لا تعذليه فإن العذل يولعه
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ | قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ |
جاوَزتِ فِي نصحه حَداً أَضَرَّبِهِ | مِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ النصح يَنفَعُهُ |
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاً | مِن عَذلِهِ فَهوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ |
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُ | فَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ |
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ | مِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ |
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ | رَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ |
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍ | مُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ |
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىً | وَلَو إِلى السَندّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ |
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمه | للرزق كداً وكم ممن يودعُهُ |
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُ | رزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ |
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُ | لَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ |
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرى | مُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ |
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَت | بَغِيُ أَلا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ |
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُه | إِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ |
أستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراً | بِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ |
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِي | صَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ |
وكم تشفّعَ بي أن لا أُفَـارِقَهُ | وللضروراتِ حالٌ لا تُشفّعُهُ |
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىً | وَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ |
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ | عَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ |
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ | بِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ |
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُ | وَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ |
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلا | شَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ |
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِ | كَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ |
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُ | الذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ |
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُ | لَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ |
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُها | بِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ |
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُ | بِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ |
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذا | لا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ |
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِي | بِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ |
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍ | عَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ |
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاً | فَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ |
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَست | آثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ |
هَل الزَمانُ مَعِيدٌ فِيكَ لَذَّتنا | أَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ |
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُ | وَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ |
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُ | كَما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ |
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرهُ وَإِذا | جَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ |
لَأَصبِرَنَّ لدهر ٍلا يُمَتِّعُنِي | بِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ |
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاً | فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ |
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَنا | جِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ |
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُ | لا بُدّ في غَدِه الثّاني سَيَتْبَعَهُ |
وإن يدم أبداً هذا الفراق لنا | فَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ |