وأهم المطالب في الفقه التدرب في مآخذ الظنون في مجال الأحكام، وهذا هو الذي يسمى فقه النفس وهو أنفس صفات علماء الشريعة

وإذا انتشرت من خطة المملكة الأطراف وأسبلت العماية دون معرفتها أسداد الأعراف، ولم تطلع شمس رأي راعي الرعية على صفة الإشراق والإشراف، امتدت أيدي الظلمة إلى الضعفة بالإهلاك والإتلاف

ونظام الملك، وقوام الأمر بالإذعان والإقرار لذي رأي ثابت لا يستبد ولا ينفرد، بل يستضيء بعقول العقلاء، ويستبين برأي طوائف الحكماء والعلماء، ويستثمر لباب الألباب

لم ينحجز معظم الناس عن الهوى بالوعد والوعيد، والترغيب والتهذيب، فقيض الله السلاطين وأولي الأمر وازعين، ليوفروا الحقوق على مستحقيها، ويبلغوا الحظوظ ذويها، ويكفوا المعتدين، ويعضدوا المقتصدين، ويشيدوا مباني الرشاد، ويحسموا معاني الغي والفساد

الإمامة رياسة تامة، وزعامة عامة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا مهمتها حفظ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامة الدعوة بالحجة والسيف، وكف الخيف والحيف، والانتصاف للمظلومين من الظالمين، واستيفاء الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين

ولو فرض تعطيل فرض من فروض الكفايات لعم المأثم على الكافة على اختلاف الرتب والدرجات؛ فالقائم به كافٍ نفسه وكافة المخاطبين الحرج والعقاب، وآمل أفضل الثواب، ولا يهون قدر من يحل محل المسلمين أجمعين في لاقيام لمهم من مهمات الدين

لا يخفى على أهل الزمان الذي لم تدرس فيه قواعد الشريعة، وإنما التبست تفاصيلها أنّا غير مكلفين بالتوقي مما لا يتأتى التوقي عنه، ولا يخلو مثل هذا الزمان عن العلم بأن ما يتعذر الصون عنه جداً، وإن كان متصوراً على العسر والمشقة معفو عنه

على أنّا باضطرار من عقولنا نعلم أن علياً وابنيه الحسن والحسين وأولادهم صلوات الله عليهم ما كانوا يدعون لأنفسهم العصمة والتنقي من الذنوب، بل كانوا يعترفون بها سراً وعلناً، ويتضرعون إلى الله مستغفرين خاضعين، خانعين

أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم استقصوا النظر في الوقائع والفتاوى والأقضية، فكانوا يعرضونها على كتاب الله تعالى، فإن لم يجدوا فيها متعلقاً، راجعوا سنن المصطفى عليه السلام، فإن لم يجدوا فيها شفاء، اشتوروا، واجتهدوا، وعلى ذلك درجوا في تمادي دهرهم، إلى انقراض عصرهم

وليس بالخافي على ذوي البصائر أن الدول إنما تضطرب بتحزب الأمراء، وتفرق الآراء، وتجاذب الأهواء

الأئمة إنما تولوا أمورهم، ليكونوا ذرائع إلى إقامة أحكام الشرائع

فمما أعرضه على الجناب العالي أمر يعظم وقعه على اعتقاب الأيام والليالي، وهو الاهتمام بمجاري الأخبار في أقاصي الديار؛ فإن النظر في أمور الرعايا، يترتب على الاطلاع على الغوامض والخفايا

والدعاء إلى المعروف والنهي عن المنكر يثبت لكافة المسلمين، إذا قدموا بثبت وبصيرة، وليس إلى الرعية إلا المواعظ والترغيب والترهيب، من غير فظاظة وملق

وتقدير خلو الدهر عن حملة الشريعة اجتهاداً ونقلاً نادر في التصوير والوقوع جداً ولو فرض والعياذ بالله، كان تقدير عود العلماء أبدع من كل بديع، فليلحق ذلك بالنادر الدائم

الأصول التي قدرنا بقاءها كلياتٌ مسترسلةٌ، لا تعلق لها بالغوامض

الذي أراه أن القيام بما هو من فروض الكفايات أحرى بإحراز الدرجات، وأعلى في فنون القربات من فرائض الأعيان

ولا مطمع في وجدان نص من كتاب الله تعالى في تفاصيل الإمامة والخبر المتواتر معوز أيضاً؛ فآل مآل الطلب في تصحيح المذهب إلى الإجماع، فكل مقتضى ألفيناه معتضداً بإجماع السابقين، فهو مقطوع به، وكل ما لم نصادف فيه إجماعاً اعتقدناه واقعة من أحكام الشرع

الإسلام هو الأصل والعصام، فلو فرض انسلال الإمام عن الدين، لم يخف انخلاعه، وارتفاع منصبه وانقطاعه، فلو جدد إسلاماً لم يعد إماماً إلا أن يُجَدد اختياره