فهرس الكتاب
الصفحة 241 من 337

بقراط واضع الطب الذي قال بفضله الأوائل والأواخر

وكان أكثر حكمته في الطب وشهرته به فبلغ خبره إلى بهمن بن أسفنديار بن كشتاسب فكتب إلى فيلاطس ملك قوه - وهو بلد من بلاد اليونانيين - يأمر بتوجيه بقراط إليه وأمر له بقناطير من الذهب فأبى ذلك وتأبى عن الخروج إليه ضنا بوطنه وقومه

وكان لا يأخذ على المعالجة أجرة من الفقراء وأوساط الناس وقد شرط أن يأخذ من الأغنياء أحد ثلاثة أشياء: طوقا أو إكليلا أو سوارا من ذهب

فمن حكمه أن قال: استهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه

وقيل له: أي العيش خير ؟

قال: الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف

وقال: الحيطان والبروج لا تحفظ المدن ولكن تحفظها آراء الرجال وتدبير الحكماء

وقال: يداوى كل عليل بعقاقير أرضه فإن الطبيعة متطلعة إلى هوائها ونازعة إلى غذائها

ولما حضرته الوفاة قال: خذوا جامع العلم مني: من كثر نومه ولانت طبيعته ونديت جلدته طال عمره

وقال: الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع

وقال: لو خلق الإنسان من طبيعة واحدة لما مرض لأنه لم يكن هناك شيء يضادها فيمرض

ودخل على عليل فقال له: أنا والعلة وأنت فإن أعنتني عليها بالقبول لما تسمع مني صرنا اثنين وانفردت العلة فقوينا عليها والاثنان إذا اجتمعا على واحد غلباه

وسئل: ما بال الإنسان أثور ما يكون بدنه إذا شرب الدواء ؟

قال: مثل ذلك مثل البيت أكثر ما يكون غبارا إذا كنس

وحديث ابن الملك أنه عشق جارية من حظايا أبيه فنهك بدنه واشتدت علته فأحضر بقراط فجس نبضه ونظر إلى تفسرته فلم ير أثر علة فذاكره حديث العشق فرآه يهش لذلك ويطرب فاستخبر الحال من حاضنته فلم يكن عندها خبر وقالت: ما خرج قط من الدار

فقال بقراط للملك: مر رئيس الخصيان بطاعتي فأمره بذلك

فقال: أخرج علي النساء فخرجن وبقراط واضع إصبعه على نبض الفتى فلما خرجت الحظية اضطرب عرقه وطار قلبه وحار طبعه فعلم بقراط أنها المعنية لهواه فصار بقراط إلى الملك وقال له: ابن الملك قد عشق من الوصول إليها صعب

قال الملك: ومن ذاك ؟

قال: هو يحب حليلتي

قال: انزل عنها ولك عنها بدل

فتخازن بقراط ووجم وقال: هل رأيت أحدا كلف أحدا طلاق امرأته ولا سيما الملك في عدله ونصفته يأمرني بمفارقة حليلتي ومفارقتها مفارقة روحي ؟

قال الملك: إني أوثر ولدي عليك وأعوضك من هو أحسن منها

فامتنع حتى بلغ الأمر إلى التهديد بالسيف

قال بقراط: إن الملك لا يسمى عدلا حتى ينتصف من نفسه ما ينتصف من غيره أرأيت لو كانت العشيقة حظية الملك

قال: يا بقراط عقلك أتم من معرفتك ونزل عنها لابنه وبرئ الفتى من مرضه ذلك

وقال بقراط: إياك أن تأكل إلا ما تستمرئ وأما ما لا تستمرئ فإنه يأكلك

وقيل لبقراط: لم يثقل الميت ؟

قال: لأنه كان اثنين:

أحدهما: خفيف رافع

والآخر: ثقيل واضع

فلما انصرف أحدهما وهو الخفيف الرافع ثقل الثقيل الواضع

وقال: الجسد يعالج جملة على خمسة أضرب: ما في الرأس بالغرغرة وما في المعدة بالقيء وما في البدن بإسهال البطن وما بين الجلدين بالعرق وما في العمق وداخل العروق بإرسال الدم

وقال: الصفراء بيتها المرارة وسلطانها في الكبد

والبلغم بيته المعدة وسلطانه ( 2 \ 110 ) في الصدر

والسوداء بيتها في الطحال وسلطانها في القلب

والدم بيته القلب وسلطانه في الرأس

وقال لتلميذ له: ليكن أفضل وسيلتك إلى الناس محبتك لهم والتفقد لأمورهم ومعرفة حالهم واصطناع المعروف إليهم

ويحكى عن بقراط قوله المعروف: العمر قصير والصناعة طويلة والوقت ضيق والزمان جديد والتجربة خطر والقضاء عسر

وقال لتلاميذه: اقسموا الليل والنهار ثلاثة أقسام فاطلبوا في القسم الأول العقل الفاضل واعملوا في القسم الثاني بما أحرزتم من ذلك العقل ثم عاملوا في القسم الثالث من لا عقل له وانهزموا من الشر ما استطعتم

وكان له ابن لا يقبل الأدب فقالت له امرأته: إن ابنك هو منك فأدبه

فقال لها: هو مني طبعا ومن غيري نفسا فما أصنع به

وقال: ما كان كثيرا فهو مضاد للطبيعة فلتكن الأطعمة والأشربة والنوم والجماع والتعب قصدا

وقال: إن صحة البدن إذا كانت في الغاية كان أشد خطرا

وقال: إن الطب هو حفظ الصحة بما يوافق الأصحاء ودفع المرض بما يضاده

وقال: من سقى السم من الأطباء وألقى الجنين ومنع الحبل واجترأ على المريض فليس من شيعتي وله أيمان معروفة على هذه الشرائط وكتب معروفة كثيرة في الطب

وقال في الطبيعة: إنها القوة التي تدبر الجسم من الإنسان فتصوره من النطفة إلى تمام الخلقة خدمة للنفس في إتمام هيكلها ولا تزال هي المدبرة له غذاء من الثدي وبعده مما به قوامه من الأغذية ولها ثلاث قوى: المولدة والمربية والحافظة

ويخدم الثلاث أربع قوى: الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام