ولا مطمع في وجدان نص من كتاب الله تعالى في تفاصيل الإمامة والخبر المتواتر معوز أيضاً؛ فآل مآل الطلب في تصحيح المذهب إلى الإجماع، فكل مقتضى ألفيناه معتضداً بإجماع السابقين، فهو مقطوع به، وكل ما لم نصادف فيه إجماعاً اعتقدناه واقعة من أحكام الشرع

واجب الإمام نحو أصل الدين ينقسم إلى حفظ الدين بأقصى الوسع على المؤمنين، ودفع شبهات الزائغين وإلى دعاء الجاحدين والكافرين، إلى التزام الحق المبين

لم ينحجز معظم الناس عن الهوى بالوعد والوعيد، والترغيب والتهذيب، فقيض الله السلاطين وأولي الأمر وازعين، ليوفروا الحقوق على مستحقيها، ويبلغوا الحظوظ ذويها، ويكفوا المعتدين، ويعضدوا المقتصدين، ويشيدوا مباني الرشاد، ويحسموا معاني الغي والفساد

وليست الإمامة من قواعد العقائد، بل هي ولاية تامة، ومعظم القول في الولاة والولايات العامة والخاصة مظنونة في محل التأخي والتحري

والغرض الأغظم من الإمامة جمع شتات الرأي واستتباع رجلٍ أصناف الخلق على تفاوت إراداتهم، واختلاف أخلاقهم ومآربهم وحالاتهم؛ فإن معظم الخبال والاختلال يتطرق إلى الأحوال من اضطراب الآراء، فإذا لم يكن الناس مجموعين على رأي واحد، لم ينتظم تدبير، ولم يستتب من إيالة الملك قليل ولا كثير، ولاصطلمت الحوزة، واستؤصلت البيضة

على أنّا باضطرار من عقولنا نعلم أن علياً وابنيه الحسن والحسين وأولادهم صلوات الله عليهم ما كانوا يدعون لأنفسهم العصمة والتنقي من الذنوب، بل كانوا يعترفون بها سراً وعلناً، ويتضرعون إلى الله مستغفرين خاضعين، خانعين

فمما أعرضه على الجناب العالي أمر يعظم وقعه على اعتقاب الأيام والليالي، وهو الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار؛ فإن النظر في أمور الرعايا، يترتب على الاطلاع على الغوامض والخفايا

لو فتر الزمان وشغر، كما فرضناه، وقام المكلفون على مبلغ علمهم بما عرفوه، ثم قيض الله تعالى ناشئة من العلماء، وأحيا بهم ما دثر من العلوم، فالذي أراه أنهم لا يوجبون القضاء على الذين أقاموا في زمان الفترة ما تمكنوا منه

العلم المشهور بأصول الفقه، ومنه يستبان مراتب الأدلة وما يقدم وما يؤخر، ولا يرقى المرء إلى منصب الاستقلال دون الإحاطة بهذا الفن

ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات لعم المأثم على الكافة على اختلاف الرتب والدرجات؛ فالقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطبين الحرج والعقاب، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر من يحل محل المسلمين أجمعين في لاقيام لمهم من مهمات الدين

ونحن نرى للإمام المستجمع خلال الكمال، البالغ مبلغ الاستقلال ألا يُغفل الاستضاءة في الإيالة وأحكام الشرع بعقول الرجال فإن صاحب الاستبداد لا يأمن الحيدَ عن سَنن السداد، ومن وفق للاستمداد من علوم العلماء، كان حرياً بالاستداد، ولزوم طريق الاقتصاد

من أجلى أصول الشريعة دفع المعتدين بأقصى الإمكان عن الاعتداء، ولو ثارت فئة زائعة عن الرشاد، وآثروا السعي في الأرض بالفساد، ولم يمنعوا قهراً، ولم يدفعوا قسراً، لاستجرأ الظلمة، ولتفاقم الأمر

وقد تقرر من دين الأمة قاطبة أن الغرض من الإمامة جمع الآراء المتشتتة، وارتباط الأهواء المتفاوتة

والتيقظ والخبرة أس الإيالة، وقاعدة الإمرة، وإذا عمَّى المعتدون أخبارهم، أنشبوا في المستضعفين أظفارهم، واستجرؤوا ثم على الاعتداء، ثم طمسوا عن مالك الأمر آثارهم ويخون حينئذ المؤتمن، ويغش الناصح، وتشيع المخازي والفضائح

ومن أعظم المحن، وأطم الفتن، في هذا الزمن، انحلال عصام التقوى عن الورى، واتباعهم نزغات الهوى، وتشوفهم إلى الاستمساك بحطام المنى، وعروهم عن الثقة بالوعد والوعيد في العقبى

فإن ما تعين على المتعبد المكلف، لو تركه، ولم يقابل أمر الشارع فيه بالارتسام، اختص المأثم به، ولو أقامه، فهو المثاب

والذي عليه التعويل في الجملة والتفصيل أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شهدوا، وغبنا، واستيقنوا عن عيان، واستربنا، وكانوا قدوة الأنام، وأسوة الإسلام، لا يأخذهم في الله عذل وملام لا يؤثرون على الحق أحداً، ولا يجدون من دونه ملتحداً

معرفة الكتاب تستدعي لا محالة العلم باللغة؛ فإن من اقتصر على اتباع أقوال المفسرين وتحفظها، كان مقلداً، ولم يكن عارفاً

وقد اشتملت آية الوضوء على بيان بالغ فيه، فليتخذها أهل الزمان مرجعهم، فهي أصل الباب، وسيتلى القرآن إلى فجر القيامة