فهرس الكتاب
الصفحة 302 من 337

من الناس من يظن أنهم سموا براهمة لانتسابهم إلى إبراهيم عليه السلام وذلك خطأ فإن هؤلاء هم المخصوصون بنفي النبوات أصلا ورأسا فكيف يقولون بإبراهيم عليه السلام ؟ والقوم الذين اعتقدوا نبوة إبراهيم عليه السلام من أهل الهند فهم الثنوية ( 2 \ 250 ) منهم القائلون بالنور والظلمة على رأي أصحاب الاثنين وقد ذكرنا مذاهبهم

وهؤلاء البراهمة إنما انتسبوا إلى رجل منهم يقال له: براهم وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا وقرر استحالة ذلك في العقول بوجوه:

منها أن قال: إن الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين:

إما أن يكون معقولا

وإما أن لا يكون معقولا

فإن كان معقولا فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه فأي حاجة لنا إلى الرسول

وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية ودخول في حريم البهيمية

ومنها أن قال: قد دل العقل على أن الله تعالى حكيم والحكيم لا يتعبد الخلق إلا بما تدل عليه عقولهم وقد دلت الدلائل العقلية على أن للعالم صانعا عالما قادرا حكيما وأنه أنعم على عباده نعما توجب الشكر فننظر في آيات خلقه بعقولنا ونشكره بالآئه علينا وإذا عرفناه وشكرنا له استوجبنا ثوابه وإذا أنكرناه وكفرنا به استوجبنا عقابه فما بالنا نتبع شرا مثلنا فإنه إن كان يأمرنا بما يخالف ذلك كان قوله دليلا ظاهرا على كذبه

ومنها أن قال: قد دل العقل على أن العالم صانعا حكيما والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم وقد وردت أصحاب الشرائع بمستقبحات من حيث العقل من التوجه إلى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله والسعي ورمي الجمار والإحرام والتلبية وتقبيل الحجر الأصم وكذلك ذبح الحيوان وتحريم ما يمكن أن يكون غذاء للإنسان وتحليل ما ينقص من بنيته وغير ذلك وكل هذه الأمور مخالفة لقضايا العقول

ومنها أنه قال: إن أكبر الكبائر في الرسالة اتباع رجل هو مثلك في الصورة والنفس والعقل يأكل مما تأكل ويشرب مما تشرب حتى تكون بالنسبة إليه كجماد يتصرف فيك رفعا ووضعا أو كحيوان يصرفك أماما وخلفا أو كعبد يتقدم إليك أمرا ونهيا ( 2 \ 251 ) فأي تميز له عليك ؟ وأية فضيلة أوجبت اسخدامك ؟ وما دليله على صدق دعواه ؟

فإن اغتررتم بمجرد قوله فلا تميز لقول على قول وإن انحسرتم بحجته ومعجزته فعندنا من خصائص الجواهر والأجسام ما لا يحصى كثرة ومن المخبرين عن مغيبات الأمور من ساوى خبره

( قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) فإذا اعترفتم بأن للعالم صانعا وخالقا وحكيما فاعترفوا بأنه آمر وناه حاكم على خلقه وله في جميع ما نأتي ونذر ونعمل ونفكر حكم وأمر وليس كل عقل إنساني على استعداد ما يعقل عنه أمره ولا كل نفس بشرى بمثابة من يقبل عنه حكمه بل أوجبت منته ترتيبا في العقول والنفوس واقتضت قسمته أن يرفع ( بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ) فرحمة الله الكبرى هي النبوة والرسالة وذلك خير مما يجمعون بعقولهم المختالة

ثم إن البراهمة تفرقوا أصنافا:

فمنهم أصحاب البددة

ومنهم أصحاب الفكرة

ومنهم أصحاب التناسخ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام