تفسير سورة النحل (7)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ * وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ * إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:35-40].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! علمتم أن السورة مكية وأنها تعالج العقيدة، وفي هذه الآيات يخبر تعالى بما يلي: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]، بهذا واجهوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]؛ فلعظيم قدرته كان سيمنعنا، وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35] مما حرمناه، لكن ما شاء الله ذلك، ولو كانوا صادقين في هذا القول لكانوا مؤمنين بالله عز وجل، لكنهم كاذبون، يريدون فقط أن يغطوا ضلالهم ويستروا شركهم وباطلهم.

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [النحل:35] بالله عز وجل أصناماً فعبدوها معه، كاللات والعزى ومناة وهبل، قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا [النحل:35] الأولون وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]؛ لأنهم حرموا أنواعاً من الأنعام، كما جاء في سورة المائدة، في قول الله تعالى: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:103]، فهذه حرموها وجعلوها لآلهتهم فقط، وحين يرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبين خطأهم وشركهم وباطلهم يحتجون بقولهم: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35] نحن ولا آباؤنا.

معنى قوله تعالى: (كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين)

قال تعالى بعد هذا: و كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35]، أي: أن هذه الشنشنة أو الدندنة سبقت، فكل أمة يبعث الله فيها رسوله ليدعوهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده والانتظام في سلك الشرع الإلهي يحتجون بهذه الحجج ويقولون هذا القول، فهم ما يريدون أن يعدلوا عن باطلهم وشركهم وخرافاتهم، فكيف يصنعون؟ يدفعون الحق بالقول والسلاح أيضاً.

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]، قال تعالى: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35]، ليس العرب فقط، بل عاد قبلهم وثمود ومدين و.. أمم كثيرة، حين ترفض دعوة الحق ولا تقبلها تحتج باحتجاجات باطلة، وادعاءات لا قيمة لها.

قال تعالى: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35]، الرسول يبلغ يقول: عباد الله! عبادتكم هذه باطلة؛ لأنها لغير خالقكم ورازقكم، هذه عبادة للأهواء والشياطين فاتركوها، عباد الله! ما حرمتموه ليس بحرام عليكم، لا تحرموا ما أحل الله لكم. هذا الذي على الرسل، أما أنهم يملكون القلوب ويصرفونها ويحولونها إلى التوحيد فلا، وليس لهم قوة وقدرة أيضاً بالسلاح والسيف، فالرسول لا يطالب يوم القيامة إلا بالبلاغ، فإن بلغ سلم ونجا، وحاشاهم أن يفرطوا، والله لقد بلغوا.

فلما واجهوا الرسول هذه المواجهة، وهذا الادعاء للعلم والمعرفة، كان لا بد أن يتألم، فسلاه الله وخفف من ألم نفسه، وقال: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35]، لا تكرب ولا تحزن ولا تبال بما يقولون، وهكذا الرسل كلهم عليهم السلام يواجهون هذه المواقف.

قال تعالى بعد هذا: و كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35]، أي: أن هذه الشنشنة أو الدندنة سبقت، فكل أمة يبعث الله فيها رسوله ليدعوهم إلى التوحيد وعبادة الله وحده والانتظام في سلك الشرع الإلهي يحتجون بهذه الحجج ويقولون هذا القول، فهم ما يريدون أن يعدلوا عن باطلهم وشركهم وخرافاتهم، فكيف يصنعون؟ يدفعون الحق بالقول والسلاح أيضاً.

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35]، قال تعالى: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35]، ليس العرب فقط، بل عاد قبلهم وثمود ومدين و.. أمم كثيرة، حين ترفض دعوة الحق ولا تقبلها تحتج باحتجاجات باطلة، وادعاءات لا قيمة لها.

قال تعالى: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35]، الرسول يبلغ يقول: عباد الله! عبادتكم هذه باطلة؛ لأنها لغير خالقكم ورازقكم، هذه عبادة للأهواء والشياطين فاتركوها، عباد الله! ما حرمتموه ليس بحرام عليكم، لا تحرموا ما أحل الله لكم. هذا الذي على الرسل، أما أنهم يملكون القلوب ويصرفونها ويحولونها إلى التوحيد فلا، وليس لهم قوة وقدرة أيضاً بالسلاح والسيف، فالرسول لا يطالب يوم القيامة إلا بالبلاغ، فإن بلغ سلم ونجا، وحاشاهم أن يفرطوا، والله لقد بلغوا.

فلما واجهوا الرسول هذه المواجهة، وهذا الادعاء للعلم والمعرفة، كان لا بد أن يتألم، فسلاه الله وخفف من ألم نفسه، وقال: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35]، لا تكرب ولا تحزن ولا تبال بما يقولون، وهكذا الرسل كلهم عليهم السلام يواجهون هذه المواقف.

ثم قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل:36]، ما من أمة من الأمم وجدت على سطح الأرض إلا وبعث الله فيها رسولاً يدعوها إلى أن تسعد وتكمل في الحياتين؛ وذلك بأن تعبد الله عبادة شرعية تزكي نفوسها وتهذب أخلاقها وتصلح حالها، وتهيئها للسعادة في الدنيا والآخرة؛ لأنه رءوف رحيم، وهؤلاء عبيده ظلوا فبعث إليهم من ينقذهم، من يهديهم إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم، هذه سنة الله في خلقه.

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل:36]، والرسول: نبي أرسله الله إلى قوم برسالة يحملها، ما مضمون هذه الرسالة، بم يرسلهم؟ بكلمة: اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، يا قوم اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، اعبدوا الله وحده ولا تعبدوا معه غيره، واجتنبوا ما يدعو إليه الضُلال من الأباطيل والترهات والكذب وما إلى ذلك، إذ الطاغوت الأصل فيه هو إبليس، ما هناك أكثر طغياناً من إبليس، وكل ما عبد من دون الله فهو طاغوت.

إذاً: (اجتنبوا الطاغوت) أي: الشيطان وما يزين لكم ويحسن من عبادة الباطل وارتكاب المحرمات والمنهيات، هكذا يخبر تعالى ويقول: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل:36] مهمته ورسالته: أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، أي: اجتنبوا عبادة غير الله، اعبدوا الله وحده، واتركوا عبادة غيره، سواء كان المعبود ملائكة كما كان بعض الناس يعبدون الملائكة، أو كان كوكبًا من الكواكب، فالشعرى كانت تعبد باليمن، أو ولية من أولياء الله وصالحة من صالحي عباده، وعيسى وأمه يعبدان إلى الآن.

معنى قوله تعالى: (فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة)

قال تعالى مخبراً: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]، ما من أمة من الأمم البشرية على سطح الأرض إلا وبعث الله فيها رسولاً يدعوها إلى أن تعبد الله وحده من أجل أن تسعد وتكمل، وهذه العبادة ما الله في حاجة إليها أبداً، فهو خالق الكون كله، ولكن من أجل أن تطهر نفوسهم ويسعدوا ويكملوا في الدنيا والآخرة.

سبق علم الله تعالى بعباده وتقديره الهداية والضلال عليهم

قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]، هذه إشارة إلى كتاب المقادير، إلى القضاء والقدر، وقد ضربت لكم مثلاً: بالمهندس المعماري الذي يجلس على كرسيه ويضع طاولة بين يديه، ثم يأتيه عثمان أو فلان فيقول: من فضلك ارسم لي خريطة حديقة أو قصر من القصور أو فِلّة أو عمارة، فيرسمها بكاملها: النوافذ، الأبواب، أنواع الأبواب، يرسمها بكاملها على ورقة، ثم يعطيها لذي القدرة، فينشئها كما رسمها على ذلك الورق، فالله جل جلاله وعظم سلطانه أول ما خلق خلق القلم، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، قال: ماذا أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى يوم الدين )، فكتب بعلم الله عز وجل، مثلاً: أبو طالب لما كتب الله شقاوته كان قد علم أن هذا الرجل حين تبلغه دعوة الحق يرفضها ويقاومها، وتعرض عليه بأساليب عجيبة فيرفض، إذاً: فاكتبوه شقياً لا يهتدي، فيكتب شقياً لا يهتدي، وأما عمر فقد علم الله أنه سيقبل دعوة الحق ويستجيب لها ويعبد الله ويطيعه، فكتب ذلك له في كتاب المقادير، فمن كتب الله ضلالته في ذلك الكتاب؛ فإنما ذلك لعلمه أنه يرفض الهدى ويحارب أهله ولا يقبله أبداً، فيقول الله: اكتب هكذا يا قلم. فيكتب، فحين يأتي الزمان ويوجد ذاك الرجل ويعرض عليه الدين بشتى الأساليب يرفضه؛ لأن كلمة العذاب حقت عليه.

تأملوا -يفتح الله عليكم-: كتب الله في كتاب المقادير كل ما هو كائن، حتى حركة يدي هذه -والله- مكتوبة، ولا تعجبوا؛ فقد كان الأولون يؤمنون بهذا ويقولون: آمنا بالله وبما أخبر به الله ورسوله، ولم يروا شيئاً مما رأينا، ونحن الآن نشاهد هذه الأشرطة تحفظ قناطير الكتب، إذاً: قولوا آمنا بالله.

فالذين علم الله أنهم سيؤمنون ويطيعون كتب سعادتهم وطاعتهم، وما إن يخرجوا إلى الدنيا حتى يهديهم فيقبلوا الدعوة ويمشوا وراءها ليدخلوا الجنة، والذين علم الله أنهم لا يستجيبون للحق ولا يعبدون الله، بل يحاربون دعوة الله ويكفرون بالله كتب شقاوتهم وضلالهم، فحين يخرجون إلى الدنيا ما يستجيبون لعيسى ولا لموسى ولا لمحمد، ويصرون، أما أصر أبو جهل ؟ وعشرات من أمثاله مع معرفتهم؟ أصروا؛ لأن الله كتب شقاوتهم فلم يهتدوا.

وعليه فقول ربنا جل وعز: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ [النحل:36]، أي: المبعوث فيهم، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36] والعياذ بالله. من هم الذين هداهم الله؟ الذين كتب الله هدايتهم؛ لأنه علم أنهم يجيبون الدعوة ويستجيبون للحق، وأمّا الذين حقت عليهم الضلالة فإنهم لا يستجيبون؛ لأن الله قد كتب ضلالهم، وقد عرض الله على الناس قبل أن يكونوا أن يقروا بربوبيته، كما أخبر بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأعراف:172]، أي أنه: مسح ظهر آدم مسحاً، فاستخرج منه ذريته كلها، وأنتم تعرفون الآن الحيوان المنوي يكون منه في النطفة كذا مليونًا وهي لا تملأ فنجانًا، مسحها واستنطقها فنطقت، وأشهدها على أنفسها فشهدت، فمن ثم من علم الله أنه يتمرد ويطغى ويفجر ويكفر كتب ذلك عليه، وهذا حقت عليه الضلالة، ومن علم أنه يستجيب ويلين ويقبل الحق كتب ذلك، فإذا خرج إلى الدنيا استجاب.

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، هذه هي الرسالة، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]، عرفنا كيف هدى الله وكيف حقت الضلالة؛ لأنه نظر إلى الروح، إلى ذلك المخلوق قبل أن يكون، فعلم أنه شقي، ونظر ورأى آخر فعلم أنه سعيد، فكتب شقاوة هذا وسعادة هذا.

هذه القضية قضية صعبة، ينبغي لإخواننا أن يتفهموها، وأعيد المثال: يا سامعي الكرام! أسألكم بالله: أما تعرفون المهندس كيف يرسم فِلّة أو قصرًا أو حديقة أو مدينة أو قرية كاملة في ورقة؟ فإذا كانت له قدرة على الإيجاد يوجدها كما هي؛ فكذلكم الله عز وجل -وله المثل الأعلى- كتب في (كتاب المقادير): الأشقياء والسعداء، الهداة والضلال، فيتحقق ذلك كما هو مكتوب، وهذا هو الإيمان بالقضاء والقدر.

قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل:36] بماذا بعثه؟ أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، الطاغوت: من الطغيان،وهو العلو والارتفاع، إبليس تكبر وقال: لا أسجد لآدم، خلقتني من نار وخلقته من طين، كل من تكبر طغى، فكل من عبد من دون الله فهو طاغ إذا رضي بذلك.

فَمِنْهُمْ [النحل:36] أي: من الخلق مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36].

معنى قوله تعالى: (فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)

ثم قال تعالى: (( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))[النحل:36]، يا معشر المشركين، يا طغاة يا كفرة! سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين، اهبطوا إلى الجنوب لتشاهدوا ديار عاد، اصعدوا إلى الشمال لتشاهدوا ديار ثمود، غربوا تجدوا مدين وقرى قوم لوط وفرعون كيف كانت حالهم، أأهلكهم أم لا؟ فإذا ما زلتم مصرين على الشرك والكفر والضلال -والعياذ بالله تعالى- (( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))[النحل:36]، الذين كذبوا كما كذبتم أنتم. هل عاد كذبت هوداً أم لا؟ كذبته وحاربته، وثمود كذبت صالحاً أم لا؟ ومدين أما كذبت شعيبًا؟ ولوط عليه السلام أما كذبه قومه؟ وفرعون أما كذب موسى وهارون؟ فإن كانت لكم عقول فإنكم تستطيعون أن تنقذوا أنفسكم من الدمار والهلاك في الدنيا قبل الآخرة، هكذا يقول تعالى لأهل مكة: (( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))[النحل:36]، وأنتم مكذبون، هذا رسولنا بين أيديكم، وهذا كلامنا ينزل عليكم وأنتم تنكرون وتكذبون، فانظروا كيف كانت العاقبة لأمثالكم.

قال تعالى مخبراً: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]، ما من أمة من الأمم البشرية على سطح الأرض إلا وبعث الله فيها رسولاً يدعوها إلى أن تعبد الله وحده من أجل أن تسعد وتكمل، وهذه العبادة ما الله في حاجة إليها أبداً، فهو خالق الكون كله، ولكن من أجل أن تطهر نفوسهم ويسعدوا ويكملوا في الدنيا والآخرة.

قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]، هذه إشارة إلى كتاب المقادير، إلى القضاء والقدر، وقد ضربت لكم مثلاً: بالمهندس المعماري الذي يجلس على كرسيه ويضع طاولة بين يديه، ثم يأتيه عثمان أو فلان فيقول: من فضلك ارسم لي خريطة حديقة أو قصر من القصور أو فِلّة أو عمارة، فيرسمها بكاملها: النوافذ، الأبواب، أنواع الأبواب، يرسمها بكاملها على ورقة، ثم يعطيها لذي القدرة، فينشئها كما رسمها على ذلك الورق، فالله جل جلاله وعظم سلطانه أول ما خلق خلق القلم، أخبر بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، قال: ماذا أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى يوم الدين )، فكتب بعلم الله عز وجل، مثلاً: أبو طالب لما كتب الله شقاوته كان قد علم أن هذا الرجل حين تبلغه دعوة الحق يرفضها ويقاومها، وتعرض عليه بأساليب عجيبة فيرفض، إذاً: فاكتبوه شقياً لا يهتدي، فيكتب شقياً لا يهتدي، وأما عمر فقد علم الله أنه سيقبل دعوة الحق ويستجيب لها ويعبد الله ويطيعه، فكتب ذلك له في كتاب المقادير، فمن كتب الله ضلالته في ذلك الكتاب؛ فإنما ذلك لعلمه أنه يرفض الهدى ويحارب أهله ولا يقبله أبداً، فيقول الله: اكتب هكذا يا قلم. فيكتب، فحين يأتي الزمان ويوجد ذاك الرجل ويعرض عليه الدين بشتى الأساليب يرفضه؛ لأن كلمة العذاب حقت عليه.

تأملوا -يفتح الله عليكم-: كتب الله في كتاب المقادير كل ما هو كائن، حتى حركة يدي هذه -والله- مكتوبة، ولا تعجبوا؛ فقد كان الأولون يؤمنون بهذا ويقولون: آمنا بالله وبما أخبر به الله ورسوله، ولم يروا شيئاً مما رأينا، ونحن الآن نشاهد هذه الأشرطة تحفظ قناطير الكتب، إذاً: قولوا آمنا بالله.

فالذين علم الله أنهم سيؤمنون ويطيعون كتب سعادتهم وطاعتهم، وما إن يخرجوا إلى الدنيا حتى يهديهم فيقبلوا الدعوة ويمشوا وراءها ليدخلوا الجنة، والذين علم الله أنهم لا يستجيبون للحق ولا يعبدون الله، بل يحاربون دعوة الله ويكفرون بالله كتب شقاوتهم وضلالهم، فحين يخرجون إلى الدنيا ما يستجيبون لعيسى ولا لموسى ولا لمحمد، ويصرون، أما أصر أبو جهل ؟ وعشرات من أمثاله مع معرفتهم؟ أصروا؛ لأن الله كتب شقاوتهم فلم يهتدوا.

وعليه فقول ربنا جل وعز: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ [النحل:36]، أي: المبعوث فيهم، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36] والعياذ بالله. من هم الذين هداهم الله؟ الذين كتب الله هدايتهم؛ لأنه علم أنهم يجيبون الدعوة ويستجيبون للحق، وأمّا الذين حقت عليهم الضلالة فإنهم لا يستجيبون؛ لأن الله قد كتب ضلالهم، وقد عرض الله على الناس قبل أن يكونوا أن يقروا بربوبيته، كما أخبر بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأعراف:172]، أي أنه: مسح ظهر آدم مسحاً، فاستخرج منه ذريته كلها، وأنتم تعرفون الآن الحيوان المنوي يكون منه في النطفة كذا مليونًا وهي لا تملأ فنجانًا، مسحها واستنطقها فنطقت، وأشهدها على أنفسها فشهدت، فمن ثم من علم الله أنه يتمرد ويطغى ويفجر ويكفر كتب ذلك عليه، وهذا حقت عليه الضلالة، ومن علم أنه يستجيب ويلين ويقبل الحق كتب ذلك، فإذا خرج إلى الدنيا استجاب.

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، هذه هي الرسالة، فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36]، عرفنا كيف هدى الله وكيف حقت الضلالة؛ لأنه نظر إلى الروح، إلى ذلك المخلوق قبل أن يكون، فعلم أنه شقي، ونظر ورأى آخر فعلم أنه سعيد، فكتب شقاوة هذا وسعادة هذا.

هذه القضية قضية صعبة، ينبغي لإخواننا أن يتفهموها، وأعيد المثال: يا سامعي الكرام! أسألكم بالله: أما تعرفون المهندس كيف يرسم فِلّة أو قصرًا أو حديقة أو مدينة أو قرية كاملة في ورقة؟ فإذا كانت له قدرة على الإيجاد يوجدها كما هي؛ فكذلكم الله عز وجل -وله المثل الأعلى- كتب في (كتاب المقادير): الأشقياء والسعداء، الهداة والضلال، فيتحقق ذلك كما هو مكتوب، وهذا هو الإيمان بالقضاء والقدر.

قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل:36] بماذا بعثه؟ أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، الطاغوت: من الطغيان،وهو العلو والارتفاع، إبليس تكبر وقال: لا أسجد لآدم، خلقتني من نار وخلقته من طين، كل من تكبر طغى، فكل من عبد من دون الله فهو طاغ إذا رضي بذلك.

فَمِنْهُمْ [النحل:36] أي: من الخلق مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36].

ثم قال تعالى: (( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))[النحل:36]، يا معشر المشركين، يا طغاة يا كفرة! سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين، اهبطوا إلى الجنوب لتشاهدوا ديار عاد، اصعدوا إلى الشمال لتشاهدوا ديار ثمود، غربوا تجدوا مدين وقرى قوم لوط وفرعون كيف كانت حالهم، أأهلكهم أم لا؟ فإذا ما زلتم مصرين على الشرك والكفر والضلال -والعياذ بالله تعالى- (( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))[النحل:36]، الذين كذبوا كما كذبتم أنتم. هل عاد كذبت هوداً أم لا؟ كذبته وحاربته، وثمود كذبت صالحاً أم لا؟ ومدين أما كذبت شعيبًا؟ ولوط عليه السلام أما كذبه قومه؟ وفرعون أما كذب موسى وهارون؟ فإن كانت لكم عقول فإنكم تستطيعون أن تنقذوا أنفسكم من الدمار والهلاك في الدنيا قبل الآخرة، هكذا يقول تعالى لأهل مكة: (( فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ))[النحل:36]، وأنتم مكذبون، هذا رسولنا بين أيديكم، وهذا كلامنا ينزل عليكم وأنتم تنكرون وتكذبون، فانظروا كيف كانت العاقبة لأمثالكم.

ثم قال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37] قراءة سبعية، إن تحرص على هداهم فتبذل جهدك وطاقتك الليل والنهار وتمشي إلى الأسواق؛ فاعلم أن من أضله الله لا يهتدي، فخفف عن نفسك ولا تألم ولا تكرب. هذه رحمة الله برسوله، وهي رحمته بكل من دعا إلى الله وثبت في وجه الطغاة والجبابرة: إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ [النحل:37] يا محمد فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37]، من أضله الله لا يهديه، كيف كتب ضلالته وبعدها ينقض ذلك؟ حاشا وكلا، أيكتب ضلاله في كتاب المقادير ويهديه في الدنيا؟ والله ما كان.

وفي قراءة: (إن الله لا يُهدَى من يُضل)، فالذي أضله الله لا يستطيع كائن أن يهديه، لا رسول ولا نبي ولا ولي أبداً، ولا حتى بالمدفع، وهذا فيه تخفيف عن رسول الله ألم نفسه، إنكم ما عرفتم ألم الإعراض، جرب فقط في قريتك، حاول أن تدعوهم إلى الله واصبر، فإنك ستسمع من الكلام ما لا يطاق، فكيف بمن يواجه البشرية كلها؟

إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ [النحل:37] أي: على هدايتهم، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37]، (لا يُهدى من يضل)، وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [النحل:37]، اتركهم في ضلالهم فليس لهم من ناصر، وسوف ينزل بهم العذاب والعقوبة الإلهية.

هل نُصر أحد من قوم عاد أو ثمود أو قوم شعيب أو قوم موسى؟ ما نُصر أحد، من ينصرهم؟ إذا جاءت الساعة وآن أوان الدمار والخراب فهل هناك من ينصر؟

فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ [النحل:37] أي: الضالين وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [النحل:37] ينصرونهم إذا وجب العذاب وحانت ساعته.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4587 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4008 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3687 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3609 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3542 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3503 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3462 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3360 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3227 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3158 استماع