والفرق بين الزهد الأول والتصوف هو كالفرق بين التشيع بمعناه اللغوي الذي هو المناصرة والمحبة لعلي رضي الله عنه بدون غلو وبين التشيع الذي استقر أخيراً كفرقة لها عقائدها المميزة بعد أن أدخلت الباطنية الغلو في علي توسلاً إلى الطعن في الصحابة, وهكذا بثت الباطنية تعاليمها الإلحادية في غلاة الصوفية (1) .
إن اعتبار الصوفية (فرقة ) لا بد أن يثير الاستغراب والتساؤل, لأن الاعتقاد السائد أنهم من غمار أهل السنة.
وجواباً على هذا الاعتراض نقول: إذا كانت الصوفية تعتقد أن طريق الوصول إلى الله سبحانه وتعالى بالكشف والذوق والرياضيات الروحية التي ما أنزل الله بها من سلطان, فلا شك أن هذا تفرق مذموم فكيف بمن يتكلم بالحلول والإتحاد, فهذا كفر صريح. وإذا كان علماء السلف قد ذموا علم الكلام وما جرَّ وراءه من بدع وتفرق, وإن كان بعض العلماء الذين خاضوا فيه قصدوا الدفاع عن الإسلام بنوايا حسنة, فكيف لا يذم من ابتدع طريق التصوف الأعجمي في الفناء والرهبانية وذكر الله بالرقص والدف"ومن يعتقد أن لأحد طريقاً إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان" (2) .
ثم إن هناك من العلماء الذين كتبوا في موضوع (الفرق) من اعتبرها كذلك, كالرازي في كتابه (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ) قال:"اعلم أن أكثر من قص فرق الأمة لم يذكر الصوفية وذلك خطأ .." (3) , ثم ذكر طبقاتهم وفرقهم. وقد جعل ابن النديم في كتابه (الفهرست) المقالة الخامسة ( في السياح والزهاد والعباد والمتصوفة المتكلمين على الخطرات والوساوس ) (4) .
وعقد ابن حزم في كتابه ( الفصل في الملل والنحل ) فصلاً لذكر ( شنع قوم لا تعرف فرقهم ) ثم قال:"وادعت طائف من الصوفية أن في أولياء الله من هو أفضل من جميع الأنبياء, وأن من عرف الله فقد سقطت عنه الأعمال" (5) .
وجاء في كتاب ( البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ) لعباس بن منصور الحنبلي:"ولم يشذ أحد منهم ـ أي عن أهل السنة والجماعة ـ سوى فرقة واحدة تسمت بالصوفية يتقربون لأهل السنة وليسوا منهم وقد خالفوهم في الاعتقاد والأفعال" (6) والظاهر أن المؤلف يتكلم عن غلاة الصوفية.
(1) انظر رشيد رضا: تاريخ الإمام 1/116.
(2) البقاعي: تنبيه الغبي /21.
(3) فخر الدين الرازي: اعتقادات فرق المسلمين /72.
(4) الفهرست /260.
(5) ابن حزم: الفصل في الملل والنحل 4/226.
(6) مقدمة كتاب اعتقادات فرق المسلمين /11.