ومن أعظم المحن، وأطم الفتن، في هذا الزمن، انحلال عصام التقوى عن الورى، واتباعهم نزغات الهوى، وتشوفهم إلى الاستمساك بحطام المنى، وعروهم عن الثقة بالوعد والوعيد في العقبى

لا يخفى على أهل الزمان الذي لم تدرس فيه قواعد الشريعة، وإنما التبست تفاصيلها أنّا غير مكلفين بالتوقي مما لا يتأتى التوقي عنه، ولا يخلو مثل هذا الزمان عن العلم بأن ما يتعذر الصون عنه جداً، وإن كان متصوراً على العسر والمشقة معفو عنه

وليست الإمامة من قواعد العقائد، بل هي ولاية تامة، ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة في محل التأخي والتحري

والناس على تاراتهم وتباين طبقاتهم مواظبون على إقامة وظائف الصلوات مثابرون على رعاية الأوقات، باحثون عما يتعلق بها من الشرائط والأركان والهيئات فهي لذلك لا تندرس على ممر الدهور، ولا يمحق ذكر أصولهاعن الصدور

الأصول التي قدرنا بقاءها كلياتٌ مسترسلةٌ، لا تعلق لها بالغوامض

وقد تقرر من دين الأمة قاطبة أن الغرض من الإمامة جمع الآراء المتشتتة، وارتباط الأهواء المتفاوتة

الوجه عندي أن يعتبر في البيعة حصول مبلغ من الأتباع والأنصار والأشياع، تحصل بهم شوكة ظاهرة، ومنعة قاهرة، بحيث لو فرض ثوران خلاف، لما غلب على الظن أن يصطلم أتباع الإمام، فإذا تأكدت البيعة وتأطدت بالشوكة والعَدد والعُدد، واعتضدت، وتأيدت بالمُنَّة، واستظهرت بأسباب الاستيلاء والاستعلاء، فإذ ذاك تثبت الإمامة وتستقر، وتتأكد الولاية وتستمر

الإمام لا يستوزر إلا شهماً كافياً، ذا نجدة، وكفاية، ودراية، ونفاذ رأي، واتقاد قريحة، وذكاء فطنة، ولا بد وأن يكون متلفعاً من جلابيب الديانة بأسبغها وأضفاها وأصفاها، راقياً من أطواد المعالي إلى ذراها؛ فإنه متصد لأمر عظيم، وخطب جسيم، والاستعداد للمراتب على قدر أخطار المناصب

ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات لعم المأثم على الكافة على اختلاف الرتب والدرجات؛ فالقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطبين الحرج والعقاب، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر من يحل محل المسلمين أجمعين في لاقيام لمهم من مهمات الدين

ومما ألقيه على المجلس السامي: وجوب مراجعة العلماء فيما يأتي ويذر؛ فإنهم قدوة الأحكام وأعلام الإسلام، وورثة النبوة، وقادة الأمة، وسادة الملة، ومفاتيح الهدى، ومصابيح الدجى، وهم على الحقيقة أصحاب الأمر استحقاقاً

الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين

والذي عليه التعويل في الجملة والتفصيل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدوا، وغبنا، واستيقنوا عن عيان، واستربنا، وكانوا قدوة الأنام، وأسوة الإسلام، لا يأخذهم في الله عذل وملام لا يؤثرون على الحق أحداً، ولا يجدون من دونه ملتحداً

معرفة الكتاب تستدعي لا محالة العلم باللغة؛ فإن من اقتصر على اتباع أقوال المفسرين وتحفظها، كان مقلداً، ولم يكن عارفاً

وإذا لم تكن الإيالة الضابطة لأهل الإسلام على الإلزام والإبرام، كان ضيرها مُبِراً على خيرها

ما استمر في الناس العلم بوجوبه؛ فإنهم يقيمونه، وما ذهب عن ذكر أهل الدهر جملة، فلا تكليف عليهم فيه

وليس بالخافي على ذوي البصائر أن الدول إنما تضطرب بتحزب الأمراء، وتفرق الآراء، وتجاذب الأهواء

وأهم المطالب في الفقه التدرب في مآخذ الظنون في مجال الأحكام، وهذا هو الذي يسمى فقه النفس وهو أنفس صفات علماء الشريعة

فمما أعرضه على الجناب العالي أمر يعظم وقعه على اعتقاب الأيام والليالي، وهو الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار؛ فإن النظر في أمور الرعايا، يترتب على الاطلاع على الغوامض والخفايا