تفسير سورة النحل (27)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:125-128].

اللهم اجعلنا منهم.

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة، والآيات القرآنية تترى في نزولها عليه، وهذه الآية من آخر ما نزل في مكة من سورة النحل، وهي قوله جل وعز: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

توجيه رباني وتعليم إلهي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله له: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125].

معنى قوله تعالى: (سبيل ربك)

هل تعرفون سبيل الله ما هو؟ إنه الإسلام، الطريق الموصل إلى رضا الله والنزول بجواره في الملكوت الأعلى، ذلكم هو سبيل الله، الطريق الموصل إلى الله هو السبيل.

ما الذي يصل بنا إلى الله؟ الإيمان والأعمال الصالحة بعد البعد عن الشرك والمعاصي.

ادع الناس إلى أن يعبدوا الله وحده، فيمتثلوا أمره ويجتنبوا نهيه، فتزكو نفوسهم وتطيب أرواحهم ويصبحون أهلاً لولاية الله وكرامته.

ادْعُ [النحل:125] يا رسولنا إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125] أي: ادع الناس عربهم وعجمهم، ادع أهل مكة وغير أهل مكة إذ هذه وظيفتك.

معنى قوله تعالى: (بالحكمة والموعظة الحسنة)

قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125] ولكن بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] الحكمة: القرآن، والموعظة الحسنة: ما في القرآن من مواعظ وعبر، إذ القرآن مملوء بالقصص والأحداث والعظات والعبر.

يعني: ادع إلى سبيل الله بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وكل داع بعده إلى اليوم إذا دعا الناس إلى سبيل الله يدعوهم بالكتاب والسنة.

الحكمة: القرآن، والموعظة الحسنة: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أوحيت إليه كما أوحي إليه القرآن، إذ قال: ( لقد أوتيت القرآن ومثله معه ) ولكن القرآن فيه من العظات والعبر وأنواع الهداية ما لا يحصى، فطلب إليه أن يدعو إلى سبيل الله الناس لكن بالكتاب والسنة بالحكمة والموعظة الحسنة.

معنى قوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن)

وقوله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] الجدال: المخاصمة.

والرسول -وكل داع- يتعرض للجدال والخصومة مع من يدعوهم، ففي هذه الحال يا رسول الله! جادلهم، وخاصمهم بالتي هي أحسن، فلا سب ولا شتم ولا تعيير ولا تقبيح ولكن بالكلم الطيب.

وهذا هو سبيل رسول الله في دعوته، ما كان يسب ولا يشتم ولا يقبح ولا يعير، فلا يقول: يا أعمى، ولا: يا أعرج، ولا: يا كذا أبداً.

وهداته من دعاة العلماء هذا سبيلهم، يجادلون بالتي هي أحسن، لا يقبحون ولا يعيرون ولا يسبون ولا يشتمون ولكن بالكلمة الطيبة يبينون الحق، فمن هداه الله إليه سلكه، ومن لم يهده الله أضله وأعرض عنه.

هذه تعاليم الله تعالى لرسوله، علمه بها والرسول علم بها أمته، فكل داع إلى الله في قرية أو في جبل.. في سوق أو في متجر ينبغي أن يكون داعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ومن سلك هذا السبيل نجا ونجح معاً، وهو باق لهذه الأمة ما بقيت.

وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] جادل المشركين الذين يعبدون غير الله، جادل المبطلين المجرمين، الكل يجادلون لإبطال الباطل وإحقاق الحق، ولكن استعمالك للموعظة، للمجادلة بالتي هي أحسن هو أنفع؛ لأن الخصم إذا سببته يعرض عنك، وإذا قبّحت له القول وكذا يقول أسوأ ما يقول فتغضب وتنتهي الدعوة. إذاً: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] بالكلمة والعبارة التي هي أحسن من غيرها، لا بالحسنة فقط، بل بالتي هي أحسن.

وقد قلت لكم: ما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم -وقد جاهد ثلاث وعشرين سنة يدعو إلى الله- سب ولا شتم ولا عير ولا قبح أحداً أبداً -وكان يواجه المشركين الكافرين أمثال أبي جهل وعقبة بن أبي معيط- أخذاً بهذه التعاليم الإلهية: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

معنى قوله تعالى: (إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)

ثم قال له تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] هو يتولى الجزاء، أنت لا جزاء لك ولا جزاء عليك، أنت تدعو فقط، أما الجزاء فبيد الله عز وجل إذ هم عبيده وهو سيدهم ومالكهم، فمن ضل يعرف الله ضلاله ويجزيه به، ومن اهتدى فالله أعلم بالمهتدين.

وفي نفس الوقت الآية تشير إلى القضاء والقدر، إن ربك هو أعلم بمن ضل في قضاء الله وقدره، وهو أعلم بالمهتدين كذلك، والمعنى في الوجهين صحيح، والأول هو الظاهر.

لا تكرب ولا تحزن، أنت علم، بلغ، بين بالتي هي أحسن وبعد ذلك اترك الأمر لله فهو أعلم بالضالين وأعلم بالمهتدين وسيجزي الكل بحسب عمله، الضال بضلاله، والمهتدي بهدايته.

هذه الآية الأولى التي نزلت بمكة، والآية التي بعدها نزلت بالمدينة، ولا عجب أن تنزل السورة كلها بمكة وتنزل آية في المدينة ويقول جبريل: ضعوها في المكان الفلاني، فيقول الرسول لكتاب الوحي: اكتبوها عند قوله تعالى كذا وكذا، إذ هي في اللوح المحفوظ كذلك، فتوضع حيث وضعها الله عز وجل.

إذاً: كانت تنزل السورة في مكة وينزل بعضها في المدينة ويأمر جبريل رسول الله بأن يضعها في مكان كذا من السورة الفلانية، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجال الكتابة -وقد كان عنده ثلاثون كاتباً يكتبون- أن يضعوها في المكان الذي أرشده جبريل إليه، أما السور المدنية فما نزل منها في مكة إلا آية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] نزلت في الحج.

هل تعرفون سبيل الله ما هو؟ إنه الإسلام، الطريق الموصل إلى رضا الله والنزول بجواره في الملكوت الأعلى، ذلكم هو سبيل الله، الطريق الموصل إلى الله هو السبيل.

ما الذي يصل بنا إلى الله؟ الإيمان والأعمال الصالحة بعد البعد عن الشرك والمعاصي.

ادع الناس إلى أن يعبدوا الله وحده، فيمتثلوا أمره ويجتنبوا نهيه، فتزكو نفوسهم وتطيب أرواحهم ويصبحون أهلاً لولاية الله وكرامته.

ادْعُ [النحل:125] يا رسولنا إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125] أي: ادع الناس عربهم وعجمهم، ادع أهل مكة وغير أهل مكة إذ هذه وظيفتك.

قوله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل:125] ولكن بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ [النحل:125] الحكمة: القرآن، والموعظة الحسنة: ما في القرآن من مواعظ وعبر، إذ القرآن مملوء بالقصص والأحداث والعظات والعبر.

يعني: ادع إلى سبيل الله بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وكل داع بعده إلى اليوم إذا دعا الناس إلى سبيل الله يدعوهم بالكتاب والسنة.

الحكمة: القرآن، والموعظة الحسنة: سنة الرسول صلى الله عليه وسلم التي أوحيت إليه كما أوحي إليه القرآن، إذ قال: ( لقد أوتيت القرآن ومثله معه ) ولكن القرآن فيه من العظات والعبر وأنواع الهداية ما لا يحصى، فطلب إليه أن يدعو إلى سبيل الله الناس لكن بالكتاب والسنة بالحكمة والموعظة الحسنة.

وقوله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] الجدال: المخاصمة.

والرسول -وكل داع- يتعرض للجدال والخصومة مع من يدعوهم، ففي هذه الحال يا رسول الله! جادلهم، وخاصمهم بالتي هي أحسن، فلا سب ولا شتم ولا تعيير ولا تقبيح ولكن بالكلم الطيب.

وهذا هو سبيل رسول الله في دعوته، ما كان يسب ولا يشتم ولا يقبح ولا يعير، فلا يقول: يا أعمى، ولا: يا أعرج، ولا: يا كذا أبداً.

وهداته من دعاة العلماء هذا سبيلهم، يجادلون بالتي هي أحسن، لا يقبحون ولا يعيرون ولا يسبون ولا يشتمون ولكن بالكلمة الطيبة يبينون الحق، فمن هداه الله إليه سلكه، ومن لم يهده الله أضله وأعرض عنه.

هذه تعاليم الله تعالى لرسوله، علمه بها والرسول علم بها أمته، فكل داع إلى الله في قرية أو في جبل.. في سوق أو في متجر ينبغي أن يكون داعية إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ومن سلك هذا السبيل نجا ونجح معاً، وهو باق لهذه الأمة ما بقيت.

وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] جادل المشركين الذين يعبدون غير الله، جادل المبطلين المجرمين، الكل يجادلون لإبطال الباطل وإحقاق الحق، ولكن استعمالك للموعظة، للمجادلة بالتي هي أحسن هو أنفع؛ لأن الخصم إذا سببته يعرض عنك، وإذا قبّحت له القول وكذا يقول أسوأ ما يقول فتغضب وتنتهي الدعوة. إذاً: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125] بالكلمة والعبارة التي هي أحسن من غيرها، لا بالحسنة فقط، بل بالتي هي أحسن.

وقد قلت لكم: ما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم -وقد جاهد ثلاث وعشرين سنة يدعو إلى الله- سب ولا شتم ولا عير ولا قبح أحداً أبداً -وكان يواجه المشركين الكافرين أمثال أبي جهل وعقبة بن أبي معيط- أخذاً بهذه التعاليم الإلهية: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

ثم قال له تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125] هو يتولى الجزاء، أنت لا جزاء لك ولا جزاء عليك، أنت تدعو فقط، أما الجزاء فبيد الله عز وجل إذ هم عبيده وهو سيدهم ومالكهم، فمن ضل يعرف الله ضلاله ويجزيه به، ومن اهتدى فالله أعلم بالمهتدين.

وفي نفس الوقت الآية تشير إلى القضاء والقدر، إن ربك هو أعلم بمن ضل في قضاء الله وقدره، وهو أعلم بالمهتدين كذلك، والمعنى في الوجهين صحيح، والأول هو الظاهر.

لا تكرب ولا تحزن، أنت علم، بلغ، بين بالتي هي أحسن وبعد ذلك اترك الأمر لله فهو أعلم بالضالين وأعلم بالمهتدين وسيجزي الكل بحسب عمله، الضال بضلاله، والمهتدي بهدايته.

هذه الآية الأولى التي نزلت بمكة، والآية التي بعدها نزلت بالمدينة، ولا عجب أن تنزل السورة كلها بمكة وتنزل آية في المدينة ويقول جبريل: ضعوها في المكان الفلاني، فيقول الرسول لكتاب الوحي: اكتبوها عند قوله تعالى كذا وكذا، إذ هي في اللوح المحفوظ كذلك، فتوضع حيث وضعها الله عز وجل.

إذاً: كانت تنزل السورة في مكة وينزل بعضها في المدينة ويأمر جبريل رسول الله بأن يضعها في مكان كذا من السورة الفلانية، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم رجال الكتابة -وقد كان عنده ثلاثون كاتباً يكتبون- أن يضعوها في المكان الذي أرشده جبريل إليه، أما السور المدنية فما نزل منها في مكة إلا آية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [المائدة:3] نزلت في الحج.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4613 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4017 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3696 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3618 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3551 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3510 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3466 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3367 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3236 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3167 استماع