إليه فيبلغه: التقوى والعمل الصالح .. وهذا في مستطاع كل أحد أن يحاوله. فأما البنوة ، وأما الامتزاج فانى بهما لكل أحد؟! ولا تستقيم حياتهم وارتباطاتهم ووظائفهم في الحياة ، إلا حين تستقر في أخلادهم تلك الحقيقة: أنهم كلهم عبيد لرب واحد .. ومن ثم فموقفهم كلهم تجاه صاحب السلطان واحد .. فأما القربى إليه ففي متناول الجميع ..
عندئذ تكون المساواة بين بني الإنسان ، لأنهم متساوون في موقفهم من صاحب السلطان .. وعندئذ تسقط كل دعوى زائفة في الوساطة بين اللّه والناس وتسقط معها جميع الحقوق المدعاة لفرد أو لمجموعة أو لسلسلة من النسب لطائفة من الناس .. وبغير هذا لا تكون هناك مساواة أصيلة الجذور في حياة بني الإنسان ومجتمعهم ونظامهم ووضعهم في هذا النظام! فالمسألة - على هذا - ليست - مسألة عقيدة وجدانية يستقر فيها القلب على هذا الأساس الركين ، فحسب ، إنما هي كذلك مسألة نظام حياة ، وارتباطات مجتمع ، وعلاقات أمم وأجيال من بني الإنسان.
إنه ميلاد جديد للإنسان على يد الإسلام .. ميلاد للإنسان المتحرر من العبودية للعباد ، بالعبودية لرب العباد ..
ومن ثم لم تقم في تاريخ الإسلام «كنيسة» تستذل رقاب الناس ، بوصفها الممثلة لابن اللّه ، أو للأقنوم المتمم للأقانيم الإلهية المستمدة لسلطانها من سلطان الابن أو سلطان الأقنوم. ولم تقم كذلك في تاريخ الإسلام سلطة مقدسة تحكم «بالحق الإلهي» زاعمة أن حقها في الحكم والتشريع مستمد من قرابتها أو تفويضها من اللّه! وقد ظلّ «الحق المقدس» للكنيسة والبابوات في جانب وللأباطرة الذين زعموا لأنفسهم حقا مقدسا كحق الكنيسة في جانب .. ظل هذا الحق أو ذاك قائما في أوربا باسم (الابن) أو مركب الأقانيم. حتى جاء «الصليبيون» إلى أرض الإسلام مغيرين. فلما ارتدوا أخذوا معهم من أرض الإسلام بذرة الثورة على «الحق المقدس» وكانت فيما بعد ثورات «مارتن لوثر» و «كالفن» و «زنجلي» المسماة بحركة الإصلاح .. على أساس من تأثير الإسلام ، ووضوح التصور الإسلامي ، ونفي القداسة عن بني الإنسان ونفي التفويض في السلطان ..
لأنه ليست هنالك إلا ألوهية وعبودية في عقيدة الإسلام ..