فهرس الكتاب
الصفحة 375 من 543

مِنْكُمْ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ فَإِنَّ الْحَي لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَة، أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّة، أَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَة نَبِيِّه وَإِقَامَة دِينِه، فَاعْرَفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ، وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهَدْى الْمُسْتَقِيمِ). وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْمَعْنَى بَيَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، عِنْدَ قَوْلِ الشَّيْخِ:"وَنَرَى الْجَمَاعَة حَقًّا وَصَوَابًا، وَالْفُرْقَة زَيْغًا وَعَذَابًا".

قوله:(وَنُحِبُّ أَهْلَ الْعَدْلِ وَالْأَمَانَة، وَنُبْغِضُ أَهْلَ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَة).

ش: وَهَذَا مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ وَتَمَامِ الْعُبُودِيَّة، فَإِنَّ الْعِبَادَة تَتَضَمَّنُ كَمَالَ الْمَحَبَّة وَنِهَايَتَهَا، وَكَمَالَ الذُّلِّ وَنِهَايَتَه. فَمَحَبَّة رُسُلِ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِه وَعِبَادِه الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مَحَبَّة الله، وَإِنْ كَانَتِ الْمَحَبَّة لَا يَسْتَحِقُّهَا غَيْرُهُ [1] ، فَغَيْرُ اللَّهِ يُحَبُّ فِي اللَّهِ، لَا مَعَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُحِبَّ يُحِبُّ، مَحْبُوبُه، وَيُبْغِضُ مَا يُبْغِضُ، وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِيه، وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِيه، وَيَرْضَى لِرِضَائِه، وَيَغْضَبُ لِغَضَبِه، وَيَأْمُرُ بِمَا يَأْمُرُ بِهِ، وَيَنْهَى عَمَّا يَنْهَى عَنْهُ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَحْبُوبِه فِي كُلِّ حَالٍ.

وَاللَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، وَيُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَنَحْنُ نُحِبُّ مَنْ يحَبَّه اللَّهُ. وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ، وَلَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، وَلَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَنَحْنُ لَا نُحِبُّهُمْ أَيْضًا، وَنُبْغِضُهُمْ، مُوَافَقَة له سبحانه وتعالى.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَة الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّه إِلَّا لِلَّهِ، وَمَنْ كَانَ يَكْرَه أَنْ يَرْجِعَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَه اللَّهُ مِنْهُ، كَمَا يَكْرَه أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ» .

(1) في المطبوعة «التي لا يستحقها غيره» . وكلمة «التي» يضطرب بها المعنى، فرأينا أنها خطأ، فحذفناها

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام