتنة عفنة؛ لأنها تأثرت بأوضار الشرك والكفر والمعاصي.

إذاً: أرواحهم خبيثة لا يتلاءم معها دخول الجنة أبداً، أما أرواح المؤمنين والمؤمنات الطيبة الطاهرة الزكية فقد تزكت وطابت وطهرت بالإيمان وصالح الأعمال، مع بعدها عن الشرك والمعاصي والضلال، فهذه الأرواح الزكية هي التي تدخل الجنة.

وقوله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ [إبراهيم:3] عرفنا هذه وتأثرنا غاية التأثر، وقلنا: يجب أن نعمل ما استطعنا ألا نحب الدنيا، وألا نتكالب عليها، وألا نبيع ديننا من أجلها، وألا نبيع شرفنا ومروءتنا من أجلها؛ إذ ذم تعالى -بل توعد بالنار والعذاب الشديد- الذين يستحبون الحياة الدنيا، فهذا الاستحباب للحياة الدنيا يغفلهم تمام الإغفال عن الآخرة، فما يطلبون الطريق إليها، ولا يسألون عن الوسائل المؤدية إليها؛ لانشغال قلوبهم بالدنيا.

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [إبراهيم:3] قل له: الخمر حرام بيعها. يقول: أيش فيه لأجل المادة! تقول: الربا حرام. يقول: أيش فيه حرام هذا؟! حلاق يحلق لحى الرجال تقول له: لا يجوز لك يا عم أن تحلق وجوه الفحول. فيقول: أيش فيه؟! هذه مظاهر استحباب الحياة الدنيا أم لا؟ ما يريد الآخرة ولا يبحث عن الطريق الموصل إليها.

الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ [إبراهيم:3]، لو أحبوا الآخرة لأصبحوا يبحثون عن كل قول أو عمل يوصل إليها، ويسألون العلماء، ويرحلون من بلد إلى بلد: ما الطريق الموصل إلى الجنة؟ كيف نصل إليها؟ ما هي العوامل؟ ما هي الأسباب؟ فيقولون لهم: آمنوا واعملوا الصالحات، وتخلوا وابتعدوا عن الشرك والمعاصي.

وسر ذلك أن الإيمان والعمل الصالح يزكيان النفس ويطهرانها، والشرك والمعاصي يخبثان النفس ويلوثانها، الماء والصابون تطهر بهما الأبدان والثياب أم لا؟ القيح والوسخ والبول تتنجس بها الثياب أم لا؟ هذه الحقيقة: الإيمان والعمل الصالح لأجل تطهير القلوب وتزكية النفوس، والشرك والمعاصي من أجل تخبيث النفوس وتلويثها، كالطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، سنة الله التي لا تتبدل.

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بالأمس عرفنا معنى: الر [إبراهيم:1] وأنها من الحروف المقطعة، ومثلها كثير في القرآن، والذي نقوله عندها: الله أعلم بمراده بها، فلا نستطيع أن نقول: يريد الله كذا أو كذا، بل نفوض أمر فهمها وعلمها إلى منزلها عز وجل، وهذا الذي عليه سلف الأمة الصالح، فـ طه [طه:1]، يس [يس:1]، ص [ص:1]، ق [ق:1] ما معناها؟ الله أعلم بمعناها، ونسلم من الخلاف والوقوع في الضلال.

وعرفنا أن الكتاب هذا كتاب عظيم، إنه القرآن، أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ [إبراهيم:1] من أنزله؟ الله. على من أنزله؟ على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لماذا؟ ما الفائدة؟ ما الغرض من إنزال هذا الكتاب العظيم على رسوله الأمين؟ الجواب: ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، هذا هو السر، وهذه هي الحقيقة؛ من أجل أن يخرج الناس أبيضهم وأسودهم، أصفرهم وأحمرهم، فلفظ (الناس) يشمل كل البشرية.

مِنَ الظُّلُمَاتِ [إبراهيم:1] أي: ظلمات الكفر والشرك والمعاصي. إِلَى النُّورِ [إبراهيم:1]: الإيمان والتوحيد، وعبادة الله بما شرع.

وقوله تعالى: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ [إبراهيم:1] إذ ليس في استطاعة الرسول أن يخرج أحداً من ظلمات الكفر إلى الإيمان؛ لأنه لا يملك ذلك، وإنما هو مأمور بالبلاغ، بالتذكير، بالدعوة، أما الأمر فيرجع إلى الله، هو الذي يخرج من يشاء من ظلمات الكفر والشرك إلى أنوار الإيمان والتوحيد، وهذا مبني على حكمة عالية، فالله أعلم بمن هو متهيئ مستعد لأن يدخل في الإسلام، وبمن هو متمرد بعيد يكفر ويجحد، ففيه التفويض إلى الله عز وجل.

بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم:1]،الصراط: الطريق، وصراط من هذا؟ صِرَاطِ الْعَزِيزِ [إبراهيم:1]، من هو العزيز؟ أليس الله؟ الْحَمِيدِ [إبراهيم:1]، من هو المحمود؟ أليس الله؟

فإن قال لك قائل: ما هذا الصراط؟ فقل له: إنه الإسلام، من سلك هذا الطريق نجا من عذاب النار، وفاز بدخول الجنة دار الأبرار، وقد أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى هذا الطريق في سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ألا وهو الإسلام، فالإسلام دين الله الحق، لا يقبل الله ديناً سواه.

وقوله تعالى: اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [إبراهيم:2]، هو الذي يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم، المالك لكل الخلق، لكل المملوكات، ما في السماوات السبع وما في الأرض كل ذلك يملكه، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، فهيا بنا -إذاً- نقرع بابه ونلازم القرع والنداء: يا رب.. يا رب.. يا رب اهدنا صراطك المستقيم ليلاً نهاراً، فسيهدينا، حاشاه أن تطلب منه في صدق وتلح في الطلب ويخيبك، ومعنى هذا: أن نفتقر إلى الدعاء دائماً وأبداً: اللهم اهدنا صراطك المستقيم.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4608 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4014 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3695 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3616 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3549 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3509 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3466 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3367 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3235 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3167 استماع