حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد - عمر بن عبد الله المقبل
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
ففي مثل هذه الأيام من كل عام تتوارد الأسئلة على أهل العلم عن حكم التهنئة بالعام الهجري الجديد.
وكالعادة -في مثل هذه المسائل التي لا نص فيها- يقع الاختلاف بين أهل العلم، والأمر إلى هذا الحد مقبول؛ لكن أن يجعل ذلك من البدع ، ومن مضارعة النصارى، ففي ذلك نظر بيّن.
وهذا المأخذ هو أحد أسباب من منع من التهنئة بها.
وقد رأيت -بعد البحث- أن هذا القول (أعني تسربها من النصارى) لا يساعده النظر، بل لو قال قائل: إن العكس هو الصحيح لم يكن بعيداً من الصواب، فقد قال السيوطي -رحمه الله تعالى– (ت: 911هـ) في مقدمة رسالته "وصول الأماني بأصول التهاني": "فقد كثر السؤال عما اعتاده الناس من التهنئة بالعيد والعام والشهر والولايات ونحو ذلك...
هل له أصلٌ في السنة؟ فجمعت هذا الجزء في ذلك: (قال القمولي في "الجواهر": لم أر لأصحابنا كلاماً في التهئنة بالعيدين والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، ورأيت -فيما نقل من فوائد الشيخ زكي الدين عبد العظيم المنذري- أن الحافظ أبا الحسن المقدسي سئل عن التهنئة في أوائل الشهور والسنين: أهو بدعة أم لا؟ فأجاب: بأن الناس لم يزالوا مختلفين في ذلك، قال: والذي أراه أنه مباح، ليس بسنة، ولا بدعة، انتهى) -أي كلام أبي الحسن المقدسي- ونقله الشرف الغزي في "شرح المنهاج"، ولم يزد عليه" انتهى كلام السيوطي.
وهذا النقل عن القمولي تتابع على نقله متأخرو الشافعية في مصنفاتهم في الفقه، كالشربيني وغيره.
ويستفاد من نقل السيوطي ما يلي:
الأول: أن السؤال عن هذه المسألة قديم، أي أن التهئنة بالعام الهجري تعود إلى القرن الخامس، فإن الحافظ أبا الحسن المقدسي (ت: 611) رحمه الله يسأل عنها، وإذا كان قد توفي عام (611) فهذا يعني أنه عاش أكثر عمره في القرن السادس الهجري.
ومثله تلميذه الحافظ عبد العظيم المنذري -رحمه الله تعالى- صاحب الترغيب والترهيب (ت: 656).
وهذا ما وقفت عليه، وربما لو تتبع باحث لوجد لذلك بعداً تاريخياَّ أقدم.
وإذا علمنا أن أوروبا كانت في تلك الفترة تعيش حقبة ما يسمى بالعصور الوسطى، والتي هي أكثر العصور انحطاطاً -في تقدير الأوربيين أنفسهم- وفي المقابل كانت الأمة الإسلامية، ما زالت قوتها مصدر هيبة للأعداء، وما زالت فتوحات الإسلام تواصل زحفها في شمال الأندلس غرباً، وأقاصي الصين شرقاً، وقد جرت العادة أن الضعيف هو الذي يقلد القوي، وعليه..
فما المانع أن تكون التهاني بالأعوام الجديدة متلقاة عن المسلمين، أخذها النصارى عنهم؟ وكون هذا يربط بعيد عند النصارى، لا يؤثر على حل التهنئة بالعام؛ فإن التهنئة شيء، والعيد شيء آخر.
وهذا -فيما يظهر- يضعف القول بأن التهنئة بالأعوام جاءت من قبل النصارى، والذي بنى عليه بعض الفضلاء منعهم لها.
ثانياً: مما يستفاد من نقل السيوطي: أن الحافظ أبا الحسن المقدسي يرى التوسط في ذلك، وهو القول بالإباحة، فلا هي سنة ولا هي بدعة، وهذا ـوالله أعلم- مبني على أن التهاني من باب العادات، فلا يشدد فيها، وهذا الفهم، هو الذي فهمه العلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- (ت: 1376هـ) ، ففي كتاب "الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة" لشيخنا العلامة عبد الله بن عقيل رحمه الله (ت: 1432هـ) -وهو كتاب حوى مراسلات بينه وبين شيخه العلامة عبد الرحمن بن سعدي- جاء في ص (174) أن الشيخ ابن سعدي كتب لتلميذه ابن عقيل كتاباً في 3/محرم/1367هـ، وكان في ديباجة رسالته: "...
ونهنئكم بالعام الجديد، جدد الله علينا وعليكم النعم، ودفع عنا وعنكم النقم".
وقد رأيت لجماعة من مشايخنا -رحمهم الله- كابن باز (ت: 1420هـ)، وابن عثيمين (ت: 1421هـ)، فقالوا: لا يُبتدأ بها، ولا ينكر على من فعلها.
وقد نص شيخنا ابن باز رحمه الله على أن البدء بها ليس ببدعة.
وبناء على ما سبق، فلا يحسن التشديد في هذا الأمر، والله تعالى أعلم، والحمد لله رب العالمين.
كتب أصله في عام 23/12/1426هـ وأعيدت مراجعته في 27/12/1433هـ
د.عمر بن عبد الله المقبل
27/12/1433 هـ