خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/142"> الشيخ ابو بكر الجزائري . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/142?sub=117"> تفسير سور إبراهيم و الحجر و النحل
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
تفسير سورة الحجر (10)
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألفٍ وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن ما زلنا مع آيات سورة الحجر، قال تعالى: وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ [الحجر:68-79].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زلنا مع ما قص الله تعالى علينا في كتابه من قصة قوم لوط، وقد عرفنا أن لوطاً صلى الله عليه وسلم ابن أخي إبراهيم، وجاء معه من أرض بابل بالعراق، وأرسله الله بعدما نبأه إلى سدوم وعمورة ديار قوم لوط، وعلمنا أن الضيف الكريم المكون من جبريل وإسرافيل وميكائيل هذا الضيف الكريم نزل أولاً عند إبراهيم بأرض الشام، وبشروه بما علمتم، بغلام عليم، الذي هو إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام، وأخبروه أنهم في طريقهم إلى قوم لوط؛ لإنهاء وجودهم وتدميرهم بإهلاكهم، لما ارتكبوا من أعظم الذنوب وأكبر الجرائم، وهو الكفر بالله والشرك به تعالى ثم إتيان الفاحشة القبيحة الذميمة فاحشة اللواط.
وها نحن نسمع الآن قول ربنا: وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ [الحجر:67] أي: أهل مدينة سدوم وعمورة مدن قوم لوط، جاءوا إلى لوط عليه السلام في بيته، لما بلغهم من طريق الجاسوسية والوشاية أن في بيت لوط ضيوفاً، ثلاثة رجال من أحسن الرجال وجوهاً، لما بلغهم الخبر ولعله بواسطة عجوز السوء عليها لعائن الله جاءوا كالكلاب يهرعون، وأحاطوا بالبيت، وطالبوا لوطاً أن يسمح لهم بالدخول على هذا الضيف.
وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ [الحجر:67] يستبشرون فرحين مسرورين، لما بلغهم من أن ضيوفاً جمالاً حساناً دخلوا المدينة وهم في بيت رسول الله لوط.
فرحين لأنهم كالكلاب، الغلمة سيطرت على نفوسهم، وعمتهم الشهوة وأصبحوا شراً من الكلاب، لا يتمالكون أبداً إذا شاهدوا الرجل الجميل.
قال تعالى: وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ [الحجر:67] فأجابهم رسول الله لوط عليه السلام قائلاً: إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [الحجر:68] يا قوم! هؤلاء ضيفي نزلوا عندي، فلا تفضحوني، ولا تذلوني وتهينوني بأن تتسلطوا على الضيف وتفعلوا فيه الفاحشة قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [الحجر:68].
قال تعالى حاكياً عن لوط عليه السلام قوله لقومه: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ [الحجر:69].
وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجر:69]. أمرهم أن يتقوا الله، فلا شك أنهم يؤمنون بالله، وإلا ما أمرهم بهذا، لكنه إيمان صوري، فالذنوب غطت قلوبهم وغشيت نفوسهم، وما أصبحوا يعرفون شيئاً، أصبحوا كالبهائم.
يقول: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ [الحجر:69] في ضيفي وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجر:69] خافوه، واتركوا هذه الفاحشة، وتوبوا إليه، اعبدوه وحده، ولا تخزوني في ضيفي، فأجابوه عليهم لعائن الله، أجابوه قائلين: أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ [الحجر:70].
قال تعالى حاكياً عن قوم لوط ردهم على نبيهم عليه السلام: أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ [الحجر:70].
أي: ألم يسبق لنا أن نهيناك عن الضيوف وعن الرجال؟ فكيف تمنعنا منهم؟!
ألم ننهك فيما مضى عن ضيافة إنسان في بيتك وتحصينه وحراسته عندك؟
لم تفعل هذا يا لوط؟! أولم ننهك فيما سبق عن العالمين من الرجال دون النساء؟
فكيف اليوم تمنعنا من أن نتمكن من إتيان الفاحشة من هذا الضيف الذي عندك؟ وتقف في وجهنا وتصدنا؟
وهذا الاستفهام معناه: التقريع والتوبيخ: قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ [الحجر:70].
بم يجيبهم رسول الله لوط؟ آه لو كان له ركن يركن إليه! أو قوة يفزع إليها، فماذا عساه أن يقول: قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [الحجر:71].
قال تعالى حاكياً عن نبيه لوط في محاورة قومه: هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [الحجر:71]وبناته من صلبه وبنات القبيلة، كلهن بناته.
أي: تزوجوا بالنساء، فهناك مئات آلاف من البنات موجودات، فلم تعرضون عنهن وتدبرون وتقبلون على الرجال فقط لترتكبوا أعظم فاحشة؟! قال تعالى في سورة هود: هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي [هود:78].
قوله: إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ [الحجر:71] إن كنتم فاعلين أي: ممتثلين أمري، مجتنبين نهيي، إن كنتم تسمعون لما آمركم به وأنهاكم عنه.
هذه كلمات لوط عليه السلام، فدى ضيفه ببناته كما أخبر تعالى عنه، هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي [هود:78].
وهنا قال الله عز وجل: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] من الذي حلف؟ الله جل جلاله.
حلف لمن؟ حلف للوط عليه السلام أو حلف لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والسياق يدل على الوجهين، والكل جائز.
الله قال: لَعَمْرُكَ [الحجر:72] للوط، أن الله يفعل بهم كذا وكذا، أو قال الله تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم وهو يقص عليه هذا القصص: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] لا يستجيبون لك يا لوط! ولا يمتثلون أمرك، ولا يفقهون ما تقول، ولا يعقلون؛ لأنهم في سكرة، في غمرة من الشهوات العارمة يعمهون، مرهم أو انههم، أعطهم البنات وكذا لا يسمعون.
لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] وهنا نعلم أن لله تعالى أن يحلف بما يشاء، وليس لغير الله أن يحلف إلا بالله، فلا يقولن قائل: ها هو الله تعالى حلف بعيش رسوله وحياته وعمره؛ لأن: لَعَمْرُكَ [الحجر:72] معناها: لعُمْرُك؛ ولكثرة الاستعمال خففت الضمة إلى فتحة: لَعَمْرُكَ [الحجر:72] أي: لحياتك.
استمعوا يرحمكم الله: لا يقولن قائل: الله حلف برسوله صلى الله عليه وسلم لوط أو محمد صلى الله عليهما وسلم؛ فأنا أحلف بما حلف الله به؛ لأن الله تعالى له أن يحلف بما يشاء، فقد حلف بالشمس وضحاها، وحلف بالليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، فلله أن يحلف بما يشاء من مخلوقاته، أما عبيده فلا حق لهم في أن يحلفوا بغيره عز وجل.
ومن هنا في هذا المسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يعلم أصحابه ويقول: ( ألا إن الله ورسوله ينهيانكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ).
ومرة أخرى قال: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ).
ومرة قال: ( من حلف بغير الله فقد كفر ).
معشر المستمعين والمستمعات! خذوا هذه القضية العلمية؛ لأن إخوانكم تشاهدونهم وتسمعون منهم من يحلفون بما شاءوا، من النبي إلى الكعبة، فهذه الأيمان باطلة أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن فيها لمؤمن ولا مؤمنة.
ومن لطائف رحمته صلى الله عليه وسلم: أن الشخص إذا اعتاد زمناً طويلاً الحلف بغير الله، حتى أنه ما يشعر أنه يحلف بذلك الذي يحلف به، ففي هذه الحال أرشده صلى الله عليه وسلم إلى أن يكفر عن يمينه بأن يقول: لا إله إلا الله!
إذاً: يا عبد الله إذا جرى على لسانك: والنبي! ثم تنبهت وعرفت أنك أخطأت قل: لا إله إلا الله، فالسيئة تمحوها الحسنة، والحلف بغير الله سيئة، وكلمة: لا إله إلا الله حسنة تمحوها، وفي الحديث الصحيح ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ).
لَعَمْرُكَ [الحجر:72] الله يقول للوط عليه السلام أو لنبينا صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] ما استجابوا لما قال لوط ولا لما بين لهم، ولما نصحهم، ولما حذرهم وخوفهم أبداً؛ لأنهم في ظلمة وهي الشهوة شهوة الذكور والعياذ بالله عز وجل.
لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر:72] أكثر من العمى، عمى القلوب والأبصار.
قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [الحجر:73] صيحة جبريل التي لما سمعوها خرجت نفوسهم من صدورهم.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [الحجر:73] أي: في الإشراق، من بعد الفجر إلى طلوع الشمس، تلك الساعة هي التي أخذتهم بها الصيحة.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [الحجر:73] أي: داخلين في الإشراق، كما تقدم مصبحين أي: داخلين في الصباح.
وقال تعالى: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا [الحجر:74] جعلنا عالي المدينة التي كانت مبان مشيدة ومعمورة أسفل، كالخسف، وما كان أسفل أصبح فوق، كل هذا بصيحة واحدة.
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74] والسجيل: الحجارة المحماة المحترقة، هذه الحجارة من الملكوت الذي يعرفه الله ويعلمه، فالذين كانوا خارج المدينة أهلكهم الله بهذه الحجارة الملتهبة المحرقة، وأما أهل المدينة فانقلبت عليهم رأساً على عقب. هكذا يقول تعالى في بيان إهلاك قوم لوط المجرمين، يقول: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74]، من جهنم.
وجاء في سورة الفيل: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ [الفيل:1-4].
كما أهلك قوم لوط بهذه الحجارة من النار، أهلك كذلك قوم أبرهة الحبشي بحجارة من سجيل، إلا أن حجارة أبرهة تحملها طير بمخالبها، وأما هذه فلم يذكر تعالى كيفية إرسالها عليهم بل قال: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74].
يقول تعالى: وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ [الحجر:67] مدينة قوم لوط سدوم وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ [الحجر:67] فرحين مسرورين، لما بلغهم من وجود ضيف حسن الوجوه في دار النبي لوط عليه السلام.
قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [الحجر:68] من قال هذه الجملة؟ نبي الله لوط، قال لهم: إن هؤلاء الموجودين عندي في بيتي ضيفي، فكيف تهينونني وتفضحونني؟
وَاتَّقُوا اللَّهَ [الحجر:69] خافوه واتركوا هذه الجرائم والموبقات وَلا تُخْزُونِ [الحجر:69] في ضيفي.
قَالُوا [الحجر:70] أجاب اللائطون المشركون أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ [الحجر:70] أما سبق أن نهيناك أن لا تتدخل في شئوننا، وأن لا تحول بيننا وبين ما نريد، وأن لا تدخل ضيفاً في بيتك وتحفظه عندك، فكيف تعود لمثل هذا؟ أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ [الحجر:70]؟
فأجابهم لوط عليه السلام، قال: هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود:78] تزوجوا النساء.
لم الإقبال على الذكور وترك الإناث؟
لم هذا الخروج عن الفطرة والغريزة البشرية، بل حتى الحيوانية، فالحيوان لا ينزو الذكر منها على الذكر أبداً؟!
هنا انتهى الجدال بين لوط والقوم المسرفين، فقال تعالى: وعزتي وجلالي لَعَمْرُكَ [الحجر:72] يا رسولنا! إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [الحجر:72-73] أقسم الله تعالى بحياة لوط أو حياة محمد صلى الله عليه وسلم، أو حياتك أنت أيها السامع! أن القوم في سكرة يعمهون، فهذه الغلمة -والعياذ بالله- سيطرت على نفوسهم فاستبدت بهم في الشهوات، فما أصبحوا إلا كالحيوانات لا يفهمون.
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ [الحجر:73] مع الصباح والإشراق، فبين تعالى كيف كانت العاقبة: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر:74] من جهنم، وهي الحجارة المحترقة.
كتاب الله كله كتاب هداية، كتاب رحمة وأخذ بيد البشرية إلى سبيل نجاتها، فهنا يعقب تعالى على هذه الأحداث كلها بقوله: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] إن في هذا الذي سمعناه من هذه الأحداث الجسام آيات، أي: علامات تدل على أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن البعث حق، وأن الجزاء حق في الدنيا والآخرة.
إن في ذلك المذكور الذي سمعتم من أحداث جسام وعجائب في الكون لآيات وعلامات تدل على أنه لا إله إلا الله، وأنه يجب أن يعبد الله، وأن لا نجاة إلا في عبادة الله.
ولكن لمن هذه الآيات؟ من يراها؟ من يفقهها؟ من يفهمها؟ قال: لِلْمُتَوَسِّمِينَ أصحاب الفراسة، أصحاب العقول الواعية، والرسول يقول: ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ). ويقول: ( وبفقه الله يفقه ).
والشاهد عندنا في التوسم وهو: النظر الدقيق من صاحب العقل السليم، الذي يستطيع أن يدرك به الشيء ويعرف حقيقته.
إذاً: هذه الآيات من يستفيد منها؟ أصحاب العقول الهابطة؟! أصحاب العقول البهيمية؟!
الجواب: لا. بل أصحاب العقول النيرة، والقلوب الصافية والأنفس الزكية، هم الذين يجدون فيما ذكر تعالى آيات، كل آية تقرر الحق وتبطل الباطل، كل آية تدعو إلى الكمال وتنهى عن النقصان، كل آية تدعو إلى السعادة، وتنهى عن الشقاء.
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ [الحجر:75] لمن؟ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر:75] جعلنا الله وإياكم منهم!
والمؤمن الزكي النفس الطيب الروح الصافي العقل أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمعتم: ( اتقوا ) يا عباد الله! ( اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله عز وجل ويفقه بتوفيق الله عز وجل ).