وكذلك أيضاً بالنسبة للمعاصي , فبعض الناس قد ينهى شخصاً عما يراه منكراً وليس بمنكر , مثال ذلك:
رأيت رجلاً يصلي الفريضة وهو جالس , فنهيته بأنِْ ليس له حق أن يصلي وهو جالسٌ , فهذا غير صحيح! لكن اسأل أولاً: لماذا جلس , قد يكون له عذر في جلوسه وأنت لا تعلم! حينئذ الحكم الشرعي , وأن تعرف الحال التي عليها المأمور والمنهي حتى تكون على بصيرة من أمرك.
ثالثاً: أن لا يترتب على فعل المعروف ما هو منكرٌ أعظم مفسدةً من منفعةِ المعروف فإن درأ المفاسد أولىْ من جلْب المصالح.
وهذه الكلمة المعروفة هي القاعدة التي دل عليها القرآن ليست أيضاً على إطلاقها! أي: أنه ليست مفسدةٍ درؤها أوْلى من جلْب مصلحةٍ , بل إذا تكافئت مع المصلحة فدرءُ المفسدة أولى , وإذا كانت أعظم من المصلحة فدرءُ المفسدة أولى , والله سبحانه وتعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم) (الأنعام 108) , فسبُ آلهةِ المشركين كل يعلمُ أنه مصلحة وأن فيه خيراً , لكن إذا تضمنت هذه المصلحة ما هو أنكر - وأنكر من باب التفاضل الذي ليس في الطرف الآخر من شيء- إذا تضمن مفسدةً عظيمةً فإنها تترك , لأننا إذا سببنْا آلهتهم ونحن نسُبها بحق سبُّوا الله عدواً بغير علم [1] , فهذه نقطة ينبغي أن نتفطن لها عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أما إذا كانت المفسدة تنغمر في جانب المصلحة , فإننا نفضل المصلحة ولا يهمنا وهذا عليه شيء كثير من أحكام الله الشرعية والكونية. فمثلاً: هذا المطر الذي ينزل وفيه مصلحة عامة , لكن فيه ضرراً على إنسان بنى سقفه الآن وجاء المطر فأفسده لكن هذه المفسدة القليلة مُنغمرة في جانب المصلحة العامة.
(1) - انظر إغاثة اللهفان لابن القيم رحمه الله 1/ 361 , وإرشاد الفحول 242 , ومذكرة الشنقيطي ص 168 - 169 , وأصول الفقه ص 258 لأبى زهرة