اعترافات مذنب


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، ثم أما بعــد:

فهذا اعتراف مذنب: كنت قد كتبت لأخي رسالة قبل أيام عاتبته فيها على شطحات وهفوات، وتحدثت عن مشاعر وأحاسيس في نفسي، فظن هذا الأخ الكريم أني أعنيه بشخصه وأقصده بذاته، فكتب إلي متبرماً متنصلاً وقال: إن سياط عتابك أوجعتني، وكلماتك آلمتني، والحق أني ما قصدته بذاته.

بل أنا لا أعرفه لا باسمه ولا برسمه، ولكني أتحدث عن أعمال وأقوال وأحوال ربما كان يلابسها الكثير منا، -إن لم يكن كلنا؛ فجلنا- فما منا إلا وهو ذلك المخطئ المذنب، وفي سنن الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} فكلنا ذلك الخطَّاء، وكلنا ذلك المذنب.

بل وفي حديث آخر عند الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه -وسنده صحيح أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، أي إن المؤمن خلق مفتناً، تواباً، نسياً، إذا ذكر }.

فحديثي لم يكن إلى ذلك الأخ الكريم بعينه، ولقد سمعت عدداً من الإخوة يقول: أنا المقصود لولا أنني لا أفعل كذا، وأنا المراد لولا أني لم أقل كذا، وأظن أن الخطاب لي لولا أنني ما وقعت في كذا.

إن اعتراف الإنسان بذنبه؛ هو دليل الإيمان، ودليل الشعور بالخوف من الله عز وجل، ولهذا قال الله تعالى عن المؤمنين، بل عن المستقيمين: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الحديث الذي رواه أحمد وغيره عن أبي أمامة، وهو حديث صحيح-: {إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك؛ فأنت مؤمن}.

حقيقة الاعتراف بالذنب

وإن الاعتراف بالذنب في الإسلام لا يعني الإقرار بفعل الذنب، بل إن العبد ليس مطالب بأن يقر بفعل الذنب في هذه الدنيا، وربما لو تاب وستر نفسه؛ لكان خيراً له في الدنيا والآخرة من أن يفضح نفسه، أو أن يعرض نفسه للعقوبة، أو لإقامة حد من حدود الله تعالى عليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من بلي بشيء من هذه القاذورات؛ فليستتر بستر الله عز وجل}.

ولكن المقصود أن يعترف بين يدي ربه جل وعلا، الذي يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه خافية... أن يعترف بأن ما فعله خطأ، وذنب، ومعصية، وذلك دليل الإيمان بالله تعالى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك؛ فأنت مؤمن}.

فالمؤمن هو ذلك الذي يلدغ الشعور بالذنب قلبه، ويكوي فؤاده، ويؤرقه.. فيتقلب على فراشه على مثل جمر الغضى؛ من الشعور بالذنب وقلق المعصية، والتوتر والخوف من عقاب الله تعالى أن ينـزل به ليلاً أو نهاراً، اليوم أو غداً.

إنه اعتراف بأن ما فعله خطأ؛ ولذلك تراه يتوب ويستغفر... وهاهو المؤمن يقول -في صباح كل يوم ومساء كل ليلة- كما أمر وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث شداد بن أوس في صحيح البخاري، أنه قال عليه الصلاة والسلام: {سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك علي، وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

من قاله حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة، ومن قاله حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة} وذلك لما احتواه هذا الاستغفار من الإقرار بالذنب، والاعتراف به، والإقرار بنعمة الله تعالى على العبد.

وفي الحديث الآخر -أيضاً- الذي رواه البيهقي وأبو نعيم عن عائشة -وهو صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً}.

كثرة استغفار الرسول

حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بأن يعترف بذنبه، ويستغفر الله تعالى منه، فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] وقال: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:106].

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار... فكان إذا انصرف من صلاته، قال -وهو مستقبل القبلة قبل أن ينصرف إلى الناس-:{أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله} كما في حديث عائشة وهو في صحيح مسلم، وكما في حديث ثوبان وغيرهما... فقال هذا الاستغفار عقب طاعة من الطاعات وهي الصلاة.

كما أمره الله تعالى أن يستغفر عقب طاعة أخرى في مناسك الحج فقال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].

فإذا كان العبد حتى النبي المصطفى المختار عليه الصلاة والسلام يطلب منه أن يستغفر بعد طاعة، وصلاة، ونسك، وبعد ذكر، فما بالك بالخطائين المذنبين الذين غرقوا في أوحال المعصية إلى أذقانهم.. وتلطخوا بها؛ واشتملوا عليها!

وما بالك بالعبد وهو يخرج من ذنب، أو يقلع من معصية، أو يتوب مما لا يرضي الله عز وجل! فإنه أولى أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يستغفر الله عز وجل استغفاراً يتواطأ فيه اللسان مع القلب، فإنه خير الاستغفار.

أما أن يستغفر بلسانه وقلبه مصر على المعصية، فإن هذا لا يكون قد استغفر الله تعالى حقاً، ولهذا قال أحدهم:

أستغفر الله من أستغفر الله     من كلمة قلتها لم أدرِ معناها

إنه يستغفر من أنه ينقض بفعله ما قاله بلسانه، فذلك الإنسان الذي يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت؛ ثم ينقض عهد الله تعالى من بعد ميثاقه، ويقطع ما أمر الله تعالى به أن يوصل، ويترك ما أمر الله تعالى أن يفعل، ويفعل ما أمر الله تعالى أن يترك، أين هو ممن يعترف بذنبه، أو يقر به، أو يفي بعهد الله تعالى وميثاقه؟!

إن هذا هو الاعتراف الحق... أن يعترف العبد بقلبه بما وقع من الذنب والحوب والمعصية؛ ثم ينطق اللسان بما اشتمل عليه القلب من الإقرار لله تعالى، والتوبة إليه، والندم على ما فات، والعزم على ألا يعود.

وهذا هو ما دعا إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، فقال سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].

وإن الاعتراف بالذنب في الإسلام لا يعني الإقرار بفعل الذنب، بل إن العبد ليس مطالب بأن يقر بفعل الذنب في هذه الدنيا، وربما لو تاب وستر نفسه؛ لكان خيراً له في الدنيا والآخرة من أن يفضح نفسه، أو أن يعرض نفسه للعقوبة، أو لإقامة حد من حدود الله تعالى عليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من بلي بشيء من هذه القاذورات؛ فليستتر بستر الله عز وجل}.

ولكن المقصود أن يعترف بين يدي ربه جل وعلا، الذي يعلم السر وأخفى، ولا تخفى عليه خافية... أن يعترف بأن ما فعله خطأ، وذنب، ومعصية، وذلك دليل الإيمان بالله تعالى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك؛ فأنت مؤمن}.

فالمؤمن هو ذلك الذي يلدغ الشعور بالذنب قلبه، ويكوي فؤاده، ويؤرقه.. فيتقلب على فراشه على مثل جمر الغضى؛ من الشعور بالذنب وقلق المعصية، والتوتر والخوف من عقاب الله تعالى أن ينـزل به ليلاً أو نهاراً، اليوم أو غداً.

إنه اعتراف بأن ما فعله خطأ؛ ولذلك تراه يتوب ويستغفر... وهاهو المؤمن يقول -في صباح كل يوم ومساء كل ليلة- كما أمر وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث شداد بن أوس في صحيح البخاري، أنه قال عليه الصلاة والسلام: {سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك علي، وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

من قاله حين يصبح فمات من يومه دخل الجنة، ومن قاله حين يمسي فمات من ليلته دخل الجنة} وذلك لما احتواه هذا الاستغفار من الإقرار بالذنب، والاعتراف به، والإقرار بنعمة الله تعالى على العبد.

وفي الحديث الآخر -أيضاً- الذي رواه البيهقي وأبو نعيم عن عائشة -وهو صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً}.

حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى بأن يعترف بذنبه، ويستغفر الله تعالى منه، فقال: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] وقال: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:106].

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار... فكان إذا انصرف من صلاته، قال -وهو مستقبل القبلة قبل أن ينصرف إلى الناس-:{أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله} كما في حديث عائشة وهو في صحيح مسلم، وكما في حديث ثوبان وغيرهما... فقال هذا الاستغفار عقب طاعة من الطاعات وهي الصلاة.

كما أمره الله تعالى أن يستغفر عقب طاعة أخرى في مناسك الحج فقال: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].

فإذا كان العبد حتى النبي المصطفى المختار عليه الصلاة والسلام يطلب منه أن يستغفر بعد طاعة، وصلاة، ونسك، وبعد ذكر، فما بالك بالخطائين المذنبين الذين غرقوا في أوحال المعصية إلى أذقانهم.. وتلطخوا بها؛ واشتملوا عليها!

وما بالك بالعبد وهو يخرج من ذنب، أو يقلع من معصية، أو يتوب مما لا يرضي الله عز وجل! فإنه أولى أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يستغفر الله عز وجل استغفاراً يتواطأ فيه اللسان مع القلب، فإنه خير الاستغفار.

أما أن يستغفر بلسانه وقلبه مصر على المعصية، فإن هذا لا يكون قد استغفر الله تعالى حقاً، ولهذا قال أحدهم:

أستغفر الله من أستغفر الله     من كلمة قلتها لم أدرِ معناها

إنه يستغفر من أنه ينقض بفعله ما قاله بلسانه، فذلك الإنسان الذي يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت؛ ثم ينقض عهد الله تعالى من بعد ميثاقه، ويقطع ما أمر الله تعالى به أن يوصل، ويترك ما أمر الله تعالى أن يفعل، ويفعل ما أمر الله تعالى أن يترك، أين هو ممن يعترف بذنبه، أو يقر به، أو يفي بعهد الله تعالى وميثاقه؟!

إن هذا هو الاعتراف الحق... أن يعترف العبد بقلبه بما وقع من الذنب والحوب والمعصية؛ ثم ينطق اللسان بما اشتمل عليه القلب من الإقرار لله تعالى، والتوبة إليه، والندم على ما فات، والعزم على ألا يعود.

وهذا هو ما دعا إليه الرسل عليهم الصلاة والسلام، فقال سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً [نوح:10-12].


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع