أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ». [1]
لقد عني الإسلام عناية بالغة بتقرير حقيقة وحدانية اللّه سبحانه وحدانية لا تتبلس بشبهة شرك أو مشابهة في صورة من الصور وعني بتقرير أن اللّه - سبحانه - ليس كمثله شيء. فلا يشترك معه شيء في ماهية ولا صفة ولا خاصية. كما عني بتقرير حقيقة الصلة بين اللّه - سبحانه - وكل شيء (بما في ذلك كل حي) وهي أنها صلة ألوهية وعبودية. ألوهية اللّه ، وعبودية كل شيء للّه .. والمتتبع للقرآن كله يجد العناية فيه بالغة بتقرير هذه الحقائق - أو هذه الحقيقة الواحدة بجوانبها هذه - بحيث لا تدع في النفس ظلا من شك أو شبهة أو غموض.
ولقد عني الإسلام كذلك بأن يقرر أن هذه هي الحقيقة التي جاء بها الرسل أجمعون. فقررها في سيرة كل رسول ، وفي دعوة كل رسول وجعلها محور الرسالة من عهد نوح عليه السلام ، إلى عهد محمد خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام - تتكرر الدعوة بها على لسان كل رسول: «يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ» ..
وكان من العجيب أن أتباع الديانات السماوية - وهي حاسمة وصارمة في تقرير هذه الحقيقة - يكون منهم من يحرف هذه الحقيقة وينسب للّه - سبحانه - البنين والبنات أو ينسب للّه - سبحانه - الامتزاج مع أحد من خلقه في صورة الأقانيم اقتباسا من الوثنيات التي عاشت في الجاهليات! ألوهية وعبودية .. ولا شيء غير هذه الحقيقة. ولا قاعدة إلا هذه القاعدة. ولا صلة إلا صلة الألوهية بالعبودية ، وصلة العبودية بالألوهية ..ولا تستقيم تصورات الناس - كما لا تستقيم حياتهم - إلا بتمحيض هذه الحقيقة من كل غبش ، ومن كل شبهة ، ومن كل ظل! أجل لا تستقيم تصورات الناس ، ولا تستقر مشاعرهم ، إلا حين يستيقنون حقيقة الصلة بينهم وبين ربهم .. هو إله لهم وهم عبيده .. هو خالق لهم وهم مخاليق .. هو مالك لهم وهم مماليك .. وهم كلهم سواء في هذه الصلة ، لا بنوة لأحد. ولا امتزاج بأحد .. ومن ثمّ لا قربى لأحد إلا بشيء يملكه كل أحد ويوجه إرادته
(1) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1017)