وهو من الحكماء المعتبرين في زمان بهمن بن إسفندبار وهو وبقراط كانا في زمان واحد قبل أفلاطون وله آراء في الفلسفة وخصوصا في مبادئ الكون والفساد
وكان أرسطوطاليس يؤثر قوله على قول أستاذه أفلاطون الإلهي وما أنصف
قال ديمقريطيس: إن الجمال الظاهر يشبه به المصورون بالأصباغ ولكن الجمال الباطن لا يشبه به إلا من هو له بالحقيقة وهو مخترعه ومنشئه
وقال: ليس ينبغي أن تعد نفسك من الناس ما دام الغيظ يفسد رأيك ويتبع شهوتك
وقال: ليس ينبغي أن يمتحن الناس في وقت ذلتهم بل في وقت عزتهم وملكهم وكما أن الكير يمتحن به الذهب كذلك الملك يمتحن به الإنسان فيتبين خيره وشره
وقال: ينبغي أن تأخذ في العلوم بعد أن تنفي عن نفسك العيوب وتعودها الفضائل فإنك إن لم تفعل هذا لم تنتفع بشيء من العلوم
وقال: من أعطى أخاه المال فقد أعطاه خزائنه ومن أعطاه علمه ونصيحته فقد وهب له نفسه
وقال: لا ينبغي أن تعد النفع الذي فيه الضرر العظيم نفعا ولا الضرر الذي فيه النفع العظيم ضررا ولا الحياة التي لا تحمد أن تعد حياة
وقال: مثل من قنع بالاسم كمثل من قنع عن الطعام بالرائحة
وقال: عالم معاند خير من جاهل منصف
وقال: ثمرة الغرة التواني وثمرة التواني الشقاء وثمرة الشقاء ظهور البطالة وثمرة البطالة السفه والعبث والندامة والحزن
وقال: يجب على الإنسان أن يطهر قلبه من المكر والخديعة كما يطهر بدنه من أنواع الخبث
وقال: لا تطمع أحدا أن يطأ عقبك اليوم فيطأك غدا
وقال: لا تكن حلوا جدا لئلا تبلع ولا مرا جدا لئلا تلفظ
وقال: ذنب الكلب يكسب له الطعام وفمه يكسب له الضرب
وكان بأثينية نقاش غير حاذق فأتى ديمقريطيس وقال: جصص بيتك فأصوره قال: صوره أولا حتى أجصصه
وقال: مثل العلم مع من لا يقبل وإن قبل لا يعمل كمثل دواء مع سقيم وهو لا يداوى به
وقيل له: لا تنظر فغمض عينيه
قيل له: لا تسمع فسد أذنيه
قيل له: لا تتكلم فوضع يده على شفتيه
قيل له: لا تعلم
قال: لا أقدر
وإنما أراد به أن البواطن لا تندرج تحت الاختيار فأشار إلى ضرورة السر واختيار الظاهر
ولما كان الإنسان مضطر الحدوث كان معزول الولاية عن قلبه وهو بقلبه أكبر منه بسائر جوارحه فلهذا لم يستطع أن يتصرف في أصله لاستحالة أن يكون فاعل أصله
ولهذا الكلام شرح آخر: وهو أنه أراد التمييز بين العقل والحس فإن الإدراك العقلي لا يتصور الانفكاك عنه وإذا حصل لن يتصور نسيانه بالاختيار والإعراض عنه بخلاف الإدراك الحسي وهذا يدل على أن العقل ليس من جنس الحس ولا النفس من حيز البدن
وقد قيل: إن الاختيار في الإنسان مركب من انفعالين:
أحدهما: انفعال نقيصة
والثاني: انفعال تكامل وهو إلى الانفعال الأول أميل بحكم الطبيعة والمزاج والآخر ضعيف فيه إلا إذا وصل إليه مدد من جهة العقل والتمييز والنص فينشئ الرأي الثاقب ويحدث الحزم الصائب فيحب الحق ويكره الباطل فمتى وقف هذا المدد من القوة الاختيارية كانت الغلبة للانفعال الآخر ولولا تركب الاختيار عن هذين الانفعالين أو انقسامه إلى هذين الوجهين لتأتى للإنسان جميع ما يقصده بالاختيار بلا مهلة ولا ترجح ولا هنية ولا تريح ولا استشارة ولا استخارة
وهذا الرأي الذي رآه هذا الحكيم لم أجد أحدا أبه له ولا عثر عليه أو حكم به أو أومأ إليه والله سبحانه وتعالى أعلم