فهرس الكتاب
الصفحة 317 من 543

وَتَأَمَّلْ مَا قَامَ بِقَلْبِ الْبَغِيِّ مِنَ الْإِيمَانِ، حِينَ نَزَعَتْ مُوقَهَا وَسَقَتِ الْكَلْبَ مِنَ الرَّكِيَّةِ، فَغُفِرَ لَهَا [1] .

وَهَكَذَا الْعَقْلُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّفَاضُلَ، وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ، مُسْتَوُونَ فِي أَنَّهُمْ عُقَلَاءُ غَيْرُ مَجَانِينَ، وَبَعْضُهُمْ أَعَقَلُ مِنْ بَعْضٍ.

وَكَذَلِكَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ، فَيَكُونُ إِيجَابٌ دُونَ إِيجَابٍ، وَتَحْرِيمٌ دُونَ تَحْرِيمٍ. هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ قَدْ طَرَّدَ ذَلِكَ فِي الْعَقْلِ وَالْوُجُوبِ.

وَأَمَّا زِيَادَةُ الْإِيمَانِ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ - فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا وَجَبَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ خَبَرُهُ، كَمَا فِي حَقِّ النَّجَاشِيِّ وَأَمْثَالِهِ.

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ بِالْعَمَلِ وَالتَّصْدِيقِ، الْمُسْتَلْزِمِ لِعَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ: فَهُوَ أَكْمَلُ مِنَ التَّصْدِيقِ الَّذِي لَا يَسْتَلْزِمُهُ، فَالْعِلْمُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ صَاحِبُهُ أَكْمَلُ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي لَا يَعْمَلُ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلِ اللَّازِمُ دَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْمَلْزُومِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُخْبَرُ كَالْمُعَايِنِ» ، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أُخْبِرَ أَنَّ قَوْمَهُ عَبَدُوا الْعِجْلَ لَمْ يُلْقِ الْأَلْوَاحَ، فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ عَبَدُوهُ أَلْقَاهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِشَكِّ مُوسَى فِي خَبَرِ اللَّهِ، لَكِنَّ الْمُخْبَرَ وَإِنْ جَزَمَ بِصِدْقِ الْمُخْبِرِ، فَقَدْ لَا يَتَصَوَّرُ الْمُخْبَرَ بِهِ فِي نَفْسِهِ، كَمَا يَتَصَوَّرُهُ إِذْ عَايَنَهُ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [2] .

وَأَيْضًا: فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ مَثَلًا، يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يَعْلَمَ مَا أمر به، ويؤمن بأن الله أوجب

(1) إشارة أيضا إلى حديث صحيح. رواه البخاري وغيره. انظر فتح الباري 6: 256، 371 - 373

(2) سورة البقرة آية 260

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام