فلو رأيتهم يهنّي بعضهم بعضا ويقول أجزل الله لنا ولكم أجرا وافرا وحظا، فإذا رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحج المتخلف إلى البيت الحرام، فيقول: لا، ولو بحجك كل عام.
هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم: إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال. وهكذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح وكل من شم أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى هذا المحذور، وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنه لما يؤول إليه، وأحكم في نهيه عنه وتوعده عليه، وأن الخير والهدى في اتباعه وطاعته، والشر والضلال في معصيته ومخالفته.
ورأيت لأبي الوفاء بن عقيل في ذلك فصلا حسنا، فذكرته بلفظه، قال: لما صعُبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران، وتقبيلها وتحليقها وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ تربتها تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجرة، اقتداء بمن عبد اللات والعزى، والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكف، ولم يتمسح بآجُرّة مسجد الملموسة يوم الأربعاء" [1] ."
ومن ذلك ما قاله أحدهم مستغثياً بالرسول صلى الله عليه وسلم:
يا ملاذي يا منجدي يا منائي ... يا معاذي يا مقصدي يا رجائي ...
يا نصيري يا عمدتي يا مجيري ... يا خضيري يا عدتي يا شفائي ...
أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي ... عند ربي واعطف وجد بالرضاء ...
أنت عوني وملجئي وغياثي ... وجلا كربتي وأنت غنائي
فماذا ترك هذا لله من عبودية؟!
ويقول آخر:
(1) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 1/ 194 - 195.