تفسير سورة الحجر (13)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألفٍ وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وها نحن ما زلنا مع آيات سورة الحجر المكية، قال تعالى: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ * كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:89-99].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر:89] من هو الذي أمر بقوله: قل؟ ومن هو المأمور؟

وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر:89] الله تعالى هو الذي يأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: للإنس والجن، للمشركين الكافرين: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر:89] أي: البين النذارة، التي لا يشك فيها ذو عقل أو ذو مروءة وفهم.

ينذر من؟ ينذر البشرية من العذاب الدائم الذي لا ينقطع، عذاب بوم القيامة، وينذرها أيضاً من عذاب الدنيا من الخلافات والتناحر والتطاحن، والدماء والفقر والبلاء، فكل ذلك يجره ويسببه الكفر بالله ولقائه.

وَقُلْ [الحجر:89] لهم يا رسولنا إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر:89] نذارته بينة لا يختلف فيها عاقلان أبداً.

لماذا النذارة؟

الجواب: لأن البشرية كفرت بربها، وأعرضت عن هدي مولاها فعبدت غيره، ولم تحكم شرع الله، فضاعت وضاع كل شيء عندها، فكيف لا ينذرها من عواقب السوء والدمار والخراب.

وقوله تعالى: كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ [الحجر:90] أنا النذير المبين، نذير عذاب كالذي أنزلناه وأصبنا به المقتسمين.

من هم المقتسمون؟

هذا اللفظ يحتمل معان كثيرة وكلها صحيحة:

أولاً: المقتسمون: الذين قسّموا القرآن فجعلوه قطعاً: شعر، سحر، كهانة، كذب.. وهكذا، قسموه، فهم المقتسمون، هذا يقول: القرآن شعر. وهذا يقول: سحر. وهذا يقول: كهانة. وهذا يقول: افتراء. وهذا يقول: كذب.. فهم مقتسمون.

نعم. هكذا قسموا القرآن، واليهود والنصارى والله مقتسمون، قسموا كتب الله وصرفوها، وشتتوا ما فيها وعبدوا غير الله فهم مقتسمون.

ثانياً: من المقتسمين: ما جعلتهم حكومة مكة على عهد الكفر ووزعتهم على أبواب مكة وطرقاتها يرصدون كل من أراد أن يدخل ويسأل عن محمد فيقولون لهم: لا تصدقوه، ساحر كذاب.

وأبواب مكة هي: منافذها، جعلوا في كل منفذ وباب شخص مهيأ لهذه الفكرة، إذا جاء حاج أو معتمر يسأل، يقولون له: لا تسأل محمداً، هذا جاء ليفسد علينا ديننا ويهبط بنا إلى غير هذا المستوى. فهم مقتسمون أيضاً.

إذاً: نذيراً بماذا؟ بالعذاب الذي ننزله كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر:90-91] جعلوا القرآن قطعاً، وهو كله كلام الله، وكله يهدف هدفاً واحداً وهو أن يعبد الله وحده ويسعد الإنس والجن، فجعلوه قطعاً قطعاً وقسماً قسماً.

قال تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93].

أقسم الجبار بنفسه: فَوَرَبِّكَ يا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:92] عن شركهم وكفرهم وباطلهم وكذبهم وخداعهم وغشهم، فلا ينجو واحد من هذه الأسئلة، وبعد السؤال يكون الجزاء، ومعنى هذا أنه سبحانه سوف يعذبهم العذاب الأليم في دار القيامة.

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [الحجر:92] حقاً ما من كائن من البشرية إلا وسيسأل: لم ما آمن؟ لم ما عبد الله؟ لم ما أطاع رسوله؟ لم ولم، ثم يتم الجزاء بعد السؤال.

ولا ننسى أن من المقتسمين: جماعة أنزل الله بهم عذاباً ما عرفه العرب في مكة، نوع من المرض أهلكهم عن آخرهم، وباء خاص.. مرض خاص -ومنهم أبو لهب- فهلكوا به، ومنهم من هلك في بدر، والمهم أن الله بلغهم بواسطة رسوله وأنذرهم فأصروا على العناد والكفر؛ فأنزل بهم عذابه ونقمه.

يقول تعالى لمصطفاه صلى الله عليه وسلم: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] ما دمت أنت النذير وأن عذابنا الأليم عما قريب سيصيب المقتسمين وينزل بالمعرضين إذاً: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] ، اجهر بأنه لا إله إلا الله وليسخط من يسخط وليرضى من يرضى.

وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] لا تلتفت إليهم، ولا تبالي بهم؛ لأن الله كفاكهم وحماك من شرهم وبلائهم.

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ يا رسولنا. يؤمر ماذا؟ بأن يقول للبشرية: قولوا: لا إله إلا الله، واعبدوه بما أنزل من كتابه وبما بين رسوله، وقولوا إذاً: محمد رسول الله.

إذاً: الإيمان بأنه لا إله إلا الله يستلزم أن يعبد الله، فإذا عرفت أنه لا معبود إلا هو فكيف لا تعبده؟ وكيف لا تعرف ما يحب أن تعبده به؟ من يبين لك هذا؟

الجواب: كتابه وسنة رسوله، فمن هنا كان الإيمان بالرسول لازم للإيمان بالله تعالى، فلو قال شخص: أنا مؤمن بالله، فكيف أعبده؟ نقول له: إنه أرسل رسوله وهو الذي يبين للناس كيف يعبدون ربهم، فلا بد من الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم إلزاماً وإلا كيف تعبد الله، فلهذا الشهادتان هما مفتاح دار السلام، وهما مفتاح الإسلام والدخول فيه، ولا بد وأن يقول المرء: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)، وبعدها يسأل عن الله: ما أسماؤه؟ ما صفاته، أين هو؟ فيعلم ويعرف.

ولا بد أن يسأل: ما الذي أعبد به ربي؟ فتبين له كل العبادات عبادة عبادة.

من يبين له هذا؟ الرسول الذي كلفه الله بهذا وأرسله من أجله إلى الناس أجمعين، وسنة الرسول ثابتة، وما في القرآن ثابت لا يتبدل ولا يتغير وبذلك يعبد الله عز وجل.

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] بأن يقول للناس: لا إله إلا الله وأني رسول الله، فاعبدوا الله بما شرع لتسعدوا في دنياكم وأخراكم وتكملوا في الدارين، ومن أعرض واستنكف واستكبر فسينزل به البلاء وينزل به العذاب في الدنيا والآخرة.

وقوله تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] لا تلتفت إليهم إن سبوا.. شتموا.. قالوا ساحر.. قالوا مجنون.. قالوا..وقالوا.. أعطهم ظهرك ولا تلتفت إليهم واثبت على دعوتك.

فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] من هم المشركون يا عباد الله؟

الذين يشركون مع الله إلهاً آخر فيعبدونه مع الله، الذين يشركون مع الله في عباداته، يعبدونه ويعبدون معه غيره.

أشرك العبد يشرك إذا اعترف بإلهين أو ثلاثة كالنصارى، وأشرك إذا دعا أو سأل أو طلب من مخلوقات الله ولم يطلب الله ولم يسأل الله.

أشرك بالله إذا حلف بغير الله، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ).

كيف أشرك؟ فطرة الإنسان أنه لا يحلف إلا بعظيم يعظمه، ومن هو أعظم من الله؟ لا أكبر من الله ولا أعظم من الله، فمن حلف بشخص آخر فمعناه أنه أعطاه العظمة التي هي حق الله، وأشرك مع الله هذا المخلوق في عظمة الله.

والذي سأل غير الله من الأموات والأشجار والأحجار والأصنام أعطاهم معنى إلهية الله، وجعلهم يسمعون ويبصرون ويقدرون على أن يعطوا وأن يأخذوا ويعزوا ويذلوا، ومعنى ذلك: أنه سواهم بالله، وجعلهم مثل الله تعالى، تدعوه في الظلام، في الضياء، في الفقر، في الغنى، في أي ساعة يسمع نداءك ويعطيك.

والذين يتقربون إلى غير الله بالذبائح والنذور أشركوا بالله هذه المخلوقات فعبدوها كما يعبد الله فهم مشركون.

تعرفون الشركاء في الدكان.. في التجارة.. في البستان أمرهم واحد، فالله عز وجل لا إله إلا هو لا يرضى أبداً ولا يقبل أن يشرك معه سواه في ما تعبد به عباده، فالعبادة حق الله؛ لأنه خالق المخلوقين، وخالق كل شيء من أجل هذا المخلوق الذي خلقه ليعبده، فإذا أغمض عينيه والتفت إلى غيره وعبد سواه وقف موقفاً لا يرضاه الله عز وجل، وأسخط الله عليه، فما دمت مخلوق للعبادة فهذه العبادة لن تكون إلا لله عز وجل، وهذا الذي جهر به رسول الله وأمره ربه بقوله: فَاصْدَعْ [الحجر:94] بأعلى صوتك بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] قل لهم: لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن هذه الدار ليست دار جزاء، فالدار الآخرة هي دار الجزاء وأنتم صائرون إليها ومقبلون عليها، إذاً: فاستقيموا من هذا الانحراف والاعوجاج وقولوا: لا إله إلا الله واعبدوا الله.

ثم قال تعالى: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95] كفيناك شرهم وبلاءهم ونقمتهم، سلط عليهم الأمراض -كما علمتم- فماتوا، والذين ما ماتوا بالأمراض الخطيرة في مكة ماتوا في بدر، سبعون صنديداً منهم كفاه الله إياهم.

إذاً: لا تخف يا رسولنا، واصدع ولا تبال إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95].

من هم المستهزئون؟ وما صفتهم؟

قال: الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الحجر:96] هؤلاء الذين يعبدون اللات والعزى ومناة والأصنام هم الذين حاربوا دعوة الحق وأبوا أن يعبد الله وحده.

هؤلاء المستهزئون هم المشركون الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر.

معاشر المستمعين! احذروا أن يرى الله تعالى قلوبكم ملتفتة إلى غيره، فأسلموا قلوبكم ووجوهكم لله!

عبد الله! قلبك لا يتقلب طول الحياة إلا في طلب رضا الله، ووجهك لا تلتفت به سائلاً ضارعاً خائفاً إلا إلى الله عز وجل!

فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:96] عواقب ونتائج شركهم وكفرهم والعياذ بالله، سيعلمونه عند دخول القبر، عندما تتضح القضية وتتجلى الحقيقة ويعرفون أنهم كانوا مشركين كافرين فاجرين، وأنهم كانوا كاذبين ومخطئين، وهذا هو الحق الذي تواجههم به ملائكة العذاب.

إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:95-96] عواقب كفرهم، نتائج شركهم وحربهم لرسول الله والمسلمين يوم القيامة، وأول خطوة إلى يوم القيامة هي القبر.

ثم قال تعالى موجهاً خطابه لرسوله رحمة به وشفقة عليه: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر:97] إي والله.

ولقد نعلم أنك يا رسولنا يضيق صدرك بما يقولون، فكيف يسب أحدهم ربك أمامك ولا يضيق صدرك؟!

كيف يقف واحد يقول للرسول: أنت ساحر أو مجنون ولا يضيق صدره؟

كيف تراهم يدعون إلى الباطل ويحثون عليه ويحاربون الحق ويقفون ضده ولا يضيق الصدر بهذا؟

يضيق صدر المؤمن وإلى الآن يضيق صدر كل مؤمن ومؤمنة بمعصية الله عز وجل، فأيما شخص يهين الإسلام أو المسلمين يتألم المسلم حتى يكاد يتمزق، والله يقول لرسوله: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر:97] من السب والشتم والتعيير والدعوة إلى الأصنام والأحجار.

إذاً: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98] أرشده ربه تعالى بعدما أعلمه أنه يضيق صدره إلى ما يخفف ألم الصدر بل يمحوه وهو التسبيح: (سبحان الله وبحمده).

وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98] والمراد من الساجدين: المصلين، فإذ ضاق صدرك فسبح الله عز وجل، قم صل، صل ركعتين ينمحي ذلك الضيق ويزول.

وفي الحديث: ( كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ). وهي سنة باقية إلى يوم الدين، فأيما مؤمن أو مؤمنة يضيق صدره بما سمع أو بما رأى وشاهد من الباطل.. من المنكر.. من الأذى.. من العذاب يفزع إلى الله عز وجل، يتوضأ ويصلي ركعتين ويكثر الدعاء والابتهال إلى الله عز وجل أن يخفف ذلك الألم الذي في الصدر ويزيله، ولهذا كان التسبيح: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) من أحب الكلام إلى الله عز وجل، قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1]، وقال: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا [طه:130] المفزع الحق: هو أن يذكر المرء ربه بهذا التسبيح: سبحان الله وبحمده.

وورد وصح: ( أن من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ). وهذا الورد لا يتركه ذو فهم وبصيرة قط طوال الحياة.

(سبحان الله وبحمده) هذا الورد لا يتركه مؤمن ولا مؤمنة، بل يأتي به في الصباح والمساء، سبحان الله وبحمده!

سبحان الله وبحمده من ألذ الكلام وأطيبه، فأنت تقدس الله وتنزهه عن كل النقائص وكل الشركيات والأباطيل، لأن (سبحان) معناها: أنك تنزه الله عز وجل عن كل نقص.

أيضاً: هناك ورد آخر لا ننساه تقوله في الصباح: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )، تقوله وأنت تعي معناه، تقول: ( لا إله إلا الله ) في هذه العوالم والأكوان أبداً ليس إلا الله ( له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة يكتب لك بها مائة حسنة، ويحط عنك مائة سنة، وتعطى أجر عدل عشر رقاب تعتقهم في سبيل الله، وتظل يومك كله في حرز من الشيطان، ولا يأتي أحد بمثل ما أتيت به من الحسنات إلا من قال مثلك وزاد ).

معاشر الزوار الكرام! هذه المسألة أكررها، وخذوا هذه الغنيمة الباردة: إذا صليت الصبح أو إذا طلع الفجر وقبل الصلاة فقل: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) قلها مرة مائة، عدها بأصابعك، بالحصى، بالمسبحة مائة مرة.

ماذا تستفيد منها؟ يكون لك عدل عشر رقاب، كأنك اشتريت عشرة عبيد وأعتقتهم في سبيل الله، وكتب الله لك بذلك مائة حسنة ومحا عنك مائة سيئة، وتظل يومك هذا كله في حرز من الشيطان، لا يقوى الشيطان على أن يقذفك ويرمي بك في المعاصي، ولا يأتي أحد بالأجر مثل ما أتيت أنت به.

هذا الورد والله لا يحرمه إلا محروم، إذ لا يكلفك مال ولا وقت ولا كذا، هذا ورد الصباح، وورد المساء أيضاً: ( سبحان الله وبحمده ) مائة مرة.

وإن قلت: كيف؟ نقول لك: هذا الله جل جلاله يرشد رسوله إليه ويطالبه به، أما قال له: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ [الحجر:97]؟

كيف يزول هذا الهم وهذا الضيق؟ ماذا تصنع؟ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98] هذا الذي أعطاه الله لرسوله كيف نعرض عنه نحن ولا نأخذ به؟!

أيما مؤمن يضيق صدره بشيء من الأشياء من دنياه فليفزع إلى الله عز وجل، فهو الذي ينفس كربه ويفرج همه عنه، يقوم يصلي ركعتين.

وكثير من جهالنا يطلقون نساءهم بلفظ وأنتِ طالق طالق طالق من شدة الغضب، فإذا جاءك الغضب وتألمت قم توضأ وصل، والله ما يبقى ذلك الغضب.

يغضب الإنسان ويقول الباطل ويفعل السوء والعلاج موجود إذا غضبت واشتد غضبك فقل: لا إله إلا الله، وقم صل ركعتين يزول الغضب، واذكر أن الله أرشد رسوله لهذا، فقال وقوله الحق: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر:97] أي: أعداؤك، إذاً في هذه الحال ماذا تصنع؟ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر:98] يتسع الصدر، ويزول ذلك الضيق وتنفرج الأزمة، ثم بعد ذلك التسبيح سبحان الله، سبحان الله قم توضأ وصل، والله ما يبقى ذلك الألم في نفس المؤمن.

ثم قال له: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] اعبد ربك، بم يعبده؟ بما شرع له من التسبيح والذكر والصلاة والجهاد والزكاة وما إلى ذلك، اعبد ربك وحده بالرهبة منه والخوف، بحبه ورجائه، اعبده بذكره، بالركوع والسجود بين يديه، اعبده بما أوجب أن تعبده به، اعبده بترك ما حرم وأعرض عما نهى عنه وكره، بذلك تكون العبادة.

اعبده إلى متى؟ حتى يأتيك اليقين. ما هو اليقين الذي يأتينا؟ إنه الموت. هل بينكم من يقول: أنا لا أموت؟

حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] إيماننا بالدار الآخرة إيمان علم، لكن اليقين هو لما يأتي الوفد من الملائكة لقبض روحك وأنت على سرير الموت، ثَمَّ يصبح ما كان علماً يصبح يقيناً، ما كنت تؤمن به وتعلمه يتحول إلى يقين بل عين اليقين؛ لأنك شاهدت ملك الموت وأعوانه وهم يستلمون روحك ويعرجون بها إلى السماء ثم يردونها إليك، ثم تأتي المساءلة في القبر: لم فعلت؟ لم تركت؟

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] إلى أن يأتيك اليقين، وليس العلم فالرسول أعلم الناس وجبريل ينزل عليه وعرج به إلى السماء وشاهد الجنة وقصورها وحورها وأنهارها وهذا كله علم لكن المراد من اليقين هنا: الدار الآخرة.. الموت، إذ الموت عتبة الدار الآخرة.

معاشر المؤمنين: نقرأ شرح الآيات من الكتاب لنزداد علماً وبصيرة. ‏

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله لنا وله: [ معنى الآيات: ما زال السياق في إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم وتعليمه ما ينبغي أن يكون عليه، فأمره تعالى بقوله: وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ [الحجر:89] أي: أعلن -يا رسولنا- لقومك بأنك النذير البين النذارة لكم يا قوم أن ينزل بكم عذاب الله ] هذه نذارتي [ أن ينزل بكم عذاب الله إن أصررتم على الشرك والعناد والكفر.

وقوله: كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر:90-91] أنذرهم عذاباً كالذي أنزله الله وينزله على المقتسمين الذين قسموا التوراة والإنجيل، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وهم اليهود والنصارى.

والمقتسمين الذين تقاسموا أن يبيتوا صالحاً فأنزل الله بهم عقوبته.

والمقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين أي: أجزاء فقالوا فيه: شعر، وسحر، وكهانة.

المقتسمين الذين قسموا طرق مكة وجعلوها نقاط تفتيش يصدون عن سبيل الله كل من جاء يريد الإسلام، فهؤلاء كلهم مقتسمون وقد حل بهم عذاب الله ونقمته.

وقوله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93] يقسم الجبار تبارك وتعالى لرسوله أنه ليسألنهم يوم القيامة عما كانوا يعملون ويجزيهم به، فلذا لا يهولنك أمرهم واصبر على أذاهم.

وقوله: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94]، أي: اجهر بدعوة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وما تؤمر ببيانه والدعوة إليه أو التنفير منه. وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94] ولا تبال بهم.

وقوله: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر:95-96] والمراد بهؤلاء المستهزئين الذين وعد تعالى بكفاية رسوله شرهم هم: الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدي بن قيس والأسود بن عبد يغوث وقد ماتوا كلهم بآفات مختلفة في أمدٍ يسير ووقت قليل، عليهم لعائن الله تعالى.

وقوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر:97] أي: من الاستهزاء بك والسخرية، ومن المبالغة في الكفر والعناد، فنرشدك إلى ما يخفف عنك الألم النفسي: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [الحجر:98] أي قل: سبحان الله وبحمده، أكثر من هذا الذكر ] أكثر من سبحان الله وبحمده.

[ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98] أي المصلين، إذ لا سجود إلا في الصلاة أو تلاوة كتاب الله.

إذاً: فافزع عند الضيق إلى الصلاة، فلذا كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ] أخذ عبد الله بن عمر بهذه لما كان قادماً من مكة إلى المدينة، بلغوه أن زوجته ماتت، فنزل عن راحلته وصلى ركعتين، فسأله مولاه: لم صليت؟ قال: ( لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ).

[ وقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] أي: واصل العبادة -لا تقطعها- وهي الطاعة في غاية الذل والخضوع لله تعالى حتى يأتيك اليقين الذي هو الموت، فإن القبر أول عتبة الآخرة، وبموت الإنسان ودخوله في الدار الآخرة أصبح إيمانه] بعدما كان علماً [يقيناً محضاً ].

هداية الآيات

قال: [هداية الآيات: من هداية الآيات:

أولاً: حرمة الاختلاف في كتاب الله تعالى على نحو ما اختلف فيه أهل الكتاب ] اليهود اختلفوا في التوراة، والله لو ما اختلفوا لدخلوا في الإسلام كلهم، والنصارى اختلفوا في الإنجيل والله اختلفوا، وقد قلت لكم: وزعوه على ثلاثة وثلاثين إنجيلاً، وبعدها جمعوه في خمسة أناجيل، فأي خلاف أكثر من هذا؟

إذاً: الاختلاف في القرآن العظيم في فهمه ودلالته أوجد الخوارج، وأوجد الروافض، وأوجد المعتزلة، وأوجد.. وأوجد الجهمية؛ لأنهم اختلفوا في القرآن، أولوا وحرفوا كلام الله، فالاختلاف في الكتاب محرم، لا يختلف اثنان في آية من كتاب الله فهموها أو فوضوا أمرها إلى الله.

[ حرمة الاختلاف في كتاب الله تعالى على نحو ما اختلف فيه أهل الكتاب ] وأخذنا هذا من قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر:91] أي: يقطعونه ويوزعونه.

[ ثانياً: مشروعية الجهر بالحق وبيانه لاسيما إذا لم يكن هناك اضطهاد ] إذا كان المرء لا يضطهد ولا يعذب فيجب أن يجهر بالحق وأن يعلو به صوته، أخذاً بقول الله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] والرسول قال له ربه: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95] وأنت إذا لم يكفك الله وكنت تخاف الاضطهاد فلا ترفع صوتك، لا بأس، أما وأنت آمن من الخوف فيجب أن ترفع صوتك وتجهر بالحق.

[ مشروعية الجهر بالحق وبيانه لا سيما إذا لم يكن هناك اضطهاد ] وأخذنا هذا من قوله تعالى: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [الحجر:94].

[ ثالثاً: فضل التسبيح بجملة: (سبحان الله وبحمده)، ومن قالها مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر. وهذا مروي في الصحيح ].

يا معشر المؤمنين! أضيف إلى (سبحان الله وبحمده: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

أوراد الصوفية: الله، الله، الله، هو هو هو. والله لا تفيدك أبداً.

سبحان الله العظيم كيف فعل الثالوث بالمؤمنين؟ يجلسون في مجلس واحد: الله، الله، الله، الله.

ماذا تريدون؟ الله، الله.

لو أن شخصاً يقول لك: يا عبد الله! عبد الله، عبد الله، ألا تغضب؟ ماذا تريد؟ اسأل، وأنت تقول: عبد الله، عبد الله، تحتاج إلى صفعة، فالذي يقول: الله، الله، أي ماذا؟ اطلب. الله، الله، الله، هذا الورد من شر الأوراد، صرفوهم عن الحق.

أما قولهم: هو، هو، هو، هل (هو) من أسماء الله تعالى؟ وإن كان الله اسمه (هو) فهل يجوز أن تقول: هو، هو، هو، هو، هو مائة مرة؟

الجواب: لا يجوز ولكنه الجهل، أعظم ورد هو: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ). الورد الثاني: ( سبحان الله وبحمده ). ثالث ورد: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، كما في الحديث: ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ).

فأنت تسوق السيارة ووردك في فمك، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم!

مسحاتك في يدك وأنت فلاح ولسانك يلهج: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

ولكن الشياطين صرفت القلوب وصرفت الألسن عن ذكر الله حتى تتمكن من إفساد القلوب والعياذ بالله.

[ رابعاً: مشروعية صلاة الحاجة، فمن حزبه أمر أو ضاق به فليصل صلاة يفرج الله تعالى بها ما به أو يقضي حاجته إن شاء وهو العليم الحكيم ] فأيما هم أو كرب أو محنة فقم وتوضأ وصل ركعتين والله يفرج ما بك وهو على كل شيء قدير.

والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم بما ندرس ونسمع.