والرابع والخامس والسادس: أنها لا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا. أي: بعثا بعد الموت [1] .
واعلم بارك الله فيك أن أعظم العبادة دعاء الله جل وعلا، والاطراح بين يديه وإظهار الحاجة والفقر إليه.
ودليل ذلك ما رواه الترمذي (3372) بإسناد جيد من حديث يُسيع، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الدعاء هو العبادة"قال الترمذي حسن صحيح.
ومع وضوح هذه القضية الوضوح التام في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أن كثيرا من الناس يعرضون عن دعاء الله عز وجل ويتعلقون بغيره، فمن ذلك ما يفعل عند القبور، يقول ابن القيم محمد بن أبي بكر:
"فمن مفاسد اتخاذها أعيادا: الصلاة إليها، والطواف بها، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود على ترابها، وعبادة أصحابها، والاستغاثة بهم وسؤالهم النصر والرزق والعافية، وقضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من أنواع الطلبات، التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم."
فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيدا، وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد فوضعوا لها الجباه، وقبلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم أربوا في الربح على الحجيج فاستغاثوا بمن لا يبدي ولا يعيد، ونادوا ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر ولا أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر ركعا سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا، وقد ملؤوا أكفهم خيبة وخسرانا، فلغير الله بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويطلب من الميت من الحاجات ويسأل من تفريج الكربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيها له بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركا وهدى للعالمين، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام، ثم عفوا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تعفر كلك بين يديه في السجود، ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هناك والحلاق، واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق، وقربوا لذلك الوثن القرابين وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين،
(1) أضواء البيان 6/ 293 - 297.