خطب ومحاضرات
أثر التربية على الشباب المسلم
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وحبيبه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في هذه المحاضرة سيكون الحديث إن شاء الله تعالى عن قضية مهمة لنا جميعاً ألا وهي الحديث عن دور الإسلام في تربية الفرد وبنائه بناءً صحيحاً.
إن العنصر الذي تقام عليه المبادئ والعقائد وتنشأ عليه الأمم والحضارات هو الفرد، فإذا استطاعت أمة من الأمم أن تبني أفرادها بناءً قوياً متكاملاً صحيحاً؛ فمعنى ذلك أنها استطاعت بإذن الله أن تحقق لنفسها مستقبلاً زاهراً، وأن تحقق للدين والعقيدة التي تدين بها نصراً ونجاحاً كبيرين، وإذا فشلت أمة من الأمم في بناء أفرادها وتكوينهم أو ركزت هذه الأمة أفرادها على لونٍ معين من نشاطات الحياة؛ فمعنى ذلك أن هذه الأمة حكمت على نفسها بالفناء والدمار.
إن دولة الإسلام الأولى التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما قامت إلا على أكتاف الرجال الأشداء الأقوياء من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم من أصحابه؛ وخاصةً قدماؤهم وأكابرهم ومشاهيرهم الذين تولوا أمور الدولة كـأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من الصحابة أجمعين، ولو نظرنا إلى أمة من الأمم ملكت مثل هذا التاريخ -مثلاً- فصارت تتغنى بأمجاد الماضي وأنه كان لها في التاريخ نصرٌ وعزٌ وتمكين، وأن فيها فلاناً وفلاناً، أو نظرنا إلى أمة من الأمم ملكت الثروة والمال والجاه بأي صورة كان، أو نظرنا إلى أمة من الأمم ملكت العدد والعدة فصار أفرادها يعدون بالملايين بل بمئات الملايين بل بآلاف الملايين مثلاً.
لو نظرنا إلى هذه الأمة أو تلك لوجدنا أنها لا يمكن أن تقوم قياماً صحيحاً إلا بتربية الفرد الصالح الذي يبدي استعداده للتضحية في سبيل هذا المبدأ أو العقيدة التي يدين بها أو في سبيل هذه الأمة التي ينتمي إليها.
وهذه القضية وهي: قضية أهمية الفرد في بناء الأمم وتكوين الحضارات، كانت تشغل بال المصلحين والغيورين على الدين منذ أول عهد الإسلام.
أمنية عمر
وإنها أمنية طيبة ولا شك لكنها لم تكن هي الأمر الذي يشغل بال عمر رضي الله عنه، فقد كان يشغل بال عمر أمرٌ أغلى من الذهب فأعاد الكلمة مرة أخرى: تمنوا، فقال آخر أنا أتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت جوهراً وزبرجداً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به.
وهذه أمنية أيضاً تشبه السابقة، لكنها لم تكن هي الأمر الذي يشغل بال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لهم مرة ثالثة: تمنوا، فقالوا: والله ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال: أما أنا فأتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان، وهذا الخبر صحيح رواه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة وغيره.
إذاً فـعمر رضي الله عنه وأرضاه لا يشغل باله المال -مثلاً- أو الذهب أو الفضة التي ينفقها في سبيل الله، بل يشغل باله أمرٌ أخطر من هذا: ألا وهو بناء الفرد الصالح المؤمن إيماناً حقيقياً في عقيدته يستطيع أن يوفر المال والذهب والفضة ولو من قُوتِه، وهذا هو الذي وقع فعلاً وهو ما تشهد به أحداث التاريخ.
وهؤلاء الرجال هم الذين تقوم عليهم الدعوات وتعتمد عليهم الأمم بعد الله عز وجل إذا رزقوا الصبر والثبات على مبدئهم وعقيدتهم؛ حققوا من جليل الأعمال ما يشبه المعجزات ولكن لا بد لهم أن يتمتعوا بالصبر والثبات على مبدئهم، لأنهم هم قوام الحياة فإذا صلحوا صلحت بهم الحياة، لكن إذا انحرفوا أو فسدوا أو مالوا إلى الدنيا أو تأثروا بالمغريات من حولهم، فمعنى ذلك أن الأرض التي تصلح بصلاحهم قد فسدت بفسادهم.
نصيحة عيسى عليه السلام
بمعنى آخر أنه لم يأخذ منهم أجراً مادياً دنيوياً، وهذا شأن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] وكان كل نبيٍ يقول لقومه: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [هود:29] فعيسى عليه السلام لم يأخذ من الحواريين أجراً وهو يعلمهم الإسلام، فيقول لهم: حين تعلمون الناس الإسلام لا تأخذوا منهم أجراً إلا مثل الأجر الذي أخذت منكم، بمعنى: إنني لم آخذ منكم أجراً حين علمتكم، فكذلك أنتم لا تأخذوا من الناس أجراً حين تعلمونهم، ثم يقول بلهف: ويا ملح الأرض لا تفسدوا -يخاطب الحواريين، والحواريون هم -كما تعلمون- خاصة عيسى عليه السلام وبطانته ومقربوه؛ وهم الذين قاموا بالدعوة وبعثهم إلى أنحاء الأرض ينشرون الدين فيه، فهم الفئة القليلة الذين ينهون عن الفساد في الأرض، فهو يقول لهم: ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيءٍ إذا فسد فصلاحه بالملح، فإذا فسد الملح لا يصلحه شيء، ثم يقول لهم: واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل: الخصلة الأولى: هي الضحك بغير سبب، والخصلة الثانية هي: الصبحة من غير سهر.
ما هي الصبحة؟ هي ما نسميه نحن بالسفرة، وهو النوم بعد صلاة الفجر، فهذه الكلمة من عيسى عليه الصلاة والسلام يهمنا منها قوله: ويا ملح الأرض لا تفسدوا وقد نظم هذا بعض السلف بقوله:
sh= 9901340>يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يجلس في مجلس مع بعض الصحابة فيقول لهم: تمنوا، فقال أحدهم: أنا أتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت ذهباً أنفقه في سبيل الله.
وإنها أمنية طيبة ولا شك لكنها لم تكن هي الأمر الذي يشغل بال عمر رضي الله عنه، فقد كان يشغل بال عمر أمرٌ أغلى من الذهب فأعاد الكلمة مرة أخرى: تمنوا، فقال آخر أنا أتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت جوهراً وزبرجداً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به.
وهذه أمنية أيضاً تشبه السابقة، لكنها لم تكن هي الأمر الذي يشغل بال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال لهم مرة ثالثة: تمنوا، فقالوا: والله ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال: أما أنا فأتمنى أن يكون لي ملء هذا البيت رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وحذيفة بن اليمان، وهذا الخبر صحيح رواه الإمام أحمد في كتاب فضائل الصحابة وغيره.
إذاً فـعمر رضي الله عنه وأرضاه لا يشغل باله المال -مثلاً- أو الذهب أو الفضة التي ينفقها في سبيل الله، بل يشغل باله أمرٌ أخطر من هذا: ألا وهو بناء الفرد الصالح المؤمن إيماناً حقيقياً في عقيدته يستطيع أن يوفر المال والذهب والفضة ولو من قُوتِه، وهذا هو الذي وقع فعلاً وهو ما تشهد به أحداث التاريخ.
وهؤلاء الرجال هم الذين تقوم عليهم الدعوات وتعتمد عليهم الأمم بعد الله عز وجل إذا رزقوا الصبر والثبات على مبدئهم وعقيدتهم؛ حققوا من جليل الأعمال ما يشبه المعجزات ولكن لا بد لهم أن يتمتعوا بالصبر والثبات على مبدئهم، لأنهم هم قوام الحياة فإذا صلحوا صلحت بهم الحياة، لكن إذا انحرفوا أو فسدوا أو مالوا إلى الدنيا أو تأثروا بالمغريات من حولهم، فمعنى ذلك أن الأرض التي تصلح بصلاحهم قد فسدت بفسادهم.
روى الإمام عبدالله بن المبارك رضي الله عنه وأرضاه في كتاب الزهد أن عيسى عليه الصلاة والسلام قال للحواريين: لا تأخذوا ممن تعلمونهم أجراً إلا مثل الذي أخذت منكم، فما هو الأجر الذي أخذه عيسى من الحواريين حين علمهم الإسلام؟!
بمعنى آخر أنه لم يأخذ منهم أجراً مادياً دنيوياً، وهذا شأن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى:23] وكان كل نبيٍ يقول لقومه: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [هود:29] فعيسى عليه السلام لم يأخذ من الحواريين أجراً وهو يعلمهم الإسلام، فيقول لهم: حين تعلمون الناس الإسلام لا تأخذوا منهم أجراً إلا مثل الأجر الذي أخذت منكم، بمعنى: إنني لم آخذ منكم أجراً حين علمتكم، فكذلك أنتم لا تأخذوا من الناس أجراً حين تعلمونهم، ثم يقول بلهف: ويا ملح الأرض لا تفسدوا -يخاطب الحواريين، والحواريون هم -كما تعلمون- خاصة عيسى عليه السلام وبطانته ومقربوه؛ وهم الذين قاموا بالدعوة وبعثهم إلى أنحاء الأرض ينشرون الدين فيه، فهم الفئة القليلة الذين ينهون عن الفساد في الأرض، فهو يقول لهم: ويا ملح الأرض لا تفسدوا فإن كل شيءٍ إذا فسد فصلاحه بالملح، فإذا فسد الملح لا يصلحه شيء، ثم يقول لهم: واعلموا أن فيكم خصلتين من الجهل: الخصلة الأولى: هي الضحك بغير سبب، والخصلة الثانية هي: الصبحة من غير سهر.
ما هي الصبحة؟ هي ما نسميه نحن بالسفرة، وهو النوم بعد صلاة الفجر، فهذه الكلمة من عيسى عليه الصلاة والسلام يهمنا منها قوله: ويا ملح الأرض لا تفسدوا وقد نظم هذا بعض السلف بقوله:
sh= 9901340>يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد
فهؤلاء الرجال الأفراد الأفذاذ الذين تقوم عليهم الأمم والحضارات والدعوات يحتاجون إلى أن يبنوا بناءً قوياً صحيحاً متكاملاً، ثم يحتاجون بعد ذلك إلى أن يتمتعوا بالصبر والثبات على مبادئهم، فلا تجرهم المغريات والشهوات والمطامع فتثنيهم عن مقاصدهم الحقيقية، وهؤلاء الرجال الذين تحتاجهم الدعوة إلى الإسلام لا بد أن يكونوا متميزين بخصائص فطرية جبلوا عليها تناسب المهمة التي خلقوا من أجلها.
فلو نظرنا مثلاً إلى أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وتساءلنا لم كانت دعوة الإسلام في الجزيرة العربية؟ ولم تكن في أرض فارس أو الروم أو بين النصارى واليهود لوجدنا أن الله عز وجل اختار هذه الجزيرة وهو على علمٍ سبحانه بخصائص أهلها، وأن العرب على ما كانوا عليه من الانحراف والفساد إلا أن صحراءهم المترامية الأطراف كانت تمنع وصول كثيرٍ من المفاسد والمراذل إليهم، ومعيشتهم المعيشة البدوية الصحراوية كانت تمنع تأثرهم بالمذاهب الفلسفية المنحرفة التي كانت تسيطر على الناس في ذلك الوقت، فكانوا يتمتعون بالشجاعة مثلاً والكرم والقوة والنجدة والصراحة، ولذلك لما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قول: لا إله إلا الله، كان بإمكان بعضهم أن يقولوها نفاقاً مثلاً أو مجاملة أو محاولة للتقريب بينهم وبينه عليه الصلاة والسلام، ولكن لأنهم أناسٌ صرحاء، الغالب على أحوالهم الوضوح والصدق والصراحة والبعد عن أساليب الالتواء واللف والدوران، لم يقبلوا هذه الكلمة وردوها صراحة وقالوا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5].
فالعرب كانوا يتمتعون بخصائص فطرية جيدة بالقياس إلى ما كان يوجد في الأمم الأخرى في عصرهم، ومع هذه الخصائص الفطرية التي لا بد أن توجد في كل من يدعو إلى الإسلام ويقوم بشأنه، فإن هناك ثلاث قضايا لا بد من التركيز عليها في بناء هؤلاء القوم ودعوتهم حتى تتحول خصائصهم هذه إلى خصائص تخدم الدعوة الإسلامية.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5155 استماع |
حديث الهجرة | 5026 استماع |
تلك الرسل | 4157 استماع |
الصومال الجريح | 4148 استماع |
مصير المترفين | 4126 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4054 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3979 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3932 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3874 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3836 استماع |