أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا اقْتَرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا ، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي ، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ ، فَسِرْنَا حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَذِنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ ، فَقُمْتُ حِينَ أَذِنُوا بِالرَّحِيلِ ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي ، فَإِذَا عِقْدِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي ، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَنِي فِيهِ ، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ ، وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبَّلْنَ ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ ؛ لِمَا يَأْكُلُونَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ ، فَرَفَعُوهُ ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا ، وَوَجَدْتُ الْعِقْدَ بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ لَهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ مُعَطَّلٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي ، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ ، فَأَتَانِي ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِيَ بِجِلْبَابِي , وَوَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا ، فَرَكِبْتُ ، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُهَا شَهْرًا ، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ يَرِيبُنِي . . . . . . اللُّطْفِ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيُسَلِّمُ وَيَقُولُ : " كَيْفَ تِيكُمْ ؟ فَذَلِكَ يَحْزُنُنِي " ، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ ، وَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا ، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا ، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ ، كُنَا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عَنْ بُيُوتِنَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ ، وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا ، فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَحٌ ، فَقُلْتُ لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْتِ ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ قَالَتْ : أَيْ هَنَاهْ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : وَمَا قَالَ ؟ قَالَتْ : فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : " كَيْفَ تِيكُمْ ؟ " قُلْتُ : تَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَتْ : وَأَنَا أُرِيدُ حِينَئِذٍ أَنْ أَتَيَقَّنَ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا ، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : يَا أُمَّهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ ؟ قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّةُ ، هَوِّنِي عَلَيْكِ ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا . قَالَتْ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا ؟ قَالَتْ : فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَ لْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ . قَالَتْ : فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَعْلَمُهُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُمْ أَهْلُكَ ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا . وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ . قَالَتْ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِيرَةَ ، فَقَالَ : أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا يُرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ ؟ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَإِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ . قَالَ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ . قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي " . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : أَعْذُرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ . قَالَتْ : فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ : كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ . فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : كَذَبْتَ ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ ، فَأَنْتَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ . فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ . قَالَتْ : وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي ، فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي ، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا ، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي . قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ . قَالَتْ : وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ ، وَلَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي . قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ ، يَا عَائِشَةُ ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ " . قَالَتْ : فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ ، قَلَصَ دَمْعِي ، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً ، فَقُلْتُ لِأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا قَالَ . قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقُلْتُ ، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ : إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّتْ أَنْفُسُكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ : إِنِّي بَرِيئَةٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ ، وَإِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، لَتُصَدِّقُنِّي ، وَاللَّهِ لَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : {{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} . ثُمْ قَالَتْ : ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي . قَالَتْ : وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أُعْلِنُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى ، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا . قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسَهُ ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ . قَالَتْ : فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ : أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ . فَقَالَتْ لِي أُمِّي : قُومِي إِلَيْهِ . فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ }} عَشْرَ آيَاتٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي . قَالَتْ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ : وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ . قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }} ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي . فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : لَا أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا . قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَائِلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا عَنْ أَمْرِي مَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ ؟ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا . قَالَتْ عَائِشَةُ : وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَابِبُنِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا خَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَامِي لَهَا ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ
أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيُّ ، قَالَ : نا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ ، قَالَ : نا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ ، قَالَ : نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : نا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ ، وَكُلُّهُمْ قَدْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا ، وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ اقْتِصَاصًا ، وَوَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا ، ذَكَرُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا اقْتَرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَعَهُ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا ، فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي ، فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ ، وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ ، فَسِرْنَا حَتَّى فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ غَزْوِهِ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَذِنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ ، فَقُمْتُ حِينَ أَذِنُوا بِالرَّحِيلِ ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي ، فَإِذَا عِقْدِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي ، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ ، وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَنِي فِيهِ ، فَحَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ ، وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنِّي فِيهِ ، وَكَانَتِ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبَّلْنَ ، وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ ؛ لِمَا يَأْكُلُونَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَحَلُوهُ ، فَرَفَعُوهُ ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا ، وَوَجَدْتُ الْعِقْدَ بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ لَهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ ، فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ ، وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ مُعَطَّلٍ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ قَدْ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ ، فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي ، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ ، فَأَتَانِي ، فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي ، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ ، فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي ، فَخَمَّرْتُ وَجْهِيَ بِجِلْبَابِي , وَوَاللَّهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً ، وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ ، حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ، فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا ، فَرَكِبْتُ ، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُهَا شَهْرًا ، وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ يَرِيبُنِي . . . . . . اللُّطْفِ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي ، إِنَّمَا يَدْخُلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَيُسَلِّمُ وَيَقُولُ : كَيْفَ تِيكُمْ ؟ فَذَلِكَ يَحْزُنُنِي ، وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ ، حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ ، وَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ ، وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا ، وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا ، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّنَزُّهِ ، كُنَا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عَنْ بُيُوتِنَا ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ ، وَهِيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأُمُّهَا ابْنَةُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ، وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا ، فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا ، فَقَالَتْ : تَعِسَ مِسْطَحٌ ، فَقُلْتُ لَهَا : بِئْسَ مَا قُلْتِ ، أَتَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ قَالَتْ : أَيْ هَنَاهْ أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ ؟ قُلْتُ : وَمَا قَالَ ؟ قَالَتْ : فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي ، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : كَيْفَ تِيكُمْ ؟ قُلْتُ : تَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَتْ : وَأَنَا أُرِيدُ حِينَئِذٍ أَنْ أَتَيَقَّنَ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا ، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَجِئْتُ أَبَوَيَّ ، فَقُلْتُ لِأُمِّي : يَا أُمَّهْ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ ؟ قَالَتْ : أَيْ بُنَيَّةُ ، هَوِّنِي عَلَيْكِ ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا . قَالَتْ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا ؟ قَالَتْ : فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي ، وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَ لْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ . قَالَتْ : فَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّذِي يَعْلَمُهُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ ، وَبِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ لَهُمْ مِنَ الْوُدِّ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هُمْ أَهْلُكَ ، وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا . وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ، وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ . قَالَتْ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بَرِيرَةَ ، فَقَالَ : أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ شَيْئًا يُرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ ؟ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَإِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ . قَالَ : فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ . قَالَتْ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي ؟ فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا ، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ ، فَقَالَ : أَعْذُرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ . قَالَتْ : فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ : كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ . فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : كَذَبْتَ ، لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ ، فَأَنْتَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ . فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ . قَالَتْ : وَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، ثُمَّ بَكَيْتُ لَيْلَتِي الْمُقْبِلَةَ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ، وَأَبَوَايَ يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي ، فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي ، اسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَأَذِنْتُ لَهَا ، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي . قَالَتْ : فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ . قَالَتْ : وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ ، وَلَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي . قَالَتْ : فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ جَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، يَا عَائِشَةُ ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ . قَالَتْ : فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَقَالَتَهُ ، قَلَصَ دَمْعِي ، حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً ، فَقُلْتُ لِأَبِي : أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيمَا قَالَ . قَالَ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَقُلْتُ لِأُمِّي : أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَقُلْتُ ، وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ ، لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ : إِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا حَتَّى اسْتَقَرَّتْ أَنْفُسُكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ ، فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ : إِنِّي بَرِيئَةٌ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ ، وَإِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، لَتُصَدِّقُنِّي ، وَاللَّهِ لَا أَجِدُ لَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : {{ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }} . ثُمْ قَالَتْ : ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي . قَالَتْ : وَأَنَا وَاللَّهِ حِينَئِذٍ أُعْلِنُ أَنِّي بَرِيئَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ يُتْلَى ، وَلَشَأْنِي كَانَ أَحْقَرَ فِي نَفْسِي أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى ، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا . قَالَتْ : فَوَاللَّهِ مَا رَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَجْلِسَهُ ، وَلَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ أَحَدٌ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ عِنْدَ الْوَحْيِ ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي الْيَوْمِ الشَّاتِي مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ . قَالَتْ : فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَهُوَ يَضْحَكُ ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ : أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ ، أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ . فَقَالَتْ لِي أُمِّي : قُومِي إِلَيْهِ . فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ ، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ }} عَشْرَ آيَاتٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ بَرَاءَتِي . قَالَتْ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ : وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ . قَالَتْ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ : {{ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ }} إِلَى قَوْلِهِ : {{ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }} ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي . فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : لَا أَنْزِعُهَا عَنْهُ أَبَدًا . قَالَتْ عَائِشَةُ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُسَائِلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَثِيرًا عَنْ أَمْرِي مَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ ؟ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا . قَالَتْ عَائِشَةُ : وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَابِبُنِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ ، وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا خَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ تُحَامِي لَهَا ، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطِ . أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ