فهرس الكتاب
الصفحة 208 من 337

وهو أيضا من أهل ملطية

رأى في الوحدانية مثل ما رأى تاليس وخالفه في المبدأ ( 2 \ 64 ) الأول

قال: إن مبدأ الموجودات هو جسم أول متشابه الأجزاء وهي أجزاء لطيفة لا يدركها الحس ولا ينالها العقل منها كون الكون كله العلوي منه والسفلي لأن المركبات مسبوقة بالبسائط والمختلفات أيضا مسبوقة بالمشابهات أليست المركبات كلها إنما امتزجت وتركبت من العناصر وهي بسائط متشابهة الأجزاء ؟ وأليس الحيوان والنبات وكل ما يغتذي فإنما يغتذي من أجزاء متشابهة أو غير متشابهة فتجتمع في المعدة فتصير متشابهة ثم تجري في العروق والشرايين فتستحيل أجزاء مختلفة مثل الدم واللحم والعظم ؟

وحكي عنه أيضا أنه وافق سائر الحكماء في المبدأ الأول أنه العقل الفعال غير أنه خالفهم في قوله: إن الأول: الحق تعالى ساكن غير متحرك وسنشرح القول في السكون والحركة له تعالى ونبين اصطلاحهم في ذلك

وحكى فرفوريوس عنه أنه قال: إن أصل الأشياء جسم واحد موضوع الكل لا نهاية له ولم نبين ما ذلك الجسم أهو من العناصر أم خارج عن ذلك ؟

قال: ومنه تخرج جميع الأجسام والقوة الجسمانية والأنواع والأصناف

وهو أول من قال بالكمون والظهور حيث قدر الأشياء كلها كامنة في الجسم الأول وإنما الوجود ظهورها من ذلك الجسم نوعا وصنفا ومقدارا وشكلا وتكاثفا وتخلخلا كما تظهر السنبلة من الحبة الواحدة والنخلة الباسقة من النواة الصغيرة والإنسان الكامل الصورة من النطفة المهينة والطير من البيض فكل ذلك ظهور عن كمون وفعل عن قوة وصورة عن استعداد مادة وإنما الإبداع واحد ولم يكن بشيء آخر سوى ذلك الجسم الأول

وحكي عنه أنه قال: كانت الأشياء ساكنة ثم إن العقل رتبها ترتيبا على أحسن نظام فوضعها مواضعها من عال ومن سافل ومن متوسط ثم من متحرك ومن ساكن ومن مستقيم في الحركة ومن دائر ومن أفلاك متحركة على الدوران ومن ( 2 \ 65 ) عناصر متحركة على الاستقامة وهذه كلها بهذا الترتيب مظهرات لما في الجسم الأول من الموجودات

ويحكى عنه أن المرتب هو الطبيعة وربما يقول: المرتب هو الباري تعالى وإذا كان المبدأ الأول عنده ذلك الجسم فمقتضى مذهبه أن يكون المعاد إلى ذلك الجسم وإذا كانت النشأة الأولى هي الظهور فيقتضي أن تكون النشأة الثانية هي الكمون وذلك قريب من مذهب من يقول بالهيولى الأولى التي حدثت فيها الصور إلا أنه أثبت جسما غير متناه بالفعل هو متشابه الأجزاء وأصحاب الهيولى لا يثبتون جسما بالفعل

وقد رد عليه الحكماء المتأخرون في إثباته جسما مطلقا لم يعين له صورة سماوية أو عنصرية وفي نفيه النهاية عنه وفي قوله بالكمون والظهور وفي بيانه سبب الترتيب وتعيينه المرتب وإنما عقب مذهبه برأي تاليس لأنهما من أهل ملطية ومتقاربان في إثبات العنصر الأول والصور فيه متمثلة والجسم الأول والموجودات فيه كامنة

وحكى أرسطوطاليس عنه أن الجسم الذي تكون منه الأشياء غير قابل للكثرة

قال: وأومأ إلى أن الكثرة جاءت من قبل الباري تعالى وتقدس

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام