فهرس الكتاب
الصفحة 198 من 543

فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، فَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ دُنُوُّ الرَّبِّ تَعَالَى وَتَدَلِّيهِ. وَأَمَّا الَّذِي فِي سُورَةِ النَّجْمِ: أَنَّهُ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَهَذَا هُوَ جِبْرِيلُ، رَآهُ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً فِي الْأَرْضِ، وَمَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَاءَ بِجَسَدِهِ فِي الْيَقَظَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [1] . وَالْعَبْدُ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، كَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. فَيَكُونُ الْإِسْرَاءُ بِهَذَا الْمَجْمُوعِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ذَلِكَ عَقْلًا، وَلَوْ جَازَ اسْتِبْعَادُ صُعُودِ الْبَشَرِ لَجَازَ اسْتِبْعَادُ نُزُولِ الْمَلَائِكَةِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِنْكَارِ النُّبُوَّةِ وَهُوَ كُفْرٌ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْحِكْمَةُ فِي الْإِسْرَاءِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوَّلًا؟ فَالْجَوَابُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِصِدْقِ دَعْوَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِعْرَاجَ حِينَ سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ عَنْ نَعْتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَنَعَتَهُ لَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ عِيرِهِمُ الَّتِي مَرَّ عَلَيْهَا فِي طَرِيقِهِ، وَلَوْ كَانَ عُرُوجُهُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ مَكَّةَ لَمَا حَصَلَ ذَلِكَ، إِذْ لَا يُمْكِنُ اطِّلَاعُهُمْ عَلَى مَا فِي السَّمَاءِ لَوْ أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ، وَقَدِ اطَّلَعُوا عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَأَخْبَرَهُمْ بِنَعْتِهِ.

وَفِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ صِفَةِ الْعُلُوِّ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ وُجُوهٍ، لِمَنْ تَدَبَّرَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

قَوْلُهُ:(وَالْحَوْضُ - الَّذِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ غِيَاثًا لِأُمَّتِهِ - حَقٌّ).

ش: الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذِكْرِ الْحَوْضِ تَبْلُغُ حَدَّ التَّوَاتُرِ، رَوَاهَا مِنَ الصَّحَابَةِ بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا، وَلَقَدِ اسْتَقْصَى طُرُقَهَا شَيْخُنَا الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ، فِي آخِرِ تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ، الْمُسَمَّى

(1) سورة الْإِسْرَاءِ آية 11.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام