وقال ابن الجوزي - وهو يؤرخ لسنة تسع وستين ومائة:(وفيها اشتدّ طلب موسى للزنادقة، فقتل منهم جماعة، فكان فيمن قتل؛ كاتب يقطين وابنه علي بن يقطين، وكان علي قد حج فنظر إلى الناس في الطواف يهرولون، فقال: ما أشبههم ببقر يدور في البيدر، فقال شاعر:
قل لأمين الله في خلقه
يشبِّه الكعبة بالبيدر؟! ... ماذا ترى في رجل كافر
حُمْراً يَدُوس البُرَّ والدَّوسر؟! ... ويجعل الناس إذا ما سعوا
فقتله موسى ثم صلبه) [43] .
إلى أن قال: (وقتل من بني هاشم؛ يعقوب بن الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان المهدي أتى به وبابن لداود بن علي فحبسهما لما أقرّا بالزندقة، وقال ليعقوب: لولا محمد رسول الله من كنتَ! أما والله لولا أني كنت جعلتُ على الله عهداً إن ولاني أن لا أقتل هاشمياً لما ناظرتك، ثم التفت إلى الهادي، فقال: يا موسى، أقسمتُ عليك بحقي إن وليتَ هذا الأمر من بعدي أن لا تناظرهما ساعة واحدة، فمات ابن داود بن علي في الحبس قبل وفاة المهدي، فلما قدم الهادي من جرجان ذكر وصية المهدي، فأرسل إلى يعقوب وألقى عليه فراشاً وأقعِدت عليه الرجال حتى مات، ولها عنه) .
-قتل أبي منصور الحلاج وصلبه لادعائه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله: أنا الحق)، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة:
قال القاضي عياض رحمه الله:(وقد أحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ادعى الألوهية، وقد قتل عبد الملك بن مروان الحارث المتنبئ وصلبه، وفعل ذلك غير واحد من الخلفاء والملوك بأشباههم، وأجمع علماء وقتهم على صواب فعلهم ... والمخالف في ذلك في كفرهم؛ كافر.
وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر - توفي 320 هـ - من المالكية وغيرهم وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي [44] ؛ على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الألوهية، والقول بالحلول، وقوله:"أنا الحق"، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة، ولم يقبلوا توبته) [45] .
وقال الذهبي عن الحلاج: (فهو صوفي الزي والظاهر، متستر بالنسب إلى العارفين، وفي الباطن فهو من صوفية الفلاسفة أعداء الرسل، كما كان جماعة في أيام النبي منتسبون إلى صحبته وإلى ملته وهم في الباطن من مردة المنافقين، قد لايعرفهم النبي ولا علم بهم، قال تعالى: {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم} ، فإذا جاز على سيد البشر أن لا يعلم ببعض المنافقين وهم معه في المدينة سنوات فبالأولى أن يخفى حال جماعة من المنافقين الفارغين عن دين الإسلام بعده عليه السلام على العلماء من أمته) [46] .
روى الحافظ ابن كثير عن الخطيب البغدادي بسنده عن أبي عمر بن حيوة قال:(لما أُخرج الحسين بن منصور الحلاج للقتل، مضيت في جملة الناس، ولم أزل أزاحم حتى رأيته فدنوت منه فقال لأصحابه: لا يهولنكم هذا الأمر، فإني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً، ثم قتل فما عاد.
وذكر الخطيب أنه قال وهو يُضرب لمحمد بن عبد الصمد والي الشرطة: ادع بي إليك فإن عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية، فقال له:"قد قيل لي إنك ستقول مثل هذا، وليس إلى رفع الضرب عنك سبيل"، ثم قطعت يداه ورجلاه، وحز رأسه، وأحرقت جثته، وألقي رمادها في دجلة، ونصب الرأس يومين ببغداد على الجسر، ثم حمل إلى خرسان، وطيف به في تلك النواحي، وجعل أصحابه يَعِدُون أنفسهم برجوعه إليهم بعد ثلاثين يوماً، وزعم بعضهم أنه رأى الحلاج من آخر ذلك اليوم وهو راكب على حمار في طريق النهروان [47] ، فقال:"لعلك من هؤلاء النفر الذين ظنوا أني أنا هو المضروب المقتول، إني لست به، وإنما ألقي شبهي على رجل ففعل به ما رأيتم"! وكانوا بجهلهم يقولون:"إنما قتل عدو من أعداء الحلاج"، فذكر هذا لبعض علماء ذلك الزمان، فقال:"إن كان هذا الرائي صادقاً، فقد تبدى له شيطان على صورة الحلاج ليضل الناس به، كما ضلت فرقة النصارى بالمصلوب".
إلى أن قال الخطيب: ونودي ببغداد أن لا تشترى كتب الحلاج ولا تباع، وكان قتله لست بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاثمائة ببغداد) [48] .
-ابن أبي الفراقيد؛ قتل بسبب ادعائه الألوهية سنة 322 هـ:
قال القاضي عياض: (وكذلك حكموا - أي العلماء - في ابن أبي الفراقيد وكان على نحو مذهب الحلاج بعد هذا أيام الراضي بالله - العباسي المتوفي 329 هـ، وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين بن أبي عمر المالكي) [49] .