فهرس الكتاب
الصفحة 37 من 129

2)مذهب طوائف من الصوفية: الذين قالوا: «إن الله يرى في الدنيا والآخرة» فهذا فيه حق وفيه باطل، والحق إثبات الرؤية في الآخرة والباطل إثباتها في الدنيا، كما قال تعالى عن موسى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] ، قوله: {لَنْ تَرَانِي} لن هنا ليست للتأبيد، فالله لا يُرى في الدنيا لكن يُرى في الآخرة، فالمقصود لن تراني في الدنيا.

3)مذهب أهل السنة: وهو إثبات الرؤية في الآخرة دون الدنيا، وهذا هو الحق الذي دلت عليه النصوص.

لكن قد يقول قائل: كيف يطيق المؤمن رؤية الله في الآخرة مع أن الله تعالى ذكر عن موسى أنه لم يطق ذلك، قال تعالى: {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143] ؟

والجواب: أن الله تعالى يمنحهم - وهو القوي القادر - قوة يستطيعون بها الرؤية والثبات في هذا الموقف، لكنها مجرد رؤية وليست إدراكًا؛ لقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] فهم يرونه في الآخرة لكن لا يدركونه.

فقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} يدل على كمال عظمته، وأنه أكبر من كل شيء، وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء، وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61، 62] .

فلم ينف موسى الرؤية، وإنما نفى الإدراك، فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه فالرب تعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به علمًا [1] .

(1) ينظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 215) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام