الصفحة 9 من 19

قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله: (وكان الجعد يسأل وهباً عن صفات الله عز وجل، فقال له وهب يوماً: ويلك يا جعد، أقصر المسألة عن ذلك، إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، وأن له سمعاً ما قلنا ذلك) [34] .

هذه السلسلة الشيطانية الخبيثة؛ الجهم بن صفوان، عن الجعد بن درهم، عن معبد الجهني، ثمرة خبيثة من ثمار علم الكلام والجدل.

-وروى الدارمي عثمان بن سعيد في كتابه"الرد على الجهمية": (أتى خالد بن عبد الله القسري برجل قد عارض القرآن، فقال: قال الله في كتابه: {إنا أعطيناك الكوثر * فصلِّ لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر} ، وقلت أنا:"إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وجاهر، ولا تطع كل سافه وكافر"، فضرب خالد عنقه، وصلبه، فمرَّ به خلف بن خليفة وهو مصلوب، فضرب بيده على خشبته فقال:"إنا أعطيناك العمود، فصل لربك على عود، فأنا ضامن لك ألا تعود") [35] .

-روى الذهبي بسنده إلى أبي بكر بن عياش، قال: (رأيتُ خالداً القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه، وكان يريهم - أي المغيرة - أنه يحيي الموتى، فقتل خالد واحداً منهم، ثم قال للمغيرة: أحيه، فقال: والله ما أحيي الموتى، قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك، ثم أمر بطَنٍّ من قصب فأضرموه، فقال: اعتنقه، فأبى، فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه، قال أبو بكر: فرأيتُ النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك، ثم قتله وقتل أصحابه) .

قال الذهبي عن المغيرة هذا: (كان رافضياً، خبيثاً، كذاباً، ساحراً، ادعى النبوة، وفضَّل علياً على الأنبياء، وكان مجسماً، سقت أخباره في"ميزان الاعتدال" [36] ) [37] .

ثم ذكر الذهبي قتل خالد للجعد بن درهم، ثم قال: (هذه من حسناته، هي وقتله مغيرة الكذاب) [38] .

قلتُ: كان خالد القسري شجاعاً كريماً، ولكنه كان رقيق الدين مبيراً - كالحجاج بن يوسف - وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر) ، لأن فجوره لنفسه، وقتله لهذين المرتدين من حسناته التي نسأل الله أن يكفر بها سيئاته.

-قتل هشام بن عبد الملك لغيلان القدري لإنكاره القدر، بعد أن تهدده عمر بن عبد العزيز بالقتل من قبل، ولكنه تظاهر بالتوبة.

-تتبع الخليفة المهدي العباسي للمرتدين والزنادقة وقتله لهم:

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله - وهو يؤرخ لعام ست وسبعين ومائة: (وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه، وكان المتولي أمر الزنادقة عمر الكلواذي) [39] .

وقال الذهبي في ترجمة المهدي: (كان جواداً، ممداحاً، معطاءً، محبباً إلى الرعية، قصاباً في الزنادقة، باحثاً عنهم) [40] .

وقال ابن الجوزي في كتابه"المنتَظَم في تاريخ الملوك والأمم"- وهو يؤرخ لعام سبع وستين بعد المائة: (وفيها جدَّ المهدي في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتلهم، فولى أمرهم عمر الكلواذيّ، فأخذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور، فأقر فحبس فهرب من الحبس) [41] .

ثم روى بسنده قائلاً: (اتهم المهدي صالحَ بن عبد القدوس البصري بالزندقة، فأمر بحمله إليه فأحضر ... ) ، إلى أن قال: (قال ابن ثابت: وقيل إنه بلغه عنه أبيات يعرِّض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويقال إنه كان مشهوراً بالزندقة، وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات) .

-قتل الخليفة موسى الهادي العباسي لبعض الزنادقة والمرتدين:

روى ابن الجوزي بسنده إلى المطلب بن عكاشة المزني قال: (قدمنا على أمير المؤمنين الهادي شهوداً على رجل منا شتم قريشاً وتخطى إلى ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، فجلس لنا مجلساً أحضر فيه فقهاء أهل زمانه، ومن كان بالحضرة على بابه، وأحضر الرجل وأحضرنا، فشهدنا عليه بما سمعنا منه، فتغير وجه الهادي، ثم نكس رأسه، ثم رفعه فقال: إني سمعت أبي المهدي يحدث عن أبي المنصور، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عباس قال: من أراد هوان قريش أهانه الله، وأنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيتَ إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، اضربوا عنقه، فما برحنا حتى قتل) [42] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام