ثم قال رحمه الله تعالى: (وَمِنْهُ) الضمير يعود على الأنواع أي ومن الأنواعِ ولذا ذكر ومن هنا للتبعيض - يعني: لن يكون ثم استيفاء لكل العبادات وإنما سيذكر أصولاً منها وخاصةً مما وقع فيه المشركون بصرفه لغير الله تعالى - (وَمِنْهُ) أي: ومن هذه الأنواع أو المذكور (الْدُّعَاءُ، وَالْخَوْفُ، وَالْرَّجَاءُ، وَالْتَّوَكُّلُ، وَالْرَّغْبَةُ، وَالْرَّهْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالْإِنَابَةُ، وَالْاِسْتِعَانَةُ، وَالْاِسْتِعَاذَةُ، وَالْاِسْتِغَاثَةُ، وَالْذَّبْحُ، وَالْنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ) ، (وَغَيْرُ ذَلِكَ) هذا فيه إحالة إلى غير ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى لأنه لم يقصد الاستيعاب وإنما ذكر بعض الأمثلة التي قد يقع فيها كثيرٌ من المشركين (وَالْنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ الْلَّهُ بِهَا) كالصبر وبر الوالدين وصلة الأرحام والجهاد ونحوها (كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى) ، أي كل أنواع العبادة ما ذكره المصنف وما لم يذكره لله وحده لا شريك له، حينئذٍ من المعبود بأنواع العبادات السابقة مما ذكره ومما لم يذكره المصنف؟ هو الله عز وجل، (كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَالْدَّلِيلُ) على أن هذه العبادة كلها لا تصرف إلا لله عز وجل (وَالْدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى) يعني الدليل على وجوب صرفها لله تعالى (قَوْلُهُ تَعَالَى) وهذه الآية قد سبق الحديث عنها وهي قوله: ( {وَأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18] ) ، ( {وَأنَّ الْمَسَاجِدَ} ) إما أن يفسر ببيوت الله عز وجل، والمناسبة أن العبادة تفعل في هذه البيوت من الصلاة فرضًا ونفلاً والاعتكاف وقراءة القرآن ونحو ذلك أو أن يفسر هنا بأعضاء السجود وكلاهما مراد ولا مانع بحمل اللفظ على معنيين ( {وَأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} ) إذا ثبتت أنها مختصة اللام هنا اختصاص أو للاستحقاق كلاهما بمعنًى لله عز وجل حينئذٍ ( {فَلا} ) هذه ناهية والنهي يقتضي التحريم، ( {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} ) ، ( {تَدْعُوا} ) الدعاء بمعنييه دعاء العبادة ودعاء المسألة، كأنه قال فلا تعبدوا مع الله أحدًا فالدعاء هنا بالمعنى الأعم ويكون مرادفًا للعبادة، فحينئذٍ نهى الرب جل وعلا في هذا النص بأن نصرف أي نوعٍ من أنواع العبادة لغيره جل وعلا.