ثانياً: أن هؤلاء الأنبياء -عليهم السلام- كانوا يسألون الله -عز وجل- كما تقدم في الآيات، فعليك يا أيها المرء أن تقتدي بهم، فهم القدوة والأسوة الحسنة.
ثالثاً: أن الأدلة السابقة واضحة في الدلالة على المنع من ذلك، بل حتى فيما يقدر عليه الإنسان الأولى بالمرء أن يبدأ بسؤال الله -عز وجل- أولاً.
وقد حكي عن أبي جعفر محمد الباقر -رحمه الله تعالى- أنه قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبداً بالله -عز وجل- [1] .
الوجه الثامن: أن الله -عز وجل- كما أمر عباده أن يدعوه وحده ونهى عن دعاء غيره، فهو يحب من عباده أن يدعوه ويستغيثوا به ويلجئوا إليه في جميع أمورهم ومختلف شؤونهم، فالدعاء عبادة محبوبة لله تعالى فالذي يدعو ربه تعالى يفعل شيئاً محبوباً له مقرّباً لديه، ودليل ذلك: الحديث القدسي، وهو حديث عظيم، قال -عليه الصلاة والسلام-:"ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟".
وقد جاء هذا الحديث عن جمع من الصحابة، وهو مخرج في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو حديث صحيح متواتر، وللدارقطني جزء في طرق هذا الحديث ورواياته.
فانظر إلى هذا الكرم الإلهي، يدعو عباده لكي يسألوه ويدعوه، وذلك في كل ليلة، وهو غني عنهم، فعلى العبد أن يغتنم هذا الكرم العظيم من قبل الرب -عز وجل- فيُكثر من دعائه، وسوف يجد انشراحاً في قلبه وراحة في نفسه، وزيادة في إيمانه.
قال تعالى: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [النساء: 32] .
وقد أخرج مسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال:"يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني"
(1) كتاب"المستغيثين بالله"لابن بشكوال ص (68) .