ومن العرب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر وينتظر النبوة وكانت لهم سنن وشرائع قد ذكرناها لأنها نوع تحصيل
فممن كان يعرف النور الظاهر والنسب الطاهر ويعتقد الدين الحنيفي وينتظر المقدم النبوي:
زيد بن عمرو بن نفيل: كان يسند ظهره إلى الكعبة ويقول: أيها الناس هلموا إلي فإنه لم يبق على دين إبراهيم أحد غيري
وسمع أمية بن أبي الصلت يوما ينشد:
كل دين يوم القيامة عند ... الله إلا دين الحنيفة زور
فقال له: صدقت
وقال زيد أيضا:
فلن تكون لنفس منك واقية يوم الحساب إذا ما يجمع البشر
وممن كان يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب:
قس بن ساعدة الإيادي: قال في مواعظه: كلا ورب الكعبة ليعودن ما باد ولئن ذهب ليعودن يوما
وقال أيضا:
كلا بل هو الله إله واحد ... ليس بمولود ولا والد
أعاد وأبدى ... وإليه المآب غدا
وأنشد في معنى الإعادة:
يا باكي الموت والأموات في جدث عليهم من بقايا بزهم خرق
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم كما ينبه من نوماته الصعق
حتى يجيئوا بحال غير حالهم خلق مضى ثم هذا بعد ذا خلقوا
منهم عراة ومنهم في ثيابهم منها الجديد ومنها الأزرق الخلق
ومنهم عامر بن الظرب العدواني: وكان من شعراء العرب وخطبائهم وله وصية طويلة يقول في آخرها: إني ما رأيت شيئا قط خلق نفسه ولا رأيت موضوعا إلا مصنوعا ولا جائيا إلا ذاهبا ولو كان يميت الناس الداء لأحياهم الدواء
ثم قال: إني أرى أمورا شتى وحتى
قيل له: وما حتى ؟
قال: حتى يرجع الميت حيا ويعود لا شيء شيئا ولذلك خلقت السموات والأرض فتولوا عنه ذاهبين
وقال: ويل إنها نصيحة لو كان من يقبلها
وكان عامر قد حرم الخمر على نفسه فيمن حرمها وقال فيها:
إن أشرب الخمر أشربها للذتها ... وإن أدعها فإني ماقت قال
لولا اللذاذة والقينات لم أرها ... ولا رأتني إلا من مدى عالي
سألة للفتى ما ليس في يده ذهابة بعقول القوم والمال
تورث القوم أضغانا بلا إحن ... مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي
أقسمت بالله أسقيها وأشربها ... حتى يفرق ترب الأرض أوصالي
وممن كان قد حرم الخمر في الجاهلية قيس بن عاصم التميمي وصفوان بن أمية بن محرث الكناني وعفيف بن معدي كرب الكندي وقالوا فيها أشعارا وقال الأسلوم اليالي وقد حرم الخمر والزنا على نفسه:
سالمت قومي بعد طول مضاضة ... والسلم أبقى في الأمور وأعرف
وتركت شرب الراح وهي أثيرة ... والمومسات وترك ذلك أشرف
وعففت عنه يا أميم تكرما ... وكذاك يفعل ذو الحجى المتعفف
وممن كان يؤمن بالخالق تعالى وبخلق آدم عليه السلام: عبد لطابخة بن ثعلب بن وبرة من قضاعة وقال فيه:
وأدعوك يا ربي بما أنت أهله ... دعاء غريق قد تشبث بالعصم
لأنك أهل الحمد والخير كله ... وذو الطول لم تعجل بسخط ولم تلم
وأنت الذي لم يحيه الدهر ثانيا ... ولم ير عبد منك في صالح وجم
وأنت القديم الأول الماجد الذي ... تبدأت خلق الناس في أكثم العدم
وأنت الذي أحللتني غيب ظلمة ... إلى ظلمة من صلب آدم في ظلم
ومن هؤلاء النابغة الذيباني: آمن بيوم الحساب فقال:
فعلتهم ذات الإله ودينهم ... قويم فما يرجون غير العواقب
وأراد بذلك الجزاء بالأعمال
ومن هؤلاء زهير بن أبي سلمى المزني: وكان يمر بالعضاة وقد أورقت بعد يبس ( 2 \ 243 ) فيقول: لولا أن تسبني العرب لآمنت أن الذي أحياك بعد يبس سيحيي العظام وهي رميم ثم آمن بعد ذلك وقال في قصيدته التي أولها:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم ... وهي من السبعينات
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم حساب أو يعجل فينقم
ومنهم علاف بن شهاب التميمي: كان يؤمن بالله وبيوم الحساب وفيه قال:
ولقد شهدت الخصم يوم رفاعة ... فأخذت منه خطة المقتال
وعلمت أن الله جاز عبده ... يوم الحساب بأحسن الأعمال
وكان بعض العرب إذا حضره الموت يقول لولده: ادفنوا معي راحلتي حتى أحشر عليها فإن لم تفعلوا حشرت على رجلي قال جريبة بن الأشيم الأسدي في الجاهلية وقد حضره الموت يوصي ابنه سعدا:
يا سعد إما أهلكن فإنني ... أوصيك إن أخا الوصاة الأقرب
لا تتركن أباك يعثر راجلا ... فى الحشر يصرع لليدين وينكب
واحمل أباك على بعير صالح ... وابغ المطية إنه هو أصوب
ولعل لي مما تركت مطية ... فى الحشر أركبها إذا قيل اركبوا
وقال عمرو بن زيد بن المتمني يوصي ابنه عند موته:
أبني زودني إذا فارقتني ... في القبر راحلة برحل قاتر
للبعث أركبها إذا قيل اظعنوا ... متساوقين معا لحشر الحاشر
من لا يوافيه على على عشرائه ... فألخلق بين مدفع أو عاثر
وكانوا يربطون الناقة معكوسة الرأس إلى مؤخرها مما يلي ظهرها أو مما يلي كلكلها وبطنها ويأخذون ولية فيشدون وسطها ويقلدونها عنق الناقة ويتركونها كذلك حتى تموت عند ( 2 \ 244 ) القبر ويسمون الناقة بلية والخيط الذي تشد به ولية وقال بعضهم يشبه رجالا في بلية: كالبلايا في أعناقها الولايا