خطب ومحاضرات
المراجعات - 2 -
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعــد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فهذا هو الدرس (76) من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الاثنين الثامن من شهر جمادى الأولى من سنة (1413هـ).
وعنوان هذا الدرس هو "المراجعات الثانية" وقد كنت تحدثت قبل أشهر حديثاً عنوانه: (المراجعات) صححت فيه بعض الأمور، ورجعت إلى بعض المسائل، وتكلمت عنها بما فتح الله عز وجل.
أما اليوم فهذه هي الحلقة الثانية من المراجعات، أول عنوان: (أنت وليس أنا).
إن هذه الدروس والمحاضرات هي بعض مشاركاتكم، فأنا مدين لله عز وجل ثم لكم جميعاً، رجالاً ونساء، شيوخاً وشباباً، من داخل البلاد وخارجها، سواء من كاتبوني، أو راسلوني بالفاكس، أو شافهوني بما لديهم.
أنتم يا هؤلاء الذين كتبتم إلي بالموضوعات المقترحة، وبعثتم إلي بالعناصر، وحشدتم لي النصوص، وأعنتموني على طرق هذه الموضوعات، إنه درس مهم في الاستفادة مما عند الآخرين، وفتح الأبواب لهم في المشاركة.
إن هذه الدروس والمحاضرات والندوات، بل هذه الأشرطة التي تشرق وتغرب إنها ليست لي، بل هي أفكاركم أنتم، وآراؤكم، وعلومكم. هي: أحاديثكم وإن كانت بصوتي، وبصماتكم وإن كانت بيدي، وإملاءاتكم وإن كانت بقلمي.
فأنا مدين لكل من بذل ولو شيئاً يسيراً، ولكنني على هذا وذاك أتحمل مسئوليتها ولا بد، في الدنيا وفي الآخرة، فلكم حارها وعلي قارها، فأما في الدنيا فهي من كلامي ولفظي وقولي، ولا شك أنني مسئول عنها، ومحاسب، ومسآءل، ومعاتب.
ومن حق أي أحد عليَّ أن يطلب التحقيق والتدقيق، وأن يسأل عن الإثبات والبينة.
إنني حريص إن شاء الله تعالى ألا أقول لكم شيئاً إلا بيقين عندي لا شك فيه، ولو تسامح الإنسان وقال كل ما يظن، أو ما يغلب على ظنه، لكان الأمر شيئاً آخر غير ما رأيتم وسمعتم، ولكنني آليت ألاَّ أقول إلا ما علمت أنه حق بيقين.
إن من احترام المستمع، أو القارئ، أن يوثق الإنسان له كل ما يقول، ويذكر له، فهذه المسئولية الدنيوية، أما المسئولية الأخروية فشيء عظيم قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
وروى البخاري في صحيحه في كتاب: الرقائق، باب: حفظ اللسان، ومسلم أيضاً في باب: الزهد، ومالك في الموطأ كتاب: الكلام، باب: ما يكره من الكلام، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم} وفي حديث بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه} والحديث رواه أبو داود، والترمذي، ومالك وغيرهم، وهو حديث صحيح.
قال بعض الصالحين: " كم من كلمة منعنيها حديث بلال ".
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: " الكلمة التي يهوي صاحبها بسببها في النار، هي التي يقولها عند السلطان الجائر بالبغي، أو بالسعي على المسلم، فتكون سبباً لهلاكه وإن لم يرد القائل ذلك، لكنها ربما أدت إليه فيكتب على القائل إثمها، والكلمة التي يرفع الله بها العبد الدرجات، ويكتب له بها الرضوان، هي التي يدفع بها عن المسلم مظلمة، أو يفرج بها عنه كربة، أو ينصر بها مظلوماً ".
وقال بعض أهل العلم: " الكلمة التي يسخط الله تعالى عليها، هي: الكلمة عند ذي السلطان يرضيه بها ويسخط الله تعالى ".
ولا شك أن الأمر أوسع من ذلك، فالكلمة التي ترضي الله تعالى قد تكون عند السلطان، وقد تكون في جريدة، وقد تكون في إذاعة، وقد تكون في الرأي، وقد تكون في مجلس، وقد تكون في غير ذلك، وقد تكون في كتاب، أما الكلمة التي يسخط الله عليها فقد تكون في ذلك كله.
ومع ذلك فإن باب التوبة مفتوح، وإمكانية التراجع عن ما يسخط الله تعالى قائمة، ولهذا شرعت النصيحة بين المسلمين، لعل مخطئاً أن يتوب وينـزع، أو غافلاً أن يصحو أو نائماً أن يفيق.
وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله! قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، وللأئمة المسلمين وعامتهم}.
ولهذا فإن من حق بعضنا على بعض أن نتعاون على معرفة الخطأ وتصويبه والرجوع عنه، كما نتعاون في إعداد الموضوعات، واقتراح الدروس، وإلقاء المحاضرات.
وإنني كما أعربت عن شكري لأولئك الذين وافوني بأشياء تتعلق بدروس، أو محاضرات، أو مقترحات، فإنني أشكر أكثر وأكثر أولئك الإخوة الذين يعينوني على معرفة الأخطاء، وعلى اكتشاف العيوب، سواء كانوا من الأصدقاء، أم من غيرهم.
وإذا كان الشاعر يقول:
عداتي لهم فضل علي ومنة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا |
هُمُ بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا |
إذا كان هذا كلامه عن عدوه، فكيف ترون وتظنون أن أقول عنكم أيها الأصدقاء! الذين تنطقون بالنصيحة بكل الحب، والوداد، والرغبة في تجنب الخطأ، وإدراك الصواب، والوصول إلى المعالي.
إن هذا لا شك يقال لكم من باب الأولى، فلكم أنتم فضل كبير، ومنة كبرى في عنق كل من ساهمتم في تصحيح خطأ وقع فيه، أو استدراك أمر فاته، ولكم مع ذلك كله الدعاء الخالص الحار، أن يرفع الله بهذه الكلمات درجاتكم، وأن يوفي بها يوم الحشر حسناتكم، وأن يجعلكم بها من الدرجات العلى في الجنة، وأن يوفقكم بها لكل خير، ويجنبكم كل شر.
وفي ما يتعلق بوثائق التنصير أيضاً، فإنني أقدم شكراً ودعاءً لكل المخلصين الذين ساهموا في نشر هذا الموضوع، والحديث عنه، وترويجه، وإيصاله لمن يعنيه الأمر، ولعلني أجدد الشكر في هذه المناسبة لـمجلة الإصلاح الإماراتية التي نشرت أحد هذه الدروس في حلقتين عبر أسبوعين، كما أشكر الأخ الكريم مازن مطبقان الذي كان كتابه أحد مراجعي في موضوع التنصير، وقد كتب في جريدة المدينة مقالاً أشاد فيه بهذه الدروس، فشكر الله تعالى له، وإني أشكره أيضاً على تنبيهه حيث نبهني على أن كتابه المطبوع بعنوان "التنصير في منطقة الخليج العربي" أن هذا الكتاب هو عبارة عن رسالة علمية وليس تقريراً كنسياً كما توهمت وذكرت في إحدى تلك المحاضرات.
ثم إن هناك سؤالاً يطرح نفسه حول موضوع التنصير، كيف تحل هذه المشكلة الكبيرة، إنها مشكلة تتفاقم وتزداد يوماً بعد يوم، وتأتينا الليالي الحبالى بالأخبار العجيبة عن تطور في موضوع النصرانية والتنصير وأعمالهم في بلاد المسلمين، وليس أمر هذه الأعمال بجديد، فكيف يمكن حل هذه المشكلة؟
وقفة مع كتاب (أرامكو وامتياز النفط)
هذا الكتاب لفت نظري عنوانه: أرامكو وامتياز النفط، وهو كتاب عجيب، لقد أدركت أن الناس منذ زمن بعيد يتكلمون عن مثل هذه الأمور، ويعلنونها بكل وضوح، وأن العالم كله يتحدث عن مجريات الأحوال، وربما يتكلم الإعلام الخارجي أحياناً بشيء من التضخيم والمبالغة عما يجري في هذه البلاد، فهل كتب علينا نحن فقط أن نظل لا ندري ماذا يدور حولنا، ولا نتحدث عنه، ولا نسمعه، ونستكثر حتى مجرد أن يكتب كتاب، أو يؤلف، أو تلقى كلمة، أو محاضرة، أو خطبة عن هذا الموضوع، أو ذاك!!
إننا لن نفرح بإصلاح واقعنا إذا لم نكتشف الداء بأنفسنا، ونشترك جميعاً في علاجه، ونمنح الحق كل الحق لمن يريد النصيحة، والتقويم، والنقد الهادف البناء المبني على الحقائق والوثائق، لا على المبالغة والتهويل.
إن النصيحة ليست حقاً للإنسان يجب تمكينه منها، لا. ولكنها واجب شرعي عليه، يأثم بتركه، وقد قام مروان بن الحكم يوماً يخطب في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بخطبة العيد قبل الصلاة، فقام إليه رجل فأنكر عليه وبين له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تسبق الخطبة فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.
إن إنكار المنكر باليد وباللسان هو قرين الإيمان، ولا يلجأ على الاقتصار على القلب إلا أولئك العاجزون، الذين خرست أفواههم عن النطق بكلمة الحق، وشلت أيديهم عن أن يساهموا بتغيير المنكر بأنفسهم، فهؤلاء قد عذرهم الله تعالى إذا نصحوا لله ولرسوله، وبذلوا ما يستطيعون، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو النصيحة في الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إنني أعجب وحق لي أن أعجب، أن بعث إلي أحد الإخوة في ذلك الكتاب المشار إليه أرامكو وامتياز النفط! هذا الكتاب كتبه الخبير أحمد طاشكندي، وهو موجود في المكتبات، وأعتقد أنه متداول أيضاً، ولو على النطاق الضيق، وهو عبارة عن تحقيقات حول شركة أرامكو، أتدري أين نشرت؟!
نشرت في جريدة الندوة، ونشرت في جريدة الخليج، ثم طبع هذا الكتاب عام (1380هـ) قبل ما يزيد على (32) سنة.
ومن الأشياء التي عمل الكتاب على توضيحها ما يلي:
أولاً: ذكر بعض النصوص المتعلقة بعقد الامتياز لهذه الشركة وما جرى عليها من تعديلات.
ثانياً: ذكر تصرفات المسئولين الكبار من الأمريكيين في هذه الشركة.
ثالثاً: ذكر طرق العمل، وحالة العمال، والموظفين العرب والمسلمين في تلك الشركة.
يقول ضمن ما يقول: إن الموظف الأمريكي يعتقد أنه صاحب الفضل الأول في كل هذا الخير الذي يتدفق من أرضنا الطيبة.
يقول أحد الموظفين الأمريكان: هل تعلمون أنكم مدينون لنا نحن الأمريكيين لما وصلتم إليه من تطور وتقدم في حياتكم الاقتصادية والاجتماعية! فلو لا وجودنا لما استطعتم إخراج الزيت من الأرض! وهذا الكلام الموجود في الكتاب وهو منشور أيضاً في جريدة الندوة في (6/4/1379هـ).
وكذلك ذكر نماذج من معاناة المسلمين، بل وأهل البلد الأصليين، من العاملين الكبار في الشركة، وإهدارهم لحقوق العمال والفنيين المسلمين، ونماذج أخرى من التلاعب المالي الذي تمارسه الشركة بحق الموظفين، وتتحكم بعلاواتهم، وترقياتهم وميزاتهم الوظيفية، ونماذج من استقلالية الشركة بأنظمتها، وعدم خضوعها لأحكام التشريع الإسلامي، وأنها قررت الاحتفاظ كما يعبر بجنسيتها الأمريكية، والعمل بموجب قوانينها الخاصة، دون أية مراعاة للصالح العام في البلاد، ونماذج من خططها لفصل الموظفين من أهل البلاد، وإبقاء من لا يفصل منهم دون خبرة ولا معرفة، إلى آخر ما ذكر.
وهذا الكتاب يؤكد الحق في الحديث عن مثل هذه الأمور، بل والإعلان عن ذلك من خلال وسائل الإعلام الممكنة كتباً كانت، أو محاضرات، أو مقالات في صحف، أو غير ذلك، إنه أقل ما يجب للمخلصين الغيورين، الحريصين على مصلحة دينهم وبلادهم.
وهذا الكتاب حين أتحدث عنه هو جواب على ذلك التساؤل الذي ربما أثاره بعض الإخوة، وتساءلوا لماذا يكون الحديث عن هذه الموضوعات بشكل علني؟
فأقول: إنها ليست أسراراً، إنها أمور يعرفها الكثيرون، ويعرفها الخاص والعام، وتتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية كما أسلفت بشيء من التهويل والمبالغة، فهي تنشرها أحياناً، وقد تتحدث عما تسميه بالفضائح والمسلسلات، والروائح العفنة، التي تفوح في مواقع عدة ولا تتستر عن شيء من ذلك، ويقرؤها الكثيرون، ويعرفها الكثيرون، فلماذا يظل الأخيار والصالحون والمتدينون، هم فقط الذين لا يدركون هذه الأشياء ولا يعرفونها؟!
مع أنني أعتقد أنهم أكثر من غيرهم قدرة على الإصلاح والتغيير بإذن الله تعالى، متى صحت النية، وصدقت العزيمة.
ضرر معرفة أخبار التنصير
وما هو الضرر الذي يحدث لنا إذا عرفنا هذه الأشياء؟!
إن الضرر الوحيد في نظري يعود على النصارى أنفسهم، فقد يشعرون أنهم يتحركون في أرض غير آمنة بالنسبة لهم، وأن العيون تلاحقهم، وأن خططهم كثيراً ما تكشف بسبب تزايد الوعي وتناميه، وإدراك الناس لأهدافهم ومقاصدهم وهي: إخراج الناس عن دينهم وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] نعم قد حملوا السلاح في يوغسلافيا، وأعلن زعيمهم بقوله: لن نتوقف عن القتل حتى نرى الصليب يلمع على صدوركم. ولكنهم حملوا سلاحاً من نوع آخر في البلاد الإسلامية كلها ولا أستثني منها؛ حملوا سلاح الإغراء بالتطبيب، والإغراء بالخبرات، والإغراء بالأعمال وغيرها.
إنهم يكتبون التقارير المفصلة عن نشاطاتهم، وينشرونها في كل دول العالم، فأي ضير إذاً أن يلاحق المسلمون هذه النشاطات، ويكتشفوها، ويكشفوها!
والنصارى فقط ليسوا موظفين في مؤسسات حكومية، بل هم أطباء في مستشفيات؛ مستشفيات أهلية، وعاملون في شركات خاصة وعامة، بل وموجودون لدى أفراد كخدم وسائقين، أو غير ذلك! ولعل من الأخبار المفزعة المزعجة أن تعلم بما علمته أنا قبل أيام من مصادر موثوقة، أن رجلاً من أهل هذه البلاد الطيبة؛ بلاد الحرمين الشريفين، {التي يأرز الإيمان فيها كما تأرز الحية إلى جحرها} رجلاً وفير الثراء، يملك عدداً من مؤسسات المال، يقوم بتزويج بناته المسلمات إلى بعض النصارى! هل أدركت حجم هذا الخطر!!
لقد عرفت أيضاً أن فتاة دخلت في مذهب أهل السنة والجماعة، وكانت قبل على مذهب التشيع، فتزوجها واحد من شباب أهل السنة، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى تم الطلاق، وتدخلت في ذلك جهات عدة مع أن هؤلاء الشيعة يقولون عنا ظاهرياً وبألسنتهم، يقولون عنا: أنتم مسلمون مثلنا، ويقولون: لا فرق بيننا وبينكم، فهنا أتساءل فلماذا الغضب إذاً أن يتزوج مسلم مسلمة؟!
فهل ترى يظل أهل السنة وحدهم هم الصامتون على الهوان، الذين لا يدرون ماذا يدور حولهم؟!
إنني قد اكتشفت أيها الإخوة كتاباً لم يكن عندي منه علم، وبعث إلي به أحد الإخوة من منطقة الحجاز، فجزاه الله خيراً عني أفضل الجزاء وأوفاه.
هذا الكتاب لفت نظري عنوانه: أرامكو وامتياز النفط، وهو كتاب عجيب، لقد أدركت أن الناس منذ زمن بعيد يتكلمون عن مثل هذه الأمور، ويعلنونها بكل وضوح، وأن العالم كله يتحدث عن مجريات الأحوال، وربما يتكلم الإعلام الخارجي أحياناً بشيء من التضخيم والمبالغة عما يجري في هذه البلاد، فهل كتب علينا نحن فقط أن نظل لا ندري ماذا يدور حولنا، ولا نتحدث عنه، ولا نسمعه، ونستكثر حتى مجرد أن يكتب كتاب، أو يؤلف، أو تلقى كلمة، أو محاضرة، أو خطبة عن هذا الموضوع، أو ذاك!!
إننا لن نفرح بإصلاح واقعنا إذا لم نكتشف الداء بأنفسنا، ونشترك جميعاً في علاجه، ونمنح الحق كل الحق لمن يريد النصيحة، والتقويم، والنقد الهادف البناء المبني على الحقائق والوثائق، لا على المبالغة والتهويل.
إن النصيحة ليست حقاً للإنسان يجب تمكينه منها، لا. ولكنها واجب شرعي عليه، يأثم بتركه، وقد قام مروان بن الحكم يوماً يخطب في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بخطبة العيد قبل الصلاة، فقام إليه رجل فأنكر عليه وبين له سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تسبق الخطبة فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان}.
إن إنكار المنكر باليد وباللسان هو قرين الإيمان، ولا يلجأ على الاقتصار على القلب إلا أولئك العاجزون، الذين خرست أفواههم عن النطق بكلمة الحق، وشلت أيديهم عن أن يساهموا بتغيير المنكر بأنفسهم، فهؤلاء قد عذرهم الله تعالى إذا نصحوا لله ولرسوله، وبذلوا ما يستطيعون، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وهو النصيحة في الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إنني أعجب وحق لي أن أعجب، أن بعث إلي أحد الإخوة في ذلك الكتاب المشار إليه أرامكو وامتياز النفط! هذا الكتاب كتبه الخبير أحمد طاشكندي، وهو موجود في المكتبات، وأعتقد أنه متداول أيضاً، ولو على النطاق الضيق، وهو عبارة عن تحقيقات حول شركة أرامكو، أتدري أين نشرت؟!
نشرت في جريدة الندوة، ونشرت في جريدة الخليج، ثم طبع هذا الكتاب عام (1380هـ) قبل ما يزيد على (32) سنة.
ومن الأشياء التي عمل الكتاب على توضيحها ما يلي:
أولاً: ذكر بعض النصوص المتعلقة بعقد الامتياز لهذه الشركة وما جرى عليها من تعديلات.
ثانياً: ذكر تصرفات المسئولين الكبار من الأمريكيين في هذه الشركة.
ثالثاً: ذكر طرق العمل، وحالة العمال، والموظفين العرب والمسلمين في تلك الشركة.
يقول ضمن ما يقول: إن الموظف الأمريكي يعتقد أنه صاحب الفضل الأول في كل هذا الخير الذي يتدفق من أرضنا الطيبة.
يقول أحد الموظفين الأمريكان: هل تعلمون أنكم مدينون لنا نحن الأمريكيين لما وصلتم إليه من تطور وتقدم في حياتكم الاقتصادية والاجتماعية! فلو لا وجودنا لما استطعتم إخراج الزيت من الأرض! وهذا الكلام الموجود في الكتاب وهو منشور أيضاً في جريدة الندوة في (6/4/1379هـ).
وكذلك ذكر نماذج من معاناة المسلمين، بل وأهل البلد الأصليين، من العاملين الكبار في الشركة، وإهدارهم لحقوق العمال والفنيين المسلمين، ونماذج أخرى من التلاعب المالي الذي تمارسه الشركة بحق الموظفين، وتتحكم بعلاواتهم، وترقياتهم وميزاتهم الوظيفية، ونماذج من استقلالية الشركة بأنظمتها، وعدم خضوعها لأحكام التشريع الإسلامي، وأنها قررت الاحتفاظ كما يعبر بجنسيتها الأمريكية، والعمل بموجب قوانينها الخاصة، دون أية مراعاة للصالح العام في البلاد، ونماذج من خططها لفصل الموظفين من أهل البلاد، وإبقاء من لا يفصل منهم دون خبرة ولا معرفة، إلى آخر ما ذكر.
وهذا الكتاب يؤكد الحق في الحديث عن مثل هذه الأمور، بل والإعلان عن ذلك من خلال وسائل الإعلام الممكنة كتباً كانت، أو محاضرات، أو مقالات في صحف، أو غير ذلك، إنه أقل ما يجب للمخلصين الغيورين، الحريصين على مصلحة دينهم وبلادهم.
وهذا الكتاب حين أتحدث عنه هو جواب على ذلك التساؤل الذي ربما أثاره بعض الإخوة، وتساءلوا لماذا يكون الحديث عن هذه الموضوعات بشكل علني؟
فأقول: إنها ليست أسراراً، إنها أمور يعرفها الكثيرون، ويعرفها الخاص والعام، وتتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية كما أسلفت بشيء من التهويل والمبالغة، فهي تنشرها أحياناً، وقد تتحدث عما تسميه بالفضائح والمسلسلات، والروائح العفنة، التي تفوح في مواقع عدة ولا تتستر عن شيء من ذلك، ويقرؤها الكثيرون، ويعرفها الكثيرون، فلماذا يظل الأخيار والصالحون والمتدينون، هم فقط الذين لا يدركون هذه الأشياء ولا يعرفونها؟!
مع أنني أعتقد أنهم أكثر من غيرهم قدرة على الإصلاح والتغيير بإذن الله تعالى، متى صحت النية، وصدقت العزيمة.
وفيما عدا الكلام عن أرامكوا، فقد وصلني كمٌ هائل من الموضوع عن التنصير، في جدة، والرياض وفي المنطقة الشرقية عموماً، بل وفي القصيم وغيرها، فلماذا نتستر على هذه الأخبار، والمعلومات؟!
وما هو الضرر الذي يحدث لنا إذا عرفنا هذه الأشياء؟!
إن الضرر الوحيد في نظري يعود على النصارى أنفسهم، فقد يشعرون أنهم يتحركون في أرض غير آمنة بالنسبة لهم، وأن العيون تلاحقهم، وأن خططهم كثيراً ما تكشف بسبب تزايد الوعي وتناميه، وإدراك الناس لأهدافهم ومقاصدهم وهي: إخراج الناس عن دينهم وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] نعم قد حملوا السلاح في يوغسلافيا، وأعلن زعيمهم بقوله: لن نتوقف عن القتل حتى نرى الصليب يلمع على صدوركم. ولكنهم حملوا سلاحاً من نوع آخر في البلاد الإسلامية كلها ولا أستثني منها؛ حملوا سلاح الإغراء بالتطبيب، والإغراء بالخبرات، والإغراء بالأعمال وغيرها.
إنهم يكتبون التقارير المفصلة عن نشاطاتهم، وينشرونها في كل دول العالم، فأي ضير إذاً أن يلاحق المسلمون هذه النشاطات، ويكتشفوها، ويكشفوها!
والنصارى فقط ليسوا موظفين في مؤسسات حكومية، بل هم أطباء في مستشفيات؛ مستشفيات أهلية، وعاملون في شركات خاصة وعامة، بل وموجودون لدى أفراد كخدم وسائقين، أو غير ذلك! ولعل من الأخبار المفزعة المزعجة أن تعلم بما علمته أنا قبل أيام من مصادر موثوقة، أن رجلاً من أهل هذه البلاد الطيبة؛ بلاد الحرمين الشريفين، {التي يأرز الإيمان فيها كما تأرز الحية إلى جحرها} رجلاً وفير الثراء، يملك عدداً من مؤسسات المال، يقوم بتزويج بناته المسلمات إلى بعض النصارى! هل أدركت حجم هذا الخطر!!
لقد عرفت أيضاً أن فتاة دخلت في مذهب أهل السنة والجماعة، وكانت قبل على مذهب التشيع، فتزوجها واحد من شباب أهل السنة، فقامت الدنيا ولم تقعد حتى تم الطلاق، وتدخلت في ذلك جهات عدة مع أن هؤلاء الشيعة يقولون عنا ظاهرياً وبألسنتهم، يقولون عنا: أنتم مسلمون مثلنا، ويقولون: لا فرق بيننا وبينكم، فهنا أتساءل فلماذا الغضب إذاً أن يتزوج مسلم مسلمة؟!
فهل ترى يظل أهل السنة وحدهم هم الصامتون على الهوان، الذين لا يدرون ماذا يدور حولهم؟!
أما التعليق الآخر، وهو مراجعة مهمة:
فقد وصلتني رسالة أيضاً من بعض الإخوة في المنطقة الشرقية، وهي رسالة أقرؤها عليكم، لأنها تشكل الفقرة الثالثة وعنوانها "رسالة فريدة". إنني أقرأ عليكم أجزاءً من هذه الرسالة، وفيها كلام يكتب بماء الذهب، ويكفي في تقريره والدعوة إليه وتوكيده، أنني سأخصص له هذه الدقائق لأقرأه عليكم بحروفه.
يقول بعد كلام: وقبل أن استطرد -هذا كلامه- أرجو أن لا تسيء فهمي، فإنني والله موافق لك على ما قلت، ولكن قبل محاضرة (59 طريقة لمكافحة التنصير) نحتاج إلى علاج أنفسنا، ومع علمي بأنني على قدر يسير من المعرفة، إلا أنني وجدت نفسي لا إرادياً أسطر لكم هذه الملاحظة.
لقد فهم البعض من محاضراتك أن السبب هم النصارى، وأذنابهم، وأتباعهم، وأما نحن فحمل وديع لا ذنب لنا في ما يحدث، كل ما يصيبنا بقضاء الله وقدره، كل ما يحدث لنا هو من المؤامرات التي تحاك علينا، أما نحن فلسنا ملومين:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا |
نعم، إن العيب فينا، فنحن نعلم، بل نتعايش مع تلكُمُ المنكرات التي ذكرتم، والكثير غيرها، فماذا عسانا عملنا!؟
أين نحن من الحديث الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {من رأى منكم منكراً فليغيره بيده} الحديث.
الكثير منا لم ينكر حتى بقلبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل إن الغالبية تستهويهم الشياطين، ويخدعهم سراب الحياة الاجتماعية الغربية، فتراهم هم الذين يشجعون أصحاب تلك المنكرات على نشرها، ولا يقتصر هذا التشجيع على المشاركة بل يتعداه إلى تأمين ما يحتاجه أولئك النصارى من الخارج!
فيا ترى من الذي يؤمن لهم أدوات الاحتفال بعيد الميلاد؟!
ومن الذي يحضر لهم بابا نويل؟!
ومن الذي يدافع عن المقبوض عليهم أحياناً من قبل الشرطة والمباحث؟!
من الذي يحجز لهم المنازل لإقامة حفلاتهم وطقوسهم الدينية؟!
ومن؟!
ومن؟!
ومن؟!
إنهم وللأسف سعوديون يعلمون بحرمة ما يصنعونه، ولكنهم قوم كما قال تعالى: وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14] إنهم عبدة الدينار والمنصب، والهوى والشيطان! إنهم منا، هم إخواننا وأبناؤنا، هم أقاربنا، هم جيراننا، إنهم من يعتقد بأنهم النخبة، وهم في الواقع نخبة معكوسة.
أولئك قوم كثير منهم لديهم علمنة، أو جهل، ولكن ماذا عنا نحن الملتزمين؟!
هل نحن معفون ولا مسئولية علينا؟!
أم نحن موقوفون، وعن تفريطنا مسئولون؟!
إن الكثير منا نحن الملتزمين جبناء، أو لا مبالون، بل منا من لا يحضر الصلاة إلا وقت الإقامة، وينصرف من المسجد قبل أن يصلي السنة، خوفاً من رئيسه، أو تهاوناً.
إن البعض منا لا يمانع عن التعامل مع النساء بالطريقة نفسها التي يتعامل بها سواه، حتى لا يقال عنه: إنه معقد!
البعض منا لا يمانع أن يكتب الربا، إن بعض الملتزمين لا يهمه أن يلمز المطاوعة، ويلصق بهم التعقيد والتزمت، دون أن يدافع عنهم.
أما في مجال الدعوة إلى الله تعالى، وإنكار المنكر، على قلة القائمين بذلك، إلا إنهم على طرفي نقيض، فهم إما متحفظ إلى درجة لا يحرك معها ساكناً، أو متحمس إلى درجة كبيرة بحيث يضر بنفسه وبالآخرين، فَتُوأَدُ الفكرة أحياناً قبل ولادتها. والله المستعان!
إن الحكمة في الدعوة إلى الله والإنكار -وهي ضالتنا- مفقودة، إن المنصرين يعملون بهدوء، وبشكل لا يلفت النظر، بشكل يبدو فردياً وهو منظم.
أما نحن فحتى الآن لم نستطع أن نضع أرجلنا على بداية الطريق، نحن لم نعمل شيئاً، كل الذي عملناه هو تجميع بعض المعلومات، وأرسلنا بها شكوى إليكم، أو إلى الوالد العالم العلامة الإمام عبد العزيز بن باز، أو إلى الشيخ سفر الحوالي، أو غيره.
إن إيماننا بالله تعالى قليل، ونفوسنا ضعيفة، إننا حتى الآن نعتقد أن البداية في هذا الطريق هي نهايتنا، فنحن نخاف على مناصبنا، على مستقبلنا، على أولادنا وعيالنا وبيتنا وسيارتنا، ولا زلنا نعتقد أن أرامكو أو الأمريكيين لا يمكن وقفهم عند حد، لازلنا نفكر بالطريقة القديمة القائمة على المجابهة، ولا زلنا نعتقد أن كلاً منا عليه من الرقيب والعتيد ما يكفيه!.
ولذلك تجدنا نتوقف قبل أن نبدأ، لا زلنا نعتقد أن تغيير المنكر يحتاج إلى مراسيم عليا، ونسينا أن المنكرات بدأت من طريق أفراد، وأن إنهاءها يحتاج إلى أفراد معدودين.
إنني أقول: إن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، فلو خطا كل منا خطوة لقطعنا المشوار في زمن قياسي، لكننا ننتظر المشايخ أن يغيروا كل شيء، والله المستعان! إننا قوم لا ندري ما هو المطلوب منا، نسمع المحاضرة وكأن المعني بها قوم آخرون، أما نحن ففي مهب الريح!
خذ مثلاً: ردة الفعل التي حدثت بعد محاضراتك، البعض سمع الأشرطة مثلما يسمع أية محاضرة، والبعض يقول: نعرف هذا من زمان، والبعض أشاع أن الأشرطة لا تنتشر، أنها توقف، أو تحارب، والبعض يقول: إن مجلس أرامكو مجتمع لدراستها، والبعض يقول: إن الأمريكان الذين ذكرت أسماؤهم تقدموا بشكوى عن طريق القنصلية، ليس هذا فحسب، بل إننا نتحدث عنها عن هذه الأشرطة والخوف يملأ قلوبنا لئلا تسمعنا بعض الجهات!
إن لنا أجسام الجمال ولنا عقول ربات الجمال! يا ترى هل هذا ما كنت توده منا؟!
هل هذا ما كنت تود أن توصله لنا؟!
لا أظن ذلك، ولكنا لسنا بعد جاهزين، أو مهيئين لذلك الدور الطلائعي المطلوب منا، لن يغير الله تعالى ما بنا حتى نغير ما بأنفسنا.
سنستوعب محاضراتك وغيرها عندما يصبح الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما، سوف ندرك المرامي عندئذٍ، عند ما نكون عبيداً لله عز وجل، لا نشرك به شيئاً، ولا نشرك معه شيئاً، عندما تكون الدنيا في أيدينا نستطيع التفكير في ديننا، أما الآن فالدنيا في قلوبنا ولا نفكر في شيء سواها، رحم الله محاضرات التنصير، وشريط (
أرجو أن لا يكون كلامي هذا مثبطاً، فهذا واقعٌ لا أظنك تجهله، إن ما أريده هو أن نجلس مع أنفسنا جلسة هادئة، ونسأل أنفسنا ماذا نريد؟
إن الإجابة على هذا السؤال في نظري هو المعيار، فإما أن نختار الله والدار الآخرة، عندها فقط تستطيع أن تسمعنا ماذا نريد، أو أننا نريد الحياة الدنيا وزينتها، عندها لا بد من العودة إلى المربع رقم واحد، نتعلم معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، نتعلم التوحيد وأصوله، نتعرف على سيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه الغر الميامين.
لا بد أن نتعلم ليصبح فينا مثل ذلك الأعرابي الذي قال لـعمر: " والله لو قلت عن الطريق هكذا، لقلنا لك بسيوفنا هكذا "، لا بد من فهم حديث {احفظ الله يحفظك}.
إذا كان الخيار الثاني هو خيارنا، ولا أظنه والله إلا خيار الغالبية، فأمامنا وقت طويل، ومشوار بعيد، حتى نستيقظ من غفلتنا، عندها سوف يكون أمامنا مهمات عظيمة من نوع آخر.
ختاماً أسأل الله جلت قدرته أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
هذا ما قاله الأخ الكريم. وإنني أثني جيداً على ما قال، وأؤكد على قضيتين منهما:
نحن لا نعفي أحداً من المسئولية
فإن الذين كانوا يخوضون المعارك، وقد جعل الواحد منهم راحته على كفه، هم أولئك الناس الذين امتلأت قلوبهم بالخوف من الله تعالى ومحبته ورجائه، وآمنوا بالدار الآخرة، حتى كأن الواحد منهم يراها رأي عين؛ فهانت الدنيا في نفوسهم، وجعلوها تحت أقدامهم وصار الواحد منهم في المعركة يقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84] فلا بد من تعميق الإيمان في النفوس، وتحريكها في القلوب، وبعث ما اندثر منه، وإزالة الغبار منه، وإلا فلن نتحرك أبداً.
لن نتوقف عن كشف المنكرات
فالدعوة إلى الإيمان، وإلى تجديد الإيمان، وإلى تصحيح العقيدة، وإلى التوحيد، هذه لا تعارض أبداً كشف خطط المنصرين، ولا تعارض أبداً دعم المشاريع والأعمال الإسلامية، ولا تعارض أبداً الاهتمام بأحوال المسلمين في يوغسلافيا أو في الصومال، أو في فلسطين، أو في أفغانستان، أو في أي بلد من البلدان.
إننا يجب أن لا نلهو بشيء عما هو مثله، أو أهم منه، فهذه المشاكل التي نعانيها يجب أن لا تلهي الدعاة إلى الله تعالى، والخطباء، والمدرسين، وطلبة العلم، عن غرس العقيدة الصحيحة في النفوس، وإزالة كل ما يعارضها، أو يناقضها من ألوان الانحرافات، والمخالفات، والمنكرات، والبدع، بل ومن ألوان التعلق بالدنيا، وشهواتها، الخوف من غير الله تعالى، محبة غير الله تعالى، الرجاء في ما عند المخلوقين، والغفلة على أن الله تعالى هو الذي بيده كل شيء.
الأولى: إن هذا الكلام الذي أقوله، أو يقوله غيري، لا يعفي أحداً أبداً من مسئولية تربية الناس على كتاب الله تعالى وعلى سنة رسوله، وعلى فهم معاني العقيدة الصحيحة.
فإن الذين كانوا يخوضون المعارك، وقد جعل الواحد منهم راحته على كفه، هم أولئك الناس الذين امتلأت قلوبهم بالخوف من الله تعالى ومحبته ورجائه، وآمنوا بالدار الآخرة، حتى كأن الواحد منهم يراها رأي عين؛ فهانت الدنيا في نفوسهم، وجعلوها تحت أقدامهم وصار الواحد منهم في المعركة يقول: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه:84] فلا بد من تعميق الإيمان في النفوس، وتحريكها في القلوب، وبعث ما اندثر منه، وإزالة الغبار منه، وإلا فلن نتحرك أبداً.
الثانية: أن هذا لا يعني بحال من الأحوال أن نتوقف عن كشف المنكرات، وإعلان النكير على أصحابها، والدعوة إلى تغييرها، وبذل المستطاع في مقاومة ألوان الحرب التي توجه نحو الإسلام والمسلمين.
فالدعوة إلى الإيمان، وإلى تجديد الإيمان، وإلى تصحيح العقيدة، وإلى التوحيد، هذه لا تعارض أبداً كشف خطط المنصرين، ولا تعارض أبداً دعم المشاريع والأعمال الإسلامية، ولا تعارض أبداً الاهتمام بأحوال المسلمين في يوغسلافيا أو في الصومال، أو في فلسطين، أو في أفغانستان، أو في أي بلد من البلدان.
إننا يجب أن لا نلهو بشيء عما هو مثله، أو أهم منه، فهذه المشاكل التي نعانيها يجب أن لا تلهي الدعاة إلى الله تعالى، والخطباء، والمدرسين، وطلبة العلم، عن غرس العقيدة الصحيحة في النفوس، وإزالة كل ما يعارضها، أو يناقضها من ألوان الانحرافات، والمخالفات، والمنكرات، والبدع، بل ومن ألوان التعلق بالدنيا، وشهواتها، الخوف من غير الله تعالى، محبة غير الله تعالى، الرجاء في ما عند المخلوقين، والغفلة على أن الله تعالى هو الذي بيده كل شيء.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5118 استماع |
حديث الهجرة | 5007 استماع |
تلك الرسل | 4155 استماع |
الصومال الجريح | 4146 استماع |
مصير المترفين | 4123 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4052 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3976 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3929 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3872 استماع |
التخريج بواسطة المعجم المفهرس | 3833 استماع |